الدراماتورج والإعداد .. مفاهيم مغلوطة في المسرح المصري

الدراماتورج والإعداد ..   مفاهيم مغلوطة في المسرح المصري

العدد 773 صدر بتاريخ 20يونيو2022

الخطاب المسرحي له خصوصيته، حيث يقوم على النص والعرض، فلا يمكن أن يتحقق إلا بالانتقال بالنص إلى الخشبة، وعليه فهو بحاجة إلى كتابة أخرى تراعي هذا الانتقال، وهي وظيفة الدراماتورج، وهنا تكون مركزيته، إلا أن البعض يعتبر ذلك إعدادًا مسرحيًّا، مازالت هناك إشكالية حول: هل هناك فارق بين الدراماتورج والإعداد؟ أم أنهما شئ واحد؟ أم أن أحدهما أشمل من الآخر. «مسرحنا» أجرت هذا التحقيق مع مجموعة من الأكاديميين والمتخصصين والنقاد ليجيبونا على تلك الأسئلة.
د سيد الإمام أستاذ الدراما فى المعهد العالى للفنون المسرحية قال: مفهوم الدراماتورج ظهر في القرن العشرين، وبدأ المفهوم نفسه في القرن الثامن عشر، وهو يستخدم تحت مفاهيم أخرى في المسارح الأوربية، مثل المدير الفني، وفي أمريكا وألمانيا يستخدم بـاسم الدراماتورج، ويقوم بمجموعة من الوظائف، فهو معاون للمخرج، من حيث تقديمه للدراسات الخاصة بالنص، والعمليات الإخراجية التي تمت على هذا النص في فترات سابقة، إلى آخر كل ذلك من معلومات قد يحتاجها المخرج، لكي يحدد موقع قدمه في هذا النص، أحيانًا المخرج يحتاج أن يحدث بعض التعديلات، خصوصًا مع النصوص القديمة الذي مات مؤلفها، فعندما يعاد تقديم النص لا يقدم كما هو، غالبًا يقدم بوجهة نظر جديدة وتقنيات في الكتابة والإخراج، المخرج أحيانًا إذا كان دارسا للدراما قد يستطيع فعل ذلك، ولكن كثير من المخرجين يميلون للتخصص بخاصةٍ في النص الثاني من القرن العشرين، لذلك يكون معه شخص يصنع له هذه التعديلات في النص، لكن المفهوم الأوسع للدراماتورج هو «الخبير بالصناعة المسرحية»، الدراماتورج يشمل الإعداد المسرحي.
وأضاف «الإمام»: في النصف الثاني من القرن العشرين، في جامعات أوروبا تقريبًا بلا استثناء، أصبح فيها أقسام خاصة بدراسة الدراماتورج، فالنص المسرحي لم يعد جزءا من عالم الأدب، أصبح جزءا من فنون الآداء، ولكن هذا الاعتراف بالدراما تورج في أوروبا مازال يمثل إشكالية كبيرة لدينا.

مستشار درامي
كذلك قال أ.د مصطفى سليم رئيس قسم الدراما بالمعهد العالي للفنون المسرحية: الدراماتورج هو من يقوم بعمل بحوث حول العرض وتفصيل المعلومات والخلفية المعرفية للتجربة، وهو من يقوم بمراجعة أشكال الدعايا والجمهور المستهدف والدراسات التي يمكن أن تحيط بالعرض المسرحي، ويعمل دراسات ما بعد العرض المسرحي، هو المستشار والعقل المفكر الذي يعتمد عليه المخرج في العرض للقيام بهذه المهام، ولكن اذا حاولنا ان نضيق هذا المفهوم من ممكن قول إنه ليس المؤلف بالمفهوم التقليدي ولكنه من يقوم بتحضير النص المسرحي، الذي سيقدم في زمان ومكان ما، وكل نص مسرحي كتب في عصره هو مشروع للتقديم في زمان وأماكن أخرى، الفكرة في من يستطيع أن يتعامل مع النص بحيث يعبر عن زمان ومكان آخرين، بالتأكيد الدراماتورج عمله هو الاشتغال على النص المسرحي، بحيث يخرج منه بنص جديد يتجاوب مع مكان ما وزمان ما، وأفكار عصرية تخص جمهور معين يرغب في مشاهدة ذلك، أما المعد الدرامي فهو حيز واضح وضيق جدًا، الانتقال من جنس أدبي لجنس أدبي آخر.
فيما قال د. عصام الدين أبوالعلا أستاذ الدراما والنقد والرئيس الأسبق لقسم الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون: مصطلح الدراماتورج مصطلح متعدد الاستخدام في أصله الألماني؛ فهو دارس النص المسرحي في الفرقة المسرحية وشارحه لها والذي يكتب كل ما يتعلق به ومن يقوم بأي تعديلات عليه بما يراه المخرج ويتوافق مع الرؤية العامة للعمل، وهو الذي يشرح لكل ممثل دوره.
وأضاف «أبو العلا»: ويقوم الدراما تورج بأي تعديلات على النص المسرحي أو تكييف له بما يتناسب والرؤية الفكرية والجمالية الجديدة التي تقدمها الفرقة أو حسب ظروف الإنتاج أو حسب عدد أعضاء الفرقة إلى آخره.
وتابع «أبو العلا»: أما الإعداد المسرحي فهو تحويل عمل من جنس الى جنس آخر؛ كأننا نقوم بتحويل نص قصصي أو روائي أو سردي عمومًا إلى عمل مسرحي كما حدث لروايات نجيب محفوظ التي قدمت في السيتينات على المسرح، وهناك الإعداد السينمائي حيث يتم تحويل الرواية الى سكريبت سينما ويتم تصويره وتقديمه في السينما ولدينا نماذج من نجيب محفوظ أيضًا، وقد تتم عملية الإعداد المسرحي من فيلم إلى مسرحية أو من مسلسل إلى مسرحية، المهم ألا يتم تحويل مسرحية إلى مسرحية فهذا عمل الدراما تورج وليس المعد المسرحي. ولي دراسة طويلة صدرت في اوائل التسعينات في مجلة المسرح عن عرض إحدى المسرحيات، والمقال بعنوان « الأبرياء بين ركائز الدور وفنية أداء الممثل « وفيه ناقشت احتياج المسرح المصري لما يسمى بالدراما تورج بسبب عيب العرض الذي بدأ لي في مخرجه الذي عبث بالنص عن غير علم؛ وطلبت استثمار خريجي قسم الدراما والنقد المسرحي بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالقيام بهذه المسئولية؛ فإذا بالسيد وزير الثقافة يقوم بعمل وظيفة باحث مسرحي ليقوم بهذه الوظيفة بعدها بثلاثة أشهر من صدور المقال ولكن على الطريقة المصرية.

قصور اصطلاحي
وقال الناقد أحمد هاشم: بداية علينا أن نعترف وبشجاعة أن لدينا قصورا في فهم بعض المصطلحات والمفاهيم المسرحية، نتج عنها ما يمكن تسميته بفوضى المصطلحات، وللأسف شيوع تلك الفوضى في الاستخدام للمصطلح، ومن بين ذلك مصطلحى الإعداد والدراماتورج، في الماضى اقتصر مصطلح الإعداد المسرحى على تحويل نص من جنس أدبى غير مسرحى كالرواية والقصة وغيرهما إلى نص مسرحى، بينما يتسع مفهوم الإعداد إلى غير ذلك، وبما إن المسرح ذاته كفن عرفناه من خلال الغرب فعلينا لحسم مثل تلك القضايا بالعودة للمصطلح في مفهومه الغربى، لنجدهم يذهبون في معنى الإعداد إلى «النطاق البصرى» ككل، أى رواية القصة بطرق بصرية فنية من خلال خشبة المسرح باستخدام وسائل إخراجية، أما مصطلح الدراماتورج، فإنه يرد فى معظم القواميس الأوروبية بمعنى الكاتب المسرحى، إلى الحد الذى يوصف به الكاتب الإنجليزى شكسبير بأنه دراماتورجى، ثم اتسع المفهوم ليصبح أقرب إلى «رجل المسرح» الذى يلم بكل العناصر المسرحية الفنية، وحتى الإنتاجية ووسائل الدعاية المسرحية، إنه الرجل الذى يصاحب العمل المسرحي في كل مراحله منذ ترشيح النص الملائم للفرقة وللجمهور في مكان ما، وتحليل بناء الشخصيات المسرحية، والقادر على تقديم وجمع ما يتعلق بالبعد التاريخي للنص إذا كان مستوحى من فترة تاريخية معينة، وهو كذلك الشخص القادر على تقديم رؤية للعمل، وهو أقرب ما يكون إلى الذراع اليمنى للمخرج، القادر على مخاطبة وسائل الدعاية، إنه بالفعل «رجل المسرح» الذى يقدم المساعدة والدعم فى كل مراحل صنع العرض المسرحي.
وتابع «هاشم»: أما ما يحدث في واقعنا المسرحى بالنسبة لهذا المصطلح فهو ضرب من الفوضى في الاستخدام مثله مثل كثير من المصطلحات كالسينوغرافيا والكيروجراف وغيرها من المصطلحات التي تحتاج إلى ضبط وتصحيح مفاهيمها لدى المشتغلين بالمسرح.

مصطلح قديم 
كما قالت الناقدة د. أميرة الشوادفى إن الاعداد المسرحى هو عملية تقديم العديد من الاجناس الادبية بتقنية مغايرة فى سياق جديد مع الحفاظ على الفكرة الرئيسية المعاد طرحها فى النص المسرحى وضرورة الإشارة إلى الأصل الذي تم الاستعانة به أدبيًّا وقد لانرى ذلك الآن فى مختلف الفنون. كما يشمل الاعداد المسرحى الاقتباس من النصوص الكلاسيكية وإعادة تأويلها كما فعل فوزى فهمى في اوديب لسوفوكليس وصلاح القصب وسليمان البسام فى مسرحيات شكسبير،وينتهى دور الإعداد المسرحي غالبًا بتسليم النص المسرحي إلى المخرج أو للدراماتورج.
وأوضحت «أميرة» إن مصطلح الداماتورج ليس حديثًا على المسرح ولكنه موجود منذ المسرح الأغريقي ورواده سوفوكليس ويوربيديس وايسخيلوس وغيرهم، وقد كان يطلق عليهم مصطلح (الدراماتورج) لقيامهم بالعديد من الأدوار في العملية المسرحية بداية من التأليف للنص المسرحى وتحويله إلى عرض أمام الجمهور . أضافت: الدراما تورج، كلمة يونانية مركبة من جزئين الاول (dramato)وتعنى العمل المسرحى والثانى (ergos)وتعنى الصانع أى أنها تعنى صانع العمل المسرحى، ومع التطور الحداثى في الدراما والمسرح ازداد استخدام هذا المصطلح في العمل المسرحى لزيادة عناصر العرض المسرحى ويعد الكاتب الألماني (غوتولد لسنغ ) أول دراماتورج فى العصر الحديث، وتتنوع مهام الدراماتورج بين ترجمة النص الأدبي أو تقديم قراءة جديدة لنص مسرحى يتوافق مع بيئة تقديم العرض، فالدراماتورج هو أسبق وأقدم منذ ظهور المخرج المسرحى،حيث نرى ماكان يقوم به ستانسلافسكى مع الممثلين من قراءه عمليه للنص المسرحى وتدريبهم عليه وهي جزء من مهام الدراماتورج قديمًا وحديثًا بالإضافة إلى تعدد أدواره لتشمل الإنتاج والسينوغرافيا وإعداد الممثل والمخرج وغير ذلك من مهام متضافرة مع الإعداد المسرحى لتقديم عرض مسرحى متكامل وشامل.
ليس مبدعا 
فيما قال الممثل والمخرج المسرحي ياسر أبو العينين: الإعداد يكون من جنس أدبي لجنس أدبي آخر، أما الدراماتورج فهو مفسر وموضح وليس مبدعا أصيلا، هو لا يغير في دراما الشخصيات، فعلى سبيل المثال د. سامح مهران في هاملت بالمقلوب، لا نستطيع أن نقول إن ذلك دراماتورج على هاملت لشكسبير، لأنه يكتب العمل الإبداعي من البداية للنهاية، هو فقط أخذ بناء الشخصية في هاملت، لكنه يقدم هاملت وشخصيات العرض بشكل مختلف تماما، فهنا هو تأليف وليس دراماتورج، الدراماتورج الحقيقي لا يغير في فكر المؤلف، هو فقط يعيد صياغة الدراما لتواكب الأذواق الحالية، الدراماتورج هو رجل مسرح أكثر من كونه كاتب أو أديب ومؤلف.
عمله ناقص 
فيما قالت المؤلفة والممثلة والمخرجة المسرحية د. إيمان سمير: الفرق بين الدراماتورج والإعداد المسرحي حتى اليوم مختلف عليه، في أكاديمية الفنون يعتبرون أن الإعداد هو تحويل عن جنس أدبي آخر، أي تحويل فيلم أو رواية لمسرحية، لكن الدراماتورج تحويل مسرحية لمسرحية أخرى، والدراماتورج أشمل. 
وتابعت «سمير»: بشكل تقني في مصر للأسف الدراماتورج دوره على الورق فقط، ولا يكمل الشق العملي من حيث مواكبة العمل المسرحي لظروف العرض والانتاج وجمهور المسرح، حيث يجب أن يحضر المخرج والدراماتورج معًا بشكل عملي، تواجدهم معًا داخل البروفات، سيجعل ما يقدم أفضل.
استسهال
وختامًا قالت السيناريست والروائية والدراماتورج منال مغربي: ما يقدم على أرض الواقع في الوقت الحالي من الإعداد المسرحي والدراماتورج به جزء كبير من الاستسهال، ما يقدم من محتوى يكون سهلا أكثر من اللازم، فكرة تقديم او تحويل عمل جماهيري لعرض مسرحي، والسرعة في تقديم ذلك قد يجعله لا يليق بأن يكون عملًا مسرحيًّا جيدًا، تطوير ذلك يأتي عندما ندخل أفكارا جديدة بعيدًا عن الأفكار المستهلكة، إيجاد فكرة جديدة قد يكون صعبا بعض الشيء، بالإضافة إلى أنه لا يوجد إنتاج كاف بعد في المسرح، وهذا قد يخوف البعض بعض الشئ، لتطوير ذلك يجب أن نبعد عن الأفكار المستهلكة ودور الإعداد ونلجأ إلى الدراماتورج، الإعداد مهمة للأدب العالمي، لكن الأفكار المعاصرة الأفضل أن يضاف إليها خط دراما جديد يقدمه الدراماتورج، ويتم نقلها بشكل يليق بالعمل المسرحي، وتكون إضافة حقيقية.


إيناس العيسوي