العدد 767 صدر بتاريخ 9مايو2022
«المايم» ( أو البانتومايم ) هو فن التمثيل الصامت أو فن الحركات الإيحائية، ويعني في المسرح أنه فن التقليد والمحاكاة لكل ما تحتويه الحياة، وهو فن مستقلً، ولكنه يصبح عاملًا مساعدًا للممثل عندما ينضم إلى عروض أخرى مثل عروض الباليه والرقص الحديث وغيرها . هل يختلف «المايم» عن «البانتومايم»؟، هل لدى الجمهور المصري صورة كاملة لهذا الفن؟، ما مشكلاته واحتياجاته ؟، لماذا ليس لدينا في أكاديمية الفنون أو في الكليات الفنية المتخصصة قسم خاص بـ»المايم» ؟ وهل نحن في حاجة لذلك؟... «مسرحنا» التقت بعدد من الأكاديميين وصُنّاع هذا الفن، ليجيبونا على هذه الأسئلة.
البداية كانت مع عميد المعهد العالي للفنون المسرحية د. مدحت الكاشف الذي قال: من وجهة نظري الشخصية، ومن خلال دراساتي المتعمقة أرى أن هناك فرقا في المصطلح وليس في النوع، ما بين المايم والبانتومايم، فهما نوع واحد هو التمثيل دون استخدام كلمات، وفي فترة تاريخية بداية من ظهور المايم، كان هذا الفن يسمى بهذا الاسم، وفي فترة أخرى، أطلق عليه بانتومايم، هذا الفن لا يعتمد على الكلمات وإنما يعتمد على الجسد فقط، و هو فن واحد.
وأضاف «الكاشف»: لا أجد مشكلة تواجه هذا الفن إلا أنه لم يحصل على الصدارة بعد، هناك بعض البلدان تهتم بهذا الفن، ولكنه لم يحظ في مصر بهذا الاهتمام ربما بسبب أن الجمهور غير مقبل عليه، و هنا يتم تدريس البانتومايم كمادة لتطوير حرفية الممثل، وليس كفن قائم بذاته، ولكن في بعض بلدان العالم هناك معاهد متخصصة بفن البانتومايم، يتخرج منها ممثلون مايم، لأن هذا الفن له رواج في بلادهم، ولكن في مصر، ليس لدينا معاهد متخصصة في ذلك، ولا استطيع أن أقول أننا لسنا في حاجة لهذا التخصص، لأننا في حاجة لكل الفنون بكل أنواعها، ولكن ما يحسم الأمر هو الجمهور، أن يكون لدى الجمهور شغف لأن يشاهد مثل هذه العروض، على سبيل المثال فن البالية فن مستقل بذاته لا يتذوقه كل الجمهور ولكن هناك مجموعة لا بأس بها لديها شغف به.
وتابع «الكاشف»: الفنون الأدائية يندرج تحتها التمثيل والمنولوج والاستاند أب كوميدي، حتى تقديم البرامج يندرج تحت مسمى فنون الأداء، فمن الممكن أن نعتبر فن البانتومايم، لونا من الأداء له طبيعة خاصة، و فكرة رواجه أو عدم رواجه مرتبطة بمتطلبات السوق، وتذوق الجمهور له وعندما تتاح الفرصة لأن يكون لدينا قسم لهذا الفن، بالتأكيد لن نتردد في ذلك، ولكن بالتأكيد سوق العمل هو ما يتحكم فيما أقدمه، وعندما تظهر الحاجة له.
و قال الفنان د. علاء قوقة رئيس قسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية: الفروق بين المايم والبانتومايم هي أن المايم أكثر تجريدًا ولا يستخدم الكلمات، على عكس البانتومايم الذي من الممكن أن يحتوي على أغاني وبعض الكلمات والموسيقى والاكسسوارات، كان هذا في فترات محددة، ولكن بعد مرور الوقت، أصبح العرض المسرحي هو ما يحدد ذلك، وربما يدخل في هذا العرض الصامت الرقص الحديث أو الكلاسيك، ويكاد المايم والبانتومايم يكونوا فيه شيئًا واحدًا، وهناك أنواع منها المايم التجريدي والمايم الحرفي، والـ White face فلم يعد هناك تحديد تفصيلي، في النهاية هما تحت مسمى التمثيل الصامت.
وأضاف «قوقة»: للأسف ليس لدينا اهتمام بفن البانتومايم، على الرغم من أن الطالب في الأكاديمية يدرس «كورسين» مختلفين فن البانتومايم، ولكن ليس هناك اهتمام بفكرة إنتاج عروض من الدولة أو من القطاع الخاص قائمة على فن البانتومايم، الطلاب يدرسون البانتومايم كمادة مستقلة بذاتها، لأنها تفيد الممثل في التمثيل العادي وفي لحظات الصمت المختلفة، ولكنني فكرت بالفعل أن أقيم فرقة تنتمي للأكاديمية متخصصة في البانتومايم، وطرحت ذلك بالفعل في عهد د. أشرف زكي، وحصلت منه على موافقة ، ولكن بسبب بعض الانشغالات لم يتم ذلك ، ولكن مازالت الفكرة قائمة ، وهذا الفن هو أحد الجوانب التي يجب أن يدرسها الممثل بشكل عام، وهو فن قائم بذاته، يعتمد على تقنيات وحرفيات خاصة ، وأعتقد إنه إذا بدأنا في إنتاج عروض للبانتوميم فسوف تصبح صورة هذا الفن أوضح لدى الجمهور .
وتابع «قوقة»: نحتاج إلى توعية بأن هذا الفن قائم بذاته، وقليل التكلفة، و لا يحتاج إلى لغة، و يفهمه العالم بأكمله، وبذلك يستطيع أن يسافر إلى أي دولة بسهولة، وهو ممتع إذا تم الاهتمام به وبفنياته، ونحن نحتاج إلى فرقة متخصصة في فن البانتومايم تابعة للبيت الفني للمسرح بوزارة الثقافة، ومن الممكن أن تكون ملحقة بأحد المسارح كالمسرح القومي أو مسرح الشباب، ويكون لها ميزانية خاصة بها، ومن الممكن فيما بعد أن يكون هناك أكثر من فرقة.
صناع الفن
و كان لابد أن نسأل صناع هذا الفن أنفسهم عن مشكلاتهم واحتياجاتهم، البداية كانت مع المخرج والمدرب ولاعب البانتومايم مصطفى حزين الذي قال: للأسف مصر ليس بها مدرسة بانتومايم واحدة، وبالتأكيد نحن في حاجة إلى ذلك، نحتاج إلى مساحة ومكان متخصص ودعم لكى نقدم هذا الفن، كل الورش والتجارب الخاصة بالبانتومايم التي أقوم بها اجتهادات شخصية، لقد سافرت لدراسة كل ما تعلمته في هذا الفن، نحتاج إلى مدربين عالميين متخصصين ، للأسف في مصر حتى الآن هناك كثيرون غير مؤمنين بهذا الفن، على الرغم أن المايم فن معترف به عالميًّا، ويجب أن يتم تقديمه جماهيريا، عند تقديمه بالشكل الأكاديمي المتعارف عليه، يشعر الجمهور بالملل، على الرغم أن المايم تطور بشكل كبير جدًا، فعند تقديمه بشكل جماهيري، سيكون له جمهور يستمتع به ويتذوقه ويتعرف عليه، ولدي تجربة حية تؤكد ذلك، ولزيادة الوعي بهذا الفن، يجب أن يكون هناك اهتمام حقيقي من قبل الأكاديميات الفنية، و أن يكون لدينا دكتور متخصص لتدريس هذه المادة، لماذا لا يتم الاستعانة برائد فن البانتومايم الفنان أحمد نبيل لتدريس هذه المادة في الكليات والأكاديميات المتخصصة، الطُلاب يلجأون لي كى اشرح لهم، لأنه ليس لدينا متخصص في هذه المادة، حتى يزيد الوعي بها، يجب أن يكون لدينا إدراك بأهمية هذه المادة، وأنها أساس التمثيل، والغالبية العظمى من المدارس والأكاديميات الفنية في العالم، تطور من مناهجها وتعتمد على الحركة والمايم بشكل أساسي.
وتابع «حزين»: كان لدي عرض يحمل اسم «ثلاث عروض وفرقة واحدة» حصل على جائزة المهرجان القومي للمسرح أفضل مخرج صاعد، وكان ممثلو هذا العرض أغلبهم لم يتعد عمره الـ17 عاما، و منهم الآن نجوم مثل الفنان خالد أنور، قدم العرض على مسرح الهناجر، وكان «كامل العدد»، الفكرة ليست في الجمهور، الجمهور متذوق للفن الجيد، الأمر يرجع إلى عدم تقديمه لهم، الوعي بفن المايم لن يأتي إلا بطرحة للعرض ومعرفة الجمهور به، ودراسته بشكل متخصص في الأكاديميات، وأن يصبح لدينا مدرسة أو أكاديمية يتخرج منها لاعبون مايم.
فيما قال الفنان أحمد نجدي الشهير بـ»أوسكار» مؤسس فرقة أوسكاريزما استوديو: يجب أن نشكر ساقية عبد المنعم الصاوي، لأنها أول مكان قرر أن يقيم مهرجان لفن البانتومايم، وهي ملتقى ومتنفس لفنانين وجمهور البانتومايم في مصر، أين مهرجانات المايم المنظمة من قِبَل وزارة الثقافة؟، التليفزيون المصري كان يقدم برنامجا في غاية الأهمية عن فن المايم، الجيل الحالي لم ير ما شاهدناه ونحن أطفال، هناك تقصير كبير تجاه هذا الفن، كل ما نقدمه كصناع له هى اجتهادات ذاتية مستقلة، من خلال ورش أو عروض خاصة بنا، أنا والفنان محمد عبد الله والفنان مصطفى حزين، نقوم بالفعل بتجهيز أول مدرسة لفن البانتومايم، فرقة «أوسكاريزما» لها مقر خاص بها وهو مسرح الضمة بعابدين، لذلك قررنا أن نقوم بإنشاء مدرسة بانتومايم دائمة في هذا المكان، ونحن في مرحلة البحث عن المنهج المناسب لفن البانتومايم للأعمار المختلفة، وتواصلنا بالفعل مع الفنان سيد سلامة من فلسطين والفنان فاكس من السويد، ونحاول أن نتواصل مع أكثر من فنان آخر متخصص، بالإضافة إلى وضع منهج مكتوب وصحيح لتعليم البانتومايم على أسس سليمة، نحن في حاجة إلى دعم الدولة والمجتمع لنا كفانين بانتومايم، فن التمثيل الصامت له جمهور إن قدمناه بالشكل الممتع والسلس، وأدعو كل فناني البانتومايم، لأن يقدموا عروضهم بشكل بسيط كى يتعرف الجمهور على هذا الفن .
كذلك قال المخرج والمدرب ولاعب المايم الفنان محمد عبد الله: المايم هو التمثيل الصامت بشكل عام، مشهد يحتمل كل عناصر الصورة من ديكوروماكياج وإضاءة وملابس وموسيقى ماعدا الصوت، مثله مثل ما كان يقدمه شارلي شابلين،أما البانتومايم، وهى كلمة تنقسم إلى قسمين، بانتو معناها الإبهار والمايم تعني التقليد، أي إبهار التقليد، بمعنى أن لا يكون لديك أي عنصر من عناصر الصورة سوى الإضاءة والموسيقى فقط، حتى الملابس تكون ذات ألوان صامته مثل الأسود والأبيض، والماكياج كذلك، وأشهر من قدم البانتومايم مارسيل مارسو.
وأضاف «عبد الله»: نحن في حاجة إلى الدعم المادي والمعنوي، على الأقل أماكن للبروفات، ومسارح أو ساحات عرض نقدم فيها عروضنا، الجمهور لديه وعى بالمايم، على الأقل بشكل بسيط هى تعرف «الواد اللى داهن وشه أبيض وأسود وبيمثل من غير كلام»، الجمهور ربما لا يعرف اسمه، ولكنهم يعرفون هذا الفن ويحبونه، عندما قدمت عرض «هلاوس» كان هناك إقبال جماهيري كبير عليه، الجمهور يذهب إلى المتعة الهادفة والحقيقية، ولكن يجب أن نقدم له ذلك أولًا، كيف يتعرف على المايم ونحن نجد صعوبة في نقديم عروضنا، مع عدم توفير أماكن للتدريب والعرض ؟.
المخرج المسرحي أحمد فؤاد تحدث عن تجربته التي قدمها في منتدى شباب العالم هذا العام قال: تجربتي كانت تشمل مسرحا قائما على الأداء الحركي، فن التمثيل الصامت وكان العرض يحمل اسم « الإطار»، ولأنه عرض مختلف فقد تحمس القائمون على المنتدى لتقديمه ، وقد استطاع أن يكسر حاجز اللغة، لأن المنتدى يضم دولا مختلفة.
وأضاف «فؤاد»: المايم يحتاج إلى دعم حقيقي ووعي به، وأن يتم تدريسه بشكل متخصص، التحدي الحقيقي أن تقدم عرض مسرحي صامت لكل الفئات وللعالم، ولغة الجسد والأداء تكون هى اللغة الأشمل، هذا ما استطعنا أن نقدمه في منتدى شباب العالم، وكانت تجربة حقيقية تؤكد أن عروض المايم لها جمهور من مختلف دول العالم، والتجارب المستقلة تؤكد أن هناك جمهورا لعروض البانتومايم، ولكن الفنانين المستقلين في النهاية هم أفراد، يحتاجون غلى دعم حقيقي لاستكمال رسالتهم.
التدريب الجيد
وقال الناقد والمخرج وليد الزرقاني،: فنان التمثيل الصامت يجب أن يتدرب جسديًّا بشكل كبير، والفنان يجب أن يثير اهتمام المتلقي، من خلال الحركة والإيماءة، نحن نحتاج إلى ترجمات ودراسات تخص فن المايم، عربية و أجنبية، هناك العديد من الأكاديميين بالمعهد العالي للفنون المسرحية، قاموا ببعض الدراسات بالفعل، ولكننا في حاجة حقيقية لدراسات أكثر ، المهرجانات والعروض المسرحية قد تكون عاملا أساسيا لتعريف الناس، ولكن للأسف صُنّاع عروض المايم يكادوا لا يتعدون أصابع اليد الواحدة، لذا فنحن نحتاج إلى تبادل الخبرات بيننا وبين ثقافات أخرى ، خاصةً روسيا وأوروبا وأمريكا، ذلك يفرق بشكل كبير ، وبالتأكيد نحن في حاجة لتسليط الضوء على هذا الفن بشكل أكبر.
و قالت الممثلة المسرحية ريما عصام: المايم، أصعب في التحضير له عن أنواع التمثيل الأخرى، فهو متعب بشكل جسدي ونفسي، لأننا نحتاج إلى تجسيد أشياء غير موجودة بشكل مادي والتدريب على التعبير الحركي فيه يحتاج إلى تمرينات وعضلات ووقت كبير، و يجب أن نهتم بزيادة الوعي بفن المايم أكثر من ذلك حتى يصبح لدينا جمهور حقيقي ، و لدينا عجز شديد في الأماكن التي قد تحتضنه، الكيانات الخاصة تحاول أن تقدم أقصى ما لديها، أقصد صناع هذا الفن، ولكن في النهاية الفنانين المستقلين إمكانياتهم ضعيفة لذلك نحن في حاجة حقيقية لدعم وزارة الثقافة و عدم الدعم جعل بعض المتميزين في المايم يشعرون بالإحباط واتجهوا إلى ألوان أخرى من التمثيل .