زياد هاني: العرض مواجهة حقيقية بين الأباء والأبناء

زياد هاني: العرض مواجهة حقيقية بين الأباء والأبناء

العدد 790 صدر بتاريخ 17أكتوبر2022

الممثل والمخرج زياد هاني كمال، طالب بأكاديمية الفنون بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج، تخرج في جامعة عين شمس كلية التجارة قسم اللغة الانجليزية، ثم بدأت مسيرته الفنية من مسرح المدرسة حيث شارك في العديد من المسرحيات والمسابقات بداية من الصف الرابع الابتدائي، وحاز على العديد من الجوائز في التمثيل وحصل على المركز الأول على مستوى الجمهورية في القاء الشعر 7 سنوات،  ثم التحق بمسرح الجامعة وبالتحديد فريق التمثيل بكلية التجارة، قضى وشارك  في 12 عرضًا مسرحيًّا منها (هبط الملاك في بابل - قابل للكسر - سينما 30 - أورفيوس - الجزيرة الخضراء - البؤساء - الغريب) وغيرهم من العروض، حاز على جائزة التمثيل خمس مرات، وكانت أول تجربة إخراجية له بعرض (طقوس الاشارات والتحولات) الذي حاز على جائزة أفضل عرض وأفضل مخرج بمهرجان الجامعة والمهرجان العربي  وأخرج بعدها العديد من المسرحيات منها (اسكوريال - تشويش مقصود - اوركسترا البارود) وغابة الاحلام العرض الذي حاز من خلاله على جائزة افضل مخرج بالمهرجان القومي و حاز أيضًا على أفضل عرض، وقد شارك كممثل في العديد من الأعمال التليفزيونية، أخرها مسلسل وسط البلد.
«استدعاء ولي أمر» هي أول تجربة إخراجية لـ»زياد هاني» على مسرح الهناجر بمركز الهناجر للفنون، عن تلك التجربة واسئلة أخرى، كان لنا معه هذا الحوار.
حدثنا عن تجربة «استدعاء ولي أمر»؟
بدأنا هذه التجربة من بثلاث أشخاص، من خلالي بصفتي المخرج ومحمد السوري المؤلف وبطل العرض مصطفى رأفت، وكان في بداية التجربة مخرج منفذ أيضًا، ولكن عند مرحلة محددة أصبح يمثل فقط، وأصبح معي عادل مبروك كمخرج منفذ، ففي بداية التجربة كُنا نحن الثلاثة من أبريل 2021، من ما يقرب من عام ونصف تقريبًا، وتحدثنا مع الفنان شادي سرور حول تلك التجربة، وأننا نرغب في تقديمها على مسرح الهناجر، وكُنا مازلنا نصنع الفكرة، وكان متحمس جدًا، وعندما تكتمل الفكرة يمكننا مناقشة ذلك، فبدأنا في التفكير في أكثر من شيء أساسي ونحن نصنع الورق، أولًا يجب أن نقدم عمل يلمس الجمهور ويكون عمل اجتماعي يمس البيت المصري، حتى يشعر الجمهور أن العمل قريب منه، وليس مُوجّه لشريحة خاصة، بالعكس كل من سوف يشاهد العرض يشعر أن الموضوع فكرته بسيطة، ولكنه لا يُقدم بشكل بسيط،  له بصمة خاصة وشكل خاص بكل عناصر العمل، من إخراج وسينوغرافيا وموسيقى وكل التفاصيل، كان أكثر ما يهمنا أن تصل الفكرة لكل الناس وعلى المستوى الفني نصل لأقصى درجة ممكنة من الأشكال الفنية التي نستطيع أن نصل إليها.
التجربة أخذت فترات في بناء الفكرة، العرض استغرق سنة وعدة أشهر كصناعة ورق، وبعد فترة مع التغيرات التي تحدث حولنا، الموضوع يناقش فكرة ولد يعيش مع عائلته، ويتدمر نفسيًّا من ما يشاهده ومن معاملتهم له، والأمر يصل معه لمراحل متطوره جدًا، ونحن نصنع هذه التجربة وقعت ثلاث حالات انتحار، وهذه أقصى درجة لمن يتعرض لما تعرض له بطل العرض، وأصحاب حالات الانتحار، كانوا يكتبون بوستات على الفيسبوك قبل انتحارهم تحتوي على وصية أو كلمات أخيرة، لا تحمل إلا عبارات شبيهة بـ”أبويا ما يمشيش في جنازتي” وكل هذه الحالات المؤلمة كانت تجعلنا نتأكد أننا نسير في الطريق الصحيح، والرسالة التي نرغب أن نوجهها للمشاهد وأن هذا وقتها، ويجب أن نواجه أنفسنا بالحقيقة وأن المجتمع أصبح به مشكلة كبيرة تزداد يومًا بعد يوم.
أنا ومحمد السوري صنعنا الفكرة و قمنا بتطويرها من البداية معًا، كان هو يكتب ونبدأ في النقاش في ذلك أولًا بأول ونطور شيئًا فشيًا، لم أصنع جمل حوارية ولكنني تدخلت في رؤيتي كمخرج، وهذا ما جعل الموضوع في النهاية متكامل ومتجانس، حتى أن “سوري” كتبه بشكل سينمائي وبنقلات سريعة، وهذا على المسرح يكون صعب، ولكنني أحب هذا التحدي، حتى نصل لأقصى درجة ممكنة من ما نرغب في تقديمه بأفضل صورة.
العرض يدور حول الأسرة المصرية، أو الأسرة بشكل عام، العلاقة بين الابن الذي يقدم تربية غير سوية، فتكون شخصا مشوّها، يصل الأمر معه لمراحل متطورة جدًا، لدرجة أنه عندما يأتيه استدعاء ولي أمر في المدرسة، يخاف أن يواجه والده، من ما تربى عليه وخوفه من المواجهة وخوفه من معاملة الناس، فالبداية تكون بخوفه من مواجهة والده، عندما يأتيه “استدعاء ولي أمر” وهنا تحدث النقلة في حياة بطل العرض “يحيى رؤوف”، عندما يأتيه استدعاء ولي الأمر، واسم العرض سمي بذلك لأنه يحمل جزئين، المعنى الحرفي لاستدعاء ولي أمر، إلى جانب استدعاء بطل العرض لوالده في الحياة، لأنه لا يجده طوال الوقت على الرغم من وجوده الجسدي، ولكنه في الحقيقة لا يعرف عنه أي شيء.
“استدعاء ولي أمر يحمل جزئين” جزء الدراما الحقيقية للنص، وخاصة أن بطل العرض يأتيه بالفعل استدعاء ولي أمر خلال أحداث العمل، وبمجرد أن يأتيه يبدأ يكتشف حقيقة أن والده غير متواجد بشكل حقيقي، ويبدأ الصراع وكيف سيخبر والده بذلك، وتطور الأحداث، ويبحث “يحيى” عن أي شخص يقوم بدور والده، حتى تحدث المواجهة بينه وبين والده، ومن بعدها تبدأ الأحداث تتطور، وهناك جزء ثاني من تسمية العرض، أن هناك أحداث كثيرة تدور حول المسرحية داخل رأس بطل العرض، فهو يستدعي ولي أمره داخل رأسه ليقوم معه بهذه المواجهة، فهذا الشق الثاني على مستوى تسميه الاسم، وهناك شق ثالث على مستوى الجمهور، أننا نستدعي كل ولي أمر في الحياة، ليرى المشكلة التي تحدث، لأنك إذا رأيت نفسك بدلًا من هذا الأب، يجب أن تعيد حساباتك مع نفسك ومع أطفالك، هذا ما نرغب في عرضه في المسرحية، نحن نوجد المشكلة ثم نضع يدكم عليها، بمعنى لا تجعلوا أولادكم يصلوا يومًا ما لما وصل إليه بطل العرض “يحيى”.
دعنا نتعرف معك على اختيارك لفريق عمل العرض؟
على مستوى الممثلين، مصطفى رأفت «يحيى» ومصطفى سعيد «الأب» ولمياء الخولي «الأم» وبتول عماد «هدير شقيقة يحيى» وميسرة ناصر ونانسي نبيل وعمر عبد الباري «الأطباء» ولؤي سامي «المدرس» ومونيكا هاني «إيمان حبيبة يحيى» وأدهم هاني «الشخص المتسول على رصيف محطة الانتظار»، كان الاختيار الأول للممثلين. معيار اختياري لكل عناصر العرض أن يكونوا شركاء في التجربة، وعلى وعي بصناعة التجربة وكل ما يدور فيها، فكان لابد من اختيار ممثلين على وعي عالي، مثلوا في مسرح الجامعة فلديهم روح مسرح الجامعة، كل شخص فيهم هو أنسب شخص في دوره من وجهة نظري، والحمد الله كل من شاهد العرض قال ذلك، وأنني أحسنت اختيار الممثلين. صناعة الورق هي التي أخذت مدة أطول سنة وشهرين تقريبًا، وبروفات التمثيل ما يقرب من ثلاثة أشهر، والوقت المكثف الشهر الأخير قبل العرض.
المكياج نادين أشرف، وأراها من وجهة نظري من المتميزين في فن المكياج رغم صغر سنها، ومازالت تخطوا خطواتها للاحتراف، وكنت أراها مناسبة للعرض برؤيتي، خاصة أن العرض يعتمد  على أشياء ما بين الحقيقة والخيال، عناصر العرض السينوغرافيا كلها ديكور وإضاءة وملابس ومكياج جميعها مثلما هي في رؤيتي، الحقيقة جميعهم استطاعوا فهم رؤيتي وطوروا ذلك للأفضل أيضًا، الأزياء هاجر كمال، وأول عمل لها كان معي في الجامعة، وكانت على وعي بالتجربة واستطاعت أن تحقق فكرة ما بين الحقيقة والخيال واختيار الألوان، وفي الإضاءة إبراهيم الفرن “الأستاذ”، العرض في واقع الأمر مسرحية، ولكن طريقة سردها وكتابتها وإيقاعها يتم بشكل سينمائي، ولدي تنقلات سريعة، وفي المشهد الواحد لدي أكثر من مشهد داخل المشهد نفسه، وهو استطاع تحقيق ذلك، الإضاءة والديكور كانوا من أهم عناصر نجاح العرض، ولأن المثلث ما بين الإخراج والإضاءة والديكور كانوا على وعي وتواصل دائم، والأضلاع جميعها تلاقوا معًا، هذا جعل العرض يظهر بهذا الشكل، وفي الديكور هبة الكومي، أنا محظوظ بتواجدها معي في هذه التجربة، لدي أكثر من “لوكيشن” محطة انتظار والبيت ومستشفى ومدرسة وحديقة وغرف البطل وأخته، ما يقرب من 8 أو 9 اماكن، فكيف أظهر ذلك على المسرح في نفس الوقت، والصورة العامة تعطيني إيحاء جيد، واستطيع أن أظهر كل مكان  بمفرده دون عناء، الصورة كلها صالة البيت، لأنها هي المنبع الأساسي التي تدور فيه المسرحية، المشكلة الحقيقية داخل البيت، استطاعت أن توجد حلول أبواب متحركة، وحققت كل رؤيتي واستطيع أن أتحرك بتنقلات سريعة، وأحقق الصورة المتكاملة. الإعداد الموسيقي والمخرج المنفذ عادل مبروك، ونحن نتعاون معًا منذ خمس سنوات، سواء أنا مخرج وهو منفذ أو العكس، كل الأعمال التي جمعتنا الحمد الله لاقت نجاحًا كبيرًا، “مبروك” هو عيني الثانية في هذه التجربة، وشكرًا لكل فريق العمل في مركز الهناجر، سواء عمال الصوت والإضاءة والديكور كل فريق عمل المركز متعاونين جدًا، وعلى رأسهم الداعم الأول للتجربة مدير مركز الهناجر للفنون المخرج والفنان شادي سرور، وكل الشكر لرئيس قطاع الإنتاج الثقافي المخرج والفنان خالد جلال.
حدثنا أكثر عن الديكور بالتحديد والعبارات المتواجدة على قطع الديكور.. هل الألوان والعبارات لها مدلول مُعيّن؟
هناك شكل قد تراه دائرة وقد تراه بأشكال أخرى، على محطة الانتظار، دوائر متداخله لونها أحمر، الأبواب لونها أحمر أيضًا، واللون الأحمر له مدلول قوي في العرض، له علاقة بالجريمة التي يرتكبها يحيى في العرض، لون الدم الذي يكون مُحرك في الاحداث، حتى ألوان الكراسي تذهب للون الأحمر، البيت نفسه احيانًا تراه منسق وجميل، وفي مشاهد أخرى تراه قديم وفيه تشوهات، كل تفاصيل الديكور غير متعمدة، من الكلام وقطع الديكور، والشباك الذي يتوسط المسرح في العمق، وهو المخرج الوحيد للخارج، ودون حرق الأحداث ولكن كل تفاصيل العرض متكاملة ومترابطة وتجعلك تشعر في لحظات أنك في واقع حقيقي وفي أحيان أخرى أن ذلك خيال، وهناك رابط بين الاثنين، على مستوى الصورة كل الأماكن متواصلة بعضها البعض ما عدا غرفتين، لأن في الأسرة نفسها ليس بينهم أي تواصل، وبينهم انفصال، فكان ذلك مقصود أن يكون كل جزء منفصل على الآخر.
حدثنا عن رد فعل الجمهور والنقاد والفنانين الذين حضروا العرض؟
ما كنا نفكر فيه من بداية هذه التجربة أن يكون العمل قريب من كل الناس، ويكون في نفس الوقت بمستوى فني على مستوى استقبال النقاد له والفنانين والصحفيين وكل من له قدرة على استيعاب التجربة بشكل فني، الحمد الله هذا ما كُنا نرغب في تحقيقة، وبعد ردود الأفعال على العرض، شعرنا أننا حققنا ما كنا نريد، وخاصة مع الجمهور العادي «الأسرة»، لغة الحوار والمواضيع المطروحة، أغلب من في القاعة، أخبرونا أنهم مروا بمثل هذه التجارب أو شخص قريب منه أو صديقة، الجمهور كان متأثر جدًا بالعرض وسعداء بأننا طرحنا هذه المشكلة حتى نجد حلول لها، ومن أجمل الآراء التي تلقيتها على كل المستويات، أن حضر أب العرض هو وابنه، والأب سأل ابنه عن رأيه في العمل، فأجابه أنه أعجبه بشدة، ولكنه قال له أنه يفعل معه مثل الأب في العرض، والأب بعدها اتصل بي، وأخبرني أنه سعيد جدًا بهذه التجربة التي غيرت وجهة نظره في الحياة، وأعادت تفكيره في تربيته لابنه، وهذا ما كُنا نريد،  الفن رسالة ونحن نرغب في تطوير المجتمع وطرح المشكلة وحلها. على مستوى النقاد والفنانين حضرت باقة من النقاد والنجوم والفنانين وصحفيين وإعلاميين ومنهم النجم محمود حميدة وسيدة المسرح العربي سميحة أيوب والفنانة القديرة سميرة عبد العزيز والفنانة القديرة مديحة حمدي والفنان القدير رشوان توفيق والفنان القدير أحمد ماهر وأستاذ ناصر سيف وأستاذ جمال عبد الناصر وأخرون من المخرجين والمنتجين، جميعهم الحمد الله أشادوا بالعرض وبتكامل عناصره، ولكن بالتحديد النجم الأستاذ محمود حميدة قال لنا عبارة لن ننساها «سعيد بتواجدي ولابد أن أحضر مرة أخرى ومعي أولادي وأحفادي، لأن العرض رسالة مهمة ويجب أن يراه أكبر عدد من الناس لأنه يستحق»، الحمد الله العرض يوميًّا «كامل العدد»، ونحزن كثيرًا للجمهور الذي لا يستطيع الدخول بعد حضوره إلى المسرح ولا يجد تذاكر، ويسعدنا أنهم يصرون على الحضور الأيام التالية، حتى الآن لم نتلقى أي رأي سلبي، ونحن نتقبل النقد جدًا، لأن النقد البنّاء هو عنصر التطوير الأول للفن.
شاهدنا على «السوشيال ميديا» طريقة مبتكرة في الدعاية، وتوزيعكم لخطابات «استدعاء ولي أمر» على المارة.. حدثنا عن ذلك؟
هناك عنصر هام جدًا من عناصر العرض، وهو «الدعاية»، فتصميم الدعاية لـ «محمد عبد الرحيم»، أراه من مصممي الدعاية المتميزين، كان لدينا وسيلة دعاية أخرى بعيدة عن البوستر والبانفليت، وهي استدعاء ولي أمر بشكل حقيقي، قمنا بطباعة الورق عليه استدعاء مكتوب بشكل حقيقي ووضعه في خطابات بريدية، وقمنا بوضع QR code، على النسخة يجعلك تذهب لصفحة الفيسبوك الخاصة بالعرض، والناس كانت متعجبة من هذا الاستدعاء، وفي نهاية الاستدعاء مكتوب “لو مش فاهم حاجة اعمل سكان للكود دا”، وبالفعل الناس بدأو يعرفوا عن العرض من خلال ذلك، ومن خلال السوشيال ميديا بشكل عام، والحمد الله الأخبار عن العرض سواء بين الجمهور أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو إعلاميًّا، الحمد الله جميعها إيجابية، وهذا الفضل بعد الله يعود لأفكار الدعاية ومصمم الدعاية محمد عبد الرحيم.


إيناس العيسوي