هــامــلت بالمقــلــوب عندما ينقلب الماضى ليعبر عن الحاضر و المستقبل

هــامــلت بالمقــلــوب عندما ينقلب الماضى ليعبر عن الحاضر و المستقبل

العدد 765 صدر بتاريخ 25أبريل2022

دوما تأتى فى حياتنا لحظات معينة يطل علينا فيها ماضينا و ذكرياتنا لتنغص علينا حاضرنا و مستقبلنا ، فالماضى لا يموت و لكن يبقى راقدا فى سبات عميق ، الى ان تحين اللحظة التى يستيقظ فيها ، فيقلب معه الأمور رأسا على عقب ، و قد يحدث انقلابا فى حياة شخص بل أمة بأكملها بل قد يمتد الأمر الى ان يشمل هذا الإنقلاب العالم اجمع ، من هنا بدأت فكرة نص « هاملت بالمقلوب « لسامح مهران ، مستوحيا شخصية « هاملت عصر النهضة « الذى كتبه « ويليام شكسبير « منذ عام 1602 ، و لكن برؤية “ ماذا لو قلبنا الآية و تخيلنا هاملت يعيش فى عصرنا الحالى 2022 و بنفس ظروف الماضى ؟ “ ، ان “ هاملت “ لا يموت ، بل انك ستراه من حولك فى كل مكان و زمان الى ان يرث الله الأرض و ما عليها ، ذلك لأن “ هاملت “ هو صنيعة ظروف و صراعات انسانية  متشابهة على مر العصور ، لذاك السبب فإن مسرحية هاملت تعد هى المسرحية الأشهر على الإطلاق على مستوى العالم بل الأكثر انتاجا ايضا ، لذلك فقد تم تقديمها مئات المرات و بعشرات اللغات والطرق الفنية ، من مسرح إلى سينما إلى تليفزيون ، لكنها تبقى دائما رواية قابلة لإعادة التقديم ، وإختبار حقيقي في التمثيل لمن يشاركون في تقديمه ، ان مسرحية “ هاملت “ التى ألفها الإنجليزى شكسبير عن قصة الأمير هاملت الدانماركي ، تدور حول هاملت الشاب الذي يعاني من سلوك أمه التي تزوجت من عمه بعد شهر واحد من وفاة والده ، وعندما يظهر شبح الأب لهاملت ويخبره  أنه قتل على يد عمه يبدأ هاملت في التحضير للانتقام من قاتل والده ، ويحاول ادعاء الجنون ليخفي نواياه التي أفشى بها لصديقه هوارشيو ، بينما يقوم كلوديوس عم هاملت بالتجسس عليه عن طريق صديقين للأمير الشاب ، ولكنه سرعان ما يكتشف الأمر ويستمر في ادعائه الجنون أمامهما ، على الجانب الآخر يتسبب هاملت في مقتل والد أوفيليا ، وهي الفتاة التي تجمعه معها قصة حب دمرتها وساوسه تجاه النساء ، و يرسله عمه إلى إنجلترا مع الترتيب لإعدامه عند وصوله ، و لكنه يستطيع النجاة من ذلك التدبير والعودة للدانمارك ليجد لارتيس أخو أوفيليا يسعى للانتقام منه بسبب قتل والده ، و تدور مبارزة في نهاية المسرحية يموت على إثرها لارتيس ، وهاملت ، وعمه .
تلك كانت هاملت الماضى لدى شكسبير ، و لكن مع هاملت الحاضر عند سامح مهران الوضع اختلف ، المعاناة واحدة و لكن الصراع و الاحداث مختلفة ، حيث ان هاملت سامح مهران لا يبحث عن انتقام شخصى مثل هاملت شكسبير ، بل هو يعد الرمز لكل شباب الدنمارك و المخلص لهم من الظلم و الطغيان ، هاملت سامح مهران يعانى من التكنولوجيا و ظلم السوشيال ميديا و تشويهها له و لسمعته ، هاملت سامح مهران يعانى من السلطة المثمثلة فى عمه كلوديوس المغطاة بعباءة الدين من خلال تحالفه مع  القس بولونيوس والد اوفيليا و المؤامرات التى تحاك ضده منهما ، هاملت سامح مهران معشوقته اوفيليا هنا يعتبرها من اعدائه و هى متحررة  و طموحة و عملية و ليست ضعيفة و مستسلمة و تقرر الإنتحار كما صورها و كتبها شكسبير ، هاملت سامح مهران هنا  لا يموت بل يقوم بإستئصال أحد اعضائه ليقدمه كدليل براءته ليثبت لمناصريه امام اعدائه انه لم يتحرش بأوفيليا كما ادعى والدها و انه قد هجر النساء ، و ربما اراد الكاتب من هذا المشهد ان يرمز الى المثلية فى اوروبا و انتقادها كونها ظاهرة معترف بها فى بلادهم ، و هو تشبيه  مجازى باعتبارهم فئة يريدون الانتشار عالميا و فرض اسلوبهم و افكارهم و طريقة حياتهم مثل افكار بعض حكوماتهم  التى تسعى ايضا الى ذاك الانتشار مع اختلاف الهدف و ذلك من خلال توسعاتهم الاستعمارية ، لذا فهو تشبيه ذكى و متفرد بالرغم من جرأته التى قد لا يتقبلها بعض الجمهور ، و اخيرا هاملت سامح مهران هنا أمه جرترود هنا مخلصة لزوجها و ليست خائنة كما صورها هاملت شكسبير .
شتان الفارق بين هاملت الماضى و الحاضر ، فالصراع و القضايا مختلفة تماما عن كل منهما الآخر و لا يجمعهما فقط غير اسماء الشخصيات و توحد الأزياء ، و كأنما اراد المخرج ان يخبرنا ان جوهر هاملت ومكنونه يكمن فى مشاعره الإنسانية  و وساوسه و صراعاته مع كلا من عائلته و المجتمع من حوله و ليست تكمن فى أزيائه و اكسسوراته و ملابسه و ما يحيط  من حوله من مادة ، إذ أن هاملت فكرة و الفكرة لا تموت . 
قضايا عدة فجرها سامح مهران من خلال نصه المسرحى “ هاملت بالمقلوب “ ، و احسن اخراجها و تصويرها والتعبير عنها بشكل تجريبى يعتمد على الحركة و الصورة و الفكر اكثر من الكلمات المخرج مازن الغرباوى .
فالعرض هنا ينتقد إدعاء الغرب للحرية و الديمقراطية كما نرى الآن ، فالعرض دوما يعبر عن الواقع الحالى بل و المستقبل ، و ها نحن نرى الآن الغرب و هو يقف موقف المتفرج على الحرب الدائرة بين روسيا و اوكرانيا بينما لم يكن يفعلها مع بعض الدول العربية ، فالعرض يقدم لنا هنا الصراع على السلطة مرتديا ثوب الماضى و لكن بفكر و قضايا الحاضر بل و المستقبل ايضا ، فالصراع على السلطة هنا لا ينحصر  بين ملك وابن أخيه فى مملكة الدنمارك كما صورها شكسبير، بل يشمل العالم اجمع ، لذا هنا لا تستطيع حصر زمن معين للمسرحية  و لا حتى مكان محدد بالرغم من انها ظاهريا امام الجمهور تدور فى الدنمارك لكن حقيقة احداثها نراها دوما فى اماكن و دول مختلفة  فى انحاء  العالم ، حيث فى مسرحية  مهران هنا يقوم عمه بإستخدام مواقع التواصل الإجتماعي لتشويه هاملت أمام شعبه فى مشهد رمزى حركى احسن التعبير عنه ببراعة و ابداع  المخرج الشاب مازن الغرباوى من خلال توجيهه لمجموعه من الشباب الذين يرمزوا فى العرض هنا لقوى الشر الغادرة للالتفاف حول هاملت النائم باستسلام على الأرض ليضعون موبايلاتهم المضيئة بجواره فى شكل هندسى يشبه المثلث مع اظلام تام  للمسرح من حولهم  ثم يلتقطوها مرة اخرى دلالة على انتهاء مهمتهم المكلفون بها من قبل الملك كلوديوس بتشويه سمعة الأمير فى مشهد بصرى غاية فى الاتقان و الإبهار ، ومن ثم يتفق العم بعد ذلك مع قس الكنيسة على تصدير الأكاذيب لشعبه من اجل استيلائه على السلطة بعد ان نجح بمعاونة القس بولونيوس الذى يضع له كل الخطط و المؤمرات فى ان يقنع الجميع من حوله بجنون هاملت و يسكنه مستشفى الأمراض العقلية . 
ان هاملت هنا فى مسرحية  كلا من سامح مهران و مازن الغرباوى ما هو الا رمزا فقط لتناقضات الغرب و زيف مبادئه و افكاره التى يحاول دوما ان يكذب على العالم و يقنعه بمصداقيتها حيث ان كلا من كلوديوس و هاملت هنا يمثلان الشئ و ضده  فى آن واحد ، مبادئ الغرب المزيفة و المغلفة بالحريات و الديمقراطية و التى يحاولوا تصديرها لنا دوما من اجل مطامعهم و سيطرتهم على العالم مستغلين فى ذلك الدين و المال و السياسة ، و حقيقة الغرب الديكتاتورية الصادمة و المتناقضة التى يعلمونها جيدا عن انفسهم و التى انقلبت على نفسها و اصبحت معادية لتلك المبادئ الكاذبة فقط على من هم خارج  ثقافتهم .  
يحسب لمازن الغرباوى هنا انه استطاع ان يكون صاحب السبق فى عودة خالد الصاوى للمسرح بعد طيلة 22 عاما غياب  منذ آخر مسرحياته على مسرح الهناجر “ اللعب فى الدماغ “  من تأليفه و اخراجه عام 2007 ، و حتى لو كانت العودة من خلال تقنية “ الهولوجرام “ فى دور شبح والد هاملت ، الا انها تعد خطوة هامة نحو التمهيد لعودته قريبا لبيته الأصلى المسرح صاحب الفضل الأول فى اكتشافه و نجوميته فى الدراما و السينما ، و بالرغم من ان ظهور خالد الصاوى فى ذاك العرض المسرحى لا يتعدى دقائق معدودة و كان ظهوره فيها سينمائى من خلال تلك التقنية الجديدة على مسرحنا المصرى و التى كان اول استخدام لها من خلال المخرج عصام السيد فى عرضه المسرحى “ اضحك لما تموت “ على المسرح القومى ، و من ثم اعاد مازن الغرباوى مرة اخرى تقنية “ الهولوجرام “ الى المسرح بعد غياب ليؤكد من اهميتها بالرغم من تكلفتها العالية و انها اصبحت أداة هامة لا غنى عنها فى مسرحنا المصرى لما تضيفه من ابهار بصرى  و خدمة كبيرة لدراما العرض فى نوعية تلك العروض الضخمة التى تحتاج الى ميزانيات كبيرة ، الا ان خالد الصاوى حرص من خلال تلك التقنية ايضا ان يكون آدائه مسرحى فيها لا سينمائى ليتناسب مع طبيعة المسرحية الشكسبيرية ، و كذا الشخصية المسرحية التى يؤديها و التى احد اهم ما يميزها هى الإنفعالات الشديدة و التى اتقن آدائها ببراعة كما لو كان واقفا على خشبة المسرح ، و علما منه ايضا ان من سيشاهده هو جمهور مسرح  ذو طبيعة خاصة من محبى تلك العروض التى تعتمد على الفكر و التركيز الشديد . 
يهتم مازن الغرباوى طوال مسيرته الإخراجية على ان يطور من ادواته من عرض الى عرض ، كما يسعى الى الإختلاف عن الآخرين فيما يقدمه و يطرحه من موضوعات على المسرح ، لذا فأنت لا تستطيع ان تحدد له منهجا معينا يسير عليه ، فهو يقدم كل المناهج و كل الافكار و لديه رؤية فى اختيار الموضوعات التى يرغب فى تقديمها ، و فى « هاملت بالمقلوب « قفز مازن الغرباوى من خلاله قفزة  كبيرة فى مسيرته الإخراجية بإختياره  ذاك النص المسرحى لسامح مهران بما يتمتع به من فلسفة و اختلاف جذرى عن هاملت شكسبير ، فكل الشخصيات هنا بالمقلوب ، حتى هاملت نفسه بطل الرواية هو رمزا للشر و الخبث و الفتنة ، و ليس كما قدمه شكسبير كضحية ، اختار الغرباوى ان يكون منهج اخراجه لهذا العرض هو المنهج التجريبى لما يتميز به النص من حداثة تؤهله للمشاركة فى مهرجان المسرح التجريبى القادم ، و نجح مازن الى حد كبير فى اولى تجاربه التجريبية من خلال توظيفه للحركة المسرحية و للتقنيات الحديثة ايضا فى الإضاءة و الهولوجرام و الفيديو مابينج بما يتلائم مع النص و العرض المسرحى ، و ظل العرض على وتيرته التجريبيه الى ان وصل الى قرب نهايته بظهور المراسلين بشكل مفاجئ فى مشهد ليس فى صالح العرض تماما و لا يمت للتجريبية بصلة بما احدثوه من جلبة و ضوضاء على المسرح و حركة سريعة هنا و هناك افقدت المشاهد متعته و تركيزه  فى عرض أكثر ما يميزه هو هدوئه و نظامه الحركى الذى يدعو الى التدبر و التفكير برغم كل ما يحتويه من زخم من الأحداث و المؤامرات ، و لحسن حظ مازن الغرباوى ان هذا المشهد لم يستمر طويلا حتى عاد العرض الى وتيرته التجريبية الأولى و ختم بها الأحداث و العرض المسرحى ، احسن مازن الغرباوى فى استخدام المجاميع بشكل حركى له اكثر من دلالة و معنى على حسب المشهد المعروض و ما يحتويه من رسالة  أراد المخرج ايصالها للمتلقى ، فتارة استخدمهم كرموز لوساوس هاملت الشيطانية ، و تارة استخدمهم كأشباح تحيط بهاملت حيثما سار ، و تارة استخدمهم كأموات فى المقابر ، و كأنه اراد من خلاله ان يقول لنا ان هاملت ولد ليكون “ ابن موت “ ، و تارة استخدمهم كرموز للوباء الذى اجتاح العالم نتيجة  للشرور و الفساد الذى اجتاحه ، و اختار مازن ان يكون ذاك الوباء هو “ الكورونا “ ليتلائم مع حداثة النص المسرحى ، عندما جعل من المجاميع ممرضات فى المستشفى يرتدون الكمامات و يستخدمونها اكثر من استخدام فمرة تجدها على انوفهم و مرة اخرى تجدها على اعينهم و هم يسحبون امامهم صناديق ضخمة تحمل اوفيليا تارة و جرترود تارة اخرى فى موكب احتفالى و كأنه اراد ان يقول لنا من خلال ذاك الرمز ان هذا الوباء ما هو الا صناعة ايادى و عقول تلك الدول الخبيثة لأهداف اقتصادية تنافسية بحتة ، حقيقة استطاع مازن الغرباوى ان يلخص كل مشاكل العالم و آثامه و شروره  فى مشاهد حركية بديعة دون ان يلجأ الى التعبير عنها بالحوار المباشر ، ليترك للمتلقى حرية التفكير و التخيل و إعمال العقل .
الديكور لصبحى السيد ، جاء متوافقا مع فكر كلا من مازن الغرباوى و سامح مهران ، و ما سعيا الى ايصاله للمتلقى من رسائل ، حيث وجدنا الديكور عبارة عن مسطح علوى محاط بشكل سور كما تبدو القلاع  قديما و هو يرمز الى قصر كلوديوس  ، و سلالم منحدرة من كل من جانبيه اليمين و الشمال و اسفل هذا المسطح نجد غرفة على هيئة كنيسة من الداخل يتوسطها باب تدخل و تخرج منه الشخصيات المسرحية ، و على جانبى الغرفة اسفل السلالم نجد مجسم أجوف مضئ  للسيدة مريم العذراء و هى تحمل السيد المسيح ، و هى ترمز لكنيسة القس بولونيوس ، و وجود الكنيسة أسفل القصر جاء موفقا و متعمدا من مصمم الديكور كناية عن تزواج الدين مع السلطة الذى تم فى عهد كلوديوس لتحقيق احلامه و اطماعه ، كما تم استغلال الديكور بأكمله فى بعض المشاهد سواء المسطح او  الغرفة التى اسفله كمستشفى للأمراض العقلية التى تم ايداعه فيها ، كما تم استغلال بعض موتيفات الديكور الضخمة مثل مجسم الساق و مجسم الرأس التى تتحدث مع هاملت بغرفته بالمستشفى كتعبير عن هلاوس هاملت التى تنتابه بين الحين و الآخر  ، كما نجد على جانبى المسرح من يمين المتلقى صورة  لفتاة مقلوبة على رأسها كناية عن صورتهم فى عيون هاملت الذى يمقتهم بسبب خيانة امه لأبيه ، و على جانب المسرح الأمامى من شمال المتلقى نجد مجسم لكيوبيد اله الحب وحيدا ينظر تجاه الجمهور معطيا ظهره للمسرح الذى تدور عليه الأحداث و كأنه يفتقد وجوده فى هذه المملكة الخالية من الحب و التى تحيطها الحقد و الكراهية و المؤامرات و الإنتقام من كل جانب .. و مثلما برع صبحى السيد فى تصميم ديكور موحى و معبر عن كلا من الأحداث و فكر الكاتب و المخرج ، جاءت الأضاءة  له ايضا غاية فى الإبهار البصرى و الحداثة و التى عبرت بألوانها الساطعه عن حياة الترف فى القصر و فى ذات الوقت عبرت عن جو المؤامرات الذى يحيط بالمكان من كل جانب بشكل جديد و متفرد يتلائم مع منهج المخرج التجريبى .  
الأزياء لمروة عودة ، لم تكن من وجهة نظرى موفقة هذه المرة على الرغم من اشادتى المتكررة بها فى عدة مقالات سابقة و بالتطور الهائل الذى تتميز به مروة عودة و الذى جعلها فى وقت قياسى فى الصفوف الأولى لمصممى الأزياء ، و لكنها لجأت الى التقليد هذه المرة و ليس الإبتكار و ذلك من خلال تصميمها لملابس شخصيات مسرحية هاملت الرئيسية كما صورها شكسبير حرفيا  و كما كانت فى عصره ، بإستثناء ازياء الشياطين و المجاميع بشكل عام  ، بينما كان عليها ان تدرك انها امام عرض تجريبى ليس بالضرورة ان ينقل الواقع كما هو او المسرحية كما يعرفها الناس و لكن عليها بالتجريب و ابتكار ازياء تلائم افكار المخرج و المؤلف كما فعلت فى عدة عروض سابقة .
التأليف الموسيقى لطارق مهران ، جعلنا نشعر اننا امام ملحمة اسطورية و ليست مسرحية عادية متداولة عبر الأجيال  ، من خلال موسيقى جنائزية تعبر عن حياة هاملت ذاك الأمير الذى يعشق الموت و يكره الحياة ، كما جاءت الموسيقى فى بعض الفقرات معبرة عما يدور فى القصر من مؤامرات ، حقيقة الموسيقى التصويرية لطارق مهران أحد أهم العوامل التى اسهمت فى نجاح العرض المسرحى . 
الفيديو مابينج لرضا صلاح ، لم يأتى مقحما او بهدف الإستعراض و الإبهار فقط ، بل استطاع رضا صلاح أن يجعله موظفا من أجل خدمة احداث الدراما بالمسرحية ، فجاء موفقا تماما و فى اماكنه الصحيحة فى الاحداث ليثبت لنا من خلاله مدى الأهمية الكبرى لتلك التقنية فى المسرح المصرى ، و انها ليست مجرد رفاهية باهظة التكاليف ، و ما تضيفه للعمل الفنى من ثقل و ابهار و ابداع و عامل مساعد قوى للمخرج فى تبسيط رؤيته للمتلقى من اجل استيعابها مع ضرورة مواكبة التطورات المسرحية التى تحدث فى العالم اجمع .
احسن مازن الغرباوى اختيار ابطال العرض بدءا من ايمن الشيوى فى دور كلوديوس حيث ملامحه الأوروبيه مع تألقه الملفت فى آداء أدوار الشر الهادئة او ما تسمى بالمستفزة  التى لا تحتاج الى انفعالات ، كما تأق عمرو القاضى فى آداء دور هاملت برؤية مازن الغرباوى لا برؤية شكسبير بما عبر عنه من انفعالات متعددة و مجهود ضخم لشخصية مركبة و صعبة على أى ممثل يقوم بآدائها  ، و نفس القول ينطبق على سمر جابر فى دور اوفيليا الجديدة التى تتميز بالخبث و الدهاء و تستغل أنوثتها فى كشف زيف هاملت لتعيد لنا امجاد “ هند رستم “ و ما  كانت تقدمه لنا من اغراء هادف ، كما جاءت نيهاد سعيد فى دور الملكة جرترود غاية فى الـتألق لما تمتلكه من وجه به كبرياء و عظمة مع حرفية  آدائها و مصداقيتها  الكبيرة التى نالت اعجاب كل من حولها و خاصة فى ذاك المشهد الذى برع فيه مازن الغرباوى اخراجيا عندما تم تجريدها من ملابسها فى مشهد رمزى يوحى بالحزن العميق و الندم الذى يعترى الملكة و استسلامها للموت لكى تتخلص من كل آثامها ، و بالفعل نجحت نيهاد سعيد فى جذب تعاطف كل جمهور المتلقى مع شخصيتها لا كراهيتها من خلال احترافيتها فى التعبير بكل ملامح وجهها و صوتها المختلج بالحزن و الندم ، و اخيرا أجاد خالد محمود دور القس بولونيوس بخبرته الكبيرة فلم يكشف عن كل ملامح شخصيته  و كم ما تحتويه من شرور مرة واحدة بل أخرج انفعالاته بالتدريج حتى يحقق لنا عنصر المفاجأة ، فأستحق ان يطلق عليه لقب الممثل المخضرم ، كما اجاد جميع فنانى العرض لأدوارهم و خاصة محمد الخيام فى دور الدكتور ، ابراهيم الزيادى فى دور هوراشيو 
البوستر المسرحى لأحمد علاء ، هو يعد احد اهم عناصر العرض المسرحى الجاذبة للجمهور ، و اول ما تقع عليه عيناه ، جاء البوستر غاية  فى التعبير عن حالة العرض و حداثته حيث قام المصمم بتصوير جميع شخصيات العرض كما هى بملابسها فى العرض على الأفيش المسرحى بإستثناء عمرو القاضى من قام بدور هاملت قام بإستبداله بوجه نصف جمجمه دلالة كما ذكرت سابقا بإنه ابن موت ، كما جعل ليداه مخالب الوحوش فى وضع التأهب للإنتقام من كل من حوله لما يعتريه من حقد و خبث و شر ، و من وجهة نظرى ان ذاك التصميم للبوستر من احد اهم اسباب عنصر الجذب لدخول العرض و نجاحه جنبا الى جنب مع فكر المخرج و الكاتب و مجهود الممثلين و من بذلوا مجهودا خلف الكواليس .
و اخيرا ، استطاع مازن الغرباوى ان يلقى الضوء على عدة قضايا معاصرة حول العالم من خلال مجموعة من الإسقاطات المسرحية بعرضه المسرحى ، مستغلا فكر الكاتب سامح مهران و حداثة الموضوع ، معتمدا على التقنيات الحديثة و الصورة المبهرة و الآداء الحركى المعبر و المنظم  ، ليقدم لنا احد اهم عروضه المسرحية  التى تعد نقلة اخراجيه  له ، كشف لنا من خلالها بالتعاون مع فكر الكاتب زيف الغرب و خداعهم و وجههم الحقيقى المخفى عنا و المسكوت عنه ، و ليكشف الغمامه من على اعين ذاك الجمهور المنبهر بهم و بمبادئهم الزائفة عن الحرية و الديمقراطية . ليجعلنا ننقلب على الماضى و معتقداتنا الخاطئة عنهم ، من اجل تصحيح حاضرنا و العبور الى مستقبل عربى مشرق . 


أشرف فؤاد