بائع متجول.. وأزمات الإنسان الاجتماعية والاقتصادية

بائع متجول.. وأزمات الإنسان الاجتماعية والاقتصادية

العدد 792 صدر بتاريخ 31أكتوبر2022

قدمت الأردن العرض المسرحي الموسوم ( بائع المتجول) عن نص ( موت بائع متجول (Death of a Salesman)‏ للكاتب المسرحي الأمريكي آرثر ميلر، واخرج هذه المسرحية الأردني المعتمد المناصير وذلك ضمن فعاليات مهرجان بغداد الدولي للمسرح الدورة الثالثة، والمسرحية مهمة بوصفها تطرح إشكاليات تتعلق (بصراع العائلة الواحدة/ الصراع مع المجتمع/ صراع الطبقة الاشتراكية والرأسمالية) صراع الحصول على المال، البطالة، الرهن العقاري، الحصول على فرصة عمل، (المغامرة في عالم الأسواق) وغيرها من المشكلات التي تتمحور حول مفهومي (الأزمة الاقتصادية، الأزمة الاجتماعية) فالبطالة وفقاً للابن ( تقتل أي تفكير بالعمل) (شاب لا يربح سوى بضع دولارات انه أمر مخجل) (شاب تساوي ساعته دولاراً واحداً) كل هذه الثيم التي تشكل بنية الأزمات التي أشرت لها إنما تشيء بالفكر الاشتراكي الذي يمحور هذه المسرحية، بانتقادية عالية إلى مفهوم الرأسمالية وما تنتجه وتلقي بظلالها على الطبقة البروليتارية (بدلالة رب العمل الذي يطرد ويلي) ولا يقبل أن يبقيه حتى لو كانت أجرته الشهرية (40 دولاراً) أنها توثق لحقبة خانقة تشكل رعب حقيقي وأزمات نفسية واجتماعية للإنسان إزاء مخاوفه من الحصول على المال مقابل ما يبذله من جهد (جسدي) مما يجعله يعاني الأمرين، الإفلاس أو الاكتئاب ومحاولة إنهاء الحياة (الانتحار) بصراحة كنت أتمنى من المخرج أن يحاول أن يسقط كل الثيم على واقعنا العربي على الأقل فيشير ضمن مدلولات هذا النص (الواقعي/ الرمزي) إلى أبرز أزماتنا الاقتصادية الاجتماعية التي ظهرت على السطح في سنواتنا الأخيرة بخاصة في ظل التغيرات التي حدثت في منظومة الأنظمة العربية كافة، أو حتى قبلها خلال حقب الحروب والأزمات المالية، إذ بدأ الإيقاع بملامح غربية خالصة، من التسميات وحتى إيقاع الحدث المسرحي والحوارات (لشخوص المسرحية) رغم المقدرة العالية للممثل الذي أدى دور الأب (ويلي) ناهيك عن الاستخدام المميز (للموسيقى والإضاءة) والتي كانت تتأزم مع فعل الصراع (الداخلي) للشخوص المسرحية، وتتصاعد وفقاً لتصاعد وتيرة التأزم التي تصيب الشخوص جراء الفاعل الضاغط الخارجي والخوف الذي يصيب (الأب) جراء عدم مقدرته بالحصول على القسط الأخير للمنزل والتحولات اللونية للضوء مع تلك الإرهاصات السيكولوجية، فضلاً عن تحول المفردة الديكورية في هذا العرض المسرحي (مدلولات السرير، السيارة، محطة انتظار، كراسي انتظار، كيس ملاكمة، شبكة سلة)،( المشنقة / السوط ) والناي ومرموزاته (الحنين إلى الماضي واختلاج الذكريات) كما أن في العديد من مشاهد المسرحية الصراع أخذ شكل (الأداء الجسدي التعبيري) ذلك لما تعتمل الذوات من شحنات متأزمة بخاصة الأبناء وعلاقتهم مع الأب ورؤيتهم للواقع الخارجي (بوصفه) يمثل الصراع بالحصول على (المال/فرصة العمل)، أن المسرحية بإيقاعها ذات النسق الأحادي، ترتكز بجوهرها على (ثيمة الموضوع) لذا كان على المخرج المسرحي أن يقرب مدلولاتها اكثر من واقعنا العربي بصورة اكبر، لتكن قريبة بعملية التواصل مع الجمهور(المتلقي) لهذه الفكرة المهمة جداً في منطقتنا العربية.


حيدر الأسدي - ناقد وأكاديمي ( العراق )