مذكرات نجيب الريحاني الحقيقية والمجهولة (1) مقدمة توضيحية!!

مذكرات نجيب الريحاني الحقيقية والمجهولة (1) مقدمة توضيحية!!

العدد 809 صدر بتاريخ 27فبراير2023

عزيزي قارئ جريدة مسرحنا .. أنت تعلم جيداً منهجي - في كتابة تاريخ المسرح المصري والعربي وتوثيقه - القائم على ثلاثة أمور: الأول أن أكتب عن الجديد دائماً، والثاني أن أكتب عن التاريخ المسرحي المغمور والمجهول، الذي لم يكتبه أحد من قبل، والثالث أن أضيف جديداً عن تاريخ أو أعلام مسرحية، شريطة أن يكون هذا الجديد مجهولاً وغير منشور من قبل، ويضيف معلومات جديدة ومؤثرة تُغيّر ما هو معروف، أو ما هو مألوف، أو ما هو منشور!!
وبناءً على ذلك شاهدت مسلسلاً حديثاً عن «نجيب الريحاني»، اعتمد أصحابه على الخيال وبعضاً مما جاء في مذكرات الريحاني، فحزنت جداً لأن المسلسل جاء بقشور من حياة الريحاني ومسرحه، فنشرت مقالة في جريدة «المساء» يوم 5/12/2022 عنوانها «إلى الفنان نجيب الريحاني .. سامحني أنا السبب!!»، اختتمتها بقولي: «كل ما هو مكتوب ومعروف حتى الآن عن نجيب الريحاني من: مذكرات ومقالات وأفلام ومسلسلات .. يُمثل 20% فقط من التاريخ الحقيقي والمجهول عن نجيب الريحاني والذي لا يعرف تفاصيله أحد حتى الآن! وعندما شاهدت حلقات المسلسل «؟؟؟؟؟؟؟» شعرت بتأنيب الضمير تجاه الفنان نجيب الريحاني، ووجهت إلى روحه هذه الكلمة تحت عنوان «إلى الفنان نجيب الريحاني .. سامحني أنا السبب» .. لماذا؟! لأن الـ80% من تفاصيل تاريخك أمانة في عنقي، وسينشرها «جبرتي المسرح العربي» يوماً ما ليعرف الجميع التاريخ المسرحي الحقيقي والمجهول لنجيب الريحاني!!».
وحتى أكون صادقاً مع نفسي - قبل أن أكون صادقاً مع قُرائي – لجأت إلى آخر إصدار عن الريحاني، وهو كتاب الأستاذ شعبان يوسف «نجيب الريحاني .. المذكرات المجهولة» الصادر عام 2017. وهذا الكتاب – حتى قبل نشر حلقاتي هذه – يُعدّ أفضل كتاب كُتب عن مذكرات للريحاني يُمكن قراءتها! فهذا الكتاب فجّر مفاجأة كبيرة، لأن الأستاذ شعبان اكتشف ثلاثة أمور: الأول أنه حصل على مذكرات الريحاني التي نُشرت بعد وفاته مباشرة عام 1949، والثاني أنه شكّك في «جميع» مذكرات الريحاني المنشورة بعد وفاته، لأنها مكتوبة بتعديلات وإضافات وتغييرات .. إلخ، والثالث أن «جميع» مذكرات الريحاني نُشرت بعد وفاته، ولا توجد أية مذكرات منشورة عن الريحاني أثناء حياته!! وبناءً على ذلك تكون النسخة التي وجدها الأستاذ «شعبان يوسف» هي النسخة الحقيقية والصادقة والمجهولة .. حتى الآن، وتحديداً حتى نشر هذه الحلقات!!
هذا المجهود الكبير من قبل الأستاذ «شعبان يوسف»، هو مجهود مُقدر بلا شك!! ولكنه وضعني في موقف «مُحرج جداً»!! لأنني عندما بدأت أجمع ما لدي عن تاريخ مسرح الريحاني، اكتشفت أن نجيب الريحاني نشر مذكراته في حياته بالفعل!! وهذه الحقيقة تتصادم مع كتاب الأستاذ شعبان!! وعندما اطلعت على مذكرات الريحاني وجدت بها اختلافات عن النسخة التي نشرها الأستاذ شعبان!! وهذا الاكتشاف يعني أمرين: الأول أن الريحاني نشر مذكراته بنفسه وفي حياته، مما يعني أن «جميع» مذكرات الريحاني المنشورة بعد وفاته، ضعيفة المصداقية أمام مذكرات الريحاني «الحقيقية والمجهولة» التي اكتشفتها، والتي سأنشرها في هذه الحلقات!! والأمر الآخر أن مذكرات الريحاني المنشورة في كتاب الأستاذ شعبان يوسف ستصبح محلّ شك أسوة بجميع المذكرات المتنوعة والمختلفة التي نُشرت في كتب بعد وفاة الريحاني!!
أمام هذا الاكتشاف اتصلت بالأستاذ شعبان – يوم 11 ديسمبر الماضي - وأوضحت له الأمر، ووعدته بأنني لن أكتب عن الاكتشاف، ولن أنشر مذكرات الريحاني الحقيقية والمجهولة، بل سأدلّه على مكانها وتاريخ نشرها، لأنها منشورة في حياة الريحاني، وعندي منها عدة حلقات، ويستطيع أن يجمعها من مكانها ويُعيد نشرها في طبعة أخرى لكتابه، بعد أن يضيف هذه المذكرات أو هذا الاكتشاف الجديد، حتى يظل كتابه محتفظاً بعنوانه «نجيب الريحاني .. المذكرات المجهولة»!! وانتهى الحوار بيننا على ذلك، بأنه سيحاول الوصول إلى مذكرات الريحاني الحقيقية والمجهولة بعد أن أعطيته مكان وجودها وتاريخ نشرها!
بعد أيام قليلة قرأ الإعلامي الأستاذ «طارق عبد الفتاح» بقناة النيل الثقافية، مقالتي - السابق ذكرها – واستفزه بأنني أعرف ما لا يعرفه أحد عن الريحاني!! وطلب استضافتي في برنامجه «فن المحاكاة» لأكشف للجمهور ما لدي عن الريحاني. وبدأت أحضّر للحلقة، فاكتشفت أمراً جديداً آخر، وهو كتاب نشره المركز القومي للمسرح عام 2000، وقدّم له الفنان القدير «محمود الحديني» - رئيس المركز حينئذ - عنوانه «مذكرات نجيب الريحاني .. زعيم المسرح الفكاهي» .. والاكتشاف تمثل في: أن هذا الكتاب هو الكتاب نفسه الذي نشرة الأستاذ شعبان يوسف عام 2017!! أي أن المركز القومي للمسرح نشر قبل 17 سنة .. الكتاب الذي اكتشفه ونشره الأستاذ شعبان يوسف!! كل هذه الأمور والاكتشافات أفصحت عنها في الحلقة التليفزيونية، التي أذيعت يوم 22 ديسمبر الماضي في برنامج «فن المحاكاة»! وظن الإعلامي الأستاذ «طارق عبد الفتاح» أنني سأنفرد بنشر المذكرات الحقيقية المنشورة في حياة الريحاني في كتاب جديد، وأثبت فيه أيضاً أن الأستاذ شعبان يوسف نشر ما هو منشور منذ 17 سنة .. إلخ هذا السبق التاريخي!! ولكني خيبت ظنه، لأنني أعلنت – في الحلقة وأمام الجمهور في البث المباشر - أن هذه الأمور كلها والتي أملكها، سأضعها بين يد الأستاذ شعبان يوسف ليعلنها بنفسه ويصدر المذكرات الجديدة باسمه في طبعة جديدة لكتابه السابق، كونه صاحب مشروع مذكرات الريحاني المجهولة! وعندما أراد الإعلامي الأستاذ طارق أن أفصح في الحلقة – وأمام الجمهور – عن مكان المذكرات وتاريخ نشرها، اعتذرت له وقلت صراحة: مكان المذكرات الحقيقية التي نشرها الريحاني في حياته وتاريخ نشرها، هي ملك خاص للأستاذ شعبان يوسف وأنا أخبرته بكافة المعلومات اللازمة كي يحصل عليها، لأنه الأحق بها وهذا مشروعه ويجب أن يستكمله!!
في نهاية الحلقة، أعلن الأستاذ «طارق عبد الفتاح» أن ضيف برنامج «فن المحاكة» في الحلقة القادمة يوم 5 يناير 2023، هو الأستاذ «شعبان يوسف» ليدلي برأيه في الموضوع!! وبالفعل جاء الأستاذ شعبان، وأعلنها صريحة بأنه كتب عن الريحاني منذ خمس سنوات وأنه راض عما كتبه، ومن يرغب في الإضافة فليتفضل!! وعندما سأله الأستاذ طارق عما أعلنته في حلقتي بأن المذكرات التي نشرها الأستاذ شعبان عام 2017، هي نفسها المذكرات التي نشرها المركز القومي للمسرح عام 2000! أجاب الأستاذ شعبان قائلاً: «إن الدكتور سيد نشر في حلقته التليفزيونية صورة لغلاف كتاب المركز ولم نشاهد الكتاب نفسه لنتحقق من مصداقية الأمر!!». ومن جهتي أردّ وأقول: إن مذكرات الريحاني التي نشرها المركز القومي للمسرح عام 2000، تحت عنوان «مذكرات نجيب الريحاني .. زعيم المسرح الفكاهي»، هي نفسها المذكرات التي نشرها الأستاذ «شعبان يوسف» عام 2017، وكتاب المركز موجود ومتاح حتى الآن في المركز القومي للمسرح لمن يريده!! وأن الأستاذ «محمود الحديني» - رئيس المركز وقتذاك – كتب مقدمة الكتاب، وجاء فيها الآتي: «... واليوم يسعدنا أن يُشارك المركز في احتفالية لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للقافة بإعادة طبع كتاب هام ونادر كتبه بنفسه رائد الكوميديا المصرية نجيب الريحاني ولقد صدر هذا الكتاب في سلسلة الجيب .. واليوم يعيد المركز طباعة هذا الكتاب لنلقي الضوء على الجانب الهام في مسيرة حياة فناننا نجيب الريحاني. فلم يكن بزوغ نجم الريحاني مصادفة بل جاء نتيجة معاناة فنان حاول أن يجد لنفسه مكاناً في عالم المسرح الذي كان وقتها يتربع على عرشه كبار الفنانين الذين تركوا بصمات واضحة على مسيرة المسرح المصري فعندما نتصفح أوراق هذه المذكرات يطالعنا نجيب الريحاني بهذه السطور في مقدمة مذكراته: (هذه سطور حياتي، بحلوها ومرّها بهنائها وشقائها، بكأسها المترعة وكأسها الفارغة .. إنها تسلية للذين أحبوني وشاقهم أن يروا صورتي بغير «مكياج» وتذكرة للذين سيحيون من بعدي حينما يروق لهم أن يطالعوا قصة دراما ضاحكة عذابها أعذب من راحتها!)».
وعندما سأل الإعلامي – طارق عبد الفتاح - الأستاذ شعبان عن المذكرات التي اكتشفها الدكتور سيد، وهل سيصدرها – الأستاذ شعبان - في كتاب جديد أم لا؟ أجاب الأستاذ شعبان بوضوح وصراحة، قائلاً: «هذا مجهود الدكتور سيد علي إسماعيل، وهو الأولى بنشرها والكتابة عنها، لأنها اكتشافاته هو!!». وبذلك ألقى الأستاذ شعبان الكرة في ملعبي، وشعرت بأن الحمل ثقيل .. وثقيل جداً!! لأنني كنت أهيء نفسي لكتابة تاريخ مسرح الريحاني من خلال تفاصيله المجهولة – وفقاً لمنهجي العلمي وأسلوبي البحثي – لا أن أعيد نشر مذكرات الريحاني!! لذلك قررت أن أخوض الأمرين معاً!! أي أنشر المذكرات الحقيقية والمجهولة التي نشرها الريحاني في حياته، ثم بعد ذلك أكتب عن تفاصيل مسرح الريحاني المجهولة، التي تتفق أو تختلف مع ما جاء في مذكرات الريحاني المنشورة في حياته!!
والحق يُقال: لقد غضبت جداً من الأستاذ شعبان يوسف، لأنه رفض هديتي بنشر مذكرات الريحاني الحقيقية والمجهولة، وورطني في نشرها والكتابة عنها!! وعندما بدأت في تحضيرها للنشر في هذه الحلقات، تحول غضبي إلى امتنان عظيم للأستاذ شعبان يوسف، لأنه رفض استكمال مشروع مذكرات الريحاني، وورطني – دون قصد منه – لأكتب أفضل حلقاتي التاريخية والتوثيقية حول نجيب الريحاني!! لأن الأستاذ شعبان لو قبل هديتي ونشر مذكرات الريحاني المجهولة الحقيقية – التي أعطيته مكان نشرها وتاريخها – لكان حرم القُراء ومحبي الريحاني ومتابعي تاريخ المسرح المصري من قراءة هذه الحلقات!! لأن هذه الحلقات لن أكتفي فيها بنشر مذكرات الريحاني الحقيقية المجهولة المنشورة في حياته، بل سأنشر فيها ثلاثة أنواع من مذكرات نجيب الريحاني .. كلها منشورة في حياته وبقلمه أو بقلم غيره وموافقته عليها، كونها منشورة في حياته!! هذا بالإضافة إلى مقالات متفرقة حول نجيب الريحاني وتاريخ مسرحه، تُعد مذكرات غير مباشرة أو غير صريحة، تمّ نشرها في حياة الريحاني!! كل هذا سيتم – بمشيئة الله – في هذه الحلقات، التي ستضم أموراً وتفاصيل جديدة وغير معروفة أو منشورة عن تاريخ مسرح الريحاني، من خلال مذكراته المتنوعة!!
وفي ختام هذه الحلقة – التي أعدّها مقدمة الحلقات – يجب أن أشير إلى أن هناك مذكرات عديدة للريحاني منشورة بعد وفاته، ومنها: «مذكرات زعيم المسرح الفكاهي نجيب الريحاني» المنشورة في دار الجيب عام 1949 – بعد وفاة الريحاني مباشرة – وفي نهايتها كتبت دار النشر كلمة قالت فيها: إن دار الجيب تقدم موفور شكرها لرفيق حياة الريحاني الأستاذ الكبير بديع خيري، وللأستاذين إبراهيم العشماوي وأنور عبد الله، للجهود التي بذلوها في تنسيق هذه المذكرات»!! وهذا يعني أن هذه المذكرات لم يكتبها الريحاني بنفسه، بل قام هؤلاء الثلاثة بتنسيقها، مما يعني أن هناك أصلاً لهذه المذكرات قام هؤلاء الثلاثة بتنسيق هذا الأصل ليصبح مذكرات لنجيب الريحاني!! وهي المذكرات الني نشرها المركز القومي للمسرح عام 2000، ثم نشرها مرة أخرى الأستاذ شعبان يوسف عام 2017، كما أوضحنا من قبل!!
والمذكرات الثانية نشرتها دار الهلال في كتاب الهلال عام 1959 بمناسبة مرور عشرة أعوام على وفاة الريحاني، ونشرتها تحت عنوان «مذكرات نجيب الريحاني» بقلم نجيب الريحاني!! وهذه المذكرات تحديداً تدخّل فيها قلم بديع خيري بصورة أو بأخرى كما سيأتي ذكره فيما بعد!
والمذكرات الثالثة منشورة في لبنان تحت عنوان «مذكرات نجيب الريحاني كما رواها بديع خيري»! وأعدّ هذه المذكرات المحامي «محمد رفعت» بعد وفاة بديع خيري، أي بعد عام 1966، وهي نفسها «مذكرات بديع خيري 45 سنة تحت أضواء المسرح» التي أعدها المحامي محمد رفعت نفسه ومنشورة في بيروت كذلك، وهي أخيراً «مذكرات بديع خيري» التي أعدها وحققها إبراهيم حلمي، ونشرها المجلس الأعلى للثقافة عام 1996.
كل هذه المذكرات عن نجيب الريحاني، نُشرت بعد وفاته، وما زالت منتشرة وتصدر في طبعات عديدة، وتحديداً مذكرات دار الهلال التي صدرت عام 1959، كونها الأشهر والأهم!! وابتداء من الحلقة القادمة، ستتعرف – عزيزي المتابع لجريدة مسرحنا – على أول مذكرات للريحاني منشورة في حياته وبموافقته!! وأقول «أول مذكرات» لأنني – بمشيئة الله – سأتابع معكم نشر ثلاثة أنواع – وربما أكثر – من مذكرات الريحاني، وكلها منشورة في حياته، ناهيك عن بعض المقالات التي تُعدّ إرهاصاً لهذه المذكرات كما ذكرت سابقاً!! فإلى اللقاء في الحلقة القادمة.


سيد علي إسماعيل