فارس المسرح الشعبي عبد الرحمن الشافعي

فارس المسرح الشعبي  عبد الرحمن الشافعي

العدد 769 صدر بتاريخ 23مايو2022

المخرج القدير/ عبد الرحمن الشافعي من مواليد مركز منيا القمح بمحافظة «الشرقية» في 11 أغسطس عام 1939، بدأت هوايته لفنون المسرح أثناء فترة دراسته في المرحلة الثانوية، فكون فرقه شعبية مسرحية كانت تقدم عروضها في الموالد تأثرا بعشق أخواله وأبناء بلدته الفنانين الكبار: حمدي وعبد الله غيث لفنون المسرح. التحق بعد مرحلة دراسته الثانوية بكلية الحقوق (جامعة عين شمس) وتخرج فيها بالحصول على درجة الليسانس عام 1968، والتحق أثناء فترة بداية دراسته الجامعية وبالتحديد عام 1963 بفرقة «المسرح العالمي» (إحدى فرق التليفزيون المسرحية)، وقد مارس عمله بالفرقة ممثلا ومساعدا للإخراج مع كبار المخرجين، فتعلم بشكل مباشر أسس وقواعد الإخراج على يد نخبة من الرواد المبدعين الذين ينتمون إلى الجيلين الثاني والثالث من المخرجين في المسرح المصري الحديث وفي مقدمتهم الأساتذة: السيد بدير، حمدي غيث، سعد أردش، كمال عيد، حسن عبد السلام، وخلال هذه الفترة تعرف على نصوص المسرح العالمي بشكل نظري وعملي، وكذلك على التيارات المسرحية ومناهج الإخراج الحديثة، خاصة وأن لكل أستاذ من هؤلاء مدرسته وأسلوبه المتميز. وقد استمر بالعمل في فرق التليفزيون حتى تاريخ حل الفرقة عام 1967، وانتدب آنذاك للعمل مخرجا بالثقافة الجماهيرية (هيئة قصور الثقافة حاليا).
وخلال مسيرته الفنية ساهم في إثراء المسرح المصري بإخراج 72 عرضا احترافيا ما بين الهيئة العامة لقصور الثقافة، والبيت الفني للمسرح، والبيت الفني للفنون الشعبية ومركز الهناجر للفنون، وذلك بالإضافة إلى إسهاماته بإخراج بعض العروض الاحتفالية الكبيرة التي كانت تقدم في المناسبات القومية أو المشاركة في المهرجانات الدولية. وبصفة عام يمكن تسجيل حقيقة مهمة وهي أنه قد حرص طوال مشوراه الفني على تأكيد الهوية المصرية واستلهام التراث الشعبي بجميع عروضه، والتعاون مع نخبة من الشعراء والموسيقيين والمغنيين والمداحين الشعبيين التلقائيين الموهوبين الذي نجح في توظيف مهاراتهم لتقديم أعمال قومية مصرية، مما جعله مبدعا مختلفا ومتميزا عن باقي المخرجين من أبناء جيله.
وبصفة عامة يمكن تصنيف مجموعة مشاركاته وإسهاماته المسرحية إلى قسمين رئيسيين الأول: إسهاماته في الإخراج المسرحي، والثاني إسهاماته في القيادة وتولي المناصب الإدارية.
أولا – الإبداعات الإخراجية:
حينما انتدب الفنان/ عبد الرحمن الشافعي عام 1967 للعمل مخرجا بجهاز الثقافة الجماهيرية بادر بتكوين أول فرقة للحي الشعبي بالغوري بحي الحسين. فكانت تلك الفترة هي فرصته الحقيقية لتأكيد موهبته وإثبات قدراته، ولاستكمال أحلامه التي بدأها في القرية عندما كان يمارس هوايته للمسرح مع أبناء الريف البسطاء بتقديم نصوص وأفكار تعبر عن همومهم وأحلامهم. فكون فرقته المسرحية من أبناء الحي والعاملين به، وقدم أول أعماله مسرحية: ياسين وبهية لنجيب سرور (1967)، والتي حققت نجاحا كبيرا ففتحت له المجال في أن يستمر وأخرج بعدها مجموعة المسرحيات التالية: أه ياليل يا قمر (1968)، كفر أيوب (1969)، أدهم الشرقاوي، سنبلة على قبر جمال (1970)، عرسان هنية، شلبية الغازية، الناس والبحر (1971).
ونظرا لنجاحه في إدارة فرقة الغوري تم تعيينه أول مدير لمسرح السامر عام 1971، فكانت بداية نقطة انطلاق جديدة له، صاحبه فيها نخبة من المسرحيين الموهوبين وفي مقدمتهم المبدعين: يسري الجندي، أبو العلا السلاموني، عبد العزيز عبد الظاهر، علي سعد، أمير سلامة، مهدي الحسيني، حيث جمع الطموح الفني وحماس الشباب بينهم للبحث عن هوية المسرح المصري، تلبية لدعوات نخبة من كبار المسرحيين وفي مقدمتهم الأساتذة الكبار: توفيق الحكيم، يوسف إدريس، د.علي الراعي، زكريا الحجاوي. فأخذوا يتناولون أفكارا مصرية شعبية بكل الجدية والجرأة ويقومون بتقديمها من خلال قوالب مسرحية مختلفة عن المعتاد. وربما كان السامر مكانا مناسبا مع مخرج أعتاد العمل مع نوعية مختلفة من الممثلين أكثر شعبية وتواصلا مع الحياة العامة بعيدا عن أمراض النجوم وأوهامهم. فقدم من إخراجه لفرقة السامر (الفرقة النموذجية) مسرحيات: شفيقة ومتولي (1972)، هنا القاهرة، علي الزيبق (1973)، حكاوي الزمان، شرخ في جدار الخوف (1974)، حكاية من وادي الملح (1975)، الناس اللي خافت من الفلوس (1976) وغيرها من المسرحيات، وفي تلك الفترة تم اختيار «الشافعي» مشرفا على فرقة النيل للالات الشعبية عام 1975 ليكتمل النضج الفني بإخراجه «عاشق المداحين» عام 1978، وهو العرض الذي أستمر لمدة عام وشاهده رئيس الجمهورية الأسبق/ محمد أنور السادات.
ومن أهم أعماله المسرحية الأخرى التي قام بإخراجها لفرقة السامر: مصطفى كامل (1980)، منين أجيب ناس (1981)، لعبة الزمن (1984)، السيرة الهلالية (1986)، مولد يا سيد (1987)، الشحاتين (1988)، سلطان زمانه (1992)، حلاوة زمان (1993)، وذلك بالإضافة لبعض المسرحيات الأخرى ومن بينها: أمسية عن بيرم التونسي، مهاجر برسبان، أيوه جاي، وكذلك المسرحيات التي قدم أغلبها بسرادق الدراسة من خلال احتفاليات شهر رمضان الكريم ومن أهمها: يا عين صلي على النبي، الليلة الكبيرة، المولد، ليلة الرؤيا. 
وبالإضافة إلى جميع المسرحيات التي ذكرت قام أيضا بإخراج بعض المسرحيات المهمة بفرق مسارح الدولة ومن بينها: ست الحسن (الغنائية الاستعراضية – 1992)، ليلة بنى هلال (الحديث – 1994)، أحلام ياسمين (الغنائية الاستعراضية – 1996)، السنيورة والثلاث ورقات (الغنائية الاستعراضية – 1998)، الخلابيص (الهناجر – 2002)، يا صبر أيوب (السامر – 2004)، السفيرة عزيزة (الحديث – 2005)، مفيش حاجة تضحك (الكوميدي – 2011)، طقاطيق جحا (الكوميدي – 2012).
ويحسب للفنان القدير/ عبد الرحمن الشافعي توفيقه في صياغة عالم مسرحي خاص به، وهو ما يمكن تصنيفه تحت مسمى المسرح الشعبي أو عالم أولاد البلد، والذي حرص من خلاله على الذهاب بعروضه إلى الجمهور في أماكن تجمعاته في المواقع الأثرية والشعبية القديمة والحدائق والساحات والميادين. ويمكن للباحث والناقد المتخصص بدراسة مجموعة المسرحيات السابق ذكره تسجيل وتوثيق تعاونه مع نخبة كبيرة من المؤلفين الذين يمثلون أكثر من جيل، حيث تعاون مع بعض كبار الكتاب المسرح المصري ومن بينهم: نجيب سرور، يوسف إدريس، نعمان عاشور، رشاد رشدي، محمود دياب، سعد الدين وهبة وغيرهم، كما تعاون مع كتاب جيل الوسط الذي ينتمي إليه مع كل من: يسري الجندي، محمد أبو العلا السلاموني، السيد حافظ، محمد مهران السيد، نبيل فاضل، عزت عبد الوهاب، أمين بكير، صلاح هنداوي، مهدي الحسيني، وكذلك مع بعض رموز الأجيال التالية من الشباب ومن بينهم: أحمد الحوتي، أبو بكر خالد، سعيد حجاج، السيد محمد علي، يس الضو، أحمد هاشم. 
وقد تعاون من خلال العروض السابقة مع نخبة كبيرة من النجوم والممثلين من بينهم على سبيل المثال الفنانين: أمينة رزق، حمدي غيث، عبد المنعم مدبولي، جمال إسماعيل، آثار الحكيم، عزيزة راشد، سوسن بدر، فادية عبد الغني، حنان ترك، محمود الجندي، أحمد راتب، أحمد ماهر، أحمد عبد الوارث، هادي الجيار، محمد أبو الحسن، إبراهيم عبد الرازق، فاتن فريد، سوزان عطية، فاطمة التابعي، فتحية طنطاوي، سامي العدل، محمد الشويحي، سامي فهمي، رضا الجمال، خليل مرسي، عهدي صادق، حمدي الوزير، فاروق عيطة، عفاف حمدي، علي عزب، منال زكي، أشرف فاروق، محمد دسوقي، مجدي عبد الحليم، إبراهيم جمال، عايدة فهمي، زين نصار، سامي مغاوري، أميرة فتحي، أحمد الشافعي، يوسف رجائي، مجدي السباعي، هلال فهمي، شوشو سلامة، محمود عبد الغفار.
ويضاف إلى رصيده الفني تعاونه ومنحه فرصة الإبداع كاملة لنخبة من الفنانين بمختلف مفردات العرض المسرحي وفي مقدمتهم: ومصمم السينوغرافيا/ حسين العزبي، الشاعر/ عبد العزيز عبد الظاهر، الموسيقار الكبير/ علي سعد، والمطربين الشعبيين/ فاطمة سرحان، جمالات ورضا شيحة، الريس متقال وشمندي، عزت وشوقي القناوي، سيد الضو. 
وجدير بالذكر حصوله على جائزة الدولة التشجيعية عام 1985 عن إخراجه المتميز لمسرحية «السيرة الهلالية» رائعة الكاتب/ يسري الجندي، والتي شارك في بطولتها كل من الفنانين: عزيزة راشد وإبراهيم عبد الرازق وفاروق عيطة.
ثانيا – المناصب القيادية:
أسند للفنان/ الشافعي الإشراف على فرقة «النيل للآلات الشعبية» في عام 1975، فإخراج برامجها الفنية، وهذه الفرقة تتميز بأنها تضم فنانين حقيقيين تلقائيين لم يحصلوا على تدريب منهجي أو دراسات أكاديمية، وقد تم تجميعهم من شتى محافظات مصر، وبالتالي يحسب للفنان/ الشافعي فضل استكمال الطريق الذي بدأه الرائد/ زكريا الحجاوي، كما يمنح لأعماله المصداقية في تأصيل المسرح الشعبي المصري. وجدير بالذكر أن هذه الفرقة منذ توليه إدارتها نالت شرف تمثيل «مصر» في عدد كبير من المهرجانات الدولية (بكل من: أمريكا، أستراليا، كندا، فرنسا، إيطاليا، إنجلترا أسبانيا، أيرلندا، الدانمارك، الهند، الصين، وكوريا وغيرهم، وحصلت على العديد من الجوائز. كذلك تجدر الإشارة إلى أن الفنان/ عبد الرحمن الشافعي كان أول من بادر في تكوين فرقة الواحات للفنون الشعبية، وأيضا فرقة الأقصر للفنون الشعبية، وكذلك تأسيس أول مهرجان للتحطيب بمصر.
وخلال مسيرته الإبداعية تقلد الفنان/ عبد الرحمن الشافعي عدد من المناصب الإدارية والقيادية بوزارة الثقافة ومن بينها: عضوية لجنة تقييم العروض المسرحية على مستوى الجمهورية 1971، مدير لمديرية ثقافة الجيزة 1977، عضو المجلس الأعلى للشباب والرياضة بمحافظة الجيزة عام 1980، المشرف العام على شئون المسرح بالثقافة الجماهيرية عام 1982، الإشراف على مهرجان المائة ليلة بالثقافة الجماهيرية 1985، مدير عام ثقافة القاهرة 1992، منصب رئيس إقليم القاهرة الكبرى 1993، عضوية المجلس الأعلى للثقافة منذ عام 1993، منصب رئيس الإدارة المركزية للشئون الفنية بالهيئة العامة لقصور الثقافة 1996، رئاسة البيت الفني للفنون الشعبية 1997، رئاسة الأمانة العامة لأطلس الفلكلور عام 1998، عضوية المكتب الفني لقطاع الإنتاج الثقافي 2012، عضوية اللجنة الفنية بالمجالس القومية المتخصصة التابعة لرئاسة الجمهورية 2014. 

الجوائز والتكريم:
كان من المنطقي أن تتوج تلك المسيرة الفنية الثرية والإدارية المهمة بحصوله على العديد من الجوائز ومظاهر التكريم ومن بينها: جائزة التميز في الإخراج المسرحي للثقافة الجماهيرية 1980، جائزة مهرجان نيس للفنون بفرنسا 1984، نال جائزة الدولة التشجيعية ونوط الامتياز من الطبقة الأولى فى الفنون عن إخراج سيرة بنى هلال عام 1986، جائزة فارس الثقافة الجماهيرية 1999، كرمه المؤتمر العلمي الأول لمسرح الأقاليم ومنحه درع الهيئة العامة لقصور الثقافة، وشهادة تقدير من وزير الثقافة عام 2006، جائزة الدولة للتفوق 2009، تكريمه بالدورة الثانية عشر بمهرجان المسرح العربي (الذي تنظمه الجمعية المصرية لهواة المسرح) عام 2014، تكريمه من قبل المجلس الوطني للثقافة والفنون بدولة الكويت، وأيضا تكريمه من قبل المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية 2016، وكذلك تكريمه من خلال فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته التاسعة 2016، وذلك بالإضافة إلى حصوله على العديد من الجوائز التقديرية من عدة جهات علمية وفنية بمصر والوطن العربي، واختياره ضمن شخصيات الموسوعة القومية للشخصيات المصرية البارزة.
رحم الله هذا الفنان القدير جزاء ما أخلص في عمله وعشقه للفنون الشعبية وتوظيفها لتأكيد الهوية المصرية، وما تركه لنا من إرث عظيم وفي مقدمته ابنيه اللذين عشقا من خلاله الفنون المسرحية وهما الصديقين: النجم/ أحمد الشافعي رئيس الإدارة المركزية للشئون الفنية بهيئة قصور الثقافة، ود.محمد الشافعي الحاصل على درجة الدكتوراه في فلسفة الفنون ويعمل مدرسا لعلوم المسرح بجامعة 6 أكتوبر ومديرا تنفيذيا لمهرجان «القاهرة الدولي للمسرح التجريبي».  


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏