الوجودية ومسرحية كاليجولا لألبير كامي

الوجودية ومسرحية كاليجولا لألبير كامي

العدد 761 صدر بتاريخ 28مارس2022

تقديم :
الانسان في المذهب الوجودي وجوده سابق علي ماهيته،ومايميز الانسان ممارسته لحريته واتخاذ القرار الحر والمسؤولية، من هنا يحقق الانسان ذاته، فهي تركز الاهتمام علي الذات والفرد لأنها تمثل لب وجوده الشخصي .
فالوجوديون متشائمون ومتفائلون ولكن يرون في أغلبهم أن وجود الانسان يلقي مقاومة وقد ينتهي بالإحباط والوجود ومادام يتعلق بالفرد فانه ينتهي بالموت .
ويري الوجوديون أمثال كيرجوروهيدجر وسارتر أن القلق والملل والغثيان ذات مغزي فلسفي وهو ما أهمله الفلاسفة قبلهم حيث اعتبروها أمورا غير فلسفية .
وعلاقتهم بالدين تكتنفها الازدواجية فتتراوح بين الحب والكراهية 
يذهب المذهب الوجودي الي السعي وراء تحقيق القيم الإنسانية في العالم والانسان هو الخالق الوحيد لمعني القيم في العالم وهو الأمر الذي يعتنقه سارتر ويعني عدم الايمان، فالوجودية عنده مذهب غير متدين لأن الانسان فيه متروك لذاته حتي يخلق ويحقق في عالمه ما يستطيع من قيم .
والفيلسوف الوجودي يبدأ بالفعل وليس بالأفكار فمعني أنك موجود وفعالا أنك تواجه عالما واقعيا حقيقيا .
ويتمرد الوجوديه علي مجالات كثيرة وأوضاع قائمة مثل اللاهوت والسياسة والأخلاق والأدب والشرائع التقليدية وهم أمثال سارتر وكاميعدميون ومنكرون ورافضون يسعون للهدم وليس البناء همك كل شيء دون أن يبنو .
والوجودية علي هذا أسلوب في التفلسف وليست مجموعة من النظريات الفلسفية (1)
وعلي هذا فان الوجودية تري وجودها بالنسبة للآخرين والعالم بشكل مختلف عن أي رؤي اخري فالوجود البشري مستحيل بمعزل عن هذا العالم، كما أن هذا العالم ليس الكون وحده وانما وجودا آخر لبشر آخرين معه، وعلي الرغم أن الوجوديون اعترفوا بالفردية كأساس لوجود الانسان وأهميته في هذا العالم فانهم رأو أن هذا الوجود لايمكن أن يكون بدون الوجود الجماعي لهذا الشخص من خلال الآخرين،وفي هذا يقول مارتن بوبر كما ينقل لنا كلماته مؤلف كتاب الوجودية :
((ليس هناك أنا يمكن أن تؤخذ بذاتها وانما أنا – أنت والأنا المندمجة في الكلمة الأساسية أنا – هو (...) فقبل ان تكون أنا وأنت منفصلتين كانت هناك (أنا – أنت) أو الواقع الجمعي أو الاجتماعي الذي يجعل الذات البشرية والشخصية الفردية ممكنة)) (2)

وعلي هذا فالجنس البشري لايمكن ان يكتمل بدون الآخرين، مع ذلك فان الوجوديين نزعوا الي الفردية فعلي الانسان أن يحمل العبء بمفرده ويقوم بما عليه من مسؤولية والآخرين هم الدهماء أو القطيع أو هم بمعني أصح فهم زائفين فجنحوا الي الفردية بل ان الوجوديين لم يحددوا علاقتهم بالآخرين بمعني واضح وانما ابتعدوا عن هذه العلاقة الشائكة في مقابل الارتقاء بدور الفرد وأهميته .
وتري الوجودية أن الابداع الإنساني يقابله قوي محبطة مؤلمة تحاول أن تحطمه فالانسان لدي الوجوديين هو بنفسه في هذا الجسد وهذه الصفات وهذه الطباع وهذا الجسد وهذه الصفات الجينية ولد وعاش في ذلك الوقت وفي ذلك المكان وفي هذه الحالة الانفعالية الخاصة مما يميزه عن غيره من البشر فأنا أكون ما أنا حسب قولهم .(3) 
كما يري الوجوديون أن الانسان ملقي به في موقف وجودي خاص به وكل منا له من الرمي ما يمكن أن يتصف به فيكون أمريكيا أو أوروبيا أو غيره، غنيا أو محروما، رديء الطبع أو حسن الخلق، فالبشر مختلفون ذو مواهب مختلفة، واختياراتنا تحدد مانكون حسب ارادتنا العاقلة .
أما عن الموت فانهم يرون أن وعي الانسان بالموت يميزه عن الحيوان فالوجود البشري في خطر ويمكن أن ينتهي في ايه لحظة بالموت، ليجعل كل الإمكانات غير ممكنة حسب قول هيدجر .
أما عن شعور الانسان بالذنب فيري الوجوديون أن سقوط الانسان لاينفصل عن ارتفاعه فهما أمران متلازمان وكذل شعوره بالخطيئة وهو هنا شعور غير ديني فهي اغتراب عن وجود الانسان نفسه، حيث أن وجود الانسان هو مايهمهم هنا .(4)  
الوجودية والأدب :
ذاعت في الموضوعات الأدبية للوجوديين أمثال سارتر وكامي ثيمات مثل : الحرية، والقرار، والمسؤولية، والتناهي والاغتراب والذنب والموت، فالوجودي عند كافكا في القرن التاسع عشر يشعر بأزمة وتهديد وتمزق واغتراب، وفي كثير من الأحيان يصف الوجوديون الرب في أشعارهم بأنه اشاح بوجهه عن الانسان فتركه وحيدا ممزقا والأب صامت والانسان يعاني، كما قي قصة كافكا المحاكمة حيث يجد الانسان نفسه وحيدا متهما في قضية لايعرف كنهها ضائعا، كذلك في رواية ديستويفسكي (الأخوة كرامازوف) وما عبر فيها عن أزمة الانسان مع الآخرين وكذلك روايته (مذكرات من باطن الأرض) (5) .
علي هذا رأي الكتاب الوجوديين العالم من زاوية واحدة هي التشاؤم والألم والخوف والبؤس مما يشير الي التأثير والتأثر بين الفلسفة والأدب .
ومن بين الوجوديين الذين كتبوا كنوع من التأصيل لوجوديتهم هو ألبير كامي الذي كتب أعمالا هامة في هذا المجال ومن بينها مسرحيته كاليجولا .
الوجودية ومسرحية كامي(كاليجولا) 
تبدأ المسرحية وقد فقد الامبراطور الروماني (كاليجولا) اخته التي نعلم فيما بعد أنها كانت عشيقته في آن واحد، فيجن لفقدها وتنتابه حالة من طلب المستحيل، حتي أنه يطلب القمر أن يأتيه بعد أن هام علي وجهه وشعر باليأس وعندما يطلب من صديقه أن يحضر له القمر يقول هنا وكأنه وجد ضالته: 
(كاليجولا : هذ العالم بحالته، التي هي عليها لايطاق . لهذا احتاج الي القمر أو الفردوس أو الخلود، لأي شيء، حتي لوكان جنونيا فقط أن لايكون .. من هذا العالم)(6) .
ان كاليجولا يبرر ذلك لصديقه بأن الموت تافه والعالم من حوله تافه والحب هين :
(كاليجولا : حقا ان امرأة كنت أحبها قد ماتت من بضعة أيام ولكن مالحب ؟ شيء هين، اني اقسم لك أن هذا الموت ليس شيئا في ذاته، ولم يكن بالنسبة الي سوي علامة علي حقيقة جعلت من القمر لدي ضرورة، وهي حقيقة جد بسيطة جد واضحة . بل سخيفة بعض الشيء ومع ذلك يصعب اكتشافها . ولا طاقة لي علي احتمالها .)(7) .
إزاء ذلك يكتشف سلطته وسلطانه ويشعر بهما وبأنهما قادرين علي فعل المستحيل الذي يريد، فيقوم بشتي الجرائم في قسوة دون أن يسمح بأي معارض .
(كاليجولا : مهما يكن الأمر فقد عاهدت نفسي ألا أحيد أبدا عن جادة المنطق، ومادام في يدي السلطان فستعرفون ثمن هذا المنطق، ولسوف أسحق كل معارض ومعارضة، واذا اقتضي الأمر فسأبدأ بحياتك .) (8) .
وهو يزعم أن ما يقوم به من المنطق انه يشعر أن بيده تغيير العالم والا مافائدة وجوده وسلطانه .
(كاليجولا : كلا يا سيبيون، انما هي مزية امبراطور (...) لقد أدركت أخيرا فائدة السلطة، انها تتيح لنا الفرصة لتحقيق المستحيل ومن الآن فصاعدا سأطلق حريتي ولن أقف عند حد .) (9) .
وكاليجولا يري أن السلطة اذا لم تستخدم في جعل الشمس تغرب من الشرق فلا فائدة منها وأنه عليه أن يستخدم حريته في هذا العالم وهو يري أن هذه الحرية مشروعة وهي الطريق الأفضل للبشرية، ولهذا يرفض نصائح الحكماء ونصائح أصدقائه الذين يحاولون اثناءه عن طلب المستحيل دون جدوي .
وسيزونيا عشيقته تحاول إقناعه بالنوم حتي يهدأ من هذه الهواجس لكنه يرفض ذلك يرفض أن يتغير حتي اذا نام وهي هنا تحاوره تحاول إقناعه بعدم قدرته علي تغيير العالم من حوله :
(سيزونيا : ولكنك لا تقدر أن تجعل السماء غير السماء، ولا الوجه الجميل قبيحا، ولا أن تقتل العاطفة في قلب الانسان .
كاليجولا : أريد أن أمزج البحر بالسماء، وأخلط القبح بالجمال، وأفجر الضحك من العذاب .) (10) .
وهنا يتجمع الشعب ضده بعد أن صادر أملاكهم وسلب أوكتافيوس زوجته وحملها علي العمل في دار للدعارة وقتل ابن آخر، انهم يريدون أن يصبحوا علي قلب رجل واحد من أجل الانتقام من كاليجولا الذي استخدم سلطاته كي يدمر العالم من حوله لا أن يجعله أفضل انهم يصفونه بالجبان والمستهتر والمهرج لما ارتكبه من آثام في حق كل من حوله .
(شيريا : أجل، فلنترك كاليجولا علي هواه، بل لندفعه في هذا الطريق دفعا، ونساعد هذا المفتون علي تنفيذ مشاريعه، ولن يلبث أن يأتي يوم يصبح فيه وحيدا وسط امبراطورية مليئة بالموتي وأهل الموتي)(11) .
انهم يرون كي ينتصرون علي خبله أن يتركوه حتي يقضي علي نفسه بنفسه حين يستشري جنونه وهي الطريق الوحيد كي يتغلبوا عليه .
فهو يأمر أن يكون الغد يوم مجاعة لايوقفها الا حين يشاء، ويدخل بزوجة أحد أفراد الحاشية قبل أن يفعل زوجها وينشيء دارا للدعارة يشرف عليها بنفسه، ويقتل ميربا الذي رأي انه يتمرد عليه، كما يتجسد كاله ويطلب من الناس أن يسجدوا له كاله بل انه ينعت نفسه بفينوس، ويطلب منهم تقديم المال له قربانا انه يشعر أنه ينافس الآلهة مما يشعره بمزيد من القوة والحرية 
ان شيريا صديقه يطلب منه ألا يتبع هواه وانما العقل والا يجب القضاء عليه لأنه أزعج كل الناس من حوله  .
وفي الفصل الرابع حين يتجمع عليه الجميع لقتله يكره سيبيون أن يكون معهم لأنه سينحاز اليه بقلبه فيخبره شيريا أنه دمرنفسه وهذا كفيل بأن ينتقم من أجله .
وفي النهاية يجمع الشعراء في مسابقة بينهم ينتهي منها الي أن الشعراء أعداؤه ويفارقه سيبيون ويشعر أنه بحاجة لأموات لا لأحياء وتواجهه سيزونيا بأن يكف عن القتل فكم قتل ويتم آبناء، لكنه يتفاخر بحريته التي مكنته من ذلك ويزعم أنها النعيم والسعادة بحق، لكنه يخنقها فتموت، ويسمع في النهاية صليل الأسلحة وقد اقتربت للانتقام، ويواجه نفسه أمام المرآة وينعت نفسه بالمذنب :
(كاليجولا : المستحيل ! .. لقد فتشت عنه في أطراف الدنيا وبين حنايا ضلوعي، لقد مددت يدي أتلمسه، ومازلت أمد يدي فما عثرت عليك، أنت دائما في وجهي وما يحمل لك قلبي غير النقمة، (...) ان الحرية التي مارستها ليست الحرية الصحيحة .. هيليكون ..هيليكون .. لم أحقق شيئا (...) سنتحمل وزر الجريمة الي الأبد) (12) .
ثم ينتهي بأن يحطم المرآة صارخا بكل قوته وقد أوشك المتآمرون علي الدخول للقصاص منه :
(كاليجولا : في ذمة التاريخ يا كاليجولا .. في ذمة التاريخ)(13) . 
ان كامي هنا يسبغ علي مسرحيته أفكاره الوجودية ونظرته تجاه الانسان وحريته ورؤاه للعالم من حوله، فهو يري أن الانسان مسؤول عن وجوده وأن حريته مكفولة له لا تحدها حدود، كما أن الاله نفسه لايستطيع الوقوف أمامه، انها تجربة جنونية لكاليجولا في استخدام حريته تلك الحرية المزيفة التي يقسي بها علي الآخرين وهي أفكار لصيقة بالوجودية التي تعظم فيها من حرية الانسان وتقوض الآخرين فهي تسعي الي الاعلاء من فرديته رغم أن النهاية هنا جاءت مأساوية في نوع من تحطيم لكل ماهو الاهي مقدس من وجهة نظر كاليجولا، الذي تمرد علي الواقع والمنطق وأراد أن يصنع لنفسه عالما فوقيا خارج حدود المنطق وأن يغير كل شيء من أجل نزواته وتقديسه لحريته وفرديته . 

المراجع المستخدمة :
1 – جون ماكوري : الوجودية : ترجمة : د. امام عبد الفتاح امام .
الكويت : المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب،عالم المعرفة  العدد (58)، 1982، ص 29 .
2 – المرجع السابق : ص 119 .
3 – المرجع السابق : ص 211 .
4 – المرجع السابق : ص 225 .
5 – المرجع السابق : ص 286 .
6 – ألبير كامي :كاليجولا : ترجمة : رمسيس يونان .
القاهرة : الهيئة المصرية العالمة للكتاب، 1982، ص 21 .
7 – المصدر السابق : ص 58 .
8 – المصدر السابق : ص 65 .
9 – المصدر السابق : ص 66 . 
10 – المصدر السابق : ص 70 .
11 – المصدر السابق : ص 79 .
12 – المصدر السابق : ص 155 .
13 – المصدر السابق : ص 156 .


أحمد عصام الدين