أراجوز وأراجوزتنا في فضاء غير تقليدي

أراجوز وأراجوزتنا في فضاء غير تقليدي

العدد 749 صدر بتاريخ 3يناير2022

في الحديقة الثقافية بالسيدة زينب والتابعة للمركز القومي لثقافة الطفل، وفي إطار ملتقي الأراجوز والعرائس التقليدية الثالث، قدمت المسرحية العرائسية «أراجوزنا وأراجوزتنا» من تأليف سعيد حجاج ورؤية وإخراج ناصر عبدالتواب، وفي يوم 28/ 11/ 2018 سُجل الأرجوز المصري على قائمة الصون العاجل بمنظمة اليونسكو للتراث اللامادي، ولذلك كان الملتقى الأول عام 2019. ومسرح العرائس مثل المسرح البشري يكتب له نصوص ويصنع للعرض ديكور وملابس وبه إضاءة... وهكذا، ويمتاز مسرح العرائس عن المسرح البشري بالقيمة التشكيلية للعروسة، ويختلف إحساس الفنان محرك العرائس عن الآخر، ويكون لكل منهم بصمته في تحريك العروسة، ويختلف تحريك عروسة  الخير عن عروسة الشر أو الولد أو البنت، ويكون الاختلاف أيضا في الشكل، ولكل عروسة تكنيك خاص في التحريك، وتوجد أنواع كثيرة من العرائس منها (باتوه – تحرك بالعصا، ماريونت - تحرك بالخيط، قفاز – يرتديها اللاعب في كف اليد ثم يقوم بتحريك اليد) ويطلق علي بعض العروض أسماء طبقا للتقنية المستخدمة، فعلى سبيل المثال نقول عروض المسرح الأسود، وفيه كل الستائر وملابس الفنانين ذات لون أسود ولا يوجد مصدر للضوء غير مصدر واحد يسقط على الأشكال المراد رؤيتها حتى لا تفسد متعة المشاهد، ومسرح الطاولة وفيه تتحرك العرائس على طاولة.
وعن تجربة ناصر عبدالتواب في الحديقة الثقافية نقول: في فضاء غير تقليدي وبجوار أحد أسوار الحديقة قام شادي قطامش ببناء مسرح عبارة عن برفان طوله أربعة أمتار وعرضه ثلاثة أمتار ونصف تقريبا وأعلاه على اليمين واليسار بروازان بهما طاقة صغيرة يقدم من خلالها الأراجوز وزوجته بحجم صغير، وقام برسم بعض الورود بألوان زاهية (أحمر وأخضر واصفر...) تشعر بأن الطفل هو من قام برسمها، وعلى اليمين واليسار رسمة أراجوز. يختفي لاعبو العرائس خلف هذا البارفان ويقدم العرض. وتدور الفكرة الأساسية للعرض على حسن الاستماع والتصرف السليم، وتحكي الأحداث بأن الأراجوز وزوجته كثيرا الكلام ولم يهتما بالسمع الجيد، فيحكم عليهما العرائس بأن يدخلا عالم الحواديت من باب الحلم، يعني التروي، يعني التفكير قبل الحكم على الأشياء، وقيل لهما عند دخولهما عالم الحواديت لن يراهما أحد حيث إنهما من زمان غير الزمان ومكان غير المكان، ولكي لن يراهما أحد ى حجمهما صغير، ولا بد أن يحترزا من الأشرار. وبعد دخولهما عالم الحواديت يكتشفان أن هناك ملكا طيبا قام منذ زمن بطرد أشرار من مملكته، ولكن أحفاد هؤلاء الأشرار قدموا إلى المملكة للانتقام من الملك ونشر الفساد في المملكة، وذلك بعد تنكرهم في زي حكماء ليفسروا حلما للملك، لكنهم يتآمرون ويحاولون إقناع الملك بالقضاء على كل المخلصين الملتفين حوله حتى ينفردوا به وحده ويقضوا عليه، يسمع الأراجوز وزوجته هذا الكلام فيقرران الخروج من الحدوتة للحصول على مشورة الأصدقاء، وبالفعل يخرج لاعبوا العرائس من وراء البارفان ممسكين بالعرائس ويظهرون للأطفال ويحدث بينهم حوار تفاعلي (إيه رأيكم بقى نحذر الملك ولا ننجي بأرواحنا ونطنش ونعيش؟ وناكل قراقيش) تكون النتيجة الإجماع على إبلاع الملك، وحيث إنهما لن يراهما أحد وحجمهما صغير يستعينان مرة أخرى بالعرائس التي حكمت عليهم بالدخول في عالم الحواديت وهم من التراث (علاء الدين – السندباد – سندريلا) وبالفعل يتحولان إلى حجمهما الطبيعي ويقابلان الملكة والوزير ويحكيان لهما ما حدث ليبلغا الملك ويقبض على الأشرار، ويقرر الملك حضورهما الاحتفال بالتخلص من الأشرار، لكنهما يشكرانه ويقرران العودة لزمانهما ومكانهما مع الاعتراف بالخطأ، فهما كانا دائما الحديث دون أن يكونا لديهما فرصة للسمع، ولذلك كانا دائميا الوقوع في الأخطاء.
واذا نظرنا إلى النص الدرامي والأشعار التي كتبها المؤلف سعيد حجاج والمنشورة في مجلد ثقافة الطفل (العدد 50) الصادر عن المركز القومي لثقافة الطفل، نجد أن النص الدرامي يقع في ستة مشاهد، كما أن المؤلف يكتب في وصفة لبعض الإرشادات المسرحية أنه قرر وجود شاشة خيال ظل وعندما يسقط الأرجوز وزوجته أمام الجمهور بعد خروجهما من البارفان يصبح كل منهما ممثلا بشريا أمام المشاهد بنفس الملابس التي يرتديها الأراجوز وزوجته، وأن العرائس التي تدخل الأرجوز وزوجته هم ممثلون، ولكن أشكالهم غريبة كالكائنات الفضائية، كما وصف بوجود دخان وإضاءة وظهور السحرة الأشرار أمامهم شاشة خيال ظل مستديرة كما البللورة المسحورة، وأيضا يظهر الملك نائما على سرير في نصف الشاشة، وكذلك دخان مرة أخرى لتفسير السحرة الحلم للملك، وعمل بعض الطقوس السحرية وقولهم: حشتوك يا بشتوك يا بو السباع بحق الشاي والقرفة والنعناع ودينا قصر الملك الخداع.
وعند وصولهم قصر الملك وادعائهم أنهم حكماء يرشدون الملك للصواب ويدلونه على كل الذي يريح باله، نجد الملك وهو يحكي الحلم يتجسد ذلك عن طريق العرائس بخيال الظل في شاشة خلفية.
كيف نفذ المخرج العرض؟ 
نجد ناصر عبدالتواب ينفذ العرض في الهواء الطلق والشمس ساطعة، ولذلك لا يستطيع استخدام التقنيات كالإضاءة وخيال الظل كما أنه استبدل الإرشادات المسرحية عن الممثلين البشر الذين يرتدون ملابس الأراجوز بجحم أكبر للأراجوز، كما استغنى عن الشاشة وخيال الظل بظهور سمكتين ووزتين وثعبان مصنوعة من الجلد للمشاهد من خلف البرفان أمام الملك وهو يحكي الحلم، ولقلة النفقات قلل من زمن مدة العرض وحذف بعض الكلمات الحوارية، وكذلك استبدل أشعار سعيد حجاج بأشعار أيمن حافظ، ولا بد وأن نسأل بعض الأسئلة؟ هل وصلت رسالة العرض؟  ونستطيع الإجابة بأن الرسالة وصلت تماما، وذلك لما شاهدته من تجاوب الأطفال مع لاعبي العرائس. 
قام بتصميم العرائس وتنفيذها مؤمن ونس، وقد أدى الاختلاف في أشكالها وملابسها التي تم استقاؤها من التراث إلى أن يستطيع الطفل التعرف على العروسة والدور الذي تقوم به، وكذلك التعرف على التراث، ويستطيع الطفل أن يسبح بخياله ويكمل الحكاية. وقد كانت موسيقى وألحان إيهاب حمدي مبهجة فقد استخدم فيها الآلات الوترية والإيقاعية، كما أنه استخدم الآلات الوترية للتعبير عن الترقب والقلق. عندما نفكر في أطفالنا في عصرنا هذا، عصر وسائل التواصل الاجتماعي والسموات المفتوحة نجد أن الطفل يحدث له توحد مع ما يشاهده من خلال الجهاز الذي ينظر فيه (موبايل – تابلت - ... وخلاف ذلك) ودائما يكون مستقبلا ولا يكون مرسلا، ولذلك فهو كثير الكلام لما أصبح لديه من معلومات، فعندما يسأل سؤالا تكون الإجابة جاهزة، ولم يعطِ لنفسه فرصة لسماع بقية السؤال أو التفكير السليم، وهذا العرض يدعوا الطفل بأن يفكر جيدا حتى يصل للقرارات السليمة.
التحية واجبة لكل من شارك في هذا العرض وظهوره للنور.


جمال الفيشاوي