مسرح الطفل ضرورة .. كيف ولماذا؟

مسرح الطفل ضرورة ..   كيف ولماذا؟

العدد 765 صدر بتاريخ 25أبريل2022

 يختلف الطفل الذى ينمو ويكبر على مشاهدة وحضور مسرحيات متنوعة لمسارح الأطفال – عادةً – عن الطفل الذى تنقصه هذه الميزة، فالطفل الأول يتربى على الذوق الرفيع، والتفكير، وإعمال العقل ويكتسب مهارة التحليل، وكذلك تذوق الموسيقى، وتوزيع الإضاءة، وتنوع الأزياء، فضلاً، عن كافة عناصر التشويق الخاصة بالعرض، ويأتى ذلك كله بالطبع بعد مرحلة الإنبهار فى البداية.
 فمن أهداف مسرح الطفل غير التسلية والترفيه القيم والمعرفة، فهو وسيلة لإكساب الطفل معرفة متكاملة بالفنون الأخرى باعتبار المسرح أبو الفنون فيعرف الطفل الموسيقى والكلمة والفنون التشكيلية، وأيضاً تنمية الخيال لدى الطفل والإبداع، وهذا يساعد على إتزانهم النفسى والعاطفى.
 إذن يعتبر مسرح الطفل ضرورة ملحة للمجتمع السوى، لأنه يساعد الطفل على الاستيعاب والإدراك والتعلم، الضرورية لتنمية وتطوير شخصيته، لكى يصبح شاباً مبدعاً أياً ما كانت طبيعة عمله.
 ويحتاج مسرح الطفل المصرى الكثير من التطوير والإبداع لكى يواكب وينافس مستقبلاً مسارح الطفل الأوروبية، ولنتذكر أن الاهتمام بالمسرح فى مصر الخديوية كان كبيراً حتى المسرح المدرسى على يد محمود مراد، فأرسلت البعثات إلى أوروبا ليتعرف العاملون والمسئولون عن مسرح الطفل فى مصر على الجديد فى هذا المجال، وإمكانية تنفيذه فى مصر، فأين نحن الآن من ذلك الاهتمام؟
 وتُقَسَّم مراحل الطفولة العمرية إلى : من 3 : 5 سنوات، وهى مرحلة الخيال والإيهام، مرحلة الواقعية والخيال المحدود بالبيئة، ويبطؤ النمو الجسمى فى هذه المرحلة بعض الشئ بعد أن كان سريعاً أول ثلاث سنوات، ومرحلة الطفولة المتوسطة من 6 : 8 سنوات، وهى مرحلة الخيال الحر، وفيها يكتسب الطفل بعض الخبرات المتعلقة ببيئته المحدودة، وبدأ يتطلع بخياله إلى عوالم أخرى، فيكون سلوك الأطفال فى الهذه المرحلة مدفوعاً بغرائزهم وميولهم ولا يجدى التوجيه المباشر، ومرحلة الطفولة المتأخرة من 9 : 12 سنة، وهى مرحلة المغامرة والبطولة ويميل فيها الطفل إلى التملك والاقتناء، ويشترك مع زملائه فى الجماعات ويبدو عليه حب السيطرة ويميل إلى الأعمال التى تظهر فيها حب المنافسة والشجاعة والمغامرة والرحلات، ومرحلة اليقظة الجنسية من 13 : 18 سنة، وهى مرحلة مصاحبة لفترة المراهقة، وتبدأ مبكرة عند البنات بما يقرب من السنة، وتحدث فيها تغيرات جسمية وظهور الغريزة الجنسية ووضوح التفكير الدينى والنظرات الفلسفية للحياة، ومرحلة المثل العليا من 18 سنة فما فوق، وهى مرحلة الوصول إلى النضج العقلى والاجتماعى، وهذه المرحلة تخرج عن نطاق أدب الطفولة. إذاً لكل مرحلة عمرية طبيعة الكتابة الخاصة بها لما تطلبه وتقتضيه كل مرحلة.
 وعلى العاملين على المسرح التنويه أن هذه المسرحية للمرحلة العمرية من سن 4 سنوات مثلاً إلى 9 سنوات أو من 10 سنوات حتى 15 سنة، لكى لا يدخل طفل مسرحية تفوق تفكيره وسنه على ما يراه أمامه أو العكس تفكيره هو يعلو على فكرة المسرحية، فتكون النتيجة استهزاؤه بالمسرح والمسرحية. وعلى كُتَّاب مسرح الطفل مراعاة أن تحتوى مسرحياتهم على الفكاهة، والخيال، والحكايات، بالإضافة إلى أن يكون لها هدف تعليمى وأخلاقى وتثقيفى، وبالطبع ترفيهى ممتع.
 ويمكن أن تحتوى على الأغانى والأوبريت والاستعراض لجذب الانتباه.
 فيجب أن تثير الطفل وتتحدى عقله وتفتح المجال أمامه ويفكر تفكيراً علمياً، وتفسح المجال أمامه لخيال منطلق، فيتدرب على الاستماع والمشاهدة الناقدة تجاه ما يراه.
 وعلى كاتب مسرح الطفل أن يساعد الطفل العربى على أن يفكر ويبدع ويبتكر بدلاً من التقليد الأعمى للغرب.
 وأن يكون محتوى العمل الأدبى يجعل الطفل العربى يعتز بوطنه وأمته ودينه ويهيئه للإسهام فى بناء الوطن وتعريفه بالقيم الإنسانية والحضارية الخالدة لأمته العربية والإسلامية.
 وعلى المؤلف أن يحاول أن يبعث التراث العربى الإسلامى عن طريق تعريف الأطفال بالنواحى المشرقة من تاريخ أمتهم المجيدة والإطلاع على كنوز حضارتهم.
 وبهذا يساعد الطفل أن يعيش خبرات الآخرين، ويشارك فى وجهات نظر الآخرين والمساهمة فى حل المشكلات وفهم الثقافات الأخرى ومساعدتهم فى توسيع مداركهم وتخفيف الأعباء والمشكلات التى يواجهونها فى حياتهم وينمى ثروتهم اللغوية بالإضافة للمتعة والتسلية.
 ومن الأفضل للعاملين على مسرح الطفل أن يوظفوا مسرح الطفل المعاصر ليكون درعاً يحمى أطفالنا من الغزو الثقافى الغربى والتقليد الأعمى له ويوجهونهم إلى المبادئ والأخلاق والأسس الثقافية والعلمية الصحيحة وبالتالى نضمن مستقبلاً زاهراً لأبنائنا.
 وعموماً لا يمكن أن ننكر أن هناك مسرحيات للطفل جيدة، ولكن فى اعتقادى تفتقر إلى الإمعانات فى عناصر الإبهار بالذات.
 ولا يزال تحقيق الموازنة فى النصوص والعروض المسرحية الخاصة بالطفل ضعيف جداً ولا يزال يحتاج لمجهود أكبر وأكثر من الدولة – ووزارة الثقافة تحديداً – لمواجهة تحديات العصر، فلا شك أن هناك علاقة بين ازدياد جرائم العنف وازدياد البرامج المليئة بالسلوك الإجرامى والأعمال العنيفة فى السينما والتليفزيون والصحف والبرامج، بالإضافة للغزو الغربى بألعاب (الفيدو جيم، الإكس بوكس، البلاى ستيشن 2، 3، 4، والبقية تأتى).
 كل هذا كان له أثر سلبى على طفلنا العربى، حيث تشبع بالعنف بسبب ما يراه ويقوم بممارسته فى تلك الألعاب، هذا العالم الافتراضى الذى ساهم فى ضياع القيم لدينا، فأصبح الطفل داخل اللعبة يقاوم ويقتل الشرطة ويتفنن فى كيفية تخفيه من الجهات الأمنية ومخالفة القانون، بالإضافة أثناء الاختفاء والمواجهات يشاهد الطفل مشهداً ليس له علاقة ولكنه مفروض على اللعبة أيضاً لضياع القيم كسيدة عارية مثلاً.
 فأصبح طفلنا العربى لا يتأثر بمشاهد القتل والدم والعنف لأنه يعتادها فى تلك الألعاب، وأيضاً لا يتعجب من تصوير الفيديوهات الخارجة ومشاهد التحرش لأنه يجدها طبيعية جداً فى ألعابه، لذلك على الدولة ووزارة الثقافة مواجهة كل هذه التحديات بنصوص وعروض مفيدة وممتعة للطفل، أو على الأقل تسير بشكل موازٍ مع هذه الانحرافات إذا صعبت مواجهتها لكى يميز الطفل بين الجيد والردئ.
 (فمسرح الطفل هو أحد الوسائط الفعالة فى تنمية الأطفال فعلياً وعاطفياً ولغوياً وثقافياً، فهو أحد أدوات تشكيل ثقافة الطفل، مع استخدام العرائس، ومن الضرورى إنشاء مسارح للأطفال فى محافظات مصر وتوفير الأماكن المناسبة لعرض المسرحيات وينقل لهم المسرح بلغة محببة وتمثيل جيد وإلقاء ممتع وأيضاً مراعاة أوقات عروض مسرح الأطفال بما يتناسب مع ظروفهم الدراسية، ومراعاة المدة الزمنية للعرض بما يتلاءم مع قدرة الأطفال على المتابعة والاستيعاب، ووضع برنامج لتدريب الأطفال الذى تستهويهم تلك الفنون من غناء وشعر وتمثيل وإمكانية تنمية مواهبهم، فالأطفال عندما يمثلون يتعلمون أشياءً جديدة ومعلومات علمية وحياتية بناءة ويشعرون أنهم يمثلون أنفسهم.
 فمن الضرورى توفير ورش مسرحية لدراما الطفل المصرى واستلهام التاريخ والتراث وربطه بالواقع ليتكيف الطفل مع المستقبل.
 فالتمثيل عند الأطفال متعة، ويجب مراعاة ذلك فى المسرح المدرسى، وأن تهتم المدارس بالأنشطة لتنمية مهارات ومواهب الأطفال.
 ومن السلبيات التى رصدت بالنسبة لمسرح الطفل الآن بعض العروض هزيلة وساذجة تعتمد على الإضحاك الهابط، فى حين أن من أهم أهداف مسرح الطفل التسلية والمتعة مع الفكرة والإبهار.
 فمسرح الطفل – سواءً قام بتمثيله كبار أو صغار – الهدف منه هو إمتاع الطفل وإشباع رغباته المعرفية وحسه الحركى وجذب انتباهه.
 فمن الأفضل أن من يقوم بتمثيله أطفال لأنهم سيعبرون باللغة والحركة، وبهذا ننمى عندهم الإبداع، خاصةً وأن الجيل الحالى من الطفولة والصبا يستسهل ولا يحاول الإبداع فى أى مجال، بل يتلقى فقط، خاصةً بألعاب (الفيديو جيم) و (الإكس بوكس)، إلى آخر هذه الألعاب التليفزيونية التى قتلت الإبداع لدى الطفل وجعلت تركيزه منهكاً فى شاشة تلفاز فقط يتلقى دون رد فعل أو إعمال عقل أو محاولة إبداع فى أى مجال بالإضافة إلى أن تلك الألعاب جعلت الأطفال يتسمون بالعدوانية نظراً لأن أغلبها ألعاب قتالية ولا تحمل قيماً أخلاقية على الإطلاق، فنجد الطفل هدفه فى اللعبة كيف يتخفى من رجال الشرطة ويحاول التخلص ممن يقوم بمطاردته ويفرح بتفجير سيارة أو طائرة تطارده، وهذا ما يريده منا الغرب الآن، أطفالنا وجيل مستقبلنا يصبح غداً شاباً يتسم بالعنف ويقاتل كل من يعترض طريفه أو يقف ضد رغباته، بل ومن الممكن أن يصبح إرهابياً يقاتل الشرطة ويتخفى منهم مثل ما تربى على تلك الألعاب.
 ومن الصعب مجابهة سوق التجارة الذى يطرح هذه الألعاب، ومن الصعب منع الطفل عنها، ولكن من السهل أن توجه الدولة – ووزارة الثقافة تحديداً – والمدارس وأولياء الأمور بحضور مسارح الدولة للطفل برحلات مدرسية مثلاً، وتوجيه الأهل بالدعاية لقضاء يوم يأخذون فيه أبناءهم إلى مسرح الطفل بحيث تحمل تلك المسارح القيم والأخلاق والصفات النبيلة التى يجب أن يتسم بها الطفل الذى سيصبح شاباً ورجلاً نشأ على تلك القيم، بحيث يكون هناك طريق موازى لتلك الألعاب وعلى الطفل الفرز بين الجيد والردئ.
 وهنا يأتى دور لماذا؟
 لماذا لا يُسَوَّق لمسرح الطفل إعلامياً؟ ولماذا لا تصور مسرحيات مسرح الطفل ويتم تسويقها للتليفزيون والقنوات الفضائية الخاصة بالطفل بعد عرضها بوقت كاف، لكى يتوفر العائد المادى الذى ينمى موارد المسرح، ويتم الصرف من هذه الموارد لتمويل أعمال مسرحية أخرى، وبالتالى يزدهر مسرح الطفل المصرى ويأخذ كل ذى حقٍ حقه، فيصبح مسرحاً جاداً ودقيقاً من حيث التأليف والإخراج والتمثيل والإبهار، فيحقق هدفه الخدمى الذى يساعد فى تربية وتقويم الطفل بدلاً من أن يترك فريسة لألعاب الفيديو المفسدة للأخلاق والهوية المصرية والذوق، تلك الألعاب التى تنشئ الطفل على العنف والكراهية، وإذا كنا لا نستطيع أن نمنع هذه الألعاب، فلا أقل من منافستها والتفوق عليها، بحيث نستقتطب أطفالنا بمختلف أساليب العروض المسرحية، حتى يتمكن أطفالنا – فيما بعد – من التمييز بين الغث والثمين.
 ولكى يصل الطفل إلى القدرة على التمييز، ينبغى على عروض الطفل المسرحية مراعاة أعمار الأطفال فى كل عرض – حتى ولو بالتنويه -  أن هذا العرض من عمر كذا إلى عمر كذا ... حتى لا نفاجأ بنتيجة عكسية غير مرجوة بالنسبة للطفل، إذ لا يستوعب طفل الخامسة أفكاراً ومواقف أكبر من سنه، وكذلك طفل الخامسة عشر يرفض ويسخر من العروض التى لا تواكب عمره على اعتبار أنها طفولية وهو أصبح شاباً من وجهة نظره.
 إذن مسرح الطفل ضرورة، وضرورة ملحة لأنه ضلع مهم مع الأسرة والدولة من أجل تنشئة أجيال الغد.


راجية يوسف عبد العزيز