الأراجوز .. بهجتنا طول الزمان

الأراجوز .. بهجتنا طول الزمان

العدد 709 صدر بتاريخ 29مارس2021

  الأراجوز وصوته الرفيع وملابسه الملونة مع الطرطور الأحمر الذي يهتز مع كل جملة يقولها ، وعصاه التي يضرب بها المخالف في حركة سريعة مباغتة لايستطيع أحد الهروب منها مهما بلغ حرصه وحذره ، هذا الكائن الدقيق الملامح الصغير الحجم يظل على مر الزمان بهجة الصغار والكبار ،عرفناه ولاحقناه أينما وجد في حفلات المدرسة ، في الشارع حيث يتجول في الأسواق والحارات يجمع حوله المارة ويمتعهم بالنمر الضاحكة مقابل قروش قليلة تبهجه هو في أخر الجولة مثلهم تماما ويعرفه أطفال اليوم في حفلات المدرسة والنادي وأعياد الميلاد. ورغم تغير المكان والزمان ظل الأراجوز هو الأراجوز بملابسه وعصاه ونمره الضاحكة التى تتغير وقائعها وشخصياتها ويظل هو عنوان البهجة والمرح .  
  فكرت كثيرا ومنذ أمسكت كتاب استاذ أساتذتي دكتور إبراهيم حمادة عن فنون خيال الظل في اللغة العربية وأصولها الذي يحمل عنوان «خيال الظل وبابات ابن دانيال « ،فكرت هل يقدر لنا إيجاد كتاب مثله في التدقيق العلمي  ،حيث سجل لنا في جهد علمي مؤسس كل خصائص وجماليات فن خيال الظل ، إضافة لما جمع الاستاذ الجليل من تمثيليات ذلك الفن والتي يطلق عليها «بابة « في مصطلحات ذلك الفن ، مما جعل هذا الكتاب مرجعا أصيلا لفن اندثر أو خفت صوته في القرن العشرين .
  ثم ثار سؤال في ذهني هل يقدر لنا جمع التمثليات أو «النمر» الخاصة بالفنون الأخرى مثل الأراجوز والسامر وغيرها من تلك الفنون الراسخة في الثقافة الشعبية الخاصة بعموم الناس في مصر ومواطن عدة عربية ودولية ،من أجل حفظها في الذاكرة الجماعية لمن أراد من فنانيين في عهود قادمة ، وأيضا للباحثين والدارسين وحتى القراء . ولأن هذا فكر المهموميين دايما بأمر ثقافتنا ، فقد جاءت الإجابة من المركز القومي لثقافة الطفل عبر كتاب «حواديت أراجوزية « الصادر العام الماضي.احتوى الكتاب على أربعة عشر نمرة أراجوزية ، كتبت حديثا وقدمها فنانونها عبر شاشة قناة الكترونية تابعة للمركز ويتم ذكر الرابط الخاص بكل نص بجوارعنوانه  في الكتاب، أي أن تلك النصوص تحولت لعرض بدمى الأراجوز ويمكن لمتابعي القناة مشاهدتها ، هذا بالطبع تغيير جوهري في وجود هذا الفن بسبب فيروس كووفيد وماتبعه من تباعد بشري مقيت لكن الأراجوز أبى إلا أن يكون حاضر ينشر البهجة والمرح .كما كتب محمد ناصف في مقدمة الكتاب « لعب الأراجوز دورا مهما ليعظ ويخفف عن عن أطفالنا أوقات الحظر أيام الكورونا «.
 يضم الكتاب مجموعة من النصوص أو كما يطلق أهل المهنة عليها “النمر “ التى تناولت أزمة فيروس العصر مثل نص”الأراجوز والمولات “ للكاتب محمد ناصف وفيها نقد اجتماعي لسلوك البعض في الاستحواذ على كل السلع الخاصة بالتعقيم من الفيروس من كحول وكمامات ومواد نظافة وغيرها ، وعدم التفكير في حاجة الأخرين المماثلة لتلك السلع مما يوأدي لمرضهم وبالتالي نقل العدوى لغيرهم وهو سلوك مستهجن ولاشك كما تنقد النمرة عدم الوعي بأضرار التسوق والاستحواذ على السلع .
وتناقش فكرة نمرة «الأراجوزو أم فلفل « للكاتب أحمد جابر الاشاعات التي رددها البعض حول الفيروس بدون مصدر علمي أو رسمي وتنصح بتوخي الحذر من ترديد ذلك . وفي نمرتي”هنعمل إيه في الحظر” و”انا اللي كسرت الحظر” للكاتب أحمد زيدان يحاول ، تتناول الأولى كسل البعض ومنهم الملاغي أثناء الحظر حيث يقضى وقته في النوم والأحلام فيوقظه الأراجوز ناصحا إياه بالمذاكرة عبر موقع وزارة التربية والتعليم فالعلم أحسن وسيلة لتمضية الوقت ويعدد عيوب الكسل ويؤكد له أن الحظر لايعني ترك دراسته والنوم وتختتم النمرة بتوعد الأراجوز للملاغي بمطاردته بالعصى وتلك حركة من حركات الأراجوز المعروفة .
ولفنان الأراجوز نمرة جميلة «اراجوز 2020» والثانية «الفكهاني الغشاش « عن غش الميزان وغش الأسعار وكل أنواع النصب والاحتيال على الناس ، وتتعدد في النمرة كل أنواع ذلك ويناقشها الأراجوز مع بائع يدي الأمانة وهو غير ذلك .
وفي نمرة بعنوان «التنمر» تناقش فكرة هامة وتشرح تلك الكلمة التي انتشرت على الألسن وربما لم يعرف معناها الأطفال ، أي السخرية من عيب او مظهرما ، وتدور النمرة بين الأراجوز وزوجته حيث يتبادلان السباب والشتائم فيرفض ذلك الملاغي ويبصرهم بالصواب أي ضرورة احترام الأخر وعدم إظهار ماينقصه وسبه به .
وليس هذا النص الوحيد للكاتب الموهوب محمد زناتي فله بالكتاب أيضا نصوص  «نمرة الطمع « و نص « التكبر الأراجوز نجم النجوم « و»الأنانية الأراجوز مليونير» . وهي تشير إلى عيوب في سلوك وفكر الأراجوز مثل التكبر على زوجته وصديقه حين ينال الشهرة ولايود الحديث معهما سوى بموعد . ومثل الطمع ورغبة الاستئثار بالمال حين يكسب مسابقة مالية كبيرة ولكن الأاراجوز يفهم وتصل الحكمة للمتفرج سواء كبير أو صغير ، أن الناجح لابد أن ينسب ذلك لمن عاونوه وساعده وغير هذا نكران جميل وأن الفخر بالذات نقيصة لو صاحبه الغرور .
وكان قد صدر من قبل كتاب قيم للدكتور سيد على إسماعيل حمل عنوان «مسرح العرائس في مصر» وكعادته يقدم لنا المؤلف معلومات موثقة بالصور والشرائح المكتوبة من صحف ودوريات قديمة  يعود بعضها لمطلع القرن العشرين .
الأمر الذي يؤكد المعلومات ويعود بالقارئ والباحث لأزمنة ثرية بالعمل الثقافي والفني . ولعل أجمل ماجذبني في الكتاب وجود فصل كامل عن الفنان الرائد محمود شكوكو الذي يؤكد أنه فنان شرب من روح شعبنا العظيم وقدم له مردود فني ارتبط باسمه وهو براعته في فن الأراجوز حتى تحولت صورة شكوكو شخصيا إلى أيقونة لفن الأراجوز وصنعت لعبة زجاجية تحمل صورته والأراجوز الذي يمثل ويغني به
الأمر الذي يمثل ويؤكد رسوخ فن الأراجوز والعرائس في الوعي الجمعي ومحبة من يعمل به . الأمر الأخر يعود للفنان الراحل وهو تطوير فن الأراجوز ليصبح فقرة فنية جميلة يقبل عليها الناس في النوادي الفنية والمسارح ، وجاء التطوير بكتابة أغنيات وفواصل كوميدية خاصة للأراجوز يؤديها شكوكو بأقلام وألحان كتاب وملحني عصره مثل بيرم التونسي ومحمود الشريف ، كما يكتبون للمطربين والمطربات المحترفين .
 وتؤكد وثائق الكتاب حقيقة تستحق التأمل وهو أن الرائد شكوكو كان صاحب أول فرقة محترفة خاصة  تتخذ من فن الأراجوز فقرة ثابتة في أمسياتها وهو أمر يستقطب الجمهور الأمر الذي سيحفز الدولة بعد الثورة إلى إنشاء فرقة رسمية لمسرح العرائس بكل أنواعها ليكون اتجاه عام وهو ارتباط الفنون الرسمية بالفنون الشعبية اي التى تحوز اهتمام الجمهور  

 


سامية حبيب