إيزيس.. روح الحضارة المصرية القديمة التي مجدت الحياة والخير

إيزيس..  روح الحضارة المصرية القديمة التي مجدت الحياة والخير

العدد 727 صدر بتاريخ 2أغسطس2021

 الأسطورة النبيلة.. أسطورة إيزيس وأوزوريس وحورس.. روح الحضارة المصرية القديمة التي مجدت الحياة والخير وقدمت القرابين إلى الآلهة المعبودة في عصور ما قبل الوحي وما قبل الأديان وما قبل النور الذي كسا البشرية بالمعرفة.
ظلت أسطورة «إيزيس» اختصاراً لفكرة الدين والحضارة في أسمى دلالاتها «تمجيد للحياة» والخير، فمهما امتلأ العالم بالشر والأشرار فالنصر في النهاية للخير والحياة. هكذا عاشت إيزيس معاناة البحث عن أشلاء الحبيب المبعثرة في الأقاليم وخارج الأقاليم. وبإيمان بقيمة الحياة وفعل الحب ودفعه اجتازت إيزيس رحلتها الصعبة المؤلمة المعجزة حتى جمعت أشلاء الحبيب الزوج القتيل لتعود إليه الحياة بالحب.. الذي هو أسمى مشاعر الإنسان. هذا هو الدرس الذي نستخلصه من الأسطورة المصرية، ومن الإيمان بفكرة الخلاص بالحب والانتصار بالحب. وما الحياة إلا تلك الرحلة ليجتمع المحب بحبيبته أو المحبة بحبيبها فى لقاء عذب ينسي معه صانعه ألم البحث ومعاناة الفراق.
عاشت الأسطورة عبر العصور وانتقلت في أعمال درامية في لغات مختلفة تحاول أن تستخلص من كل نص تصورها الخاص للأسطورة.
 وهكذا فعلت المخرجة «كريمة بدير» التى قدمت رؤيتها الخاصة للأسطورة. أما لماذا هى «خاصة» فلأن المخرجة التي هي في الأصل راقصة باليه كانت أداتها التعبيرية الحركة.. نحن نري مجموعة من الشباب والشابات على درجة رفيعة من الاحترافية والدقة في الأداء الحركي الممتع الذي قدم الرقص الحديث المتحرر من التقليدية المعروفة في رقصات الباليه، وكذلك الرقص الشعبي الراقي، فكل فصل قدمت له المخرجة يقدم ملخصًا بسيطًا يربط المشاهد بالواقع الحركي المتجسد أمامه على خشبة المسرح وخارج خشبة المسرح.. حركة سريعة في لحظات البهجة والفرح بطيئة في لحظات الحزن والألم، ولكنها في سرعتها وفي بطئها تقدم مجموعة على درجة عالية من الإجادة والاحتراف..
 وإذا كان الكون قد عمَّره الحب فقد أشقاه الكره والحسد وللتعبير عن هذه التناقضات البشرية كان المزج الرقيق بين فن الرقص الحديث أو الباليه العصري والرقص الفولكلوري الشعبي في التحطيب والغناء الشجي «لفاطمة محمد علي»..
وإذا كان كل فرد فيمن قدموا العرض هو بطل في العرض فلا بأس من الإشارة إلى رقص فرقة فرسان الشرق ومنهم «ياسمين سمير» و»محمد هلال» وقبل كل هؤلاء تحية خاصة وخالصة للمخرجة «كريمة بدير» التي هيأت للعرض مجموعتين تتبادلان العرض الذي لم يدم أكثر من يومين بأوبرا القاهرة ويومان في أوبرا الإسكندرية مسرح سيد درويش.
 بعد ذلك لي كلمة أوجهها لكل من بيده أمر في وزارة الثقافة وعلى رأس كل المسئولين وزيرة الثقافة.
 حينما تم نقل مومياوات ملوك وملكات مصر القديمة في أجواء احتفالية أسطورية قرأت تعليقات كثيرة إيجابية في مواقع التواصل الاجتماعي منها هذه العبارة: «ما دام احنا جامدين كده.. ليه ده مش ظاهر؟» هذا موجز لملاحظات جمهور محب لبلده وتاريخه وفنه، وقد عبر عن إعجابه بدقة الاحتفالية وروعة الموسيقى الممتدة على مدى الاحتفالية والأصوات التي شدت بغناء كأنه تراتيل في حب مجد مصر..
 وأنا بدوري أسأل.. إذا كنا نملك كل أدوات الفن الرفيع.. ونملك إدارة العمل الجاد ولدينا مؤسساتنا الثقافية والفنية كوادرها وأعمالها الفنية، ومنها هيئة الكتاب والبيت الفني للمسرح، وقصور الثقافة، وأكاديمية الفنون والمجلس الأعلى للثقافة والمجلس القومي للترجمة ودار الأوبرا بجميع فروعها وتخصصاتها.. وما تقدمه من أعمال رفيعة.. أسأل: أليس من حق الجمهور العادي الذي لا يرتاد المسرح أن يستمتع ويستفيد بمشاهدة الأعمال مصورة على مواقع وزارة الثقافة أو على المواقع الالكترونية المتاحة لتنظيف سمع ورؤية الجمهور من التلوث السمعي لأصوات منكرة تقدم أردأ ما يمكن لإنسان أن يقدمه سواء فى الجهل بالفن أو فقدان الذوق أو نشاز الأصوات التى تكاد أن تكون نهيقًا.
 وإذا كانت قوانين هذه المؤسسات الفنية تمنعها من تسجيل إنتاجها وعرضه على أغلبية الناس.. فلم لا تصدر الوزارة تشريعًا يسمح بتسجيل وعرض هذا المنتج الرفيع.. وإذا كانت سلطة الوزارة لا يمكنها فعل ذلك فلماذا لا نستصدر تشريعاً من المجلس التشريعي لهذا الغرض.
إذا كنا نريد حقًا أن نعيد الذائقة الفنية إلى جمهور مغلوب على أمره لأنه ضحية ما يقدم له من بضاعة مزجاة غثة، لا هي فن ولا أدب ولا أخلاق بل قبح في قبح في قبح.
 أليس عيبا أن عرضا رائعا كأسطورة إيزيس يعرض ليلتين في القاهرة وليلتين في الإسكندرية ثم ينتهي كل شئ وكأنه لم يكن؟!


عبد البديع عبد الله