فوزي منيب ملك المسارح

فوزي منيب ملك المسارح

العدد 799 صدر بتاريخ 19ديسمبر2022

إذا كان «يوسف عز الدين» هو الأسبق في التمثيل بمسارح روض الفرج، وإذا كان «علي الكسار» هو الأشهر ومبتكر شخصية البربري في تاريخ المسرح الكوميدي المصري، إلا أن «فوزي منيب» - في روض الفرج - يُعدّ الأشهر والأهم من يوسف عز الدين، وأقوى منافس لعلي الكسار – في تقليد شخصية البربري - طوال تاريخه المسرحي! ومن وجهة نظري أرى أن فوزي منيب ملك تاريخ التمثيل في روض الفرج .. وبلا منازع!!
وربما عزيزي القارئ تظن أنني على غير صواب، أو أنني أبالغ في قولي هذا!! وحسماً للأمر أقترح عليك الآتي: أنت قرأت المقالات السابقة، وتتبعت فيها تاريخ فرقتي يوسف عز الدين وعلي الكسار في روض الفرج، لذلك سأبدأ من هذه المقالة التحدث عن تاريخ فرقة فوزي منيب في روض الفرج، ولك حرية المقارنة وإعمال ذهنك في الحُكم على الفرق الثلاث ودور كل فرقة في روض الفرج .. لعلك تقتنع بوجهة نظري!!
ظهر فوزي منيب ممثلاً في فرقة نجيب الريحاني في مسرحية «قولوا له»، ثم انتقل منها إلى فرقة «أمين عطا الله» في الإسكندرية، ثم تركها وكوّن لنفسه فرقة خاصة تنقل بها في الأقاليم، وكان مقرها الإسكندرية! وقد نالت بعض الشهرة، عندما قلد منيب شخصية البربري التي اشتهر بها علي الكسار، لذلك أطلق فوزي على نفسه لقب «بربري الإسكندرية»، وهذا اللقب دائماً ما كان يتغير وفقاً للمنفعة منه – كما سنرى - شريطة أن يظل به كلمة «البربري»! وبما أن الفرقة متنقلة وتجوب الأقاليم، ظهرت في روض الفرج في صيف 1925، عندما أشارت مجلة «التياترو» إلى اتفاق تم بينه وبين أصحاب كازينو مونت كارلو على إحياء موسم الصيف بواسطة فرقة ضمّ إليها فوزي بعض كبار الممثلين المشهورين! وبعد أيام وجدنا إعلانات الفرقة توزع على المارة، ومنها هذا الإعلان:
«جوق الأستاذ فوزي منيب بكازينو مونت كارلو بروض الفرج»: الدخول مجاناً ما عدا يوم الأحد، رئيس الألحان الموسيقار المعروف إبراهيم فوزي، منولوجات وطنية من مدير المرسح حسين المليجي، مدير الإدارة توفيق مليكة، مدير الجوق «بربري الإسكندرية الوحيد فوزي منيب». المطربة ذات الصوت الرخيم الآنسة «حياة صبري» تلميذة الشيخ سيد درويش، تمثل كل ليلة رواية جديدة، يقوم بتمثيلها بربري الإسكندرية المحبوب المشهود له بالبراعة الفنية والحائز لرضاء الشعب الإسكندري والمصري الكريم، وفد ضم إلى فرقته أكبر ممثلي وممثلات مصر والإسكندرية حتى أصبح جوقه يضارع أكبر الأجواق في مصر، السيدة «ماري منيب» في دور (أم أحمد)، المطرب الفريد «سيد فوزي»، المدام لوريتا الراقصة الشهيرة. الممثلين: أحمد جمال، حسن راشد، أحمد الحماقي، علي كامل، عبد العزيز الخلعي، عبد العزيز الجميل. الممثلات: إحسان فهمي، حكمت سامي، فاطمة شوقي، نينا، عزيزة فرج، لطيفة كامل، زينب فهمي. الملحنين: عزت الجاهلي، عبد العظيم محمد، علي محجوب، محمد الغرابلي، إسماعيل صبري، حسن الحماقي، حسين رشدي. الأوركسترا رئاسة الموسيقار حسن أبو زيد.
تحوير النصوص
كان جميلاً أن تعترف المجلات الفنية بأن مسرحيات فوزي منيب لم تكن من تأليفه، بل كانت مُحوّرة ومُمصّرة!! هذا ما نشرته مجلة التياترو في سبتمبر 1929 قائلة: «فرقة فوزي منيب تمثل في مونت كارلو بروض الفرج رواية مُحوّرة ومُمصّرة عن رواية «دوران ودوران» أو «المحامي المزيف»، بطولة فوزي منيب، ماري منيب، أليس، حياة صبري، السيد فوزي، ومدير المسرح حسين المليجي».
وأكد ناقد المجلة – الذي يوقع باسم «السائح الشرقي» - هذا الأمر عملياً، عندما شاهد المسرحية وكتب عنها قائلاً: ذهبت إلى مونت كارلو، الذي يمثل فيه الشاب الأديب فوزي أفندي منيب فوجدت الستارة مرفوعة من الفصل الأول فعرفت الرواية من جملتين، فإذا بها رواية «دوران ودوران»، أو «المحامي المزيف»، اقتبسها فوزي أفندي ووضع فيها تحويراً رقيقاً أعجبني جداً حيث جعلها مصرية بحتة، وذلك البقال ألبير دوران قام مقام عثمان البربري. دخلت علّي أمضي شطراً بسيطاً من الزمن فأعجبتني الرواية ومكثت مدة ورأيت فيها نشاط فوزي ومهارته وسبكه دور البربري، واتقانه لتغيير الرواية. فأنا أثني عليه الآن ممثلاً أو مقتبساً. ولا عجب فقد عرفناه طالباً قبل أن يكون ممثلاً. ثم رأيت فرقته تحتوي على كثيرات وكثيرين من المعروفين قبلاً كالست ماري منيب الخصيصة في تمثيل دور «أم أحمد» والست «أليس» الممثلة الأولى، والست «حياة صبري» المطربة المعروفة. كما لا ننسى «سيد فوزي» المطرب الإسكندري المعروف، وحسين أفندي المليجي مدير المسرح وبالجملة كانت مونت كارلو هذه أكبر شاهد على إقدام فوزي أفندي ووثبة عالية في سبيل التمثيل الجميل. [توقيع] السائح الشرقي.
وفي الصيف التالي وزعت الفرقة إعلاناتها على المارة في روض الفرج، وهذا نص أحد الإعلانات: مصيف مصر الكبير «كازينو مونت كارلو»، في الهواء الطلق بروض الفرج. أكبر فرقة تمثيلية منتخبة من كبار رجال الفن المعروفين من الجمهور، يوم الاثنين 26 إبريل سنة 1926 الساعة 6 ونصف تماماً، رواية «اسم الله عليه» من قلم الكاتب الروائي الشهير أمين أفندي صدقي، يقوم بأهم الأدوار البربري العصري «فوزي منيب»، ودولي أنطوان، ماري منيب، عفيفة أمين، محمد كمال شرفنطح، محمد سعيد الممثل المعروف، فؤاد شفيق الممثل القدير، السيد فوزي المطرب الفريد، حسين المليجي المنولوجست الشهير. «فرقة الملحنات»: عفيفة، فيولت، سفرينا، عزيزة بدر، لطيفة، فاطمة ليلا، عزيزة فرج، بديعة محمد. «فرقة الملحنين»: مصطفى إبراهيم، عبد العظيم، كلود حسني، حسين لطفي، عبد العزيز عدلي، صالح حسن. رئيس فرقة الملحنين الفريد حداد، الممثل الخفيف الروح حافظ أحمد، مقلد المرأة حسن راشد، أوركسترا رئاسة الأستاذ دافيد سليم، ملقن الفرقة عبد العزيز محجوب. مناظر وملابس خصوصية لكل رواية، نظام يكفل راحة المشرفين والمشرفات، محلات خاصة للسيدات، تُطلب التذاكر من شباك التياترو.
وفي هذا الوقت شعر «محمود طاهر العربي» - ناقد مجلة «ألف صنف وصنف» - أن وجود فوزي منيب في مونت كارلو جعل الكازينو شيئاً آخر، مما جعل الناقد يقول: كازينو مونت كارلو .. لا أكون مبالغاً إذا قلت إن هذا وحده أصلح محل في روض الفرج للعائلات! لا تكاد تجسر امرأة من الشريرات على اقتحامه للتغرير أو للصيد، فهناك جو من التحشم والوقار يخيم عليه. وهو فضلاً عن ذلك فقد يُشاهد فيه من يذهب إليه تمثيلاً لا بأس به. فهو محل راق من كل الوجوه. ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن أصحابه شرقيين تغلب عليهم النزعة القومية والحياء الشرقي.
أقوال النقاد
مندوب شبرا في جريدة «الشباب» شاهد إحدى مسرحيات الفرقة وكتب عنها – بأسلوبه المعهود في الحديث عن مسارح روض الفرج – قائلاً: شاهدات التمثيل في مونت كارلو، وكانت الرواية «ناظر المحطة». وفى الساعة السابعة والنصف رفعت الستار وأعلن مدير المسرح شكري أفندي الحداد الصمت خمس دقائق لوفاة المرحوم «شلبي فودة» الممثل الأول لشخصيته المرأة في مصر، ثم ابتدأوا في تمثيل الرواية، وهي ليست بالحديثة ومعروفة لدى الجميع. و«فؤاد شفيق» مثّل دور «الباشا عنتر» .... على العموم أتقن دوره، لا لأنه حضر متأخراً قبل الميعاد بدقائق! فكنا ونحن في الصالة نسمعه وراء الستار ينادي بأعلى صوته «إديني البنطلون يا محمد». أما «أديل ليفي» فقد رقصت أمام الباشا – أثناء التمثيل - فكانت حركاتها عبارة عن اهتزاز بالإكراه في الذراعين و«...»، ثم انحنت إلى الوراء وعادت فقد دارت دوراتها الختامية! وفي دور زوجة الباشا المطلقة، كانت تقطّع في كلماتها عندما ترافعت عن أخواتها المطلقات أمام الباشا، وأظنها شاهدت «فيكتوريا كوهين» وهي تقوم بهذا الدور خير قيام فتجذب القلوب إليها، وتملك المشاعر والإحساس. وإني أنصحها على سبيل الذكرى – والشيء بالشيء يذكر – أن لا تجاري بهية وليلى وفيوليت حرصاً على ما نسمعه عنهما، وأن تسير بمفردها كما كانت، وحمدنا لها عملها. وخير لها أن تعيش فقيرة، معززة من أن تعيش غنية معذبة، وباب التقدم مفتوح أمامها على مصراعيه!! أما «محمد سعيد» فمثّل دور عامر والد العروس الباشا، فكان يلقي كلماته بتأثر وشعور، وهذه تعد مقدرة في مثل هذا الموقف، إلا أنه أخذ ينكت في مواقف حزن وأسى!! أما «فوزي منيب» فمثل دور ناظر الزراعة، وكان فكهاً، وقد أبطل عادة مجاراة أمثال أبو «...» كما نصحناه، لذلك كان لتمثيله تأثير محسوس. و«سيد فوزي» مثل دور «إحسان»، وهو صديقي وبلدياتي وكُنا معاً في كُتّاب الشيخ الكومي. وكان يقلد لنا أثناء الدرس الشيخ «الشرقاوي والعقلة» فكان خفيفاً مطرباً. «حسين المليجي و«أحمد زكي» كانا أستاذين في غاية الشياكة. و«فاروز أغا» مثله حافظ وقد أجاد خصوصاً في صبغة الوش! بعكس سي حسين لطفي، فكان وشه «مرقع». وبالنسبة للممثلات: «دوللي أنطوان» في دور «رثة هانم»!! ولما طلعت لم يعجبها الحال وقالت «المرسح وسخ»!! وأخذت تفرك برجلها الأرض، وكان موقفها موقف ضحك ومشاغلة للسيدات التي وقع نظرها على أنظارهن. «بهية أمير»، كانت في دور مُلحّنَة ولم تعمل سوى التصليح في هندامها، وفى آخر اللحن الثاني أخذت «تهرش» في قفاها، ولعل برغوثاً أراد لدغها فلم تحتمل قرصته.
أما الناقد محمود الطاهر العربي فنشر تعريفاً مفصلاً عن كل فرد في كازينو مونت كارلو وفرقة فوزي منيب، وأزال اللبس السابق عندما قرأنا رأيه بأن الكازينو أصحابه من الشرقيين!! لأننا نعلم أن أصحابه خواجات من الأروام!! والحقيقة أن الناقد أفاد تاريخ مسارح روض الفرج بما نشره من معلومات دقيقة ومفيدة - نشرها في أوائل أغسطس 1926 - قائلاً تحت عنوان «كازينو مونت كارلو»: يُطلق هذا الاسم على المكان الأخير الواقع على شاطئ النيل في روض الفرج، وصاحبه الخواجة «جورج دخول» أو سابقاً الممثل الكوميدي الشهير الخفيف الروح «كامل الأصلي»!! وهو رجل سوري مستقيم حسن السمعة شريف النفس، لا يتحرى سبل الارتزاق من حيث كانت، كما يفعل غيره من زعانف الأروام. وينقسم كازينو مونت كارلو إلى قسمين، يشمل الأول مكاناً متسعاً على شاطئ النيل، تغني فيه الآنسة «حياة صبري» و«سيد أفندي شطا». وعلى مسرح مونت كارلو تمثل الفرقة ولست أدري بماذا أعلل عدم إقبال الجمهور على هذا المسرح إقبالاً يليق بمكانة الفرقة التي تمثل فيه؟! وربما كان ذلك لارتفاع الدخول فيه إلى خمسة قروش «صاغ» دون أجرة المشروب أو ربما كان لاعتبارات أخرى، وعلى أي حال فإن هذه الفرقة مدينة بهذا القدر المحدود من النجاح إلى حزم مدير المسرح محمد أفندي شكري، فهو رجل الإدارة والنشاط والخبرة بالمسارح. عرفها منذ أكثر من عشرين سنة، وهو فضلاً عن ذلك كاتب أديب وصحافي. «فوزي أفندي منيب»، هو شاب متعلم أتم دراسته الثانوية في المدرسة الخديوية، ثم احترف التمثيل رغم إرادة والديه، فبلغ به شأواً لا بأس به، ونبغ إلى حد ما في تقليد شخصية البربري التي يمثلها علي أفندي الكسار بتفوق باهر لا يشق له فيه غبار. «فؤاد شفيق» من الممثلين المعدودين، يجيد كل دور يُسند إليه ويُحسن إخراج الألفاظ ويُرجى منه تقدم باهر ومستقبل حسن. «سيد أفندي فوزي» شاب ظريف زكي الفهم، كثير التأنق في ملبسه، وهو مطرب هذه الفرقة، ويُحسن تمثيل الأدوار الغنائية. وقد اشتغل سابقاً في فرقة الأستاذ نجيب الريحاني فكان موضع ثقته ورضائه. «حسين أفندي المليجي» مونولوجست معروف بخفة الروح وحسن الإلقاء، يقوم بتمثيل بعض الأدوار، وله صوت جهوري، وهو محبوب من إخوانه. «فريد أفندي حداد» هو رئيس الملحنين، وله أذن طيبة وحنجرة قوية، يجيد في بعض الأدوار إجادة لا بأس بها. «عزت أفندي الجاهلي» مُلحن ويُجيد إلى حد ما تمثيل بعض الأدوار. وعيبه إني شاهدته في فترة وجيزة، انتقل بعدها في أكثر من أربعة فرق. «أحمد حافظ أفندي» أو «جُعلص» ممثل خفيف الروح، ولو أنه ضخم الجسم، ويظهر أن لهذه الضخامة دخل كبير في اتقانه بعض الأدوار اتقاناً لا يتيسر لغيره. «أحمد جمال أفندي» ممثل لا بأس به يقوم ببعض الأدوار فيحسنها. «حسن أفندي راشد» أول من يجيد تقليد شخصية «المرأة الشلق» بعد المرحوم جلبي فودة، ويحسن الأدوار الأخرى وملحن لا بأس به. «محمد حسني أفندي» ملحن يمتاز بإتقان التواليت! «محمد عبد العظيم» ملحن لا بأس به. «ماري منيب» هي الممثلة الأولى وزوجة فوزي منيب، خفيفة الروح تجيد تمثيل أدوارها، ولها صوت مقبول في التلحين. «إديل ليفي» ملحنة لا بأس بها، اشتغلت في فرقة الماجستيك، ثم فرق أخرى، وتحسن تمثيل بعض الأدوار. «فيولت» ملحنة لها صوت عذب، ويعول عليها في تمثيل بعض الأدوار. «تيتا وماري» أختان آنستان صغيرتان يرجى لهما مستقبل حسن، وهما ملحنتان خفيفتان الروح، آخذتان في سبيل التقدم تمتاز كبراهما «نينا» بأنها تجيد تمثيل بعض الأدوار الصغيرة.


سيد علي إسماعيل