المنصورة تعرض «رجل القلعة» على الأرض

المنصورة تعرض «رجل القلعة» على الأرض

العدد 554 صدر بتاريخ 9أبريل2018

قدمت فرقة المنصورة القومية المسرحية عرضا لنص (رجل القلعة) من تأليف محمد أبو العلا السلاموني وإخراج خالد حسونة، ولكن حسونة رأى أن نص السلاموني ربما لا يتفق كلية مع الآن ونحن! أو لا يتفق مع فرقة المنصورة القومية فقام بدور الدراماتورج أيضا.
كان نص العرض يعالج العلاقة بين محمد علي وعمر مكرم ما بعد الحملة الفرنسية على مصر، وكيفية التضاد بين الحلمين؛ حلم محمد علي وحلم عمر مكرم، فالأول كان يبحث عن المجد الشخصي، والثاني كان يبحث عن العدل وأن تكون الأمة هي مصدر السلطات، فالشعب - بقيادة مكرم - هو من نحى خورشيد باشا الوالي السابق وأتى بمحمد علي طبقا لشروط معينة، وعندما سار محمد علي طبقا للشروط استطاع الشعب أن يهزم فريزر في معركة رشيد، لكن عندما طغى الحلم الشخصي وسكن محمد علي القلعة خلافا للشروط السابقة، وتمت رشوة واستمالة بعض كبار مجلس الحل والعقد الممثل في العلماء ونقباء المهن، للحكم على مكرم بالنفي لأنه قاوم رغبات علي في سكنى القلعة؟ ذلك الأمر الذي كان يؤكد مكرم أنه بداية الاستبداد، وأن السعي وراء المجد الشخصي لا يصنع أمة، وبالفعل عندما تآمرت أوروبا على محمد علي وأسست اتفاقية لندن لتحول بينه وأن يصبح هو الحاكم الفعلي للدولة العثمانية بعدما كانت جيوشه على أبواب الآستانة، وجردته من فتوحاته وصنعت منه حامكا لمصر فقط، حاول محمد علي وقتها أن يستعين بالشعب في معركته ضد أوروبا، ولكنه أدرك أنه رهان خاسر لأن تلك الحروب كانت حروبه هو وأسرته لا حروب الشعب.
لم يكتفِ حسونة بعمليات الحذف والتأكيد على وجهة نظر معينة أو تهيئة النص ليناسب الفرقة، ولكنه حاول أن يعطي ملمحا معاصرا مستفيدا من مشاهداته السينمائية وقراءاته المسرحية السابقة، فهو بدأ العرض بتلك المجموعة من الشباب التي في زيارة لمتحف القلعة، وتقف أمام تماثيل الشخصيات؛ لتنعت كل تمثال بما كان عليه صاحبه، إلى أن نفاجأ بأن تمثال خورشيد باشا، الوالي السابق لمحمد علي، يتحدث، ونعرف أنه مجرد الحارس الجنوبي/ مصدع - هذا هو الاسم الذي اختاره حسونة - وأن يضطر لارتداء ملابس خورشيد كلما أتى زوار للمتحف، لأنه قام بكسر التمثال الأصلي رغما عنه، ويخبرنا أن التماثيل كل ليلة تتحدث مع نفسها وتقص حكاياتها، تماما كسلسلة الأفلام الأجنبية الشهيرة، أو انسياقا وراء محمود دياب في (أهل الكهف 84)، ولكن حسونة لم يخبرنا كيف ترك الجنوبي لهجته العادية التي تحدث بها وأصبح خورشيد باشا؟! بل وزاد الأمر أنه في أوقات الخروج عن المروي ماضيا والدخول في حاضر مجموعة الشباب عرض الحارس/ مصدع/ خورشيد على فتاة أن تقوم بالمشاركة في الحدث، وفعلا أصبحت الفتاة هي زينب ابنة عمر مكرم! عن طريق ارتدائها لملابس ما، فهل يريد حسونة أن يقول إن الملابس هي التي تتحدث؟ أو هي التي تتحكم؟! وبأنه ما أن ترتدي شخصية بسيطة لا تعرف شيئا من تاريخ أو سياسة مثل مصدع؛ ملابس شخصية ما؛ تنقلب لعارفة بكل الأمور والأحداث في تلك الفترة بل وتقوم بتمثيلها؟ وإذا كان من يمثلون من الأشخاض التي كانت تماثيل وعادت إليها الحياة يعرفون بعضهم فكيف قبلوا من قام بأدوار خورشيد وزينب؟ وإن كانوا لا يعرفون بعضهم فكيف يكون الحدث أساسا؟
كما أن هناك الكثير من الألفاظ التي قيلت في العرض تخرج كثيرا عن رسم الشخصيات وما يراد منها، وأعتقد أن هذا قد يعود لطريقة حفظ الغض والاستغناء عن بعض الألفاظ ذات الدلالة، أو زيادة بعض الكلمات؛ حتى ينتبه الآخر لدوره، وهذه أشياء لا تعود لحسونة وإنما ترجع لقلة خبرة البعض، ربما.
آثرت في حديثي عن هذا العرض أن أقف فقط عند الأداء التمثيلي، وعند لمحة مضيئة لخالد حسونة تمثلت في محاولة الاستفادة الكاملة بقدرات أعضاء الفرقة دون أن يكون هناك شائبة من عدم مطابقة المؤدي لما تستوجبه الشخصية، فممثل كبير وقدير مثل رجائي فتحي لا يمكن أن تقوم بالاستغناء عنه، واختياره ليقوم بدور محمد علي هو واجب على كل متصدٍ لإخراج هذا النص في قومية المنصورة، ولكنه لا يمكن أن يكون معبرا عند تمثيل أو رواية ما كان عليه محمد علي إبان الفترة التي تولى فيها، وهنا كانت رؤية حسونة أن يكون هناك ممثل ثانٍ يقوم بدور محمد علي في شبابه وهو تامر محمود. وفي المشاهد القليلة التي اقتصرت على محمد علي شيخا، استطاع رجائي فتحي كعادته أن يقنعك. أما تامر فهو لم يكتفِ بدراسة الشخصية، أي شخصية محمد علي شابا، وإنما درس أيضا رجائي فتحي كممثل وإنسان؛ واستطاع أن يستوعب إشاراته وردود فعله وطريقة تحدثه؛ لكي يكون الامتداد بين المؤدين اللذين يمثلان شخصية واحدة، امتدادا مقبولا، وفعلا تشعر بأن هذا هو ذاك، وتجلى هذا في بعض المناطق التي جمعهما فيها حسونة معا؛ سواء بترديد بعض الجمل معا أو إكمالها أحدهما للآخر.
أما أشرف عودة الذي قام بدور عمر مكرم فمن الواضح أن الخبرة أفادته، كما أن أحباله الصوتية ساعدته في القيام بما يستوجبه دور مكرم في رخامة الصوت ونبرته الواثقة. أما محمد البحيري الذي قام بدوري مصدع وخورشيد باشا فقط كان جادا في الدورين، في دور مصدع استطاع أن ينزع الضحكات من الجميع، واستطاع أن يجعلك تكرهه أو تتخذ موقفا منه عندما قام بدور خورشيد - ولا أعتقد أن المساحة كافية للحديث بشيء من التفصيل عن التكنيك والأداء الجسدي والصوتي والإيمائي لكل منهما على حدة وصولا للحكم العام - وإذا كان رجائي وتامر وعودة وبحيري من مخضرمي الفرقة وقاموا بما طلب منهم؛ ومعهم خيري خالد/ ثائر، وسمير يونس/ الشيخ المهدي، وفيفي حسانين/ زوجة محمد علي، والسيد أبو العينين/ الدواخلي، ومينا محسن/ قنصل بريطانيا، فإن هناك أملا قادما ممثلا في بعض الشباب الذين طعمت بهم الفرقة في الفترة الماضية ووصلوا لدرجة كبيرة من الانسجام والجودة مع الباقين، فشيماء فاروق كانت مقنعة في دوري الراوية وزينب، وتملك قبولا جيدا وإن عابها بعض البكائية، كما محمد الفقي/ ديوان باشا في طريقه أن يصبح ممثلا شاملا لو استغل كل إمكاناته من جهة، وقلل من شعوره بنفسه قليلا. أما خالد محمود/ راوي/ كتخذا، فهو ممثل موهوب وواعد وتنبأنا له بمستقبل جيد، ولكنه في هذه المرة اكتفى بالجودة مع أنه كان رائعا قبل ذلك، ومعهم أحمد أبو راشد وأحمد المنسي وبيري ومحمود أسعد وعلي مصطفى وهبة جمال وأحمد عاطف وعصام عماد وعبد الرحمن الدهشان وأحمد الجبرتي.
وحديثي عند الأداء التمثيلي فقط يعود لعدة عوامل أهمها أن العرض كان مقدما على المستوى صفر تقريبا، أي على الأرض أمامنا مباشرة، صحيح أن شادي قطامش مهندس الديكور حاول أن يستغل هذا وقام ببناء بيت محمد علي بحضن المتفرجين/ نحن، ولكن هل هذا هو منزل القاهرة أم دمياط؟ كما قام بوضع مستويات تبين القلعة كما رأى، المستوى الأعلى استغل في تمثيل منطقة الحكم في القلعة، ولكن هذه المنطقة لم تصعدها أبدا زوجة محمد علي!.. إلخ، كما أننا رأينا الثوار خارج نطاق القلعة/ منطقة الرواية/ خارج الرحالة.. وهنا ستكون أمام حالات من التساؤل، أعتقد أن السبب في اعتقادي يعود لأن خالد قد وضع تصوره الإخراجي بناء على أنه في المدة التي سيكون فيها العرض سيكون مسرح أم كلثوم مستعدا لاستقباله، وهو مسرح مجهز جيدا على الطريقة الإيطالية كما كان، وبالطبع سيكون أفضل بعد التجديد - إن شاء الله؛ لذا فأنا أعتقد أن العرض خرج بهذه الصورة بناء على اضطرار لا رغبة ولا استعداد، وعلى الرغم من هذا الاضطرار فمن الممكن أن تقول واثقا إنك أمام عرض مسرحي جيد، كان سيكون أفضل لو قدم كما كان في تصور المخرج، وكما وعدوه هم سابقا.
 

 


مجدى الحمزاوى

mr.magdyelhamzawy@gmail.com‏