المسرح في يومه.. كذبة يخف بريقها

المسرح في يومه..  كذبة يخف بريقها

العدد 764 صدر بتاريخ 18أبريل2022

وافق يوم أهل المسرح، أو من تبقى من أهل للمسرح في العالم، وتحديدا في بلاد العرب، فمنذ نصف قرن انطلقت هذه الشرارة الجميلة برمزية من «الهيئة الدولية للمسرح» ورعتها منظمة اليونيسكو، ولا تزال كلمة الراحل المبدع سعد الله ونوس هي الأهم في نظري حيث ربطها في أمل افتراض ليقول في عام 1996: «نحن محكومون بالأمل!»... ربما هذه حقيقة تجعل كل العاملين والمنظرين، والمتفلسفين، والمتفرجين، والمتجاهلين المبتسمين من بعض حكام السلطة المرضى بداء الفساد والجهل في كل زمان ومكان منذ ولادة المسرح إلى البرهة بحجة أنهم نواطير الحياة، والمتربصين بالمسرح أو «المرسح» كما هي التسمية الحقيقية التي حددها الفنيقيون، تجعل كل هؤلاء ينتظرون الأمل... الأمل في القضاء على الصوت الأكثر فعالية في المجتمع، والثائر دائما على كل شيء حتى على خشبته وأناسه والعاملين فيه وعشاقه، والأمل في أن تصبح لدينا ثقافة مسرحية تزرع بذرة مشبعة بالعطاء والماء، وتحتضنها تربة صالحة تجعل منها شجرة ثابتة بجذور عميقة مفعمة بالمسئولية!
هذا الأخير حلمنا وحلم القلقين في الوجود، وذاك أيضا من أحلام من يخاف هذه النوعية من الثقافة المباشرة، ثقافة التواصل مع اللحم والدم والكلمة والصوت والفرجة بكل فصولها، وكي لا نعيش حالة من لا وعي وجودنا لا بد أن نشير إلى أن المسرح في العالم العربي لا يزال خطابيا، ينتمي إلى السلطة ويخاف من الحرية والتجريب، وينحصر يوميا مع خطاب طائفي متعصب قد يزيد من فقدان الأمل به ومنه، ويثبت نظرية الانتظار إلى ما شاء الله، ولا يزال تابعا لجهاز الدولة بمشروعها الإعلامي، ربما نبعد عن هذه الحالة المسرح في تونس، ولكنه كما أخبرني أحد رواده أنه يعيش بعد ثورتها الخوف من المجهول، وسلاح القيود وشروط الرقباء يرفرف فوقه، فلننتظر الأيام!
أما في لبنان فالمسرح لا يزال متقوقعا في الجهود الفردية، لا مؤسسات حاضنة، ولا وزارة تربية تفرضه في مدارسها كي تصنع سنديانات الثقافة، ولا جماعات باحثة رغم أن المسرح جماعة ولا يستطيع أن يكون غير ذلك، في الحرب اللبنانية والحروب الإسرائيلية على هذا البلد المجنون استمر المسرح بعطاءات منوعة ومختلفة، وبتجارب مهمة منها الاستعراضي مع الأسطورة صباح والرحابنة وجارة القمر فيروز، وروميو لحود... ومنها السياسي الاجتماعي المشغول بالكوميديا السوداء مع روجيه عساف ورفيق علي أحمد ونبيه أبو الحسن... وتجارب شبابية أنارت طرقات ثقافتنا، رافق ذلك مسرح الساعة العاشرة والشونسون مع إفيد سرسف ووسيم طبارة وسامي خياط... لكل عمل جمهوره ونقاده... تلك الفترة الذهبية وقفت في وجه الحرب، ومع انتهاء ذاك الوباء أخذ المسرح يتقلص مع تقلص بيروت الثقافية إلى بيروت التجارية الخالية من أناسها، وغاب المسرح عن المشروع المعماري، وسجنا في مسرح المدينة الذي أصابه داء المناسبات!
نعم مسرح لبنان لم يعد مسرحا منشغلا بهموم الناس والقضية والمحيط والمجتمع والصوت، هو بقايا ذاكرة يعيدنا إليها أحيانا الفارس رفيق علي أحمد في عمل ميلودرام والمغامر جورج خباز، وبقايا ثورة مختزنة عند أبناء الرحباني، وحلم ليليان نمري في أن تقف على المسرح لتقدم رسالة إلى الرائدة علياء نمري ولم يتحقق لها ذلك، وما عدا ذلك مخزون من أسئلة تتراكم، وأجوبة لا علاقة لها في عالم المسرح، حتى مسرح الشونسوني يتقلص دوره، وأصبح يعتمد على مجموعات برامج الانتقادات في التلفزيونات اللبنانية!
حال المسرح في الوطن العربي رغم كثافة مهرجاناته لا تشبع فضول المسرح، ولا تحسب من تجاربه، وحال المسرح في لبنان مخيفة تحتاج إلى ثورة مختلفة عن السائد فأربابه هرموا، وشبابه شاب قبل المشيب ولا يزال يبحث عن فرصة، وشئون البلد السياسية لا تهتم بالثقافة لكثرة المشاكل الاجتماعية والسياسية والإقليمية... نعم نحن محكومون بالأمل، ونأمل ألا يكون هذا الأمل افتراضيا حتى لا يبقى المسرح كذبة!


|جهاد أيوب