مسرحيون: التجريب يعد قفزة للمجهول والمسرح يعيش التجريب دائما

مسرحيون: التجريب يعد قفزة للمجهول  والمسرح يعيش التجريب دائما

العدد 785 صدر بتاريخ 12سبتمبر2022

أطلق المهرجان التجريبي برئاسة د. جمال ياقوت فى دورته ال29 مسابقة للنصوص المسرحية التجريبية القصيرة للكتاب فى مصر والعالم العربى، وتعد هذه المسابقة أحد أبرز المسابقات فى هذه الدورة وخاصة أنها تضخ للحركة المسرحية مجموعة من النصوص التجريبية القصيرة تحاول أيجاد صيغ جديدة لفنيات الكتابة المسرحية، فالتجريب لا يقتصر فقط على عناصر العرض ولكنه يشمل أيضا النص الذى يعد أساس العرض ومن هنا كان علينا أن نطرح بعض التساؤلات حول التجريب، منها هل النص المسرحي خاضع للتجريب وهل التجريب يقوم فقط على المخرج وفريق العمل.. خصصنا تلك المساحة لنستطلع أراء نخبة من المتخصصين والمسرحيين والنقاد حول تلك التساؤلات
د. مدحت الكاشف عميد المعهد العالي للفنون المسرحية ارتكز على عدة نقاط هامة فقال: أي نص مسرحي يقبل التجريب، فالتجريب يحول النص أيا كان إلى عرض؛ لكن لا يوجد تجريب عن طريق كتابة نص على نص آخر، ولكن يتم عن طريق عناصر العرض المسرحي التي يقودها المخرج فيتناول النص الدرامي بطريقة مختلفة، ويقدمه بشكل مختلف ولكن هناك شرط أخلاقي يرتبط بأخلاقيات المهنة وهى الحفاظ على 10% من أصاله النص، فلن يستطيع المخرج أن يغير في المبرر الدرامي، والأسباب التى أدت إلى تحول الشخصية ولكنه يستطيع أن يفسرها تفسير يتفق مع الشكل التجريبي الذى يقدمه شريطة أن يكون التجريب الذي يقدمه له معطيات وأسس، وليس من باب تغيير الشكل فقط، مسموح لأى مخرج التجريب على أي نص كلاسيكى أو غير كلاسيكي، وتابع : المخرج هو قائد العمل وصاحب التفسير الذي سيدخل النص التقليدي على عرض تجريبي فهو الذي يقوم باختيار كل العناصر ويحدد الأسلوب الذي يختاره مصمم المناظر ...... إلخ .

النصوص الكلاسيكية ملهمة للغاية فى التجريب
د. حسام عطا عن مدى خضوع النص المسرحى للتجريب قال: كل النصوص تخضع للتجريب ويمكن أن نراها من رؤية إخراجية تجريبية، ولا شك أن النصوص الكلاسيكية ملهمة للغاية فى التجريب المعاصر،وهناك مبحث كبير هو باب “ الكلاسيكات برؤية تجريبية معاصرة “ فكم قدمت “أوديب”، و”هاملت”، و”يوليوس قيصر” وغير ذلك من النصوص بل مسرح العصور الوسطى الأوروبية ومسرح العصور الإسلامية، كمواد خام.. مسرحية كانت ملهمة للعديد من التجارب المسرحية التجريبية المعاصرة. 
وتابع : المخرج هو صانع الأسلوب النهائى فإذا كان النص كلاسيكياً أو حداثياً أو تجريبياً؛ فالمخرج هو الذي يستطيع أن يصيغ هذا الأسلوب ربما يكون النص ينتمي لأحد التيارات المعاصرة، ويتم تناوله بطريقة كلاسيكية؛ لذلك يبقي المخرج ورؤيته وعمله مع فريق العمل هو صاحب الرؤية الفكرية والمدرسة الأسلوبية الأساسية التى يمسك من خلالها عدداً من المدارس والمذاهب المسرحية ؛ لأن المخرج هو الذى يصيغ تلك العناصر ليحقق ما نسميه بوضوح الطرح الفكرى والوحدة الأسلوبية المتناغمة فى عناصر العرض المسرحى .
وأضاف: ومسألة وجود مسابقة للنصوص التجريبية القصيرة مسألة متاحه قد حدث ذلك فى بداية الموجات التجريبية بأن كتب عدد من الكتاب نصوصاً تستغرق مدد زمنية شديدة القصر، أن يكون هناك تجريب فى الكتابة مسألة واردة وممكنه ومتاحه ومقبولة، ومعترف بها على الصعيد الإبداعي وعلى الصعيد النقدى، وكشف عطا عن عدة مفارقات هامة فقال : كرر المسرح المصرى مع المشروع التجريبي المعاصر مفارقه فى الستينيات وبالتحديد عام،1962 وهى ما تظهر أيضا فى مسألة الكتابة والتأليف، حدث بشكل واضح تبني الدولة لاتجاه يسار المسرح، بينما ظل المجتمع المسرحى على اليمين، وهو أداء غير طبيعي فى معادلة التجريب المسرحى فى العالم أجمع،حيث تأتى الفرق المسرحية المستقلة وفرق الهامش لتبني مثل هذه المشروعات التجريبية، وليس مسرح الدولة الرسمي. 

التجريب الشعبى 
فيما عرف الكاتب المسرحي محمد أبو العلا السلامونى التجريب فقال : يجب علينا أن نعرف فى البداية ما هو التجريب، فالمشكلة الأساسية التى تواجهنا منذ تأسيس المهرجان التجريبي وانطلاق دوراته، هو عدم وجود تعريف واحد لمفهوم التجريب،أو تعريف مانع جامع للتجريب فهناك اختلافات وأراء ومذاهب، وفى رأيى ليس للتجريب مفهوم واحد فمنذ بدايات المسرح والتجريب قائم أى أن هناك إضافات وإبداع وتغيير وتبديل فى العمل الفني وكل هذه المفاهيم تحت عنوان “التجريب“. 
وتابع: الإغريق أخذوا من الاحتفالات «الديثرمبيه« من «الجوقا» وأضافوا من أشعارهم وأفكارهم وأساطيرهم التى صنعوا منها الكوميديا والتراجيديا، وجميعها تعبير عن التجريب من بدايات المسرح، وبعد ذلك جاءت مذاهب مسرحية أعدها تجريباً ومنها المذهب الرومانسى والوجودى والكلاسيكى والعبثى والمذهب الواقعى، وجميعها تعد إضافات تجريبية على الفن المسرحى، فكل ما هو جديد وإضافة يعد “تجريب “، والتجريب ليس حكراً على المخرج، أو فريق العمل فمن الممكن أن يضيف المخرج للتجريب ومصمم الديكور فى الفضاء المسرحى، والتجريب هنا إضافة الجديد الذي لم يسبق تقديمه فالتجريب فى النص المسرحى هو إضافة الجديد الذى لم يسبق تقديمه. 
وطرح السلامونى فكرة التجريب الشعبى فذكر قائلاً : التجريب الشعبى هو ما يجب أن يقوم به المخرجون والمؤلفون وعناصر العرض المسرحي من ديكور وموسيقى ورقص ليصب فى قالب شعبى فإذا تم التجريب بهذا الشكل فنحن نقدم شيئا ذو قيمة، وسط ما يقدم فى العالم فلابد أن نتجه بقوة إلى تراثنا الشعبي والمسرح الشعبي والمصرى والعربى بدلاً من استنساخ الأعمال الأجنبية. 

النص القابل للتجريب من عدمه قضية مختلفة
قال الناقد د. محمود سعيد : التجريب ليس هدفاً في حد ذاته هو أحد أهم أدوات تجاوز المعهود في المسرح خاصة أننا في إطار ثقافة لديها القدرة علي السؤال وإمكانيه إدراك أهمية التجريب، بل واستيعابه عبر خلق مساحات للاستيعاب والاستمرار علي مستوي النص ذلك النص الذي يحتمل وجوده في الفراغ،وبداخل الفضاء فهو نص قلق يحتمل فرصا عديده لإعادة الكتابة والتخلق من جديد مع الجسد والفضاء.
 وتابع: قضية النص القابل للتجريب من عدمه قضية مختلفة إذ أن أي نص قابل للتجريب باختلاف اتجاه كاتبه .. الأساس في لعبه المسرح نصًا وعرضًا هو التجريب والوعي بالتجريب، لكن هذا لا يمنع أن المؤلف لابد له من ثقافة كي يكتب نصاً مؤهلا للتجريب. 
وأضاف : من البديهي أن يكون كل مخرج صاحب تجربة نحو التجريب ذاته من خلال فعل الاستجابة للتجريب من تطوير الإمكانات وتفعيلها مع الحرص علي أهمية التحولات التي يبثها في النص المكتوب ليتحول إلى نص للعرض عبر لعبه التداخل مع الممثل، والفضاء وجسد الأشياء لتتحول المادة مع المخرج إلى أداة بصرية، حتي الممثل ذاته هو أحد أهم أدوات التجريب نفسه، عندما يتحد جسده مع الكلمات في فضاء يحتوي المتلقي والخشبة.. ومن ثم يملأ المخرج فراغات الجسد واللغة والفضاء؛ لينتج لنا نص العرض في شكله التجريبي. 
ويمتلك المخرج بكل تأكيد كل خيوط اللعبة وقت العرض ومن ثم الانعكاس البصري الخالق للعرض طبقا لاستيعابه وخلقه لمساحات قبول التجريب والدفاع عنه أيضا. 

محاولة إيجاد صيغ تجريبية لفنيات الكتابة مطلوبة 
فيما أشار الكاتب المسرحي د. طارق عمار قائلًا: إن مفهوم التجريب في المسرح يشوبه بعض اللبس حيث يميل البعض إلى فكرة التجريب على التقنيات وهو الشكل السائد حالياً، والمواكب للثورة التكنولوجية الهائلة التي تغزو حياتنا؛ لكنني أرى أن الاتجاه الأهم للتجريب يجب أن يكون نحو التجريب على التلقي كعملية متعددة الأطراف ودائمة التغير، من هنا فإن توجه مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي إلى استحداث مسابقة تختص بالكتابة المسرحية التجريبية هو أمر من شأنه أن يعزز الاتجاه نحو التجريب على التلقي لأننا هنا نحاول إيجاد صيغ تجريبية لفنيات الكتابة المسرحية في حد ذاتها. بالطبع يمكننا الركون إلى التجريب على المواد الكلاسيكية بالذات في النصوص لكننا هنا نقصر مفهوم التجريب على مفردات العرض المسرحي دون أدنى التفات إلى أن بذرة العرض نفسه موجودة في النص المسرحي الذي يجدر به أن يكون تجريبياً هو الآخر إن نحن أردنا أن نوسع مصطلح التجريب ليتحول من مجرد مفهوم. concept إلى مجال paradigm .

حين يكتب المؤلف مسرحية تجريبية يكسر قواعد معينة
المخرج حمدي أبو العلا قال: أاعتقد أن التجريب في المسرح موجود من أيام اسخيلوس وسوفوكليس ويوربيدس وعلى مدى التاريخ المسرحي فحين يدخل المؤلف في كتابة مسرحية؛ يقوم بكسر قواعد معينه وقد تنجح هذه التجربة، ويصبح لها مسار ممتد عبر العصور؛ وإلا لبقي المسرح على حاله القديم دون تطور، وكذلك المخرج حين يقدم على عمل جديد قد تكون رؤيته للعمل بها شيء من التجريب والمغامرة، من الممكن أن تضفي على العمل رونقا جديدا، ولقد شاهدت مسرحية «الملك لير «لفرقة طليعية انجليزية قدمت العمل بملابس معاصره، ولخص الديكور في ثلاثة سلالم وجردل ولقد نجح هذا العمل حينه وتقبله الجمهور، وهكذا ففي اعتقادي أن التجريب ممتد إلى ما نهاية هذا العالم ولولاه؛ ما تطور المسرح وبقى على حالته القديمة . 

قفزة إلى المجهول 
وصف المخرج عصام السيد التجريب بأنه «فعل عمدى» موضحاً أنه ليس صدفه أن يعمد المؤلف إلى التجريب فيكتب نصا تجريبيا، والتجريب هنا هو البحث عن جديد، ومسألة التجريب على مادة كلاسيكية مسألة معترف بها، مشيراً إلى أن التجريب يعد قفزة إلى المجهول، قد يكون لبحث شكلي أو لتفسير جديد أو لطرح وجهة نظر مختلفة، ودلل السيد بذلك بعدة نصوص قدمت بشكل تجريبي منها عرض «منطق الطير « الذى قدمه بيتر بروك والمخرج قاسم محمد،وكذلك أحد التجارب التي قدمت فى إحدى دورات المهرجان التجريبي لعرض تونسي صامت ظل مجموعة الممثلين يقفون وينظرون باتجاه الشمال لمدة نصف ساعة حتى تحركوا بشكل بطيء لجهة اليمين دون كلمة واحدة،وهذا نوع من العروض لا يحوى (مورال) أو هدف؛ ولكنه استعراض لقدرة الممثل، كذلك عروض لشكسبير قدمت بوجهة نظر مختلفة ومنها “الملك لير “ الذى قدم ابنته الصغرى شريرة والابنتان الأكبر هم الأكثر طيبة وذلك على عكس النص الأصلي.

تفكيك النص والحافظ على رسالته 
فيما وضع المخرج طارق الدويرى شرطين هامين للتجريب على النص، الأول أن يكون النص قابلاً للتفكيك والشرط الثاني أن يحافظ المخرج على قيمة النص ولا يقدم النص برسالة مضادة لرسالته الأصلية وضرب مثالاً بعروض تم التجريب بها ومنها «هاملت»، و»كاليجولا» و»ماكبث» وقال: لكنها عندما قدمت بشكل تجريبي فشلت أن تقدم القيمة الفلسفية والإنسانية لها. 

المسرح يعيش حالة من التجريب الدائم
فيما قال الناقد أحمد هاشم : رغم أننا وصلنا فى مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي إلى دورته التاسعة والعشرون، ورغم الكثير من الدراسات والندوات التى عقدت حول المسرح التجريبي؛ إلا أنه ليس هناك حتى الآن تعريف مانع جامع لمفهوم المسرح التجريبي، بل إننا نجد من المسرحيين من يعارض المصطلح من الأساس ويذهب إلى أن كل تجربة مسرحية فى حد ذاتها هي نوع من التجريب المسرحي، أيا ما كان الأمر فإننا إذا ما تساءلنا عن التجريب فى النص المسرحى، فإننا نستطيع القول إن كل نص مسرحي يحاول كاتبه أن يسلك تقنيات مختلفة فى الكتابة عن التقنيات التقليدية سواء فى اللغة أو فى بنية النص المسرحي، فهو بلا شك يدخل فى باب النص التجريبى، ومن ثم نستطيع القول إن كل التيارات الحديثة فى النصوص المسرحية هى نصوص تجريبية. 
وتابع :أما من ناحية تجسيد النص على خشبة المسرح فهو ينتمى للتجريب إذا ما سلك المخرج أساليب غير تقليدية فى استخدامه للعناصر المسرحية المختلفة كالسينوغرافيا والحركة المسرحية، وغيرها من جماليات العرض، وكذلك وسائله التعبيرية، فإذا ما جنح المخرج فى عرضه إلى استخدام لغة الجسد لدى الممثل والراقصين كلغة بديلة للغة المنطوقة فهو يجرب أساليب غير تقليدية، وإذا لجأ إلى المسرح الرقمي فهو يدخل فى الإطار التجريبى، نستطيع إجمالا القول بأن النص، والعرض المسرحي كلما خرج عن القواعد التقليدية الراسخة فى وسائل التعبير فإنه يدخل فى الإطار التجريبي، وهذا يؤكد على أن المسرح فى مراحل تطوره المختلفة يعيش حالة من التجريب الدائم التي لا تقتصر على أشياء محددة، وأن المسرح ما بعد الكلاسيكي هو مسرح تجريبي.

ارتبط المسرح ارتباطاً طردياً بالتجريب 
وبنظرة تاريخية أوضح الناقد محمد النجار أن: فن المسرح يرتبط بالتجريب منذ ولادته الحقيقية 535 قبل الميلاد علي يد تسيبس، أول ممثل عرفه التاريخ، كضرورة حتمية فرضتها كينونة المسرح كفن اعتمد اعتمادا أساسيا علي التفاعل الإنساني، وحميمية التواصل بين المتلقي والمؤدي بل وقد يكون زمن ظهور المسرح كفن إنساني ابداعي جماهيري يرجع إلى قبل ذلك، هو ما يؤكده العلماء والمفسرون للحضارة الفرعونية كونها اصل الحضارات،وأصل الإنسانية، وظهور المسرح حتما ارتبط بعلو شأن المصريين القدماء وحضارتهم وهذا لا يمنع إطلاقًا الافتراض بارتباط المسرح ارتباطا طرديا بالتجريب، ذلك أن علو شان فن المسرح في حقبة ما دليل حتمي علي علو شأن التجريب في مفردات العرض كاملا مكتملا، فالمسرح المرتبط بفنون الأداء ارتباطا تكامليا يحتاج دائما وأبدا إلى التجريب في كافة المفردات بغية اكتشاف الدهشة في العرض / النص سواء بسواء.. إن بدايات المسرح التاريخية اتسمت بنقلات فكرية وفنية وجمالية سببها الرئيسي هو التجريب سواء في القالب أو المحتوي أو بطريقة الأداء والعرض، فالمسرح بدأ طقسا دينيا مجردا اقترب من علاقة الإنسان بالإله، ثم تحولت بعض العروض من التراجيديا، التي رأت أن صلاح الفرد من صلاح المجتمع، إلى الكوميديا التي رأت أن صلاح المجتمع من صلاح الفرد، ثم تطورت النصوص والعروض وانتهجت مناهج عدة في القالب والمحتوي للوصول إلى الهدف الرئيسي للمسرح، وهو الجمهور.. وإذا كن المخرج هو سيد العرض والمتحكم به وفيه وساحر الصورة ومبدعها، يحتاج إلى تطوير الفكرة الأدبية المجردة، والخروج بها من حيز الكلمات المسطورة فإن حاجته للتجريب ملحة بل وضرورية وإلا افتقد – طواعية - سلاحا فعالا لإنجاح العرض، فالإنسان في تغير مستمر وفي ارتقاء مستمر وديمومة الحياة تفرض ديمومة الأفكار؛ وبالتالي ديمومة الرؤي والصور، وعليه فإن المخرج حال تعرضه إلى فكرة مجردة في نص ما فإنه يضعها بشكل إرادي أو لا إرادي في مختبره الفكري والفني بغية صناعة صورة لافتة ومتجددة وقادرة علي الاستحواذ علي المتلقي، وقادرة علي احتواء فراغ خشبة المسرح بكل ما تحويه ماديا ومعنويا وأيديولوجيا.
وتابع :المخرج هو أخر المجربين وليس أولهم، فصناعة العرض المسرحي تبدأ من الكلمة والفكرة التي هي ابنة الواقع والأيدلوجيا، ورفيقة المؤلف الذي اعلن عن وجودها، ونقل المؤلف للفكرة من خياله إلى سطح الكتاب أو نقل الأفكار من الحياة أو التاريخ أو من أي مصدر استقي المؤلف منه يحتاج إلى تطويع وتطوير وتهذيب، وهو ما ينعت بالضرورة بالتجريب، فالتجريب يلزم المؤلف للوصول إلى خصوصيته ووضع بصمته الذاتية والأيدلوجية علي الأفكار المقدمة، فالأفكار بطبيعة الأحوال علي قارعة الطريق، ومتاحة للجميع وما يفرق مؤلف عن مؤلف هو ذاتيته وبصمته، لذا يحتاج إلى افتتاح المختبر الذاتي له لصهر الأفكار وإعادة بثها في إطار مرجعي ثقافي وفني ينتمي للمؤلف ذاته لا إلى شخص سواه، وانتقال النص من الأفكار المجردة إلى الأفكار المكتوبة التي يقرأها المخرج هي الحالة المثلى للمؤلف وبصمة المخرج تبدأ من الإجابة علي الأسئلة الهامة: لماذا، متي، أين، كيف، من. وهي أسئلة تجريبية منضبطة تصنع دائما الفارق، وسواء أكان النص مؤلف حديثا أو من وقت سابق أو من كلاسيكيات النصوص المسرحية فسؤال متي اقدم وأين اقدم كفيل بإحداث الحالة التجريبية المطلوبة لإنجاح العرض المسرحي، فالتجريب في فن المسرح يبدأ من المؤلف وينتهي عند المخرج ويمر بطبيعة الأحوال بالممثل القادر علي صنع حالة مغايرة للورق ومتكاملة معه وبه داخل الإطار الايدلوجي والفكري للمخرج ومتمردا عليه في نفس الوقت، حيث تتحول الرؤي الفنية للمخرج وللمؤلف إلى حياة شاخصة علي خشبة المسرح من دم ولحم ومشاعر حقيقية، فاختبار مناطق الأداء اللازمة وتهيئتها مهمة الممثل بأشراف وتوجيه المخرج ولا نغفل دور باقي عناصر العمل في أحداث الرؤية وتحقيقيها وتهيئة وتجريب أدواتهم الابداعية نغما وتشكيلا لتحقيق رؤية المخرج وحلم المؤلف. إذن التجريب فن المسرح حقيقة لازمة وواجبة ومرتبطة بصناعة فن المسرح في كل زمان، ولكن لابد أن يتميز هذا التجريب والتناول المغاير بالوعي؛ وإلا انقلب السحر علي الساحر، وتحول العرض المسرحي من بيئة خصبة للتجريب للوصول إلى المبتغى والاجادة الكاملة إلى الاهتراء والتفكك، وتجلي من ثم الضرر الناتج عن قلة الوعي الثقافي والفني، بل وانعدم، فالتجريب ضرورة للمثقف الواعي والممتلك لأدواته الإبداعية، وضرر التجريب أن يعتنقه من لا يعي دوره كمبدع وضرورته كفاعل ثقافي .


رنا رأفت