«سيدة الفجر».. حين يكون الموت امرأة جميلة

«سيدة الفجر»..  حين يكون الموت امرأة جميلة

العدد 728 صدر بتاريخ 9أغسطس2021

خلال الأحداث يتعرف الجد على الزائرة الغريبة التي دخلت إلى منزله راغبة في الدفء وتضفي جوًا سحريًا حولها أينما وجدت، فيكتشف أنه رآها عدة مرات تساعده في تذكرها وهي: يوم الاحتفال الكبير وهو اليوم الذي غرقت فيه حفيدته في النهر، ويوم الثلوج التي سقطت على القرية ومات عدد كبير من سكانها بسببها، ثم يوم انفجار المنجم الذي راح ضحيته أولاد خادمه طرفه السبعة، فيخاف منها لكنها تعده أنها لم تمس أحدًا من هذا المنزل بل تؤكد له أن أحفاده سيكون لهم أحفاد، من هنا نعرف أن هذه السيدة تجسد الموت لكنها لم تأت في هذه المرة لتأخذ إذن لماذا أتت؟ وهو السؤال الذي سنجد إجابته خلال أحداث العرض، فسكان هذا المنزل كانوا قد فجعوا منذ أربعة أعوام بفقدان الإبنة الكبرى التي تدعى أنجيلا وقد ماتت غرقًا في النهر لأنهم وجدوا شالها فوق مياهه في صباح اليوم التالي لعرسها، هكذا اعتقدوا كما اعتقد أهل القرية كلها، لكن الحقيقة أنها هربت مع عشيق لها، وتركت مارتن زوجها الذي شاهدها بنفسه لكنه أخفى هذه الحقيقة عن كل الناس لتظل في نظر الجميع شهيدة.
أثناء وجود هذه السيدة يحضر مارتن حاملاً فتاة أنقذها من الغرق في عمر فتاتهم الراحلة، هذه الفتاة هي آديلا التي يرحبون بها وتملأ حياتهم بهجة بعد سنوات الحزن التي عاشوها ويقع في حبها مارتن وتبارك الأم هذا الحب.   
وخلال احتفال ديني شعبي يحضره كل أفراد الأسرة وهم في غاية السعادة، تعود  الفتاة عاقدة العزم على أن تقبل قدم زوجها وأسرتها ليغفروا لها جريمتها بعد أن هجرها من هربت معه، فتلتقي بهذه الزائرة التي تنصحها بعدم تشويه الصورة الجميلة التي شكلها الأهالي عنها، وتقول لها: «أن الجمال حتى لو كان مزيفًا وجهٌ آخر للحقيقة» لترحل معها باقتناع تام بل وسعادة أيضًا، خاصة بعد أن عرضت عليها بعض الأحداث والتفاصيل التي حدثت في البيت بعد وجود أديلا، من خلال المادة الفيلمية التي نفذها عمرو وشاحي.
النص تأليف اليخاندرو كاسونا وهو يعبر عن فلسفته أو فكره الذي قدمه في كل نصوصه التي يمزج فيها بين الخيال والواقع، لكنني اعتبره من وجهة نظري النص الأهم، فهو يجسد فيه الموت بل ويصبغه بالجمال حيث جسده في صورة امرأة جميلة، ولم يكتف بذلك بل قدم وجهًا آخر للموت فهو من وجهة نظره ليس مجرد فقد وحرمان بل أنه قادر على المنح أيضًا، وقدم من خلاله صورتي الموت كما جاء في الديانة المسيحية حيث موت الروح بالسقوط في الرذيلة، وموت الجسد حيث خلود الروح، وقدم قيمًا إنسانية غاية في الروعة منها صمت الزوج المطعون وحفاظه على سيرة زوجته حتى لا يجرح عائلتها، كذلك الأم التي قبلت بفتاة أخرى تحل محل ابنتها في كل شئ بل وتتزوج زوجها.
 ثراء هذا النص يحتاج إلى فكر ثري وغير مألوف وهو ما فعله د. أسامه رؤوف مخرج العرض حين جعل هذا العرض رغم بساطته ملغزًا باستنساخ هذه السيدة وجعلها ثلاث سيدات في البداية ثم أخذ العدد يتزايد في النهاية، فالموت له خصائص معلومة وتم تجسيد هذا المعنى حيث اتصفت كل الشخصيات بخصائص واحدة حيث الحكمة والهدوء والملابس....، لكن وجهه غير معلوم فتتبدل الوجوه لكن المعنى واحد والهدف واحد، وربما عبر هذا التعدد عن فكرة الحصار حيث لا يمكن الفرار من الموت، اللغز لم يكمن في تغيير الشخصية فحسب، لكن اللغز من أين يدخلن ويخرجن وبهذه السرعة والحرفية التي جعلت البعض يبحث عن مخارج بالديكور. هذا الديكور الذي صممه عمرو الأشرف وقد عبر عن الحالة الاجتماعية لهذه الأسرة البسيطة حيث أريكتين ومدفأة، باب المنزل التراثي، شباك،  باب تتدلى منه ستارة يفضي إلى الداخل.
مكياج إسلام عباس بطلاً حقيقيًا حيث يجعلك تشعر أنك في معية أشخاص خارقون للعادة فلا تستطيع النظر إليهم، كذلك مكياج الأم الذي نقل البطلة إلى مرحلة عمرية أكبر بكثير من عمرها الحقيقي، كذلك تسريحة الشعر والتي اختلفت تمامًا حين ظهرت الإبنة والتي جسدت شخصيتها البطلة نفسها، الملابس التي صممتها شيماء محمود تبدو غريبة إلى حد ما، حيث تعبر عن كائنات متخيلة وليست واقعية، أما الأم فترتدي طوال الوقت فستان أسود يليق بحالة الحزن التي تعيشها، أما باقي الشخصيات فملابس تتناسب مع زمان ومكان الأحداث.
إضاءة: د. أسامة. رؤوف وتنفيذ: محمد محمود، نادي دويدار أيضًا بطلاً حقيقيًا وفاعلاً في الأحداث، خاصة مع طقس الغموض الذي يسيطر على العرض، كذلك موسيقى الفنان الكبير هاني شنودة والتي تحكي لنا بلغتها تفاصيل الحدوتة، وتعبر عن كل لحظة من: حزن، فرح، صدمة، خوف، رفض، استسلام......الخ كل المشاعر التي تضمنها العرض.
 آداء الممثلين هو السهل الممتنع: نشوى إسماعيل الأم المكلومة التي فقدت ابنتها وهي عروس، وتحيا على أمل واحد هو العثور على جثمانها ودفنه في التراب الذي خلق منه، وقد عبرت عن ذلك بحرفية سيدة مسرح راسخة ومتمكنة من حيث تعبيرات الوجه والحركة وانحناءة الظهر، كذلك القدم الثقيلة إلى حد ما والتي تظهر بوضوح مع الحركة، هذا الآداء الذي اختلف 180 درجة حين جسدت شخصية الإبنة فاستقام الظهر المحني وسرعت الخطوة وصعدت السلم بسرعة وكفاءة عالية وكأنها شخصية مختلفة بالفعل.
الفنان الراسخ مجدي شكري الذي جسد شخصية الأب والجد بحكمته وحبه خوفه على أحفاده، وقدرته على إقناع ابنته أن تحل أديلا محل ابنتها.
أما الفنانات الثلاث اللائي قدمن شخصية الموت بوجوهه المتعددة: بدور زاد، مي رضا، وفاء عبده، ثلاث وجوه لشخصية واحدة تتسم بالحكمة والوقار، ورغم ذلك استطعن أن يجعلن لكل وجه سمات خاصة به من حيث الآداء المميز لكل شخصية، ثلاثتهم توحدن مع هذه الشخصية وتلبستهن بالمعنى الحرفي للكلمة مع البصمة المميزة لكل منهن.
راندا جمال التي جسدت شخصية اديلا الفتاة المعذبة التي تغيرت حياتها تمامًا حين شعرت بالحب والدفء في كنف هذه العائلة، فأصبحت هي الأخرى مصدر السعادة لأفرادها، فقدمت شخصيتين على النقيض تمامًا بقوة الآداء نفسها.
 مصطفى عبد الفتاح الذي جسد شخصية مارتن الزوج المطعون في حبه وعلى الرغم من ذلك يكن كل الحب والاحترام ببساطة ومن دون افتعال.
كذلك الفنانان عادل سمير وخالد يوسف فاختيار الممثلون موفقًا جدًا.
 في النهاية فإن العرض نجح في إحداث متعة فكرية وبصرية وسمعية من خلال امتلاكه لكل مفردات العرض المسرحي المتميز والذي قدم في زمن قصير جعل المتلقي لا يشعر مطلقًا بالملل وبلغة عربية فصيحة خالية من أي أخطاء.
 العرض إنتاج مسرح الطليعة تأليف اليخاندرو كاسونا واخراج أسامة رؤوف، بطولة نشوى حسن، مجدي شكري، بدور زاد، مي رضا، وفاء عبده، راندا جمال، مصطفى عبد الفتاح، نيفين المصري، عادل سمير، آية عبد الرحمن، خالد يوسف.


نور الهدى عبد المنعم