فرقة الكوشة لمسرح العرائس .. حين تتحدث الدمى

فرقة الكوشة لمسرح العرائس .. حين تتحدث الدمى

العدد 761 صدر بتاريخ 28مارس2022

مسرح الأراجوز هو من أقدم أشكال الفرجة في العالم العربي، فهو يعتمد على فكرة العرض الأدائي، نظرا لخصوصية بنية المشاهدة، وسلطة المتفرج على العرض، وكذلك طبيعة اللعب، والتي تسير وفقا لخطوط عريضة يضعها اللاعب، دون أن يغلقها، لتظل مفتوحة أمام المتفرج مما يجعل هناك إمكانية للتدخل في بنية المشهد بالإضافة أو الحذف.
وقد اعتمدت فرق عديدة على تقديم هذا الشكل المسرحي التراثي ومنها “فرقة الكوشة للعرائس” والتي أسسها الفنان ناصف عزمي عام 2000 بقرية تونس بمحافظة الفيوم، تلك المحافظة التي شهدت في ثمانينيات القرن الماضي تجربة مغايرة في المسرح المفتوح وهي تجربة “فرقة السرادق” التي أسسها المخرج المسرحي الراحل صالح سعد، وقدمت عروضها في قرى المحافظة.
ولم يكن تكوين فرقة للأراجوز والعرائس القفازية وليد الصدفة فمؤسس الفرقة درس المسرح في فرنسا، وشارك في عشرات من العروض التجريبية.
بالإضافة إلى رحلاته المتنوعة في عدد من بلدان العالم للبحث عن صيغ تجريبية في المسرح، ومنها رحلته إلى الأرجنتين والتي قابل فيها لاعب عرائس جوال يقدم عروضه في القرى والضواحي، ومن خلال هذه العروض استطاع أن يعبر بصدق عن القضايا الاجتماعية، مما جعل الجمهور يلتف من حوله.
كانت مثل هذه الرحلات الفنية بالنسبة لعزمي، محاولات جادة لقراءة ذهنية الجمهور ومدى قدرة “مسرح العرائس” على تقديم مسرح اجتماعي ناقد  وراصد للقضايا المجتمعية المختلفة، من خلال مسرح يخص الناس، ويجعلهم حاضرين بقوة في عروضه، ذات المرونة والطبيعة الحية، مسرح قائم على المشاركة والتفاعل الفوري، مسرح يعمل على تجسير الهوة بين خشبة العرض والجمهور.
فعروض العرائس تقدم عقدا ضمنيا مع المتفرج حيث يتبنى المشاهد منظوره الخاص للعرض من مجموع لحظات الاندماج.
جاءت أولى عروض “فرقة الكوشة” تحت عنوان “لعبة الثعبان” عام 2004،  وقدم العرض بإستاد الفيوم الرياضي، وشارك فيه خمسة من اللاعبين الهواة في فن الأراجوز تم تدريبهم على صناعة العرائس وكيفية تحريكها، ثم قاموا بعد ذلك بتجهيز باقي عناصر العرض من مسرح وديكور وإضاءة وملابس وغيرها
وتوقف نشاط الفرقة بعد حادث حريق مسرح بني سويف في سبتمبر 2005، لتعاود نشاطها عام 2012 لتقدم عروضها باستخدام العرائس القفازية وكان منها عرض “العو السو” عام 2014، وعرض “ماتبصيش يا لولو” عام 2015 والذي استمر تقديمه لعدة سنوات.
ثم قدمت الفرقة عرض “لازم تصلح غلطتك” عام 2021
وتعتمد “فرقة الكوشة” على فلسفة فنية مفادها أهمية الاقتراب من المشاهد من خلال تقديم العروض في الساحات والفضاءات العامة والانتقال بين الأحياء والقرى ونوادي ومراكز الشباب والمشاركة في الحفلات والمهرجانات الأهلية.
يقول ناصف عزمي –مؤسس الفرقة- في شهادة له عن التجربة: “تعرف الكوشة نفسها بأنها فرقة بحثية تهتم بالتجريب في كافة أشكال فنون العرض بالعرائس والبحث في الأسلوب والتركيب الدرامي وكيفية تطويعه لأغراض العرض.
تتناول فرقة الكوشة عروض الأراجوز كمادة ونسيج درامي قادر على الاشتباك مع تعقد وتنوع العلاقات الاجتماعية وإعادة طرحها بعد مرورها خلال مصفاة المنطق الخاص بالأراجوز، لذا نراعي في العروض تطوير الحدث عبر اختزاله إلى مكوناته الأولية وإظهارها عارية والدفع بالموقف والمفارقة الدرامية بتبديل مواقع الشخصية من الضحية إلى الجاني وبالعكس مع تغمية الفروق بينهم.
 وتعتمد عروض الفرقة على حركة العرائس ودقتها والاستغلال الكامل لفضاء المشهد مع الاقتصاد الشديد في الكلام والحوار. كما أن الفرقة تولي اهتماما خاصا بباقي عناصر العرض لتقديمه في إطار مشهدية حديثة وغنية بصريا تجذب انتباه المتفرج الذي أصبح مدققا و مدربا يصعب إدهاشه من كثرة تعرضه لصخب المؤثرات البصرية حوله.
وتعمل الفرقة على تدريب اللاعبين الجدد من خلال ورش عمل حتى يستطيع اللاعب الإمساك بمحورية الحركة في عروض الأراجوز، ويتم ذلك من خلال التدريب على مشاهد ارتجالية باستخدام عروستين، ولأن العروسة الصماء تستدعي الكلام فمن الطبيعي أن المحرك المبتدئ بمجرد اختفائه خلف الستارة وإظهار العرائس يبدأ الكلام والاسترسال في الحوار، ثم يقوم المشرفون على الفرقة بتسجيل هذا المشهد، وإعادته عدة مرات ثم يقومون بتنقية الحوار من التكرار، والتركيز على فكرة الإيقاع المشهدي ووحدته الزمنية، وتقديمه بعد ذلك في مشهد يتيح للمتفرج المشاركة وتتبع بناء الموقف الدرامي المفتوح على احتمالات متعددة.
وعنصر التدريب هو عنصر أساسي تعمل عليه الفرقة لإثقال مهارات اللاعبين، وإكسابهم مهارات جديدة.
وتدريبهم على طرق التفاعل مع الجمهور باعتباره أحد الأركان الأساسية في عروض الأراجوز، وكيفية أن يكون اللاعب عنده مرونة وقت العرض لتغيير بعض الجمل الحوارية بما يتناسب مع تفاعل الجمهور مع مشهد ما.
وكيف تكون عملية التحريك متوافقة مع بنية المشهد وطبيعة الحوار، وتدريبهم على أن يدركوا أن حركة العرائس هي تفكيك وتجريد للعلاقات المتشابكة، لأن فلسفة عرض العرائس تقوم على أن العروسة تعيد طرح ما استقر عليه بأنه مسلمات وأعراف اجتماعية وما يقدم على أنه حقائق ثابتة غير قابلة للتأويل.
وتعمل الفرقة على اختبار عروضها في الأماكن المستهدفة سواء في القرى والنجوع أو الأحياء الشعبية، ومنها كذلك مشاركتها بالعروض في الاحتفال بيوم الطفل والذي أقيم في مستشفى أبو الريش.
كل ذلك منح الفرقة مساحات واسعة للمشاركة والوقوف على ما يهم المتفرج من قضايا يمكن طرحها داخل بنية العرض المسرحي.
وقد شهدت هذه العروض تفاعلا ملحوظا من الجمهور والذين طلبوا بتكرار العرض أكثر من مرة، وقد تنوع الجمهور ما بين الكبار والأطفال.
كما تعمل الفرقة على تنمية مهارات العروسة كطرف صناعي وامتداد للمحرك تأخذه إلى نطاق تعبيري أبعد من قدرات الممثل المحكوم بإمكانياته وقيوده الجسدية. وتأتي الحركة النابعة من حس وجسد الممثل لتحول الكتلة الساكنة الصماء إلى عروسة تمتلئ بمظاهر الحياة.


عيد عبد الحليم