تأملات في الوسائط المتعددة مسرح السايبورج

تأملات في الوسائط المتعددة مسرح السايبورج

العدد 762 صدر بتاريخ 4أبريل2022

 أبدأ هذا المقال باستفزاز مقصود: ليس هناك مستقبل سوى مسرح السايبورج Cyborg Theater. فمن المؤكد أن المسرح الكلاسيكي سوف يستمر بشكل أساسي، بدون وسيط من أشكال التكنولوجيا الخارجية الواضحة (باستثناء التقنيات التقليدية مثل الصوت والاضاء والأدوات)، ولكن إذا كان هناك مسرح في المستقبل، وارث للأجيال القادمة، فسوف يكون الاتجاه الجديد في الأداء الحي هو مسرح السايبورج. في موضع آخر وضعت معايير مسرح السايبورج، كنموذج تحليل مفاهيمي لأسلوب الأداء الذي يمزج الأجسام الحية بالصور التكنولوجية والرقمية والوسائطية في إعادة تصوير للذات الإنسانية: فمسرح السايبورج ينظر إلى ما وراء ثنائيات مثل البشري/ غير البشري، والحي /الوسائطي، والمتمكن /غير المتمكن، لبناء نماذج بعد انسانية قادرة علي محو هذه الفروق . والسايبورج،  وهو الكائن الافتراضي Cybernetic organism، ومزيج من المواد الحية/العضوية والتكنولوجيا، قد احتل مكانا حيويا في الخيال القصصي بداية من استدعاء وحش جولم وفرانكنشتاين وصولا إلى المدمر . وبوضعه بجانب الآلات والروبوت، اذ غالبا ما يُخشى منه أو يساء فهمه، فقد كان الثلاثة جميعا يرمزون إلى حالة القلق من التكنولوجيا وتضاؤل العامل البشري . وقد أخذ مفهوم السايبورج منعطفا حادا في منتصف الثمانينيات عندما أصدرت دونا هاراواي بيانها الشهير الذي اقترحت فيه سايبورج نسوي سياسي استولى علي خيال العلماء والمنظرين . وقد استُخدم البيان، الذي هو أصلا استجابة نسوية لعصر سياسات ريجان في الولايات المتحدة الأمريكية، كموقع خيالي لإعادة تأمل التخصيص الذكوري والعسكري للتكنولوجيا. وباستلهام أفكر هاراواي، ومتابعة لما كتبته بعد ذلك «أعتقد أنه يجب علينا تغيير الاستعارات المحتقرة لكل من الرؤية العضوية والتكنولوجية إلى تحديد المواقع في المقدمة، والتوسيط المتعدد، والمنظور الجزئي، وبالتالي الرمزية النسوية المحتملة لمناهضة العنصرية والمعرفة السياسية»، وأفترض أن السايبورج كاستعارة مثمرة لشكل جديد للأداء المسرحي الذي يتيح إعادة تصور الإنسان الغارق في التكنولوجيا التي تعزز المجتمعات عبر العالم وتزعجها علي حد سواء. 
وعلي المستوى العملي، فان الاتجاه إلى مسرح السايبورج ربما يسهل مستقبل الأداء للأجيال الملتصقة بشاشات ألعاب الأطفال، وألعاب الكمبيوتر والبريد الإليكتروني وألعاب الفيديو ؛ قد تغريهم بالخروج من صناديقهم وعزلتهم وغرف الدردشة وإعادة دمجهم في مساحة المسرح الحي المشتركة، وهو مساحة اللقاء وجها لوجه. فمسرح السايبورج يمكن أن يمزج العالمين، ويسمح بتطور ونمو مستمر للمسرح الحي بينما يستفسر في نفس الوقت عن التكامل والتفاعل الإنساني مع التكنولوجيا الجديدة وييسرها. فمسرح السايبورج يستكشف الكيفية التي يندمج فيها الافتراضي مع الحي علي خشبة المسرح، ويستخدم كخلفية للعرض، وتدريب للدمج الحتمي مثل الرقائق القبلة للمسح الضوئي في الجسم (الشائع استخدامها مع الحيوانات) وأجزاء ذكية مستبدلة من الجسم  (وقد توفر جراحات العيون التصحيحية إمكانيات لقدرات إضافية)، وربما عمليات الاندماج المرغوب فيها مثل النقل المادي فائق السرعة . ولا يوفر المكان المسرحي الحي مساحة للتدريب علي هذه الإمكانات فقط، بل يوفر أيضا قلقا من هذه الاحتمالات  . 
 وكما ناقش كيربي مالون في مقاله التمهيدي، « المسرح التكنولوجي أو المتعدد الوسائط، كما يسمى أحيانا، له تاريخ طويل ويعتمد علي تعريف التكنولوجي، ويمكن متابعته بعدة طرق: بداية من التكامل القائم علي الشيء/الأداة مع الجسم الحي (استخدم الدمى علي سبيل المثال)، وصولا إلى دمج الصور علي خشبة المسرح (بسكاتور، والجريدة الحية، وسفوبودا) ومسارات قليلة علي سبيل المثال لا الحصر . وقد كان هذا التكامل حتى العشر سنوات الماضية، في أغلبها، نوقشت في تكتم، حيث كان ينظر إليها علي أنها أشكال مستقلة للتحليل (أنظر علي سبيل المثال المجلدات المخصصة لتقنيات الإضاءة والدمى ووصف الفنانين المستقلين / المجددين) . وفي العقد الماضي فقط، كانت هناك محاولة لتنظير الاستخدام المتزايد للتقنيات علي خشبة المسرح والتي تسللت بسرعة إلى الحياة اليومية –  وسائط التليفزيون والفيديو التي أصبحت قديمة الآن إلى الوسائط الأحدث مثل الصور الرقمية وصور الكمبيوتر والإنترنت، وأشكال التقنيات الطبية – في إطار التكامل مع الجسم علي المسرح . ومن المؤلفين الذين تخيلواسيناريوهات الخيال العلمي العالي التقنية، مثل ويليام جيبسون وأوكتافيا باتلر وفيليب ديك، وصولا إلى قراءة مارشال ماكلوهان للوسائط باعتبارها امتداد للجسم، فقد شارك المنظرون بعمق في تضمينات التكنولوجيا وتأثيرها علي ما هو انساني في أي لحظة . وفي مجال دراسات الدراما والمسرح والأداء، كانت التكنولوجيا غالبا هي المسلمة، التي تؤطر فراغات وتأثيرات العرض المسرحي، وتوفر منظورا وضوء، وتقدم الإثارة الميلودرامية المذهلة والمؤثرات . وبعد عقد من المشاركة في أفكار بودريلار عن التظاهر، والخيال العلمي عند ويليام جيبسون، وانتقادات تريزا دي لورينتس النسوية للتكنولوجيا، وديليوز وجواتاري في «ألف هضبة»، ثم من خلال تحليل لورا مولفي للنظرة في السينما، والسايبورج عند دونا هاراواي في منتصف تسعينيات القرن الماضي في الاستكشافات المتعددة للنص التشعبي والفضاء الأليكتروني، وبدأت تقنيات الكمبيوتر في الظهور في أعمال بريندا لوريل و كونستانس بينلي وأندرو روس وألوكوير لوزان ستون، علي سبيل المثال لا الحصر . وقد أفسحت هذه التحليلات التكنولوجية لمزيد من أعمال آن بالزامو التي يحركها الجنس، واليزابيث جروس، وسو الين كاس، وليزا كارترايت، وأفكار ما بعد الإنسان في كتاب « دليل السايبورج” الذي أصدره كريس هابلز جراي، كاثرين هايلز، وادعاء الحيوية في المسرح عند الناقد الموسوعي فيليب أوسلاندر والتي كانت نقطة تحول في عودة دراسات الأداء إلى مجال الدراسات المسرحية . لم تعد التكنولوجيا مجرد مسلمة، بل صارت شيئا يغير وجه الأداء الحي كما يحدث في النقد النسوي و ودراسات الوسائط والدراسات الثقافية . فقد ظهر الأداء كنوع فني مع ظهور تكنولوجيا الكمبيوتر الجديدة والتكنولوجيا الرقمية . وأنا أحد الأصوات القليلة التي تحاول تحليل وفهم هذا النوع الفني الجديد، وهذا الشكل المتنامي للمسرح والأداء الحي الذي ليس لا يعد حيا بالكامل . وعلي الرغم من أني نظّرت لأعمال الوسائط المتعددة التي تدور حول أفكار مسرح السايبورج لأنها تجذب الانتباه إلى الطرق التي يمكن من خلالها تأطير التكامل مع التكنولوجيا واعادة تشكيل أفكار معنى أن نكون بشرا في عصر وسائطي، وقد لاحظت أيضا عدة اتجاهات تتطور، بعضها متشابك مع مفهومي لمسرح السايبورج وفي داخل المسرح متعدد الوسائط عموما، والتي أبرزها هنا . ولا يُقصد أن تكون هذه التصنيفات ثابتة أو قاطعة بأي حال، فهي غالبا تتداخل في بعضها البعض، حيث أن عدد الفنانين الذين يمارسون تجريب الوسائط المتعددة في المسرح في زيادة مستمرة، وينتج عن هذا النمو احتمالات غير متوقعة . ورغم ذلك يتم اكتشاف اتجاهات جديدة وموضوعات وأساليب جديدة . ويوضح التالي بعض الاتجاهات والاحتمالات والأمثلة التي تمخض عنها التكامل بين الأجسام والتكنولوجيا في السنوات الأخيرة . 
السينوغرافيا الجديدة : 
     لعل أحد أكثر التطبيقات المستخدمة في الوسائط المتعددة علي خشبة المسرح هو تصميم خشبة المسرح والسينوغرافيا . ومع نشأتها من ابتكارات مثل استخدام اروين بسكاتور للسينما الوثائقية والعروض السينمائية واسعة النطاق علي المسرح، وتصوراته عن المسرح الشامل، ومؤلفات جوزيف سفوبودا التي تمزج بين أفكار الاضاءة واعداد المشهد، يسمح الممارسون المعاصرون للوسائط المتعددة بأن تحل محل الشقق المطلية القديمة والتصميم والملمس وحتى الأشياء المادية الفعلية مثل الأبواب والخزائن والسلالم . ومن خلال ترجمة لغة السينما والتصوير الفوتوغرافي إلى خشبة المسرح، يمكن أن تتحول المشاهد من مكانها فجأة بطريقة سلسة، ويمكن أن تتغير ألوان وتركيبات الفراغ وتتغير وتتحول بنقرة واحدة علي زر . وتطبقا مع تكرار تقليل التكاليف الفعلية، غالبا ما يُقدم الاستخدام السينوغرافي للوسائط المتعددة علي خشبة المسرح من جانب الفنانين دون اهتمام لنقدي لقراءتها في الوسائط المتعددة، في العرض تلو الآخر، اذ تظهر بشكل عشوائي كخلفية متحركة أو نسيج معروض أو نص أو لوحة . ومع ذلك، عند تنفيذها بشكل محسوب، يمكن أن يكون عرض المشاهد فعالا ومثيرا بصريا . علي سبيل المثال تتميز أعمال الوسائط المتعددة عند لوري أندرسون، بداية من عملها « الولايات المتحدة « في أوائل الثمانينيات وحتى الأغاني والقصص الأحدث في مسرحية «موبي ديك « عام 1999، قد جسدت لفترة طويلة مجموعة مركبة من الصور الثابتة والمتحركة التي تملأ الفراغ تقريبا وكأنها احساس مواكب أو صوت مرئي يبرز كل أعمال الشخصيات الداخلية المجردة والملموسة بالاضافة إلى توفير التكامل البصري مع تكويناتها الصوتية الفريدة . وعلي النقيض من ذلك، يدرك روبرت ليباج أن العروض المتعمدة والبطيئة والمخيفة تستحضر في الصور ما لا تستطيع أن تخلقه الكلمات عبر الزمن والمكان . وغالبا ما يتم التقليل من أهمية الوسائط المتعددة في أعمال ليباج، وهي جانب متكامل من الفراغ الدراماتورجي، مما يوفر مساحات للذاكرة والعمق لا يمكن فصلها عن الصور غير الوسيطة . وقد ابتكر مسرح ريدج/بوب ماكجراث ولوري أوليندر جماليات بصرية باستخدام عروض سينمائية واسعة النطاق خلقت صورا مذهلة ولاسيما في عملهم « جيني ريتشي « المأخوذ من عمل « اللامنتمي « للفنان هنري دراجر الذي تكررت المشاهد الكاملة لرسوماته في العروض السينمائية مع مجموعة بالاافة إلى مجموعة من الممثلين . 
      ويوفر تقديم اللغة السينمائية والفيديو وصور الكمبيوتر منهجا ابداعيا ومرنا للمطالب السينوغرافية، علاوة علي توفير ٍاس لنوع جديد من عروض الوسائئط المتعددة أو السايبورج التي سوف أعود اليها في عرض «  4#” (والأمثلة المتضمنة هنا تبرز الامكانيات المشهدية الجديرة بالذكر، والتي تظهر من خلال عمليات تكامل اضافية في اطار درامي محدد لتوفير موقع أكثر تحديا للتحليل) . وتستخدم التجارب ثلاثية الأبعاد للمخرج المقيم في سان فرانسيسكو جورج كوتيس المزج بين الكمبيوتر وعروض السينما، وتضم أفلام ثلاثية الأبعاد عروض للشرائح، وممثلين، لجذب المشاهدين من موقع إلى موقع وكأنهم في فيلم، من غابة ممطر والى صحراء، ومن موقع فعلي إلى موقع تجريدي  . وتقلب الفرقة البريطانية «فوركبريد فانتازي « خدع السينما الكلاسيكية  وتقوم بتحريك المكان الحي بمواقع أفلام مثل الممر الطويل ذي الأبواب علي الجانبين والتي يدخل منها الممثلون ويخرجون في نفس الوقت علي الشاشة وخارجها . وفرقة بيج أرت جروب تستخدم الخلفيات السينمائية التي تقتحم وكأن الممثلين يدمجون أجسامهم في المشهد المتحرك . وهذه بعض أمثلة للتطبيقات الخيالية للوسائط المتعددة المبنية علي السينوغرافيا المعاصرة . 
تحولات الجسم : 
     يستخدم الممارسون التكنولوجيا صراحة، بشكل متزايد للتعليق علي علاقة الجسم بالتكنولوجيا . ومن خلال الاهتمام بالعزلة والتشظي والاغتراب، يصور الفنانون هذه المخاوف حرفيا من خلال التلاعب بالتكنولوجيا التي تسبب هذه المخاوف . وفي اللحظة المعاصرة، في الوقت الذي الذي دعت فيه كاثرين هايلز وآخرين إلى ما « بعد الإنسان «، بدا الاستفسار عن الجسم، وتضاعفه، قديما ومتحولا ويتم تحديه في علاقة مع التقنيات الموجودة والناشئة . وبقي مصطلح ما بعد الإنسان  ساخرا بعدة طرق، لأن الجسم مازال هو مركز هذه الاهتمامات، وبدلا من ذلك، كما عبرت عنه هايلز، فانه يمكن قراءة ما بعد الإنسان كحالة في المجتمع المعاصر، حالة تقدم مصادرا لتأمل تعبيرات البشر مع الآلات الذكية . وفنانين مثل ووستر جروب أو الراقصة ومصورة الفيديو كاثي فايس قد ابتكروا ميزانسين ملئ بأعضاء الجسم المجزئة ، والحية أحيانا، والسابقة التسجيل أحيانا، وقد تم تضخيمها  أو جعلها خارج بؤرة التركيز لجذب الانتباه إلى أنواع معددة من الاهتمامات المجتمعية، بداية من تشظي أجسام الأفكار لمعنى أن تكون قادرا جسديا في المجتمع . وتحتوي الشاشات وأجهزة التليفزيون علي صور للأجسام الحية علي خشبة المسرح وهي محاصرة في هذه الاطارات، وتستكشف مشكلات العزلة والتطورات الطبية أو ببساطة زمن الكمبيوتر المتزايد . ومن خلال اللعب بامكانيات البرامج الجديدة، فقد تناول التعاون بين جمعية بيلدرز، وفرقة موتي روتي، وعلاء الدين، أسئلة الهوية المتوقعة داخل مراكز الاتصال الهندية حيث تم عرض وجوه الممثلين علي شاشات فوق رؤوسهم وتحويلها إلى شخصيات من البرنامج التليفزيوني « الأصدقاء» وأجبوا علي الهواتف بطريقة أمريكية تشبه طريقة راشيل جرين . وباستخدام هذه التقنيات المتنوعة، يمكن أن تختفي الأجسام، وتتحول أجزاء الأجسام، وتندمج الهويات مع التكنولوجيا – كيف غزت التكنولوجيا المسافات بين الأجسام واستبعدتها ؟ والى أي درجة تساعد التكنولوجيا الأجسام وتعززها ؟ وهل تهدد الأجسام الافتراضية بازاحة مفهوم الانساني ؟  وما هي احتمالات تقنيات الاغتراب والانفصال، وما هي عيوبها ؟ . وتجسد علاقة ووستر جروب الطويلة الأمد مع التكنولوجيا هذه المخاوف . وباستخدام الصور الفوتوغرافية السلبية لعرض تقنيات الجنس والعرق في عرضها «الامبراطور جونز»، أو استخدام الصور المتعددة علي الشاشة في عرض « أضواء المنزل» كتمثيل للهويات المجزئة المبتكرة بواسطة وسائل الاعلام وتقنيات الانترنت، بالاضافة إلى استكشاف العزلة المفروضة علي الشاشة للشخصية الرئيسية «فيدرا» في عرضي « اليك “، “ العروس “، ابتكرت ووستر جروب شكلا مسرحيا هجينا بالتضافر مع النصوص التقنية والبصرية والدرامية . ويقدم تشظي الجسم التقني وتحوله كما يُرى في هذه العروض المسرحية حافزا مثيرا للتفكير وبالتالي يقدم امكانيات لأشكال بصرية وفكرية للفن الدرامي ولمزيد من الامتداد والاكتشاف . 
ربط الأجسام :   
     لقد تتكامل التقنيات الجديدة مع خشبة المسرح دائما، بداية من أحدث أشكال الاضاءة وصولا إلى البكرات والعربات والسيور الناقلة، والقائمة تطول – يستخدم الفنانين مواقع العروض الحية لاستفسار التقنيات الجديدة وعرضها وفحصها وتخيلها في لحظة معاصرة معينة . وفي هذا الإطار الذي يجرب فيه الفنانين مع تقنيات تسجيلات الفيديو، والأشعة تحت الحمراء وغيرها من التقنيات العسكرية، وتقنيات الإنترنت الأكثر شيوعا . وقد أستلهم العديد من الممارسين  انتشار أجهزة الكمبيوتر الشخصية واتصالات الانترنت واسعة النطاق لتطوير العمل حول إمكانيات هذه التقنيات . ويتم استخدام هذه التقنيات الربط جمهور الكمبيوتر المنزلي بالأداء الحي، كما هو الحال في بعض أعمال ستيلارك وأورلان، أو لربط الجمهور مباشرة في الموقع البعيدة في أمثلة مثل عرض «شفاه» لكاثي فايس وعرض «حب فندق المسافات الطويلة» للمخرج يوبيوا، أو عرض الأوبرا «مباشر من الجنة»، ويتم التحقق منها علي خشبة المسرح كأداة وحبكة . وفي عروض المشاهدة عن بعد التي كنت جزء منها كمشاهد، فقد حاول تطبيق الانترنت، والتقنيات الأخرى،  مع أنه لم يكن متقنة توليد اتصال بين المجتمعات والثقافات والمواقع التي وسعت حدود معنى أن تكون مشاهدا، علاوة علي إثارة قضايا الأرشفة المهمة لمثل هذه العروض متعددة المواقع . وتحدث هذه العروض غالبا في مناطق زمن وسياقات مختلفة؛ فمثلا حدث عرضي كاثي فايس «ليس بهذه السرعة» و«طفل!» بين مقدونيا في الساعة الثالثة صباحا ومدينة نيويورك الساعة التاسعة مساءا؛ وعرض يوبيوا «فندق حب المسافات الطويلة» ارتبط بموقع تحت كوبري مانهاتن الذي يعرف باسم مسرح المختبر الأحمر و كلوب أسيب في طوكيو . وأقيمت عروض أخرى بواسطة امتداد المشاهدين البسيط عبر عدة مدن داخل بلد واحد – ففي عرض فرقة  « أوبرا المحطة «  بعنوان «مباشر من الجنة « إذ تمكن الجمهور في لندن من التعرف علي أصدقائهم في مهرجان برمنجهام وتقديم إمكانيات جديدة للرقص والعيش وأن يرقص الممثلون عن بعد معا، كما في عرض فايس، الذي ابتكر شكلا أصبح أداة مثمرة للنماذج الجديدة للعروض الزمانية المكانية . وربما امتدادا لحجة فيليب أوسلاندر بأن « الحي « لا يمكن إدراكه وفهمه كمفهوم إلى أن يضع بجوار الوسائطي، وفي اطار المكان في هذا التحليل، فان المسافة بين المجتمعات لم تكن مرئية بسبب تقنيات الاتصال التي قدمت ذلك مجزأ جدا . ورغم ذلك، فان الفنانين الذين استخدموا التقنيات المرتكزة علي الانترنت تستكشف اشكالا جديدة للاتصال تنهي المساحة المادية وتقدم احتملا لتبادل السياسي والثقافي والفني . 
تفكيك السينما وإعادة بناءها : 
يُطلق أحيانا علي بعض الأعمال الأكثر تطورا المبنية علي الوسائط المتعددة «السينما الحية»، وكذلك الأعمال التي يتم استكشافها اليوم وتندرج تحت هذا التصنيف . وبدلا من التبادل بين وسيط أو آخر، فان فنانين مثل بيلدر أسوسوياشن وجورج كوتس وكيربي مالون و سيباربيا برودكشن و بيج آرت جروب والشركات التي مقرها في بريطانيا مثل ستاشان هوس أوبرا (علي سبيل المثال لا الحصر) يعملون علي دمج تقنيات المسرح/الأداء والسينما بطرق تبرز السمات الحية للمسرح باستمرار . وهذه الفرق تسهل الدمج بين شكلين يتجاوزان تطور التقنيات السينوغرافية الجديدة ويقترحان نوعا جديدا من عروض مسرح السايبورج . 
 ولعل أحد أبرز ملامح هذا التصنيف هو بحث وتفكيك أساليب السينما والفيديو وترجتها إلى مساحة للأداء الحي . اذ يحول الفنانون لغات الوسائط التي يعملون بها إلى خشبة المسرح – بشكل صريح تماما . فمثلا في عرض فرقة بيلدر أسوسياشن “الابهار الفني « تم استخدام الشاشة الزرقاء أو الكروما في ابتكار مؤثرات خاصة   في السينما والفيديو معروضة علي خشبة المسرح . والممثلون الذين يقفون في الكواليس، أمام شاشة زرقاء كبيرة، يقدمون مشهدا يتم مزجه آنيا بلقطات فيلم ابيض وأسود علي شاشة أكبر أعلي خشبة المسرح مما يؤدي إلى إنشاء فيلم حي أمام المشاهدين . ويقدم استخدام كاميرات متعددة علي خشبة المسرح مساحة تجريبية لتطوير تقنيات مثل مزج الصور كما هو الحال في عرض فرقة بيج آرت «منزل لعدد محدود» الذي أبرز في نموذج واحد لحظة مؤثرة بين ممثلين يجلسان علي جانبي خشبة مسرح طويلة وضيقة، يؤديان دورهما أمام كاميرات مكشوفة مزجت بين الاثنين بسلاسة في قبلة صريحة علي لشاشة . وتستكشف أعمال آرت جروب ذات التقنية العالية آليات مثل هذه التقنيات وتطور هذا النوع الفني الجديد من الأعمال الحدية، في مكان ما بين ما يمكن أن يسمى مسرحا أو سينما، وبسبب خاصية العمل الذي يظهر باعتباره شكلا قويا لمسرح السايبورج . 
 يجرب كل هؤلاء الممارسين في مختلف الوسائل لتوسيع حدود المسرح والسينما وطمسها وإعادة مزجها، عن طريق خلق أنواع جديدة من أعمال مسرح السايبورج . والاستفزاز الذي بدأت به هو نصف دعابة . لأن القرن الحادي والعشرين  يطور التكنولوجيا التي سوف تصبح منتشرة، بداية التقنيات التي تستمر في مساعدة وتعزيز – كعلاج للأمراض، والتخلي عن الأطراف الصناعية، متنقية الأنساق من الملوثات، والى أولئك الذين يدمرون – أولئك الذين يسببون التلوث، وحرب الآلات، والميكنة الزائدة عن الحاجة التي سوف تتحلل . وفي حين أنها ليست مسئولية الفنانين، أو ليس في حدود قدرتهم حل المشاكل السياسية، في مساحة الأداء الحي، فانه يمكن دراسة هذه المسائل واستكشافها ومواجهتها في النهاية . فمسرح السايبورج هو مسرح المستقبل . 

.................................................
يلزم التنويه أن كلمة « السايبورج Cyborg « ليس لها في اللغة العربية معادل في مفردة واحدة ولذلك وضعنا العنوان كما هو في اللغة الانجليزية «مسرح السايبورج Cyborg Theater” . والسايبورج كائن افتراضي – مزيج بين مكونات عضوية ومكونات بيوميكا ترونية (الميكانيكا الالكترونية الحيوية . 
جينيفر باركر ستارباك تعمل رئيس لقس المسرح والدراما في كلية هولوواي الملكية بجامعة لندن، وتركز أعمالها علي التضمينات التاريخية والنظرية للوسائط الجديدة والوسائط المتعددة وعلاقتها بالجسم في الأداء . 
هذه المقالة من ضمن كتاب « Live Movies : A field Guide to New media for performing arts .  تأليف « كيربي مالون “ و “ جيل سكوت وايت “ . 


ترجمة أحمد عبد الفتاح