في غزل الغابات استعادة عوالم شكسبير الخيالية

في غزل الغابات استعادة عوالم شكسبير الخيالية

العدد 549 صدر بتاريخ 5مارس2018

يلجأ كثير من الفرق المسرحية في وقتنا هذا إلى تقديم نصوص شكسبير بهدف جذب الجمهور المسرحي لعروضها، وذلك بسبب شهرته الواسعة التي اجتاحت العالم واستطاعت توطين قيمته في الثقافات المختلفة والمجتمعات الفنية والمسرحية حول العالم، للحد الذي يدفع بالكثير لأبواب المسرح لرؤية عمل من أعمال شكسبير، ولكن هل يمكن اعتبار ذلك الدافع هو السبب الوحيد في إعادة تقديم شكسبير حتى اليوم؟ وهل تناسب أعمال شكسبير عصرنا الحاضر؟ وهل تتشابه مشكلاتنا وأسلوب حياة العصر الحاضر مع عصر شكسبير ورواياته؟
إن الإجابة التي أقترحها مع المئات وربما الملايين من محبي شكسبير هي «نعم»؛ حيث نجد في أعمال شكسبير جميعها سواء التراجيدية منها أو الكوميدية أو حتى التاريخية، سعيا دائما نحو هدف محدد وهو العواطف والأحاسيس الإنسانية؛ حيث نجد دائما في أعماله الشخصيات النبيلة التي تؤثر في الجمهور أينما كانوا وفي أي زمان.
وبحثا عن تلك الحالة الإنسانية أعاد فريق (الضواحي)، وهو أحد الفرق المسرحية الحرة، تقديم نص «حلم ليلة صيف»، وذلك ضمن عروض مهرجان آفاق المسرحي، وعرض بعنوان (غَزَل الغابات)، وهي المسرحية التي قال عنها (يان كوت) في كتابه (شكسبير معاصرنا): “إن الغابة فيها لا تمثل الطبيعة فحسب بل تتعداها لكي تمثل غرائزنا أيضا”.
وقال عنها المخرج الأمريكي (إريك جريشكات): “مبهجة وعميقة، سحرية وحميمية.. وفوق كل ذلك فهي احتفالية، احتفالية بإقبال الحياة والحب – فقدانه أو تحققه – وبالتضامن والتسامح احتفالية بالمسرح.. احتفالية بالإنسان”.
إن العرض قدمه المخرج - وفريق العمل - من خلال عدة عناصر فنية منها التي خدمت العرض في تحقيق هدفه، فنجد مثلا أن العرض قُدم بشكل مختلف عن المسرحية بعض الشيء، ففي بداية العرض نجد أعضاء الفريق وهم يجهزون العرض ويقومون بتوزيع الأدوار على الممثلين قبلما يبدأ تقديم مسرحية «حلم ليلة صيف» من مشهد اتفاق العاشقين على الهرب، وقد يمكننا هنا التوقف أمام أول وأبرز العناصر الفنية وهو التمثيل، حيث يمكن لنا أن نكتشف بسهولة أن البعض من ممثلي الفرقة كانت تلك هي المرة الأولى لهم على خشبة المسرح، وأن الرهبة سيطرت عليهم بشكل واضح، ظهر هذا مثلا من خلال عدة شخصيات منها شخصية (المخرجة نورهان) التي قامت بها الممثلة نورهان طارق، وشخصية (مهندس الديكور محمود) التي قام بها الممثل محمود حسانين، وربما ساهم في ذلك كون تلك الشخصيات هي من إضافات المعالجة الخاصة بمخرج العرض إبراهيم الباز، ولا تمت بصلة إلى النص الشكسبيري، ولكن في المقابل فإن هناك بعض الممثلين الذين حازوا على إعجاب الجمهور سواء من خلال تفاعل الجمهور معهم والضحك أثناء ظهورهم على خشبة المسرح (مثل شخصية بوتوم النساج الأثيني) التي قام بتمثيلها الممثل بيشوي عدلي، ولكن أكثر ما أثر بشكل سلبي على أداء جميع الممثلين بشكل عام هو الحركة على خشبة المسرح بشكل يرهق عين المتفرج.
أما بالنسبة للديكور فكان بسيطا خاليا من المبالغة، عبارة عن سيقان ورود معلقة وأحيانا وجود قش ليعبر عن كوخ ملكة الجان، وكذلك كانت الإضاءة بسيطة تتغير بين إضاءة عامة للخشبة أو بؤر ضوئية على الممثلين فقط لا غير، وفي رأيي هذا يساعد العرض المسرحي عموما حيث يجعل عين المتفرج ترى رؤية المخرج وغرضه من الرواية مبتعدة عن كثرة الديكورات التي في أغلب الأحيان، لا تساعد العرض المسرحي بل تؤثر عليه بشكل سلبي، وهذا ما أكده فريق عمل عرض (غَزَل الغابات) من خلال تبريرهم عن طريق الحوار بأن الكثير من رواد المسرح الكلاسيكي ومنهم جروتوفسكي يرون أن العرض يعتمد أكثر على التمثيل وطريقة تقديم الرواية، وكذلك نجد ملابس العرض بسيطة في البداية، زي عادي ينتمي إلى عصرنا هذا ذلك الزي للممثلين داخل البروفة، ومن ثَم تتحول تلك الملابس إلى ملابس أثينية أو ملابس لامعة ارتداها عالم الجن الذي قام بأدواره كل من الممثلة مها العوضي في دور (باك الجني الشقي) والممثلة مارتينا أيمن في دور (أوبرن ملك الجان) والممثلة نجلاء مهيب في دور (تيتانيا ملكة الجان).
قُدم العرض باللغة المصرية العامية كما قُدم تحت ذلك العنوان؛ حيث أخذ ذاكرة المُشاهد إلى فيلم (غَزَل البنات)، كما أن العرض يحمل بداخله بعض الفواصل الغنائية لأغاني الفنانة ليلي مراد داخل الفيلم مثل أغنية (عهد الهوى)، ومن وجهة نظري أن ذلك المزج بين نص شكسبير وفيلم (غَزَل البنات) حتى يتناسب العرض مع الجمهور المصري وهذا العصر بمتطلباته، كما يخدم ذلك المزج فكرة العرض وهي أن لكل قلب من يهواه ولكل إنسان من يكمله ويشاركه مشواره في الحياة، وأنه تحت ظل الحب والتفاهم والإنسانية تكمن السعادة التي افتقدها العشاق في المدينة فهربوا إلى الغابة لتحقيقها، ليظهر الصراع بين مجتمع المدينة الذي يسرق الأحلام بسبب قوانينه التي تحرم الأمل والحلم والحب، وبين الغابة التي حققت الحلم والسعادة مبتعدة عن القوانين التي لا تنظر إلى الإنسانية فيترك العرض الجمهور يختار بين المجتمعين ويحتفل الممثلون مع الجمهور في النهاية، ورغم ذلات العرض في التمثيل والحركة فإن الحيلة التي لجأ إليها مخرج العرض؛ حيث قدم العرض من خلال بروفة لفرقته أخفت أو تغاضت عن تلك الذلات؛ حيث إنه قدم المسرحية بأسلوب بريختي كسر من خلاله الحائط الرابع بينه وبين الجمهور، وذلك من خلال تقديم رواية (غَزَل الغابات) أو (حلم ليلة صيف) أنها بروفة عرض يقدمها فرقة (الضواحي) قد يكون ذلك بسبب الخروج عن طبيعة وواقعية النص الشكسبيري أو قد يكون بسبب أن يجعل الجمهور يدرك أن ما يشاهده ليس سوى حدوتة أو تمثيلية لا تمت للواقع أو ربما حلم نحلمه في ليلة صيف ويمكن تحقيقه.
 


علياء البرنس