العدد 798 صدر بتاريخ 12ديسمبر2022
في إطار مهرجان «آفاق مسرحية” العربي الدورة الثامنة 2022م قدمت فرقة مكس من محافظة القليوبية العرض المسرحي المشهد الأخير ضمن عروض مسابقة المونودراما في المرحلة الأولي «ملتقى المسابقات» على خشبة مسرح تياترو آفاق، ثم تم تصعيد العرض إلى المسابقة النهائية وتم تقديمه على مسرح الهناجر، والعرض من تأليف يوسف ناصر ومن إخراج عمر أشرف وبطولة حنين العايدي، وتدور الفكرة الرئيسية عن التنمر دون قصد أو الخوف أو الشفقة من بعض الناس تجاه الإنسان المصاب بتشوه نتيجة حادثة حدثت له (حرق بالوجه) وتستعرض الأحداث حكاية فتاة جميلة تدعى ألما وهذا الاسم يعكس معنى الألم الذي تعاني منه الفتاة حيث أنها أصيبت في حادث حريق شوه نصف وجها، ونتعرف من خلال الأحداث أن والدتها التي كانت تحبها ماتت وأيضاً يتركها أشقائها دائما وحيدة بالمنزل داخل غرفتها سواء كانوا داخل المنزل أو خارجه، وعندما كانت تخرج من المنزل يخاف منها بعض الناس ويشفق عليها أخرون ويتنمر عليها البعض فهي لا تستطيع التعامل مع المجتمع بشكلها المشوه، هذا المجتمع الذي تشوه فيه عقول وقلوب البشر وأصبح لا يتقبل الأخر لمجرد أن القدر جعل نصف وجهها مشوه، ولذلك عندما تقف أمام المرايا، والتي تقف أمامها كثيراً؛ ترى ما فعلته الحروق وتتذكر جمال وإشراق وجهها الجميل الذي انطفأ نوره وشوه نصفه دون أن تقترف أي ذنب فيهديها تفكيرها إلى أن تعيش في دور البلياتشو المخيف وليس البلياتشو الذي يسعد الناس، هذا البلياتشو المسكين خرج من بين أفكارها فقد تحولت حياتها من المرح والسعادة والأمل، تحولت من مستقبل مشرق إلى ظلام، وذلك نتيجة إصابتها بالحروق ومعانتها من البشر.
وعن الرؤية البصرية التي أراد أن يحققها المخرج كان الديكور ( حنين العايدي) عبارة عن غرفة معيشة تقيم فيها الفتاة ألما ووضع على يمين المسرح تسريحة عليها مرايا كبيرة، وتم استخدام المرايا في خلق الصراع النفس بداخل ألما عندما تنظر لوجهها فيها، فقد كان هذا الوجه جميلاً لكنه أصبح مشوهاً، وعلى اليسار يوجد بوف للجلوس استخدم في تذكر أمها والذكريات الجميلة معها، فكانت الأم هي الوحيدة التي تحنوا عليها، وقد مثل البوف الأم بوجود شالها عليه فقد كان المقعد المفضل لها، وفي وسط العمق تتدلى ستارة سوداء تمثل باب الدخول أو الخروج من وإلى الحجرة استخدم في التعبير الحركي ليوضح مدي أزمتها النفسية المكبوتة بداخلها
أما عن الإضاءة (أحمد أمين) فقد لعبت دوراً هاماً في العرض، فكانت تؤكد على حالة الوحدة والعزلة للفتاة المشوهة وكانت تصدر هذه الحالة للمتلقي، حيث أن خطوط الحركة كانت مرسومة بين المرايا على اليمين والبوف على اليسار فقد قسمت الإضاءة المسرح إلى قسمان يعبران عن زمنين ومكانين مختلفين تعبر عن الحالة النفسية للشخصية (ألما) فكان القسم الأيمن ناحية المرايا معبراً عن القتامة فسيطر عليه اللون الأزرق عندما تكون المرايا جزء من الصراع وهو الزمن الحالي الذي سيطر على ألما وجعلها تنقسم بين شخصيتها الحقيقية وتحولها إلى شخصية البلياتشو، وكذلك يعبر اللون الأزرق عن الحلم الذي تري فيه نصف وجهها الجميل بعيداً عن التنمر، ويسلط علي ألما اللون البرتقالي أو اللون المائل للاحمرار أحيانا فهي تشاهد وجهها جيدا وما حدث له من تشوه، أما القسم الأخر جهة اليسار الموجود به البوف فسيطر عليه اللون البرتقالي فهذا المكان يعبر عن الزمن الماضي والذكريات الجميلة؛ فهو مكان جلوس الأم، نهر الحنان والمحبة لابنتها، وقد استخدم اللون الأزرق في الدراما الحركية، كما كانت معظم الإضاءة تعتمد على البؤر الضوئية.
عندما إنتقل العرض ليعرض على خشبة مسرح الهناجر قام المخرج بعمل بعض التعديلات حيث أنه قلل من حالات التشخيص وهذا في صالح العمل حيث أنه في المرة السابقة حينما قدم على مسرح آفاق كان بالعرض بعض الأخطاء التي تجعله يختلط أحياناً بعروض الوان مان شو، وايضا كان يغلب في بعض الأحيان الأداء الميلودرامي، كما أن الإمكانيات التقنية في مسرح الهناجر أفضل؛ ولذلك رأي أحمد أمين مصمم الإضاءة أنه يجب تغير بعضاً من خطة الإضاءة، وتم التعامل مع الإضاءة الجانبية والأرضية، وظهرت الإضاءة بوضوح في الدراما الحركية المعبرة عن السجن. أما الملابس (حنين العايدي) فكانت ملابس عصرية عبارة عن فستان شيك ترتديه فتاة رقيقة، وعندما تخلع الفستان نجدها ترتدي أسفله بلوزة بيضاء وبنطلون أسود وهذه الملابس تعتبر ملابس منزل ولهذا نستطيع القول أنه على الرغم من الظروف القاسية التي تعيشها ألما وحزنها الشديد على ما حدث لها من تشوه إلا أنها متشبثة بالحياة وكانت تستعد للخروج خارج المنزل الذي نعتبره محسباً اختياريا، اختارته بأراداتها على الرغم من القسوة التي تراها من نظرات وتصرفات من يراها لكنها تخلع الفستان عندما تتذكر تعليق أحد أصدقاء والدها وهو يداعبها بقوله (إنت بتدوري على شغل ... فيه شغل يدورا على حد يشتغل في بيت رعب وعفاريت) وهو بهذه الكلمات لم يداعبها، إنها مداعبات سخيفة أدت إلى تحطيمها نفسياً، وقد تذكرت أيضاً تنمر بعض النساء عليها وخوف بعض الأطفال منها، وشفقة البعض عليها؛ ولذلك انطلقت إلي مخيلتها فكرة البلياتشو الذي ترتدي ملابسه التقليدية ذات الألوان المزركشة.
كان مكياج (نادين عبدالحميد) موفق جدا في تشويه نصف الوجه وكذلك في وضع الممثلة حنين بعض الألوان المختلفة على وجها حتي تخفي التشوه وتحفي معالم وجهها لتتواري خلف شخصية البلياتشو المخيف والذي يعبر عن النصف الآخر من شخصيتها ويحدث الصراع بين شخصيتها الحقيقية الرقيقة وشخصية البلياتشو التي تخيلتها وينتهي الأمر بانتصار شخصية البلياتشو على شخصية الفتاة الرقيقة التي لا تحتمل الصدمات وتنزل من فوق المسرح وتقول (أنا حطتيك في المشهد الأخير) فمن الجائز أن نقول أن المشهد الأخير هو مشهد انتحار هذه الفتاة، أو أن هذه الفتاة (ألما) أصبحت متقبلة شكلها الجديد ولا يفرق معها التنمر في شيء ولا تهتم بتصرفات الأخر تجاهها، فهي متقبلة شكلها الجديد الذي رسمته لنفسها في شكل البلياتشو المخيف وتندس وسط المتلقيين.
وقدم المخرج تعبير حركي (أحمد عادل يطلق عليه أرشميدس) عندما قامت الممثلة بتجسيد الصراع الذي يدور بداخلها بين شخصيتها الحقيقية وشخصية البلياتشو باستخدام لغة الجسد مع رفع اليدين لأعلى في حالة تشابك معا وتحاول كل منهما أن تمسك باليد الأخرى وتدفعها عنها لتطرحها أرضا وتنتصر عليها مما يوضح ويؤكد الحرب النفسية الداخلية التي تعاني منها الشخصية.
واستعان المخرج بأغنية بصوت (محمد ضياء) وقامت (نيرة رشدي) بتنفيذ الموسيقى ومن كلمات الأغنية (ليه اخترت لي الألوان وأنا قلبي بيها مليان والضلمه منعاها) وتستعيد ألما ذكريات حياتها فقد كانت فتاة جميلة واثقة في نفسها لكن تشوه وجهها نتيجة حادثة (حريق) جعلتها تقدت الثقة في نفسها وبمرور الوقت دُمرت تماما.