سامح مهران: «هاملت» عقل غربي انقسم علي نفسه ويدعي الديمقراطية

سامح مهران: «هاملت» عقل غربي  انقسم علي نفسه ويدعي الديمقراطية

العدد 761 صدر بتاريخ 28مارس2022

د. سامح مهران.. كاتب مسرحي من فصيلة المغامرين، شغل نفسه بتحصيل المعرفة من ينابيعها الصافية فعُرف بمعارفه الموسوعية في الثقافة عموما والمسرح بصفة خاصة. موسوعة متنقلة من المؤهلات العلمية والمناصب الإدارية المتنوعة، أستاذ الدراما وعلوم المسرح. قدم «الطوق والأسورة» و«الاستجواب»  و«المعجنة» و«المراكبي» و«أيام الإنسان السبعة» و«تحت الشمس»، و«البروفة الأخيرة».. ثم «هاملت بالمقلوب»، وبمناسبة هذا العرض نجري مع د. سامح مهران هذا الحوار...  
- متى جاءتك فكرة “هاملت بالمقلوب” وكم استغرق من وقت في كتابته؟
أنا مغرم بدراسة السياق العام عند قراءة أي مسرحية، أدرس كل الظروف الاقتصادية والسياسية والثقافية التي أفرزتها، ولذلك عندما تطرأ في دماغي فكرة لا تأخذ وقتا كبيرا حيث تسبقها فترة أحتشد لها وتظل بداخلي بكل تفاصيلها، وهنا يكتب القلم وليس أنا، وهذا ما أصر عليه، فهناك مثل يقول “إن الطرق تنشأ بالسير فيها” أي أن الطريق يفتح مع عملية المشي هذه، هنا القلم هو الذي يقودك وليس أنت، فإذا قمت أنت بقيادة القلم مستعينا بالحرفية فقط فلن تحقق أي إدهاش. أما عن كتابة النص فلم يأخذ مني أكثر من أسبوع بعد هذا الاحتشاد خاصة وأنا دارس سياق هاملت ولسياق عصرنا، وهكذا نجد ارتباكات (هاملت شكسبير) وعصره هنا، ارتباكات السلطة والدين وحتى لو بينهما تناقض، (كلوديوس) في الأخر اشتغل على(الميتافيزيقا)، ويحول (الميتافيزيقا) أيضا إلى سلعة، أرأيت كل النبع الذي يشرب منه الناس، فيصابوا بالنسيان “هنعبيه في (ازايز)”، فكل شيء في بلدنا  قابل للاستهلاك والتوزيع و..و.. إلى آخره. 

- هل تخطط لمستقبل الشخصيات واتجاهاتهم ؟ 
الشخصية هي التي تفرض نفسها علي، وليس أنا الذي أفرض نفسي على الشخصية وأتحدث من خلالها فقط . 

- حدثنا عن بداياتك في الكتابة ؟ 
بدأت في الجامعة شاعرا، ثم انتقلت إلى القصة القصيرة ولم أنشرها، ثم  بدأت أكتب المسرح وأنا طالب في الأكاديمية، ولكني لم انشر شيئا إلا عام 1984 حيث نشرت أول نص لي وهو “عقيد قعيد” .

- ما الذي أثر أكثر في تكوينك الفكري والثقافي وانعكس على كتاباتك؟ 
كل شيء، القاعدة السحرية هي أن من لا يقرأ لا يكتب. وأنا منذ أن كنت في الصف الخامس الابتدائي وأنا أقرأ قراءة مكثفة، فأنا والحمد لله عشت في أسرة لديها مكتبة عظيمة، وأول شيء وقعت عليه هو سلسلة كتابي لحلمي مراد، و كان فيها كل الأدب العالمي وملخصاته فاستغرقتني، ووضعت هذه السلسلة بين كتبي  وتعمقت فيها، وكانوا عندما يدخلون غرفتي يجدونني وسط كتبي جالسا ثم  في آخر العام يجدوا درجاتي سيئة جدا، وظللت هكذا حتى المرحلة الإعدادية، وفي هذه المرحلة سافر أهلي والتحقت بمدرسة داخلية فكنت الأول، حيث لا توجد مكتبة في المدرسة، وبالتالي كنت مضطرا للتفوق، وظللت أذاكر المقررات الدراسية الحقيرة جدا، التي لا تجعل الطالب يعمل عقله، فكانت بمثابة شهادة ينتقل بها الطالب إلى الصف التالي، وفي مرحلة الثانوية العامة توقع الجميع  أني سأكون الأول، و لكني خالفت توقعاتهم لأني لم أقيد نفسي بالإجابة التي توجد في سلاح التلميذ وكانت إجاباتي من مراجع لم تكن عند المدرس أو المصحح نفسه. 

- هل يعبر المسرح المصري عن واقع الإنسان وصراعاته مع الحياة ومع ذاته؟ 
 أنا ضد فكرة أني أحاكي الواقع هكذا (بحذافيره) ..المسرح يخلق واقعا موازيا للواقع الفعلي، وإلا ما كان إبداعا، وتكون الكاميرا الفوتوغرافية أصدق مني، هو يخلق عالما موازيا، فيه من العالم الحقيقي. كيف يكون ذلك؟ هنا  تكون الحرفة . 

- هل يعد المسرح تأريخا للأحداث في العصور والثقافات المختلفة؟ 
ليس بمعنى التأريخ، لكن قد يكون وثيقة من زاوية اجتماعية، لكنه إذا  حول نفسه إلى وثيقة يكون مسرحا وثائقيا، أو تسجيليا يمزج بين الوثيقة والخيال، 
لكن المسرح يعد لعبة الألعاب كلها واللعبة الأكثر ذكاء في كل الفنون، ومن ثم تحتاج إلى ثقافة عريضة، سواء عند الكاتب أو المخرج أو المتلقي؛ لذا فالشخص المدرب على الفرجة المسرحية مواطن مختلف. 

- بمناسبة الفرجة والمسرح.. معظم الذين يهتمون بالمسرح هم من المسرحيين أنفسهم أو عائلات الممثلين، أما الجمهور الحقيقي فلا وجود له داخل المسارح، ما تعليقكم على ذلك؟ 
 عبر العصور المتلاحقة تجدين أن الذائقة الفنية قد فسدت، وتجدين أن أجهزة الإعلام تفرض ذوقا فاسدا، فإذا عرضت عليكِ الجيد فمن الطبيعي جدا أن لا تقبلينه، لأن المسرح تدريب على المشاهدة مثله مثل التدريب على القراءة والكتابة، ففي كل مرة تكون عملية التدريب أعلى من سابقتها، والذائقة نفسها تتطور، ولكن الآن يتم فرض لونا واحدا وهو ما لاحظناه في السنوات الأخيرة وهو ما يوضع تحت اسم الترفيه، وهو ما يعد صناعة جبارة وخصوصا على الممثل، الذي يستطيع أن يضحكك ويعرف يعمل كل ما هو غريب ومغاير ويعرف يرقص و يؤدي أداء مبهرا، عمليه الترفيه هذه هي أصعب صناعة في العالم، والكوميديا عملية صعبة، وليست «إني أجيب حد وأتريق عليه»!! هذه لا تعد كوميديا، هذا نوع من التنمر وبعدها تجدين إعلانات ضد التنمر والتحرش! هذا أساس التنمر. 
في 1969 و 1970 عندما مات جمال عبد الناصر كنت أنا في الصف الأول الثانوي، ظهرت وقتها نكته لطيفة جدا تعكس ما نعيشه الآن تقول: “ركب أنور السادات سيارة جمال عبد الناصر وسأل السائق: الرئيس جمال كان يسير يمينا أم شمالا؟ فرد السائق: كان يسير شمالا، فقال له السادات: إذن فاتحه يمينا وارفع يدك الشمال”. هذا هو الوعي الشعبي، وعي جبار، أفرزته النكتة ونحن لا زلنا نسير على هذا الباترون حتى وقتنا هذا. 

- بمناسبة فساد الذوق هل يمكنكم عقد مقارنة بين السقف الثقافي بين أجيال المسرح السابقة والحالية؟ 
لا تحدثيني عن السقف بل حدثيني عن إزالة السقف، فلا سقف للمعرفة فالعقل البشري جبار، اسأليني ماذا قدمت أنت؟ أنا أُدرِس دراسات عليا وأحيانا يأتيني طالب ضعيف في الكتابة، اللغة العربية كائن حي ونحن فشلنا من خلال اللغة العربية أن ندخل إلى المصطلح الحديث وخصوصا المصطلح العلمي. 

- بحكم خبرتك الإبداعية والأكاديمية والإدارية.. هل هناك أزمة في المسرح.. هل يعاني من مشكلات ؟ 
أنا ضد حديث الأزمة، فلا توجد أزمة وإن وجدت فستكون في قنوات التوصيل، نحن بلد بها أكثر من مئة مليون، على الأقل ستجدين مليون مبدع في كل المجالات،  أنا مثلا قدمت آخر عرض لي منذ 4 سنوات ولست متضررا من ذلك، لأن هذا يعد طبيعيا وسط هذا التنافس، ومن الطبيعي أن تتوقف ليدخل غيرك ميدان السباق... وهكذا، ولكن هناك احتكارات مثل الاحتكار الاقتصادي وغيره، وإذا أزلنا الاحتكارات سنجد العديد من المبدعين. وأنا بطبعي مع التفاوض مع أي سلطة، حتى يرتفع سقف الحريات، فالصدام لا يؤدي إلى نتائج. 

- هل المشهد النقدي قادر على مواكبة المشهد المسرحي؟ 
المشهد المسرحي متكسر، فليس هناك نظام ثابت وكل واحد وجهده، ونحن ظهرنا بعد عام ونصف من البروفات، وقد تتاح للبعض الفرصة ولكن لن يستطيع الاستمرار فيها، و انسحاب النقد من الصحف الكبرى يعد مصيبة، والحاسة النقدية مفترض أن توجد عند كل إنسان، فيجب أن أرى ذاتي في مرآة الآخر وإذا حدث ذلك سيحدث التطور، أما إذا كنت لا أرى إلا صورتي دائما فهنا لا يحدث التطور وبالتالي يجب أن أرى نفسي في مرآة الآخر وبالتالي أطور من أدواتي، حتى لو أُشير إلى نقطة ضعف يأخذها البعض على أنها سلبية، وإنما في حقيقة الأمر هي إيجابية، فالخبرة تعني جمع خبرات الآخرين وضمها لخبراتي بدون حساسية لنفسي وإلا سيكون هذا غير منطقي. إذن فالنقاد يتواجدون كما المبدعون في كل مكان، الإبداع ليس مجرد عبقرية، وإنما هو عملية مستمرة، ضعيه في المجال عدة مرات ستنفجر قدراته. 

- البعض يقول أن المهرجانات مجرد تظاهرة وضجيج بلا طحين، ما رأيك؟ 
لا أتفق مع ذلك، فمن المفترض أن المهرجان يعكس حركة مسرحية، فلماذا تقام المهرجانات؟ تقام المهرجانات لكي نقول أننا وصلنا إلى أي مرحلة من التطور المسرحي، فالمهرجان مهم إذا كان يضم أنواعا من المسرح و من المبدعين المتنافسين، والتنافس هنا ليس ماديا وإنما هو تنافس في استخدام أدوات المسرحية ذاتها، وهل أنا أطور أدواتي أم لا، والمهرجان بالطبع وسيلة لتقييم مدى تطور الحركة المسرحية في جزء معين، وهنا تكون تغذية ارتدادية، فنأخذ ذلك والنتائج ومن تحدثوا عن المهرجان والضيوف ونبلور كل ذلك حتى نعدل من المسار... وهكذا. لا يوجد “مافيش فايدة” و” ما لا يدرك كله لا يترك كله”، وحتى اذا كان لدي سلبيات، فبدلا من إنهاء الكيانات نعمل على تطويرها والتعامل معها، ولكن عندنا أسهل شيء هو الهدم. 

- هل يمكننا وضع مهرجاناتنا في مصاف المهرجانات الدولية؟
إحقاقا للحق، الفترة الماضية ومع ظروف العالم وظروف كورونا؛ نحن لا نستطيع أن نخضع تلك الفترة لتقييم حقيقي. 

 - ما رأيك في عزوف معظم المخرجين عن النصوص المصرية ؟ وما الأسباب؟
 عندما عمل المخرج ناصر عبد المنعم” أحدب نوتردام” قدمها بمعالجة جديدة لكاتب مصري هو أسامة نور الدين - رحمه الله -  هذه معالجة المصرية، وأنا أخذت هاملت بمعالجة مصرية، مثل أفراح القبة وزقاق المدق وألمظ وعبده الحامولي.... وغيرهم 

- هل يحتاج المؤلف الشاب في مصر إلى رعاية المتخصصين حتي  نطور من قدراته ونخرج جيلا متميزا في الكتابة ؟ 
 أنا غير مؤمن بالورش، رغم أني عملت الورش في التجريبي لا أحد باستطاعته تعليم الكتابة! هناك حساسيات كتابة مختلفة يعني مثلا في المسرح عندنا
 “إبسن” يختلف عن “بوشنر” و“ستندبرج“ يختلف عن “ميترلنك” والمسرح الرمزي غير التعبيري، وعندما  أتعرض لحساسيات مختلفة وأستمر في القراءة حساسيتي أنا كمبدع تختلف، إنما الورشة فهي فلا تخرج مؤلفا، ولابد أن توجد الموهبة في الأساس. 

ما توقعاتك للحركة المسرحية في مصر؟

أتوقع لها الازدهار، ويجب أن أظل متفائلا .
- هل لديك  مشروعات قادمة ؟ 
نعم، إن شاء الله نجهز  لعرض مسرحي للبيت الفني للفنون الشعبية أنا والمخرج مازن الغرباوي اسمه (صبوحة) والبطلة ستكون مفاجأة. 

- ما الحلم الذي تحلم بتحقيقه؟ 
أحلامي بسيطة، أن أقدم مسرحا طول الوقت، ليست لدي أحلام أكثر من ذلك.


سامية سيد