آخر سنوات فرق المهمشين

آخر سنوات فرق المهمشين

العدد 808 صدر بتاريخ 20فبراير2023

أستطيع أن أنهي حديثي عن مسرح المهمشين في روض الفرج – بل وإنهاء سلسلة مقالات «التاريخ المجهول لمسارح روض الفرج» - بنشر ما وجدته لما تبقى من فرق مهمشة عملت في روض الفرج، ومنها فرقة «بديعة صادق» - التي مرّ علينا اسمها كثيراً من قبل، كونها فرداً من أفراد الفرق الأخرى – والتي نشرت مجلة «الصباح» إعلاناً لها في صيف 1945، قائلة: «المفاجأة الفنية في الموسم الصيفي الحالي «فرقة بديعة صادق الاستعراضية الجديدة» بكازينو ليلاس بمصيف روض الفرج» .. وهذه العبارة كانت العنوان فقط!!
أما التفاصيل، فقالت فيها المجلة: وأخيراً ظهرت في الجو المسرحي بادرة فنية جديدة، وشجرة طيبة لا بد أن يكون لها أطيب الثمار. وهذا تمثل في فرقة بديعة صادق الاستعراضية الجديدة التي ستقدم أول مجهود لها في هذا الصيف على مسرح كازينو ليلاس بروض الفرج. ونحن قبل أن نتكلم عن الفرقة إجمالاً ننشر ما قل ودل عن العناصر التي ستساهم في جهودها بفنها ومواهبها: «بديعة صادق» نجمة من النجوم المتألقة في فن المنولوج، تتميز برخامة صوتها إلى جانب مواهب أدائها. أثبتت في المسرح الاستعراضي كفاءتها الممتازة، فإذا رأينا اسمها على رأس فرقة كبيرة فليس هذا بالأمر العجيب. «إسماعيل ياسين» يكفي ذكر اسمه لكي يتحدث عنه الجمهور، وحديث الجمهور يغني عما يسجله قلم أي كاتب. ويكفي أن إسماعيل ياسين لم يظل كما كنا نعرفه من أعوام «المنولوجست الفنان»، بل تعدى بإسماعيل ياسين الذي يتمتع الآن بمجد لن يتمتع به إلا الفنان المتمكن من فنه. «عبد النبي محمد» ممثل كوميدي من الطراز الأول، عرفناه في جميع أطوار حياته الفنية نجم روايات الفصل الواحد. لم يجاره أحد في هذا النوع، فقد ضرب رقماً قياسياَ بنجاحه في الكوميديا والفودفيل. يسيطر على جمهور النظارة من بدء كل رواية حتى نهايتها. فهو ممثل قدير بلا شك. «حسين إبراهيم» مقلد المرأة الوحيد، يكفي أنه حصل على الجائزة في هذا النوع عندما أرادت وزارة المعارف أن تحدد مواهب كبار الممثلين وتكافئهم على مواهبهم الفنية الممتازة. «كوكب صادق» لمع نجمها حديثاً، فإذا بها عروس الغناء الاستعراضي في الاستعراضات الراقصة. «محمد كامل» هو الآن نجم سينمائي - قد الدنيا - وكم يتمنى الجمهور أن يراه على المسرح في كل يوم وفي كل حفلة. «أحمد عبد الله» مطرب ممتاز، سيكون له في هذا الصيف حظ سعيد. «سامي حداد» مطرب سوري، سيظهر على المسرح في مصر لأول مرة. «جودة» منولوجست شعبي، سيكون له شأنه، يكفي أن نقول عنه هنا ما قاله الأستاذ الكحلاوي «سيجد الجمهور في شخصية هذا المنولوجست فناً جديداً ولوناً جديداً يكتسحان جميع المنولوجست الذين هم من نوعه، ولقد ظهر لأول مرة في حفلات الوجه القبلي، فلاقى إعجاباً لا مثيل له». «محمد الشاطبي» هو قائد السفينة بألحانه الشعبية الجميلة، وما سيضعه من ميزانسين الاستعراضات الراقصة والفن الذي سيخرج به الاسكتشات التمثيلية. «فهمي أمان» هو ممثل ممتاز له ماضيه المجيد. وهل تظن أن هذه هي كل العناصر؟ كلا، بل هناك آخرون أيضاً. وسيكون افتتاح هذه الفرقة يوم الأحد 6 مايو. [توقيع] سوبرانو.
ومن الواضح أن اسم «إسماعيل ياسين» كان الأهم والأشهر من اسم صاحبة الفرقة! أو أنه كان النجم اللامع الذي يجذب الجمهور! ومهما كانت الحقيقة فإن النتيجة واحدة، هي أن اسم إسماعيل ياسين أصبح بجوار اسم صاحبة الفرقة في الإعلانات، مما يعني أنه أصبح شريكاً في الفرقة! هذا الأمر وجدته منشوراً في إعلان مجلة «الصباح»، جاء فيه: «فرقة بديعة صادق وإسماعيل ياسين الاستعراضية» بكازينو ليلاس بمصيف روض الفرج، روايات جديدة يشترك في تمثيلها نخبة من كبار الممثلين في مقدمتهم الممثل الكوميدي الأستاذ عبد النبي محمد، فهمي أمان، حسين إبراهيم، النجدي. موزيكهول يشترك فيه زعماء فن المنولوج في الشرق بفنهم الممتاز على رأسهم بديعة صادق، إسماعيل ياسين، محمد كامل، نعيمة محمد، محمد الصغير، جودة، فتحية سعيد. لأول مرة المطرب السوري سامي الحداد، المطرب النابغة أحمد عبد الله. البرنامج تلحين وإخراج الأستاذ محمد الشاطبي، ترفع الستار الساعة 7 مساء، قطارات خاصة للجمهور.

فتحية محمود
تُعد فتحية محمود من أشهر العناصر الفنية التي عاصرت فرقاً استعراضية كثيرة أكثر من ثلاثين سنة، حيث كانت تتنقل من فرقة ببا عز الدين إلى فرقة بديعة مصابني وبالعكس، هذا بالإضافة إلى عملها في صالة رتيبة وأنصاف رشدي، ثم كونت فرقة خاصة بها عملت في كازينو البوسفور بميدان باب الحديد. وفي روض الفرج وجدناها مع أغلب الفرق، لا سيما عندما شاركت فوزي منيب في فرقته – وتحدثنا عن ذلك من قبل بالتفصيل – وعملها أيضاً ضمن فرقة علي الكسار في روض الفرج أيضاً. أما عملها منفردة بفرقة خاصة بها في روض الفرج، فكان ذلك في صيف عام 1946، وأعلنت عن ذلك مجلة «الصباح»، قائلة:
«كل هؤلاء النجوم يلمعون في روض الفرج مع فرقة فتحية محمود وأحمد صبرة «كازينو ليلاس»، في أقوى برنامج تمثيلي استعراضي غنائي، بالاشتراك مع مجموعة كبيرة من أرشق الراقصات وتخت شرقي وأوركسترا كاملين، وفرقة عاكف الرياضية، أورينتال «وعد ومكتوب»، أوبريت «طبيب القلوب»، فانتازي «ربيع وشباب» تأليف إبراهيم كامل رفعت، ألحان أحمد صبرة. ميزانسين أحمد عبد الحليم، ويشترك في التمثيل: محمد السباعي، إبراهيم الحناوي، سعاد اليابانية، ليلى، شيوكار، سعاد علي، نادية، زيزي، سهام، والراقص العجيب يوهان تورا. ابتداء من الأحد 21 إبريل السادسة والنصف مساء يوم شم النسيم حفلة صباحية، الوجهان الجديدان سعد حلاوة وعباس كوكو. المطربة درية أحمد، الفاتنة فتحية محمود، أميرة المنولوج سعاد حسين، الكوميدي أحمد المسيري، المنولوجست سيد سليمان، المطرب محمد الصغير، المنولوجست نعمات سامي، المنولوجست سعاد وجدي، الكوميدي محمد إدريس، المنولوجست يحي الدهشان، المطربة نعمة الصغير، الراقصة كيكي عمار، المطرب أحمد عبد الله، المطرب محمد سرور.
ولنا بعض الملاحظات على هذا الإعلان، مثل وجود اسم «أحمد صبرة» بجوار اسم فتحية محمود في الإعلان، بوصفه شريكا لها! وهذا أمر معتاد – كما رأينا من قبل مع إسماعيل ياسين – حيث يضع صاحب الفرقة اسم أهم عنصر فني بجواره، سواء كان هذا الاسم لنجم أو لممثل أو لمطرب أو لمونولجست أو لمخرج أو حتى لموسيقى!! ومن الملاحظات أيضاً وجود أسماء ضمن الفرقة، مرّت علينا من قبل بوصفها أصحاب فرق مسرحية واستعراضية خاصة بها، أمثال: محمد إدريس، وأحمد المسيري. وآخر ملاحظة لنا تتعلق بآخر اسم مذكور في الإعلان، وهو المطرب «محمد سرور»!! فهذا المطرب من الأشقاء السودانيين الذين احترفوا الغناء في مصر، وكان من الدارسين في «المعهد العالي لفن التمثيل العربي» عام 1953! فقد نشرت مجلة الفن خبراً عنه قالت فيه: «تعاقدت فرقة السودان للتمثيل والموسيقى بأم درمان عن طريق مديرها الفني «محمد سرور» الطالب بالمعهد العالي لفن التمثيل، مع الآنسة «سامية محمد» الطالبة بالمعهد لتشترك في حفلات تمثيلية ستقام هناك، وقد سافرت طالبة معهد التمثيل يوم الأربعاء الماضي إلى أم درمان للاشتراك في الحفلات ثم تعود لمتابعة دراستها في معهد التمثيل»
وبالعودة إلى فرقة فتحية محمود، سنجد ناقد جريدة «أبو الهول» الفني ينشر الآتي: «الموسم الصيفي بروض الفرج»: احتفل بافتتاح فرقة فتحية محمود بكازينو ليلاس بروض الفرج ببرنامج ظريف من العناصر الناجحة، وقد بدأ البرنامج من الساعة السابعة مساء، وإلى الساعة الثانية لم ينته، وبعد أن نهنئ فتحية محمود وشريكها أحمد صبرة، ننبهما إلى ما قد يصبهما من خسائر حتى لا تقع كارثة مالية، فقد قمنا بعملية حسابية أثناء مشاهدة البرنامج عن التكاليف اليومية، فوجدناها لا تقل عن 75 جنيهاً في اليوم الواحد، فإذا أضفنا النسبة المئوية التي يأخذها صاحب الكازينو من الإيراد، وجدنا أن الدخل يجب ألا يقل عن مائة جنيه لتغطية المصاريف اليومية فقط دون عمل أي حساب للربح! وروض الفرج لا يمكن أن يأتي بهذا الإيراد يومياً! فاستمرار الفرقة بهذا البرنامج خسارة مؤكدة، فعلى هذه الفرقة أن تبحث عن رجل اختصاصي يضبط ميزانيتها لتضمن نظامها في العمل، وحتى يكتب لها البقاء والاستمرار! وإلى جانب هذه النصيحة نلفت نظر إدارة الفرقة فنياً إلى ما يلي: أولاً – الألفاظ التي جاءت على لسان المنولوجست سعاد حسين في منولوجاتها ومنها جملة «حط .. وحط». ثانياً – الألفاظ التي جاءت على لسان المنولوجست حلاوة مثل «ليلى وجيـ ..» لا تسل عن سابقتها!! ويجب تنظيم الميكروفونات فهي تزعج الجمهور ولا تفيده!!
واستمرت مجلة «الصباح» تنشر إعلانات الفرقة وتكتب أسماء الأعمال، ومنها هذه الأسماء المنشورة في مايو 1946: «فرقة فتحية محمود وأحمد صبرة بكازينو ليلاس بروض الفرج ..... ابتداء من الأربعاء أول مايو البرنامج الجديد «استعراض الليل»، أوبريت «تيجي تصيده»، رقصة «أم الجلاجل» أماكن خاصة للعائلات، مواصلات سهلة». وآخر إعلان نشرته المجلة كان يوم 23/5/1946، هذا نصه: «فتحية محمود وأحمد صبرة يقدمان «فوزي منيب وفرقته» بالاشتراك مع: سعاد حسين، سيد سليمان، سعد حلاوة، عباس كوكو، في أفخم برنامج تمثيلي استعراضي غنائي راقص «بكازينو ليلاس بروض الفرج» ترفع الستار 7 مساء المواصلات سهلة».

نهاية الفرق
إذا كان حديثنا منذ بداية هذه المقالات بدأ منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى عام 1948، فليس هذا يعني أن نهاية الفرق الاستعراضية والمسرحية كانت مع نهاية الأربعينات!! بل كانت حتى أواخر الخمسينيات! وعلى سبيل المثال كانت الفرق تعرض في روض الفرج بعد قيام ثورة 1952 بشهرين تقريباً. فقد نشرت جريدة «المصري» في سبتمبر 1952 إعلاناً عنوانه «فرقة نجوم المسرح والسينما»، قالت فيه: «تقدم على مسرح كازينو ليلاس بساحل روض الفرج، المطربة العالمية ماجدة أمير، الراقصة الأولى زوبة إسماعيل، المطرب الشعبي المحبوب شفيق جلال، بلبلة الإذاعة والسينما شافية أحمد، الثنائي الراقص العالمي زوبة إسماعيل والبرفسور علي فايز، منولوجست الإذاعة الفنانة سعاد أحمد، الراقصة المبدعة جيهان محمد، الاستعراض الغنائي الراقص «حسن يا حسن» تأليف صلاح محمود، إخراج البروفسور علي فايز، أقوى الروايات الكوميدية الاجتماعية من فرقة «منصور الجوهري»، الدويتو العالمي الشفاليه «الأبيص والأسمر»، يومياً الساعة الثامنة مساء.
وفي العام التالي وجدنا جريدة «الأهرام» تنشر إعلاناً في أغسطس 1953 عن فرقة جديدة تحت عنوان «فرقة الفن الاستعراضي»، قالت فيه: «تعيد إلى مصيف روض الفرج بهجته وسهراته الممتعة على مسرح كازينو ليلاس بروض الفرج، شكوكو، المطرب محمد قنديل، المطربة سوسن فؤاد، كبير الرحيمية وولده عبد الموجود، الراقصة زينات علوي، ابتداء من الأحد 16 أغسطس والأيام التالية ترفع الستار الساعة 7 تماماً حتى منتصف الليل، المواصلات سهلة: أتوبيس 25 من القبة لروض الفرج، أتوبيس 23 من السيدة، أتوبيس 21 من الدراسة. الأسعار مخفضة جداً بنوار 96,5 قرش، ممتاز 20,5، مخصوص 12,5، خالصة الضريبة!!
وآخر ما وجدته منشوراً عن روض الفرج وتحديداً عن كازينو ليلاس، كان بتاريخ يوليو 1956، حيث نشرت جريدة «القاهرة» كلمة عنوانها «مسرح روض الفرج»، جاء فيها: «بحث مجلس نقابة المهن التمثيلية في الطلب الذي تقدم به الممثل «علي كامل» يطلب فيه أن تساعده النقابة مادياً على استئجار مسرح كازينو ليلاس بروض الفرج، وتأليف فرقة من بعض أعضاء وعضوات النقابة للعمل على هذا المسرح بقية أشهر فصل الصيف تفريجاً لضائقة البطالة بين أعضاء النقابة».
و«علي كامل» ظهر كثيراً في تاريخ المسرح المصري ابتداء من عشرينيات القرن الماضي، عندما كان ممثلاً في فرقة الجزايرلي عام 1924، ثم ممثلاً في فرقة فوزي منيب بروض الفرج عام 1925. وفي عام 1931 كوّن فرقة مسرحية جوّالة باسمه، وقامت برحلة في صحراء سيوة، حيث لاقت أصناف العذاب والجوع والعطش، وتعرضت للموت!! وفي عام 1936 وجدنا «علي كامل» ممثلاً في فرقة مختار عثمان، ثم انتقل منها إلى فرقة النجوم العشرة بكازينو البوسفور، وانضم في العام نفسه إلى فرقة فتحية محمود في كازينو البسفور أيضاً.


سيد علي إسماعيل