وداعا متعدد المواهب مصطفى سعد

وداعا متعدد المواهب  مصطفى سعد

العدد 758 صدر بتاريخ 7مارس2022

منذ انفرط عقد مخرجي جيل الثمانينات بالرحيل المبكر لكل من المخرجين المبدعين/ منصور محمد (1991)، وأبو بكر خالد (1997)، ثم رحيل زملاء الدرب الأصدقاء صالح سعد، بهاء الميرغني بمحرقة بني سويف (2005)، ومن بعدهما مجموعة المبدعين: رزيق البهنساوي (2003)، فؤاد عبد الحي، محمود أبو جليلة (2006)، محسن حلمي (2019)، ماهر سليم (2021) ونحن نفقد سنويا بعض الجواهر المسرحية التي ترحل عن عالمنا والتي كان آخرها هذا الأسبوع رحيل جوهرة أخرى غالية ومتميزة جدا في صمت رهيب لا يليق أبدا بموهبته وكم مساهماته المسرحية وهو الفنان متعدد المواهب/ مصطفى سعد المؤلف والمخرج والممثل. والذي تميز خلال مسيرته الإبداعية بدماثة الخلق وخفة الظل والتواضع الشديد، وجميعها صفات أصيلة في سلوكياته الشخصية وجميع تعاملاته الفنية، وفي هذا الصدد يحسب له إصراره ودأبه على العمل في صمت شديد بعيدا عن الضجة الإعلامية أو تلك الخلافات التي يفتعلها البعض لتحقيق بعض المكاسب الأدبية أو المادية، ومع ذلك فقد نجح وبامتياز في أن يحفر لنفسه مكانة خاصة به ليست فقط بجميع المجالات الفنية التي أبدع بها ولكن أيضا في قلوب كل من تعامل معه. ويكفي أن أذكر أنه لم يسع أو يصارع يوما لتولي منصب قيادي بالرغم من مؤهلاته وخبراته وقدراته القيادية التي تؤهله لإدارة الفرق المسرحية، كما أسجل للأسف أنه ظل لسنوات طويلة ورغم تعدد مشاركاته الفنية لا يمتلك سيارة خاصة وذلك لتركيز كل اهتمامه وتفكيره في إسهاماته الإبداعية وعدم اهتمامه بالشكليات أو تركيز تفكيره في كيفية جمع الأموال.
 ورجل المسرح/ مصطفى سعد من مواليد 7  نوفمبر عام 1949، وقد أتاحت له فرصة مشاركاته المسرحية من خلال المسرح المدرسي ثم من خلال المسرح الجامعي (وبالتحديد مسرح كلية التجارة بجامعة القاهرة) إدراك موهبته مبكرا فقرر صقلها بالدراسة، فالتحق بقسم التمثيل والأخراج  في المعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون، تخرج بحصوله على درجة بكالوريوس عام 1976، ذلك ضمن دفعة ضمت عددا من الموهوبين الذين نجح أغلبهم في تحقيق الشهرة والنجومية ومن بينهم الفنانين: رياض الخولي، تيسير فهمي، نهير أمين، صفاء السبع، ضياء الميرغني، سامي صلاح، علي قاعود، مصطفى حشيش، أبو الفتوح عمارة، فاطمة محمود. 
وجدير بالذكر أنه طوال فترة دراسته بأكاديمية الفنون كان حريصا على اكتساب أكبر قدر من الخبرات، ولذلك فقد مارس كل من التأليف والتمثيل والإخراج بفرق مسارح الهواة، فقام بإخراج عدة عروض لكلية التجارة جامعة القاهرة خلال الفترة من عام 1971 إلى عام 1974، وكذلك لكلية الإعلام بجامعة القاهرة خلال الفترة من 1974 إلى عام 1979، وأيضا بعض المسرحيات لكلية الهندسة أيضا خلال نفس الفترة.
وتجدر الإشارة إلى أنه بمجرد تخرجه من أكاديمية الفنون انضم إلى عضوية البيت الفني للمسرح وبالتحديد إلى فرقة «مسرح الطليعة»، والتي قدم من خلالها من تأليفه وإخراجه خمسة عروض، وإن كان قد سبقها بتقديم خمسة عروض أيضا من خلال فرقة «مسرح الشباب»، هذا وتعد مسرحية «الوهم» التي قدمها عام 1981 بنادي المسرح القومي هي بداية تحوله إلى الاحتراف، كما تعد مع مسرحية «معقول؟» التي قدمها عام 1986 بمسرح الشباب من أهم المسرحيات التجريبية بمسيرته الإبداعية في إطار «مسرح الاستفهام».
وبرغم تركيز جهوده وخبراته بالدرجة الأولى بمجال المسرح إلا أنه خلال فترة ثمانينات القرن الماضي شارك بأداء بعض الأدوار الصغيرة أو الثانوية فى مجموعة من الأفلام السينمائية ومن بينها: المشاغبون في الجيش إخراج/ نيازي مصطفى (1984)، صاحب الإدارة بواب العمارة إخراج/ ناديا سالم (1985)، سمع هس إخراج/ شريف عرفة (1991)، آمان يا دنيا إخراج/ إبراهيم عرايس (1991)، شارع الهرم إخراج/ محمد الشوري (2011)، كما شارك بالتمثيل أيضا ببعض المسلسلات الدرامية ومن بينها: رحلة في عالم مجنون، حكايات من ألف ليلة وليلة، الأبرياء (1981)، أنا وأنت والزمن طويل (1989)، نقطة تحول (1990)، الحلوة (1990)، ظرف أسود (2015). 
ويحسب أيضا في رصيد الفنان/ مصطفى سعد كمؤلف – بالإضافة إلى كتاباته المسرحية - كتابته لعدد من الأعمال الفنية ومنها مسلسلات: نقطة تحول (السيناريو والحوار – عام 1990)، المنزل المشبوه عام 2000، وفيلم أيامنا الجاية عام 2008. 
والحقيقة التي يجب التنويه إليها هي أن الصديق/ مصطفى سعد كرجل مسرح ظل يعني بالدرجة الأولى بتقديم أعماله على خشبة المسرح، ولم يركز اهتمامه للأسف نحو طباعة هذه الأعمال، وبالتالي فبالرغم من غزارة مؤلفاته المسرحية التي وصل عددها خمسة وعشرين مسرحية لم يطبع منها سوى مسرحية واحدة أو اثنين فقط، ولذا فإنني أناشد أفراد أسرته وأصدقائه بضرورة تجميع هذه الأعمال والحرص على طباعتها تحت عنوان «الأعمال الكاملة»، ويا حبذا لو تضمنت هذه المجموعة بعض المقالات النقدية التي تناولت تلك الأعمال بالنقد والتحليل. 

مسرح الاستفهام:
بدأت تجربة مسرح الاستفهام وككل التجارب المسرحية المتميزة عالميا وعربيا من خلال مسارح الهواة، ولحسن الحظ كان لي شرف حضور انطلاقة شراراتها الأولى عام 1976 من خلال كلية الهندسة بجامعة القاهرة. حيث كنت آنذاك طالبا بالسنة الثانية بقسم «الهندسة الكيميائية» وأتحمل مسئولية رئاسة فريق التمثيل وكذلك منصب رئيس اللجنة الفنية باتحاد الطلاب، وكان صديق الدرب الغالي/ مصطفى سعد طالبا بالسنة النهائية بقسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ونظرا لأن المنافسة بين الفرق الجامعية بالمسابقة السنوية للمسرح الجامعى كانت شديدة جدا خلال فترة السبعينيات، ويشارك فيها سنويا نخبة من كبار المخرجين ومن بينهم على سبيل المثال فقط: عبد الرحيم الزرقاني، كرم مطاوع، سعد أردش، حسين عبد القادر، فهمي الخولي، حسن عبد الحميد، عبد الغفار عودة، مجدي مجاهد كان من الصعب اعتماد المشروع المسرحي الذي تقدم به الصديق/ مصطفى سعد في إطار المسابقة الرسمية، خاصة وقد سبق الاتفاق بالفعل آنذاك مع الفنان/ مجدي مجاهد لإخراج مسرحية «مهاجر برسبان»، ولكن أمام إصرار الصديق/ مصطفى سعد وإيمانه الكبير بمشروعه اقترحت عليه تقديمه من خلال ورشة تدريبية يكون نتاجها هو العرض، وبالفعل وفقت في تهيئة المناخ المناسب له فأجرى جميع بروفاته بملحق كلية هندسة (المخصص لأقسام الهندسة الكيميائية والتعدين والبترول)، وكانت المفاجأة السارة جدا - وغير المتوقعة حتى بالنسبة لي وله - هي تحقيق العرض النهائي والذي قدم بعنوان «ليه؟ ما أعرفش؟» لذلك النجاح الجماهيري الكبير والذي اضطرنا إلى إعادة تقديمه أكثر من مرة، ولعل من أهم أسباب نجاحه إيقاعه السريع والإطار الكوميدي الذي قدم من خلاله ونجاحه في إثارة الضحكات من خلال عدد كبير من المفارقات الدرامية، وذلك بالإضافة إلى توظيف المخرج لبعض عناصر التكنيك السينمائي (المونتاج والقطع واستخدام الفلاش باك بالإضافة إلى توظيف تكنيك الدوبلاج بالمزج بين الصوت والصورة)، 
وكان هذا النجاح دافعا لمؤلفه ومخرجه المبدع/ مصطفى سعد أن يقوم باستكمال تجاربه في هذا الإطار وأن يقوم أيضا بالتنظير له، فيؤسس ما أسماه «مسرح الاستفهام»، وكما جاء في الكراسة الأولى التي أصدرها عام 1982، ثم الكراسة الثانية عام 1984 أن الهدف من هذا المسرح هو البحث عن جديد في الشكل وليس في المضمون. وذلك لأن ما يشغل المؤلف ليس ماذا يقول؟ ولكن كيف يقول؟ ولذلك فهدفه الأساسي هو خلق متفرج إيجابي لا يأتي إلى المسرح لكي يستمتع فقط ولكن لكي يشارك في العرض أيضا. ليس فقط بالتفكير ولكن أيضا بالتساؤل، على أن يتم ذلك عن طريق الصنعة والحرفة المتقنة، بحيث يعي المشاهد بأنه يرى عالما مصنوعا لكي يبحث في القضية التي استخلصها أو الحالة التي رآها بدلا من البحث في متاهات: هل ما شاهده معقول؟ أم غير معقول؟.
ويحاول مصطفى سعد في جميع محاولاته (كمؤلف ومخرج) إثارة أربعة أسئلة وهي: من؟، ماذا؟، كيف؟ـ لماذا؟. وهو يؤكد في النهاية أنه ليس شرطا أن يقوم الفن بتقديم العلاج، ولذا فقد قام بتقديم وجهة نظره على لسان الزوجة بمسرحية «معقول؟» حينما تقرر: إذا أردت أن تفهم لابد وأن تموت.
وتجدر الإشارة إلى تقديمه لثلاثة عشر عرضا تحت هذا المسمى من بينها عرضا واحدا بالقطاع الخاص شارك في إنتاجه، وكذلك الإشارة إلى مشاركة عدد كبير من المسرحيين في عروض «مسرح الاستفهام» ومن بينهم على سبيل المثال: أشرف عبد الغفور، مدحت مرسي، آمال رمزي، تيسير فهمي، محمد خيري، أحمد عبد الوارث، أحمد حلاوة، صلاح رشوان، عمرو عبد الجليل، جلال عيسى، عايدة فهمي، سلوى عثمان، يوسف داود، فاروق فلوكس، سحر رامي، رشاد عثمان، محمد محمود، أحمد صيام، شادي سرور، منير مكرم، لمياء الأمير، حلمي فودة، مجدي إدريس، سمير البنا، عزة جمال، شروق، مصطفى حشيش، جلال رجب.
وبصفة عام تعد تجربة «مسرح الاستفهام» إحدى الأشكال المبتكرة التي تسعى للتحليق خارج إطار المسرح التقليدي والأنماط السائدة، فهو مسرح يعتبر المتفرج شريكا إيجابيا وليس متلقيا سلبيا، وذلك عن طريق استفزاز عقل المشاهد ودفعه للاعتراض على العرض المقدم، حتى ولو اضطره ذلك إلى إيقاف العرض لإعلان اعتراضه والاستفهام عن المواقف الدرامية الغامضة والمستفزة بالنسبة له كمشاهد، فالهدف من التجربة هو استفزاز الثوابت داخلنا لإعلان قبولنا أو اختلافنا مع ما يقدم، وتحديد مدى موافقتنا أو اعتراضنا علي الاقتراب من تلك التابوهات الثابتة ومناقشتها لإتخاذ موقف إيجابي تجاهها.
     
إسهاماته المسرحية:
نظرا لتعدد مجالات إبداع هذا الفنان المتميز رأيت تصنيف مجموعة مشاركاته المسرحية إلى ثلاثة أقسام رئيسة طبقا لطبيعة عمله بها سواء بالتأليف أو الإخراج أو التمثيل كما يلي:
1 - أعماله المسرحية مؤلفا:
- المسرح القومي: الوهم (1980).
- المسرح الكوميدي: طب وبعدين ؟ (1989)، يا ناس افهموا (1995).
- مسرح الطليعة: ملك ولا كتابة (1997)، ماتستفهمش (2001)، هنا نص وهنا نص (2003)، الساعة كام ؟ (2005)، 3×1 (2007)،
- مسرح الشباب: معقول ؟ (1986)، من غير ليه (1990)، ثلاثين فبراير (1991)، ليه ما أعرفش؟ (1991)، ما تحاولش (1995).
- المسرح الحديث: لماذا هذا ؟ (1993)،  
- القطاع الخاص:
- مسرح الفن: إفرض (1984)، وذلك بالإضافة إلى مشاركته في تأليف مسرحية قصة الحي الغربي عام 1994.
- النيل المسرحية: مراتي تقريبا (1991).
- مظهر أبو النجا: لواحظ (1994)، 
- هياتم: يا أنا يا أنت (1997).
- فيصل ندا: ما تستعجلش (2002). 
وذلك بالإضافة إلى إعداد بعض المسرحيات للتصوير التليفزيوني ومن بينها: «حلم الحياة» عن رواية ثروت أباظة لصوت القاهرة عام 1985، ومسرحية دعوة شخصية جدا عن نص للكاتب العالمي/ نيل شيمون عام 1985، ومن تأليفه مسرحيات: عفوا أيها الرجال (1988)، ليلة من ألف ليلة (1994)، يا إحنا يا هي (2010).
وتجدر الإشارة إلى أن نخبة متميزة من كبار المخرجين قد قاموا بإخراج هذه المسرحيات ومن بينهم الأساتذة: جلال الشرقاوي، عادل هاشم، محمد أبو داود، رزيق البهنساوي، كما شارك بتجسيد شخصياتها عدد كبير من النجوم وكبار الفنانين ومن بينهم على سبيل المثال كل من المبدعين: سميحة أيوب، عبد المنعم إبراهيم، زهرة العلا، صلاح ذو الفقار، فؤاد المهندس، شويكار، محمد رضا، محمد عوض، يوسف شعبان، حسن مصطفى، جلال الشرقاوي، ميمي جمال، حسن عابدين، سمير صبري، ماجدة الخطيب، مجدي وهبة، ناهد جبر، أسامة عباس، تيسير فهمي، إلهام شاهين، فادية عبد الغني، فايزة كمال، علي الحجار، سعيد عبد الغني، محمود القلعاوي، ممدوح وافي، هياتم، نيرمين الفقي، المنتصر بالله، عماد رشاد، مظهر أبو النجا، حسن كامي، عزة كمال، محمد فريد، سميحة توفيق، سيد حاتم، دينا عبد الله.
2 - أعماله المسرحية مخرجا:
- المسرح القومي: الوهم (1980).
- مسرح الشباب: معقول؟ (1986)، من غير ليه (1990)، ثلاثين فبراير (1991)، ليه ما أعرفش؟ (1991)، ما تحاولش (1995).
- مسرح الطليعة: ملك ولا كتابة (1997)، ماتستفهمش (2001)، هنا نص وهنا نص (2003)، الساعة كام ؟ (2005)، 3×1 (2007)،
- المسرح الحديث: لماذا هذا ؟ (1993)،  
- القطاع الخاص:
- فيصل ندا: ما تستعجلش (2002)، 
- مسرحيات مصورة: يا إحنا يا هي (2010).
3 - أعماله المسرحية ممثلا:
- مسرح الشباب: معقول ؟ (1986).
- بفرق القطاع الخاص: أنهم يقتلون الحمير (عمر الخيام - 1974)، المتشردة (الفنانين المصريين - 1978)، الدنيا مقلوبة (أحمد الإبياري - 1980)، خد الفلوس وإجري (أحمد الإبياري - 1987).
- مسرحيات مصورة: اللوكاندجية (إخراج/ سعد أردش عام 1976)، مقالب سكابان، نساء عالمات، مريض الوهم (مهرجان موليير – 1981)، وشك حلو (إخراج/ عبد الغني زكي) عام 1981، تيجي تصيده (1998).
وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن آخر مشاركاته المسرحية كانت من خلال فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الرابعة عشرة دورة «الكاتب المسرحي المصري» عام 2021، حيث تم دعوته للمشاركة في المائدة المستديرة التي تم تنظيمها تحت عنوان «الكتابة المسرحية في عهد الصورة»، وشارك فيها معه نخبة من المؤلفين الذين يمثلون مختلف الأجيال المعاصرة ومن بينهم الأساتذة: يسري الجندي، بهيج إسماعيل، السيد حافظ، سليم كتشنر، سعيد حجاج، إبراهيم الحسيني، متولي حامد، رشا عبدالمنعم، محمود جمال، صفاء البيلي، سامح عثمان، محمود القليني، مجدي الحمزاوي، عماد مطاوع، شاذلي فرح، أحمد سراج، ومحمد الصواف، ونسرين نور.
رحم الله هذا الفنان متعدد المواهب وغفر له وأدخله فسيح جناته جزاء حسن سلوكياته وجودة تعاملاته واحترامه لموهبته ولجميع أساتذته وزملائه، وكذلك جزاء إخلاصه في عمله ومحاولته لتوظيف موهبته في تنمية المجتمع بخلق مشاهد إيجابي قادر على التفكير والمناقشة واتخاذ القرارات.


د.عمرو دوارة

esota82@yahoo.com‏