الصوت الفلسطينى يرتفع فى مونودراما الطفل

الصوت الفلسطينى يرتفع فى مونودراما الطفل

العدد 779 صدر بتاريخ 1أغسطس2022

مهرجان “مونودراما مسرح الطفل” الذى اختتم فعالياته في قرطاج بتونس حدثا فنيا فريدا لم ينل ما يستحقه من اهتمام رغم الحدث الرئيسى الذى شهده المهرجان وشاركت فيه 26 دولة.  
وكان الحدث الرئيسى هو فوز الفنان الفلسطينى «أسامة مصرى» من أبناء الداخل المحتل عام 1948- الذين تسميهم إسرائيل “العرب الإسرائيليين منذ فرضت جنسيتها عليهم قبل 70 عاما -بلقب افضل ممثل في المهرجان خارج المسابقة الرسمية. وهى بالمناسبة ليست أول جائزة يحصل عليها حيث تم تكريمه في العديد من المهرجانات والمناسبات الفنية.  
وبسبب ضعف التغطية الإعلامية لا يوجد ما يشير إلى الدولة التى خاض أسامة المسابقة تحت علمها هل هى إسرائيل التى يحمل جنسيتها أو فلسطين التى ينتمى اليها أو خاضها مستقلا ....لم توضح لنا الأنباء هذا الأمر.
لكن يظل ابن مدينة الرمال الحارة أسامة مصرى (57 ٍسنة) صاحب حياة فنية تزيد عن 40 عاما  قصة تحتاج أن يطالعها قراء مسرحنا.

طفل فلسطينى
 إنه شخصية محبوبة بين الكبار والصغار على حد سواء. وهو كما تقول الناقدة الفلسطينية ابنة عكا أميمة عكاوى ليس مجرد ممثل تخصص في مسرحيات أطفال  يعشقها الكبار أيضا. بل في الحقيقة ممثل ينافس الأطفال في طفولتهم و يعيش في داخله طفل فلسطينى مشبع بأرض فلسطين التى ولد بها. وهذا الطفل يعادل ما يسميه النقاد “شياطين الشعراء “حيث يوحى إليه بمسرحياته التى يعالج فيها مشاكل الطفل الفلسطينى ويسعى إلى ربطه بوطنه السليب وإحباط محاولات إسرائيل قتل الانتماء لديه.
وهذا هو سر نجاحه في صياغة مسرحياته التى بلغ من نجاحها انه انشأ قناة على اليوتيوب تذيع مسرحياته في شكل برامج مثل حلقات “فوزى وموزى وتوتى”.  
 وسبق له أن شارك ككاتب في مهرجان مسرح الطفل في مدينة سخنين بمسرحية “سوق الحكاوي” من إنتاج مسرح “النقاب” وحاز في حينه على جائزة أفضل نص.  وجميع المسرحيات التي كتبها وشارك في تمثيلها كانت فرق فلسطينية أخرى تعيد تمثيلها بممثلين أخرين في جميع أنحاء فلسطين حتى الآن.  

الخجول
وقد حصل أسامة  على الجائزة  عن مسرحيته “الخجول” التى تعد من مسرحيات الممثل الواحد (مونودراما)وسيرة شبه ذاتية. فهو يعرض أمام الجمهور، معاناته الاجتماعية، كونه لا يتواجد مع العائلة وطفله الصغير، بسبب تواجده الدائم خارج البيت في العروض المسرحية والتلفزيونية والسينمائي وغيرها، وفي إحدى الليالي، وأثناء استعداده للذهاب لعرضه المسرحي كالمعتاد، يصطدم مع طفله الذي يصرّ على أن يبقى بجانبه ويحكي له قصّة ما قبل النوم، ليثبت له مدى حبّه له… فيضطر الوالد الممثل، أن يرتجل له قصة، هي في الحقيقة ذكرياته كطفل فلسطينى نشأ تحت الاحتلال الصهيونى الذى باركه المجتمع الدولى للأسف.
والفكرة مأخوذة عن قصة للأديب د. أحمد هيبي، يقدم فيها من الذاكرة، جانباَ إنسانيا من حياة الولد القروي العربي الفلسطيني، من خلال قصة حقيقية لولد صغير كان أبوه يعتمد عليه كثيرا. ويتخلل المسرحية مشاهد ومواقف كوميدية طفولية بريئة، وهي في نفس الوقت متعة فنية لجميع أفراد العائلة.
لياقة بدنية
استطاع أسامة بذكائه وخبرته في مجال المسرح وخاصة المونودراما والطفل، أن يقدم عمل مسرحي كامل على مدى (45) دقيقة، دون الاستعانة بالديكور أو الأكسسوارات أو المؤثرات الصوتية والضوئية، وقد نجح بإقناع الجمهور بوجود كل هذه التقنيات رغم عدم وجودها، فأصدر أصوات من فمه، واستعمل الكرسي اليتم الذي على خشبة المسرح، ليحوله إلى سرير وسيارة وغيرها، استعان بقدرته على تمثيل الإيماء  ولياقته البدنية والذهنية الرائعة في تصوير العديد من الإكسسوارت واستعمالاتها. وقدم عروضا إضافية للمسرحية في عدد من المدن التونسية.  
وشارك في المهرجان عدد من كبار الفنانين الفلسطينيين منهم أحمد أبو سلعوم  وحسام أبو عيشة وهو فنان يستحق حديثا أخر نأمل أن نوافى به قراء مسرحنا خاصة انه في الوقت نفسه أسير مقدسى محرر قضى ثلاث سنوات في سجون الاحتلال. وقد فاز بجائزة احسن ممثل عن مسرحية” قهوة زعترة “وهى من اخراج احمد ابو سلعوم وهو ممثل مقدسى أيضا يعرفه مشاهدو التليفزيون الفلسطينى.

المسرح في المغرب
“حمام العيالات”... عرض تفاعلي يورّط
جمهور المغرب في البوح والأسرار والتمييز الطبقي
الحمّام بالنسبة للمغاربة أكثر من مجرد مكان للنظافة والعناية بالجسد، هو فضاء اجتماعي تلتقي فيه كل الفئات، ويتم خلف جدرانه تناقل الأخبار والإشاعات والأسرار. وهو وسيلة البعض لكسب قوتهم، ومن بينهم  العاملات في الحمامات المعروفات باسم “الطيابات”.  
 وعلى هذا الأساس ولدت مسرحية “حمام العيالات” (حمام النساء باللهجة المغربية) لتضع الجمهور أمام فرقة مسرحية نسائية،   وهي مسرحية  من تأليف “خلود البطيوي” و”أنس العاقل” وإخراج الفنانة المغربية “لطيفة أحرار”.

مسرحية داخل مسرحية
 يبدأ المشهد الأول على مجموعة من الممثلات المسرحيات التى يفترض انهن سيجسدن شخصيات العمل الفنى وهن يتدربن على أداء هذه المسرحية في فضاء مغلق. وتضع تلك البداية المبتكرة  المشاهد أمام بروفة للعرض وليس العرض الفعلي. ويجد المشاهد نفسه  قبالة عرض ثنائي بعث على الحيرة ، الأول يعالج ما يدور خلف جدران الحمام النسائي، أما الثاني فيهتم بما يدور في كواليس المسرح نفسها. وترى أحرار أن هذا الأسلوب المبتكر من شانه أن يشعر المشاهد بانه يساهم في وضع تفاصيل المسرحية. وتقول أن هذا الاسلوب له مزايا أخرى   فهويحاول أن يحافظ على متعة المتلقي، ويقلب أسس المسرح التقليدي من أجل فتح حوار مع المتفرج حول موضوع محدد.  فلاوجود اصلا  للنص التقليدي، والموضوعات التي تُقَدّم ترتبط بالأمور الحيوية والتفاعل مع المتفرج. 
وبعبارة أخرى تقول أحرار أن المتفرج يتحول إلى متلصص على مجموعة من النساء، اجتمعن في زمن كورونا في فضاء واحد هو “جنة  سبأ”، هذا الحمام الذي تمتلكه سيدة تدعى “ماريا لاندلسي”، وتعمل به  الفتيات  فاتي وكلثومة وحليمة. وفى المسرحية تأتى سيدة  اسمها زليخة مع صديقاتها وقرباتها استعداداً لحفل زفاف ابنتها. ويخترق العرض كل طبقات المجتمع، فالحمام ليس فقط فضاءً مُصغّراً لما يروج ويحدث في المدينة ككل، بل هو المتنفس شبه الوحيد المتاح للنسوة في الأحياء الشعبية، حيث يمكنهن التجمع وتقاسم أطراف الحديث عما يخالجهن وعما يتقاسمنه من هموم وهواجس وأفكار.
يعتمد عرض “حمامات العيالات” إذن على مبدأ الارتجال واللعب، ويحاول أن يحافظ على متعة المتلقي، ويقلب أسس المسرح التقليدي من أجل فتح حوار مع المتفرج.
هذا المفارقة الجمالية هي التي لعبت عليها المسرحية لتتجاوز  الحمّام إلى فضاء رحب وعام، يصير فيه المتفرج طرفاً في بناء شخصية الممثل، بإمكانه التدخل لتعديل الحدث لا مجرد النظر إليه، والخروج من الهامش إلى حيز الفعل والتأثير الحقيقي والمباشر في حركة النص.
تأتي حيوية التفاعل من كونه يشتغل على ما يشغل الجمهور من القضايا العامة فضلا  هموم الفنانين ومعاناتهم خلال السنتين الأخيرتين في المغرب كغيرها من مشكلة كورونا  وإغلاق مراكز قوتهم اليومي، واضطرار بعضهم إلى بيع آلاتهم الموسيقية لتغطية مصاريف العيش.  ولا يخلو الأمر  أيضاً من الأحاديث حول الحب وخيباته والزيجات ومحاولة الهرب من سأمها بالخيانات الصغيرة.

ارتباط
هذه الروح المحلية تدفع المتلقي إلى الارتباط الوجداني مع العرض المسرحي، خاصة وأنه يلامس الواقع السياسي في المغرب بطريقة كوميدية ملغّزة، إذ تحضر إيماءة يتصيدها الجمهور من خلال مشهد دال، حين “تبصق” حمامة على الممثلة، فتعلّق قائلة: وا بصّح نستاهلوا حسن (إذن، حقيقة نستحق أفضل)، وهي إشارة للحملة الإعلامية والسياسية التي انتهجها الحزب الحاكم، وشعاره “الحمامة”.
كما يوجه النص مرآة عاكسة لمساوئ الشخصية المغربية التي تعتبر الحديث بالفرنسية علامة على الرقي الاجتماعي، وترفض كل ما هو عربي وتحتقر اللهجات المحلية “الشعبية”، تجسد هذه الشخصية أم بورجوازية تُهين ابنتها على الملأ وتتحكم بصرامة في أكلها وحركتها ونبرة صوتها، وكأن هذا تحريض على ثورة تشارك فيها كل فئات المجتمع، فـ”لا الفوق هاني ولا لْتْحت هاني”، كما جاء على لسان إحدى الشخصيات، الكل في الهَمّ سواسية.


ترجمة هشام عبد الرءوف