فرحان بلبل حاضرا بسيرته الذاتية في أيام الشارقة المسرحية

فرحان بلبل  حاضرا بسيرته الذاتية في أيام الشارقة المسرحية

العدد 767 صدر بتاريخ 9مايو2022

أقيم على هامش أيام الشارقة المسرحية في دورته 31 عدة ندوات فكرية وتطبيقية لتغطية جوانب ثقافية ومسرحية هامة، ومن ضمن تلك الندوات ندوة تطبيقية بعنوان (الأثر النفسي لسير رواد المسرح العربي)، قدمت خلالها الدكتورة رشا العلي بحثا بعنوان (الأثر النفسي والفني للسيرة الذاتية والمسرحية لفرحان بلبل، قراءة في كتاب المسرح وحكاية العمر).
ويعيش اليوم فرحان بلبل 1937حالة صحية حرجة، لذلك فأن أي حديث عنه يشكل نقطة مضيئة وربما داعمه لاستمراره في الحياة، كان بلبل ليس فقط مسرحيا سوريا سجل حضورا على الساحة الثقافية السورية والعربية سواء على صعيد الكتب المسرحية التي ألفها أو النصوص المسرحية التي كتبها أو أخرجها، بل أيضا أحد أهم أساتذة فن الإلقاء الذين تدرب على يديه عشرات وربما مئات من الممثلين السوريين الذين أصبحوا اليوم نجوما في عالم الدراما.
عشق فرحان بلبل مادة الإلقاء التي قام بتدريسها لسنوات مع طلبة المعهد في دمشق منذ نهاية الثمانينات وحتى بداية العام 2011، وهو المقيم في مدينة حمص، مع ما يعنيه ذلك من عناء الوصول أسبوعيا للمعهد سواء في مقره القديم في حي دمر أو الجديد في ساحة الأمويين، لدرجة ألف كتابا نشر في العام 2001 حول ذلك الفن الأصيل والهام بعنوان (أصول الإلقاء والإلقاء المسرحي) أعيد نشره من قبل الهيئة العربية للمسرح في العام 2012.
لكن فرحان بلبل الذي امتلك تجربة طويلة وخاصة مع الفرقة المسرحية التي أسسها (فرقة المسرح العمالي في حمص) والتي قدم معها عشرات العروض المسرحية التي كانت تعرض في كل مدن سوريا وريفها وتشارك في مهرجانات المسرح سواء في سوريا أو خارجها والتي استمرت مسيرة عطائها قرابة 40 عاما دفعته لكتابه سيرته الذاتية.

السيرة الذاتية لفرحان بلبل
ففي العام 2010 أي في الفترة التي كانت فيها سوريا ما زالت مستقرة على الأقل اقتصاديا، نشر كتابا حول سيرته الذاتية بعنوان (المسرح وحكاية العمر) لم يخلو من خيبات الأمل، الأمر الذي يؤكد على أن المسرح العربي وخاصة السوري، كان منذ ذلك التاريخ قاب قوسين من الانتهاء، وخاصة في ظل الوضع الاقتصادي القاتل، واكتساح الدراما وما تبعها من مفارقات لا تدع فرصة لأي ممثل مسرحي للتفكير في أي من الفنيّن يختار.
في تلك الندوة قدمت العلي ورقتها البحثية التي حاولت من خلالها اختزال تلك السيرة، مشيرة إلى أن بلبل تطرق خلالها للمخاض الفكري والسياسي والاقتصادي الذي بدأ يهز سورية منذ بداية الخمسينيات، و الذي ظهر مباشرة عل شكل  نشاط أدبي مجدد في الشعر والقصة والرواية مستنداً إلى تراث عميق، بينما تأخر ظهوره في المسرح الذي اقتصر على ترجمه واقتباس النصوص المسرحية الأجنبية الهامة، وذلك لأن المسرحيين حينها كانوا ما يزالون يسيرون «على حذر التلميذ الذي لم يأخذ عن أستاذه إلا أقل الدروس فلم يتقن أصول اللعبة جيداً، فكان تقديم النصوص الأجنبية واحداً من هذه الدروس».
كما تطرقت لما كتبه في سيرته الذاتية حول معاناته وهو شاب جامعي مشغول بتدبير مصروف الجامعة، الأمر الذي كان يدفعه للعمل تارة أجيراً في بقالية وتارة عاملا مؤقتا في الشركة الخماسية للنسيج والتي قدمت له العرض السخي للدراسة في مصر والحصول على شهادة دكتوراه، لكن ذلك العرض كان مشروطا فاعتذر عنه وعن متابعه العمل في الشركة، مؤكدة على أن العمل في تلك المرحلة  لم يكن شغله الشاغل، بل كان منذ تلك المرحلة مشغولاً أيضاً بالقراءة وتكوينه الثقافي، وكان مفتوناً بالتراث العربي، شعره ونثره وتاريخه، وكان حافظاً لآلاف أبيات الشعر وللكثير من القرآن الكريم والأحاديث النبوية، مما شكل لديه ذخيرة لغوية كان لها أثر حاسم في كتاباته المسرحية والنقدية فيما تلا من سنوات.
في العام 1960 عُيّن بلبل مدرساً في مدينة القامشلي الواقعة في أقصى الشمال الشرقي من سورية، والمفارقة انه في تلك  المدينة النائية بدأت علاقته مع المسرح عندما طلب منه (اسكندر عزيز) أن يكتب مسرحية ليقوم بإخراجها، فكتب نصا بعنوان (الثأر الموروث) عن أسرة فلسطينية تهاجر من فلسطين بعد النكبة حاملة ذكرياتها وآلامها التي تحولت إلى ثأر شخصي ووطني موروث عند أبنائها، كانت فلسطين جرحاً أطل في أول مغامرة مسرحية لبلبل وظلت حاضرة في أكثر ما كتب فيما بعد.
لقيت المسرحية إعجاباً كبيراً طوال أيام عرضها، ومع سفر (اسكندر عزيز) إلى دمشق، انقطع بلبل عن المسرح من جديد انقطاعاً تاماً، وعاد لنهمه بالقراءة، ومع زواجه في القامشلي تحقق له الهدوء النفسي والجسدي والاستقرار وهو ما كان يفتقده مع اليتم (قضى فترة طفولته في الميتم)، فانصرف إلى الكتابة والإخراج والنقد، ومع نهاية  العام 1964 تحولت  حياة بلبل من الشعر إلى المسرح، حيث أصبح المسرح ميدانه، وقد أدرك أنه «إذا أراد الأديب أن يكون ذا أثر في مجتمعه وعصره، فإنه لن يجد في الشعر مبتغاه»
وكانت الدكتورة العلي خريجة قسم اللغة العربية من جامعة عين شمس في القاهرة والأستاذة حاليا في كلية الآداب جامعة البعث قد اختارت البحث في السيرة الذاتية للكاتب المسرحي فرحان بلبل، لأنه سوري وحمصي ولأنه واكب تحولات المسرح السوري منذ بداياته في الستينيات وحتى هذه اللحظة، كما انه أسس فرقة مسرحية استمرت في العمل لأكثر من أربعين عاما وهذا نادرا ما يحصل في المسرح العربي وحتى المسرح العالمي، وهذه الاستمرارية بالنسبة لها تدل على النجاح وتؤكد عليه.
تقول العلي، الكتابات عن السيرة المسرحية الذاتية قليلة جدا، وما يميزها العفوية والصدق، بالإضافة إلى أن السير غالبا ما تطرح إشكاليات مختلفة، فهل هي سيرة ذاتية رومانتيكية تُعنى برحلة الفرد من البراءة إلى النضج أم هي سيرة الجماعات المقهورة وخاصة في القرن العشرين،مؤكده على أنها وبعد أن قرأت تلك السيرة كانت تخطر ببالها عدة تساؤلات حول السبب الذي دفع بلبل لكتابة هذه السيرة، فهل  ثمة أزمة نفسية أو اكتئاب أو حتى خيبه لدى بلبل دفعته لكتابتها،أم  أنها مجرد سرد لخبرته الذاتية والحياتية نتيجة شعوره بالإحباط وعدم تحقيق ما يرضي طموحاته التي رافقت البدايات، ولكنها اليوم ترى أن الدافع وراء كتابته لتلك السيرة هو الاكتئاب الذي أصابه نتيجته فقدانه للكثير من ممثليه  بسبب إغراءات الدراما التلفزيونية، في مقابل العمل المجاني معه وضمن شروط صعبة فرضها  فلا إعارة ولا استعارة، والأهم من كل ذلك أن المسرح اليوم  أصبح أكثر ابتعادا عن تجسيد الواقع وهذا عائد إلى الرؤية الغائمة التي يعيشها المسرحيين في واقعنا العربي بعد أن تحطمت الأحلام على صخرة الضياع الفكري والذل الوطني، الأمر الذي جعل قلة قليلة من المسرحيات تستمد أحداثها من الواقع الذي نعيشه، فهناك هروب دائم  من مناقشة الواقع بشكل واضح وصريح الأمر الذي يدفع الكتاب للاستعارة من التاريخ والى الرمزية والعبثية.
 وفي النهاية، تقول العلي لم يكتف بلبل بكتابة سيرته (المسرح وحكاية العمر) بل اختتمها بدعوة وجهها إلى الأدباء والفنانين لكي يخوضوا في ذاتهم للإضاءة عليها، وكأنه انطلق من تجربته الخاصة إلى ما هو عام، فمن خلال سير هؤلاء الكتاب المسرحين وتجاربهم يكون المسرح ويتكون.


لمى طيارة