«قواعد العشق الأربعون» رواية صعبة ومخرج مغامر

«قواعد العشق الأربعون» رواية صعبة ومخرج مغامر

العدد 602 صدر بتاريخ 11مارس2019

من الذكاء أن يحتفل المسرح مع الجمهور بعيد الحب بتقديم عرض مسرحي يعبر عن الحب ويجسده في أبهى صوره، حيث إن العرض الذي تم اختياره لهذه المناسبة يؤكد لنا أن السعي وراء الحب يغيرنا، بل ويجعلنا ننضج أثناء رحلة السعي هذه، وإن ديننا هو دين العشق، وجميع البشر مرتبطون بسلسلة من القلوب، لا شك أنها أعظم هدية يُقدمها مسرح السلام بقيادة الفنان أشرف طلبة لرواده ومحبيه في يوم الحب، بإعادة تقديم العرض المسرحي “قواعد العشق الأربعون” تأليف إليف شافاق وإعداد ورشة كتابة متميزة، إخراج عادل حسان.
هناك آراء تؤكد على أن إعادة الأعمال المسرحية يعد إفلاسا وعجزا عن تقديم عروض جديدة، قد يكون ذلك صحيحا عندما يحدث في مسرح الطفل، وخصوصا العرائس الذي أصبح إنتاجها من الصعوبة لتكلفتها المرتفعة جدا، وربما لندرة الفنانين العاملين في هذا المجال الذي تربع على عرشه مجموعة من الفنانين قل الزمان أن يجود بمثلهم، منهم: صلاح جاهين، سيد مكاوي، ناجي شاكر، صلاح السقا، محمود شكوكو، وغيرهم.
لكن ماذا عن مسرح الكبار؟ وماذا لو أن العرض يحظى بالإقبال نفسه في كل مرة يقُدم فيها، بل إن الجمهور يحرص على مشاهدته أكثر من مرة وكذلك النقاد؟ كل هذه الأسئلة لها إجابة واحدة، هي أن العرض ناجح وأن هذا النجاح له مقومات عُدة بداية من الرواية التي تصدرت المبيعات في العالم، وبعد ترجمتها إلى العربية تنال الاهتمام نفسه وربما أكثر بين مثقفي وقراء الوطن العربي. هي رواية «قواعد العشق الأربعون» للكاتبة التركية إليف شافاق وتعود أهمية هذه الرواية ليس للإبداع الأدبي فحسب ولكن لاحتوائها القصة التاريخية التي مزجتها الكاتبة بالواقع الحاضر، وهي قصة صداقة شمس التبريزي وجلال الدين الرومي التي تعبر عن أهمية الحب والتصالح مع الذات، والعلاقة الخاصة مع الله في مواجهة التطرف والفقه المتشدد، الذي يصعب على الكثيرين الالتزام به.
تتميز هذه الرواية بالتكنيك الذي يمزج بين قصتين في آنٍ واحد، قصة معاصرة تدور أحداثها في القرن الواحد والعشرين، وقصة الفقيه جلال الدين الرومي وصديقه شمس التبريزي التي تدور أحداثها في القرن الثالث عشر الميلادي، وتعمدت الكاتبة أن تحكي قصتين في زمانين مختلفين لكنهما يتشابهان في الصراعات الطائفية والحروب وانعدام الأمان بالقدر نفسه.
لذلك تعد مغامرة كبرى حين يلتقطها مخرج مسرحي ويقرر أن يحولها إلى مسرحية، ويحسب للفنان عادل حسان هذه المغامرة التي كلفته الكثير من الوقت والجهد والمعاناة والعقبات التي واجهته، ربما كان أقلها هو توقف المسرح للتجديد، وتأجيل افتتاح العرض لعدة مرات، وأتذكر ذلك جيدا.
غير حسان تكنيك الرواية تماما، ولم يذكر الجزء الذي يخص البطلة التي تحيا زماننا الحالي، واكتفى بقصة شمس التبريزي مع جلال الدين الرومي وأسرته والتغيير الذي أحدثه في حياتهم، وكذلك زهرة التي كانت تمتهن البغاء وتابت على يديه وانتقلت للعيش في منزل جلال الدين الرومي.
لم تكن المغامرة في الكتابة فحسب، التي ترجع للورشة المكونة من رشا عبد المنعم، ياسمين إمام، خيري الفخراني، ولكن على مستويات أخرى، حيث استخدم تكنيك السينما في سرد الأحداث من خلال تقنية (الفلاش باك) الذي لم أره من قبل في عرض مسرحي، حيث يتكرر مشهد القبض على شمس التبريزي مرتين في أول العرض وآخره. ويتخللهما سرد الأحداث، كذلك تقنية التعدد في (اللوكيشن) على المستويين الرأسي والأفقي، وتحرك الفنانين فيها بسلاسة وحيوية من دون أية أخطاء.
كانت المغامرة الكبرى وقت العرض الأول التوقيت حيث كانت تتعالى فيه الأصوات مطالبة بتجديد الخطاب الديني، من دون ذكر لشكل الخطاب الديني المطلوب، فيأتي هذا العرض المسرحي ليعرض لنا الخطاب الديني كما يجب أن يكون من دون أي تدخل، فقط عرض نماذج تمثل قدوة حقيقية غاية في البساطة من دون تقعر ولا تدخل، فهذا هو ما نحتاجه، وأعتقد أن المسرح له السبق في ذلك على المسجد، فحين نجد أمامنا شمس الدين التبريزي وجلال الدين الرومي ونتعرف منهما كيف يكون التسامح وكيف يكون الحب وكيف تكون الأخلاق في احترام الآخر، خاصة لو كان هذا الآخر هو المُعلم، مؤكد سيتغير كثير من الممارسات الأخلاقية التي نعاني منها جميعا وسيتغير وجه المجتمع، من هنا وجب ذكر أعمال مسرحية كثيرة قامت بالدور نفسه منها: «سيد الوقت» الذي تناول قصة العالم الزاهد السهروردي، وعرض «يوم أن قتلوا الغناء» الذي يؤكد أن الغناء خلقه الله مع خلقه للكون ولم يحرمه، وعرض «شامان» الذي يدعو إلى الحب والتسامح... إلخ هذه العروض التي تؤكد على الدور التنويري للمسرح، الذي اختفى طويلا في مرحلة سابقة اعتمد فيها المسرح على النكات والإفيهات، ولأننا ما زلنا نحتاج لهذه النوعية من العروض يحسب للمسرح إعادة تقديم هذا العرض.
نجح عادل حسان بهذا العمل في تحقيق عدة معادلات صعبة، فقد استطاع أن يقدم نحو 50% - إن لم يكن أكثر - من قواعد العشق التي جاءت في الرواية عن شمس التبريزي، منها: إن الطريقة التي نرى فيها الله ما هي إلا انعكاس للطريقة التي نرى فيها أنفسنا، إن الطريق إلى الحقيقة يمر من القلب لا من الرأس، إن كل قارئ للقرآن الكريم يفهمه بمستوى مختلف بحسب عمق فهمه، يمكنك أن تدرس الله من خلال كل شيء، يتكوّن الفكر والحب من مواد مختلفة، تنبع معظم مشكلات العالم من أخطاء لغوية ومن سوء فهم بسيط، الوحدة والخلوة شيئان مختلفان، فعندما تكون وحيدا من السهل أن تخدع نفسك ويخيل إليك أنك تسير على الطريق القويم، أما الخلوة فهي أفضل لنا، إن السعي وراء الحب يغيرنا، فما من أحد يسعى وراء الحب إلا وينضج أثناء رحلته، إن ديننا هو دين العشق، وجميع البشر مرتبطون بسلسلة من القلوب، فإذا انفصلت حلقة منها حلت محلها حلقة أخرى في مكان آخر.
وتكتمل الحالة الصوفية بغناء الفنان سمير عزمي والفنانة أميرة أبو زيد، مع ألحان الفنان الدكتور محمد حسني، مع كلمات جلال الدين الرومي، السهروردي، ابن الفارض، محيي الدين بن عربي، الإمام سعيد بن أحمد. مع رقصات فرقة المولوية. فيدخلنا العرض في حالة من التسامي والتحليق في عالم الروحانيات، خاصة مع الصورة البصرية المتمثلة في الديكور الذي صممه الفنان مصطفى حامد الذي جسد من خلاله منزل جلال الدين الرومي والمسجد وبيت البغاء، معبرا من خلاله عن الفن العربي الأصيل المتمثل في الأرابيسك والتشكيلات الفنية الرائعة، والإضاءة التي صممها الفنان إبراهيم الفرن وجاءت معبرة مع كل مشهد عن الحالة الوجدانية ليست للفنانين فحسب بل للمشاهد الذي يعتبر مشاركا في الأحداث بدخوله الوجداني فيها، خاصة مع رقصة المولوية التي استخدم معها إضاءة الليزر برسوماتها وأشكالها العربية أيضا.
أما الفنانون، فأعتقد أن هذا العمل لم يجعلنا نعيد اكتشاف الفنان الرائع بهاء ثروت فحسب، بل إنه هو أيضا أعاد اكتشاف نفسه، والرائع الكبير الفنان زين نصار، دينا أحمد، فوزية، كل الفنانين نجحوا في إثبات أنهم على قدر المسئولية واختيار موفق من المخرج.
إنها حالة فنية متكاملة تجعلنا نرفع القبعة للمخرج الكبير عادل حسان ونقول له أحسنت.

 


نور الهدى عبد المنعم