ساحر الحياة.. الكل في حضرة الحلم أحياء

ساحر الحياة.. الكل في حضرة الحلم أحياء

العدد 769 صدر بتاريخ 23مايو2022

كيف يصبح الإنسان عاجزًا؟ وهل العجز هو استسلام الإنسان للظروف المحيطة أم عدم قدرته على فعل ما يريد؟
يناقش العرض المسرحي ساحر الحياة، جدلية العجز والإرادة، من خلال حكاية «كامل» وهو مخرج مسرحي، يعاني من صعوبة في الحركة بسبب إصابة في إحدى ساقيه، ولكن إصابته تلك لم تمنعه أن يتغلب على عجزه، ليحقق ما يريد، وهو أن يصبح راقصًا، ولكن إصابته حالت دون أن يحقق ذلك بمفرده، فقرر أن يحقق أحلام الفرد بواسطة الجماعة عن طريق تكوين فرقة مسرحية.
يبدأ العرض بفرقة مسرحية من الشباب، الذين تعرضوا لظروف حياتية قاسية، على المستوى الاجتماعي والنفسي. فمنهم من ولد دون أن يعرف أبًا أو أمًا، ومنهم من تعرض للسجن، ومنهم من تعرض للضغط الأسري، وغيرها من الضغوطات التي أثرت على البنية النفسية للشخصيات، ورغم اختلاف ظروفهم الاجتماعية إلا أن مصيرهم كان واحدًا، وهو العجز عن مواجهة ظروف الحياة القاسية.  
تبلغ الدراما ذروتها عندما يعلم أفراد الفرقة المسرحية، أن الأستاذ كامل قد أصيب ساقه في أول محاولة له للرقص، أي أنه لم يكن في الأصل راقصًا! وهكذا يتسرب إلى أفراد الفرقة الشعور أنهم في خدعة أو في كذبة كبرى، وأنه لا يوجد عرض مسرحي من الأساس، إذن لماذا هم هنا الآن؟ 
هم الآن في مركزية الصراع: إما تحقيق الحلم ومواجهة التحديات، أو الانسحاب والهروب. وسرعان ما يتم طرح أنه لا يمكن العيش بلا هدف، وأن العجز الحقيقي ليس العجز المادي، بل هو فقدان العزيمة والإرادة على بلوغ هدف ما، وكأن المسرح بالنسبة للفرقة بمثابة سفينة نوح بالنسبة لهم.
يبرهن محمد عرفة مخرج عرض «ساحر الحياة»، على دور المسرح في تغيير الإنسان، فعلى سبيل المثال ظهر ذلك على « ربيع « الذي لم يكن يريد الرقص خوفًا من أن يسخر منه أحد، لكنه يجد أن تلك الرهبة تتلاشى وتختفي حينما يقف على خشبة المسرح، ويطلق العنان لإرادته الداخلية لكي يرقص، دون أن يأبه بمن حوله، يجد نفسه منطلقا، محلقًا على خشبة المسرح. 
يقول ربيع: «أنا حاسس إني عاوز أرقص.. روحي دلتني». ففي أحلامنا كل شيء مباح، في أحلامنا تتحرر الأرواح، وتسبح، وتحلق هائمة منعزلة عن العالم الخارجي، دون أن يعوقها شيء. 
اعتمد العرض المسرحي ساحر الحياة على تجسيد مشاعر الحزن والفرح لدى الشخصيات من خلال رقصات تعبيرية، مغلفة بعدة أغاني تعمل على تعميق الشعور بتحرر الروح، وتطهرها بشكل متصاعد مع كل مشهد استعراضي. 
ومع اعتماد العرض على مساحة زمنية ليست قليلة من الاستعراضات الغنائية، استطاعت المساحة المادية على خشبة المسرح أن تتيح للممثلين الرقص بحرية كافية. حيث جاءت مفردات الديكور في ملحقات بسيطة سهلة التحريك والنقل عبر إحداثيات مساحة التشخيص بسلاسة.
يضم العرض أشكالا من الأداء الفردي (المونولوج)، والأداء الثنائي (ديو)، والأداء الجماعي الذي يشغل المساحة الزمنية الكبرى من العرض. مع بروز خطأ فني في العرض المسرحي يتعلق بالأداء الجماعي للممثلين وحركتهم على المسرح، ففي بعض الأحيان يختلط على المتلقي أيًا من الممثلين كان يتحدث نتيجة لمشكلة في خطوط الحركة جعلت الممثلين يحجبون بعضهم، فلا نستطيع أن نتعرف بوضح على من يتحدث في اللحظة الدرامية. 
لم يقدم العرض شخصيات درامية، بالمفهوم الدرامي للشخصية، بل قدم أنماطا عامة من الحياة، تعبر عن حالات العجز، والرضوخ، والاستسلام، والهروب من الوصم الاجتماعي، بل تناول فكرة عامة تنأى عن أنواع المعاناة الذاتية التي تعانيها الشخصيات، أي إننا لو خلقنا أشخاصًا جدد في معاناة جديدة في هذا العرض المسرحي؛ لكانت فكرة الاستسلام للعجز، والإيمان بالإرادة، هي محور الأحداث في العرض المسرحي «ساحر الحياة»، وليست شخصيات المسرحية.
ساعدت الأشعار بشكل كبير في التعبير عن الحالة الدرامية للعرض، فحين تخبرنا «أسماء» عن ظروفها القاسية التي جعلتها تحيا يتيمة دون أن تعرف أبا أو أسرة، يظهر المهرج «ساحر الحياة» في تعبير حركي مع مهرج صغير، ليعبرا بذلك عن الفتاة الصغيرة مع والدها في رقصة تعبيرية مغلفة بكلمات تعبر عن الاحتياج لكل منهما للآخر: «ضعنا من بعض ليه.. كنت دايمًا واحشني». 
بين العجز والإرادة يأتي العرض المسرحي «ساحر الحياة»، في ساعتين من الخفة والحركة والرقص المبهج، بين طيات رسالة مغزاها «الكل في حضرة الحلم/ المسرح أحياء»، لم يكن بإمكان تلك الأسماك السابحة في بحار المسرح/ الحلم أن تعيش خارجه، بعد أن وجدت حياتها ومتنفسها فيه. ونحن لم نرى من قبل سمكة تسأم العيش في البحر، فتقرر أن تقذف بنفسها إلي الشاطئ، حيث الموت، والهلاك، واللاشيء. 
قد يعتقد المتلقي العادي أن البطل الحقيقي في عرض ساحر الحياة هو الأستاذ كامل، لأنه شخص لم ييأس ولم يستسلم لعجزه، بل جعل من عجزه الفردي سبيلا لمساعدة أفراد آخرين في المجتمع، ومن رحم عجزه استطاع أن يهبهم القدرة والإرادة لتحقيق أحلامهم. إذا بحثنا عن البطل الحقيقي في هذا العرض، سنجد أن البطل الحقيقي هو الإيمان بالحلم، أو الهدف، ذلك الإيمان الذي يدفعنا نحو التحرر من القيود، وسعي الإنسان لتحقيق ذاته، والشعور بقيمته في الحياة.


دينا أحمد