العدد 774 صدر بتاريخ 27يونيو2022
ضمن فعاليات عروض فرق الأقاليم بالهيئة العامة لقصور الثقافة قدمت الفرقة القومية المسرحية بدمياط، التابعة لإقليم شرق الدلتا الثقافي، مسرحية «القرد كثيف الشعر» من إخراج/ طارق حسن، دراماتورج/ السيد توفيق، عن نص الكاتب الأمريكي يوجين أونيل الذي يدور في عالمه المرتبط بالبحر ومفرداته ولغته الثرية شديدة الحساسية بإيقاع متدفق. وهو يناقش في المقام الأول فكرة الطبقية من خلال أحداث متلاحقة. تدور رحاها فى أحشاء مركب ملعون في عنبر للوقادين أسفل المركب الضخم لنقل الحديد. نجد البطل «يانك» ذلك الفتى العاشق للآلات التي تسير المركب. يصارع أفكار «بادى» العجوز الذى يرى أن بيئة العمل هذه من غبار فحم ونيران المواقد لم تعد مناسبة لهم. ويسانده «لونج» ذلك الثوري الاشتراكي الذى يسخر من عالم «يانك». إنها لحظة ليلة الميلاد التي ننطلق منها. يحاول الوقادون الانتصار لاحتفالهم كما يحتفل مسافرو الدرجة الأولى ولكنهم يفشلون. بعد هذا الصراع الوحشي بين «يانك» من جهة وبادى من جهة أخرى، تدق صافرة العمل فيتحول الجميع بأمر «يانك» إلى آلات صماء. بينما ننتقل إلى أعلى السفينة لنرى احتفالهم الفخم عبر فقرات متنوعة من الاستعراض وألعاب السيرك وما شابه ذلك من تسلية لابنة صاحب المركب «ميلدرد» وشقيقته «العمة». تبدي الابنة رغبتها في النزول إلى قاع السفينة لتتعرف على عينة من الطبقة الدنيا تفيدها في دراستها لعلم الاجتماع. وتنزل فترى البيئة السيئة والمميتة التي يعيشون فيها. فتكتشف أنهم مصابون بالطاعون أو هكذا قالت لهم. فينشأ صراع آخر بين الوقادين و»يانك». ينتهى بموت «بادى» العجوز وهنا يتأزم الصراع ليؤمن الجميع ساعتها أنهم أمام موت محقق. بعدها يحاول «لونج» أن يصعد إلى أعلى ويخبر «ميلدرد» بضرورة مساعدتهم لتغيير حياتهم. فيكتشفون وجوده فيقتلونه رميا بالرصاص ويلقون جثته في البحر. تستمر الأحداث سخونة حتى يضع «يانك» مصيره أمام نفسه ويقسو عليها بقوة. وهنا .. يتفق الوقادون على ضرورة إيقاف السفينة.
الإيقاع هنا ساخن ومتدفق ومتحرك. يساعد على ذلك وجود سريرين بدورين على عجل تتحرك في فراغ المسرح لتشكل منصة تارة وصراع «يانك» مع «بادى» تارة أخرى. ويُستغل وجودهما في إحداث حركة دائبة من خلال تشكيلات جمالية تشكل الصورة البصرية الجمالية للمشهد ومجموعة مصابيح البحر المعروفة تضفي حالة من الإضاءة الخافتة والشبحية وقت تورطهم في الحزن بالإضافة إلى وجود أكسسوار واقعي مثل بطاطين رمادية وكواريك مع الوقادين في عنبر الأفران تم استغلالها أيضا للتعبير الحركي الذى شكل عاملا مهما في التصعيد الدرامي للإمام. وخاصة في ذلك الصراع المحتدم بين «يانك» و»لونج» و»بادى». فكان التعبير الحركى الذى صممه كريم خليل معبرا عن هذا العالم الوحشي للوقادين والذى رصد بالحركة كل تفاصيل حياة الوقادين أحلامهم وإحباطاتهم وقوتهم وضعفهم لينسج بالحركة سيمفونية جميلة.
بالنسبة للديكور الذى صممه «خالد توفيق» فينقسم إلى عالمين: قاع المركب ويمثله الوقادين بأجواء قاسية وكأنهم محشورون في قفص صدري ضخم مطبقا عليهم من أعلى بمواسير البلاستيك الرمادية. كل شيء حولهم رمادي بلون الحديد القاسي، وبين عالم مسافري الدرجة الأولى ببهجته والمستوى الأعلى الذين يتحركون عليه وشكل السلالم البيضاء التي تمكنهم بسهولة من النزول إلى أسفل.
تتضافر الأغاني والألحان التي ألفها الموسيقار «عادل عثمان» وكتبها «ميشيل منير» متوافقة مع هذا الإيقاع المتدفق الساخن لترسم بالكلمة أغنياتهم التي تجسد تلك الأمنيات والأحلام والإخفاقات والموت والثورة في النهاية، ويظل اللحن والموتيف الرئيس المأخوذ من أغنية الميلاد التي يغنيها «بادى» مطربهم العجوز الذى يحاول بها الترفيه عنهم ف ليلة الميلاد، ولكنها تتحول إلى لحن شجى هو المسيطر على الأجواء بتنويعاته مختلفة، تتحدث كلماتها عن سانتا كلوز العجوز الذي يدق الباب حيث يحلم به الجميع في ليلة عيد الميلاد، لكنها تنتهي نهاية حزينة وواقعية تقول:
عند كوخنا القديم
سقط الثلج..
سقط الغيم ..
سقطت كل اللعب..
لطخها الفحم الدم..
وصارت وقود نار .. وقود نار
تشكل ملابس الوقادين المعروفة «السلوبيت الأسود» (تصميم الملابس والماكياج: خلود أبو العنين) عالمهم المرتبط بالفحم والسواد والقسوة. بينما نرى مسافري الدرجة الأولى في ألوان مختلفة ولكنها شبيهة لهم حيث تتلون بين اللونين الأبيض والأسود. فنجد أن اللون في هذا العرض يتأرجح بين الرمادي الفضي لون الحديد في قطع الديكور بشكل عام، واللونين الأبيض والأسود في الملابس والأكسسوار، تعبيرا عن الصراع الخفي وغير المعلن بين الخير والشر على هذه الأرض.
أجاد جميع الممثلين أدوارهم بتفاوت بسيط حيث استطاع المخرج توظيف كل ممثل للدور المناسب له، وهم من الوقادين والعمال: «يانك»: حاتم قورة ـ العجوز «بادى»: رزق العزبى- «لونج» الثوري: نور العباسى- «مارك» الأب: إسلام صابر- «فات» القوى: فهد رضوان- «لوكاس» السكير: السيد سراج- «جون»: محمود نوارج- «شارلي» الكوميدي: محمد البسيوني- «توماس» المتلعثم: أحمد عاطف- «دريسكول» المشاكس: عبد الرحمن أمجد- «أرثر»: أحمد عبده- «لوك»: أحمد حرب. أما الأثرياء من مسافري الدرجة الأولى على سطح المركب الذى يقوده «القبطان»: رافت سرحان- ومعه كبير المهندسين: محمد البحري- وتتصارع «العمة» السليطة: هويدا مؤمن شقيقة «جونز» صاحب المركب مع ابنته «ميلدرد»: هبه رأفت، وبسمة حسين- و«المسئولة»: سارة حسين- ومعها «المضيفة»: أمنية غنايم- ومحمود داود «عازف الكمان». وراقصو الدرجة الأولى هم: محمد سراج وأمنية رضا.
«القرد كثيف الشعر» عرض جيد ومتماسك يحمل العديد من الرؤى البصرية والجمالية التي تعبر عن فكر عميق ورؤية فنية واعية أجاد في نسجها جميع المشاركين من الممثلين والديكور والإضاءة والأغاني والتعبير الحركي والملابس والماكياج بقيادة مخرج محنك ومتمرس أحسن توظيف جميع أدواته الإخراجية.
وأخيرا تم تصعيد العرض المسرحي القرد كثيف الشعر ليمثل قومية دمياط في المهرجان الختامي الذى سوف تقيمه الإدارة العامة للمسرح بإذن الله.