جولة فى شارع المسرح الأمريكي

جولة فى شارع المسرح الأمريكي

العدد 849 صدر بتاريخ 4ديسمبر2023

المسرح من حق ذوى الهمم أيضا 
بعد شهور قليلة من فوز جيسون يونج مدرس الدراما بمدرسة «ساوث بلانتيشن» الثانوية بولاية فلوريدا والمشرف على النشاط الفنى فيها بجائزة تونى المسرحية المرموقة للتميز في التعليم المسرحي في المدارس الأمريكية كأفضل مدرس للمسرح في الولايات المتحدة، حصل جيسون على جائزة أخرى مماثلة في المسرح من جامعة بوسطن وهى واحدة من الجامعات الأمريكية العريقة. وسبق له الحصول على جوائز أخرى.
والسبب انه رفع شعار المسرح للجميع سواء كانوا من الأسوياء أو من أصحاب الظروف الخاصة. ومن هؤلاء الصم والبكم. فهو لم يكتف بوجود مترجم بلغة الإشارات في المسرحيات التي كان يقدمها بالاعتماد على طلبة مدرسته أو طلبة المقاطعة . ولم يكتف بإرفاق ترجمة بلغة الإشارات مع الشرائط والتسجيلات لمسرحياته .
لم يكتف جيسون بذلك بل جعل الصم والبكم يشاركون في الأعمال المسرحية. وهو لم يكتف بإخراج مسرحيات يكون أبطالها من الصم والبكم كما هو الحال مع عدة تجارب مسرحية جرت في الولايات المتحدة وحققت نجاحا كبيرا .
بدأ بتجربة إشراك الصم والبكم في مسرحياته مع الأسوياء على الرغم من صعوبة ذلك واحتياجه إلى تدريب صعب. ومع هذا المجهود الشاق قبل جيسون التحدي وقدم أعمالا عديدة حازت إعجاب الجمهور والنقاد على حد سواء. 
من هنا ذهبت جائزة جامعة بوسطن – كما هو الحال مع جائزة تونى – إلى جيسون يونج مدرس الدراما في فلوريدا الذي سد الفجوة بين عالم الصم وعالم السمع كما يقول قرار منحه الجائزة (ميدالية تذكارية وشهادة). وجاء أيضا انه سعى إلى تمكين كل طالب من صنع المسرح و أن يكون جزءًا منه”.

حقوق الضعفاء
وفى حديث إلى صحيفة بوسطن هيرالد قال أن اهتمامه بالصم والبكم ينطلق من مبدأ انه يدافع دائما عن حقوق الضعفاء ويرى أن الصم والبكم من هذه الفئات. وأولى به أن يتعامل مع مشاكلهم من خلال تخصصه في المسرح الذي يعشقه ونذر له حياته.
وفى ذلك يقول «ما كان منطقيًا بالنسبة لي هو أنه إذا كان هناك شخص يقف أمامك ويريد العمل، ويريد العمل في هذا المجال فلابد من مساعدته وجعله ناجحًا قدر الإمكان». وهذا ما حرص عليه منذ بدأ عمله كمدرس للدراما قبل 20 عاما.
وبعبارة أخرى فهو يدمج ثقافة الصم في العمل المسرحي بحيث يقوم فريقه “في الواقع بتقديم مسرح للصم بدلاً من مجرد جعل المسرح في متناول الصم”.
ويدير يونج (48 عاما) في المدرسة فرقة مسرحية تضم أكثر من 150 طالبًا وطالبة من هواة التمثيل والمسرح من المدرسة فضلا عن عدد آخر من الطلاب المشاركين من خارج المدرسة. وتقدم الفرقة كل عام دراسي مسرحية غنائية كاملة ومسرحية عادية. هذا فضلا عن بعض المسرحيات الصغيرة التي تكون في الحقيقة ملخصات لمسرحيات كبيرة ناجحة في برودواى وغيرها. ويكون بعضها من تأليف الطلبة. كما أنه يدير معسكرًا مسرحيًا صيفيًا لمدة ستة أسابيع لطلاب المدارس الابتدائية والمتوسطة، باستخدام طلاب الدراما في المدرسة الثانوية كمستشارين وموجهين. ويشجع الجميع بتعلم لغة الإشارة الأمريكية.

فئات أخرى
ولا يقتصر نشاط يونج على الصم والبكم فقط بل يمده إلى بعض الحالات الأخرى من ذوى الهمم حيث بدأ تجارب أخرى مع المكفوفين والمصابين بالتوحد وان كانت تجاربه لم تصل إلى مرحلة النضوج بعد.
ومن هذه التجارب إشراك طلبة مكفوفين في بعض مسرحياته ودعوة مكفوفين لحضورها. ويفعل نفس الشئ مع المصابين بالتوحد والنتائج الأولية مشجعة للغاية.
ويتذكر الطالب الأصم الذي شارك في معالجة مسرحية لفيلم بيتر بان والطالبة الكفيفة التي شاركت في معالجة لفيلم قصة الحي الغربي. وكان يشعر بالقلق من أداء هذه الطالبة لكنها حققت نجاحا لم يكن يتوقعه.
ويعترف يونج بالفضل لأصحابه فيقول أنه استفاد من تجارب أخرى مثل تجربة مسرح الصم والبكم في كاليفورنيا وجامعة جالوديت في واشنطن والعديد من المنظمات المعنية بمعاونة ذوى الهمم.
 ولا تهدف مسرحياته إلى الربح حيث تكون أسعار التذاكر في متناول الجميع وأحيانا تكون مجانا لأن كل المشاركين فيها من المتطوعين. وأى تكاليف أخرى تتكفل بها التبرعات وهى لا بأس بها. وتقدم المدرسة مسرحها مجانا . 

المسرح الأسباني في أمريكا
“بيفوك” تلقى اقبالا من كل الأطياف 
ليجا من جنوب أفريقيا إلى الجوائز 
لا نعرف شيئا عن المسرح الأسباني الناطق بالأسبانية في الولايات المتحدة رغم وجود حركة مسرحية أسبانية مزدهرة هناك. وهذا أمر طبيعي في ضوء وجود نحو 60 مليونا من الناطقين بالأسبانية بين سكان الولايات المتحدة. وهناك نسبة لا يستهان بها من هؤلاء لا يتحدثون سوى الأسبانية ولا يعرفون الانجليزية. ولهم محطات إذاعية وقنوات تليفزيونية وصحف تصدر بالأسبانية. وطبيعي هنا أن تكون لهم حياتهم في وسائط فنية متعددة بلغتهم ومنها المسرح.
وفى محاولة للتعرف على المسرح الأسباني في الولايات المتحدة نتناول اليوم مسرحية بيفوك التي تعرض على مسرح أوديسى في لوس أنجلوس. و«بيفوك المحاولة اليائسة للتأثير على ايناريتو».
وبيفوك كلمة أسبانية تتعدد معانيها وتتناقض أحيانا مثل الشر والخير. واحيانا تكون كلمة سباب بذيئة.

مجهود شاق
ويبدى الناقد المسرحي لصحيفة نيويورك تايمز إعجابا كبيرا بهذا العرض المسرحي وهو من عروض الممثل الواحد تقوم ببطولته الممثلة الأمريكية الجنوب أفريقية المولد استا ليج. وليج أيضا كاتبة مسرحية حاصلة على العديد من الجوائز في الولايات المتحدة وخارجها. وهى تجيد التمثيل باللغتين الانجليزية والأسبانية. وهى تسعى دائما في أمالها إلى تبنى القيم الإيجابية في الحياة. ولها العديد من المسرحيات التي شاركت فيها تأليفا وتمثيلا وفازت بجوائز مثل «الجرى في الفراغ» و«ملائكة الرمال».
ويقول الناقد أنه أيقن من مشاهدة هذا العرض الكوميدى الذي أضحكه من أعماق قلبه أن جهودا شاقة ومضنية بذلت في كافة مراحل إعداد العرض المسرحي بداية من الكتابة. وهذا أمر يفهمه –الناقد- جيدا بصفته كاتبا مسرحيا. ويريد أن يشير إلى أن مهمة الكاتب المسرحي لا تنتهى بكتابة المسرحية ،بل يضطر في أحوال عديدة إلى إجراء تعديلات على النص وفق رؤيته مع تقدم مراحل الإعداد له مثل اختيار الممثلين ووضع الديكورات والموسيقى. 
 من هنا فهو لا يشعر بالدهشة من النجاح الذي حققته المسرحية بين أطياف عديدة وليس بين الناطقين بالأسبانية فقط خاصة مع الترجمة الفورية عبر سماعات إلى الانجليزية لمن يريد. ونجح العرض في جذب الجماهير في وقت ضعف فيه الارتباط بين الجمهور والمسرح في أعقاب جائحة الكورونا التي لا تزال أثارها باقية.

ممثلة
وتدور المسرحية حول فنانة تجسد ليج شخصيتها اسمها لولا لوف هاجرت من جنوب أفريقيا هربا من قسوة والديها. وتشعر بالحزن بعد أن يضيع أملها في الوصول إلى هوليود رغم أنها ممثلة موهوبة -أو هكذا كانت تعتقد - بعد أن تقدم بها العمر وتجاوزت الأربعين مما يهددها بالانهيار العصبى خاصة بعد عجزت عن دفع إيجار منزلها. ويتجدد أملها عندما يحضر إلى الولايات المتحدة منتج مكسيكى لاختيار ممثلين لفيلم يستعد لإنتاجه. وتنجح في ذلك في النهاية بعد مواقف عديدة أجادت تجسيدها بامتياز وفجرت الضحكات خاصة مع بعض تصرفاتها الحمقاء. وكل ذلك خلال ساعة واحدة فقط هى زمن المسرحية.
ويلاحظ هنا أن المخرج اختار مساحة واسعة لتقديم العرض وهو أمر غير مألوف مع مسرحيات الممثل الواحد. وأحسن المخرج توظيف المساحة الواسعة حيث كانت البطلة تخرج وتدخل من أبواب متعددة بما يخدم فكرة العرض. وكانت تتحدث مع أشخاص غير موجودين على خشبة المسرح.
ويقول الناقد في النهاية أنه عرض يستحق المشاهدة حيث تناول موضوعات جادة بأسلوب كوميدى. 


ترجمة هشام عبد الرءوف