«السنـدبـــــاد» ما بين المتعة البصرية والكتابة النصية

«السنـدبـــــاد»  ما بين المتعة البصرية والكتابة النصية

العدد 758 صدر بتاريخ 7مارس2022

من المعروف لدينا فى الوسط المسرحى أن مسرح الطفل هو أحد أصعب أنواع الفنون فى كتابته وإخراجه، نظرا لأن الطفل لا يعرف المجاملة فعندما يبتسم فهو يبتسم من القلب، وعندما يبكى فهو يبكى أيضا من القلب، فإذا رأيت صالة عرض مسرحى مليئة بالأطفال وهم فى حالة إنصات تام، فأعلم أن وراء هذا الصمت كاتب ومخرج مسرحى  قد نجحا فى التسلل إلى وجدان الطفل وسلب خياله مع ذاك العرض، والعكس صحيح إذا امتلأت صالة عرض مسرحى بأطفال يحدثون ضجيجا وصراخا، فأعلم أن وراء هذا الضجيج أيضا كاتب ومخرج مسرحى قد اخفقا فى امتلاك وجدان الطفل وخياله مما أدي إلى خروجهم عن التركيز والمتابعة، فكما سبق ونوهت بأن الأطفال ليسوا كالكبار الذين يتصفون بالمجاملة والجلوس لآخر العرض مضطرين منعا للحرج، فالطفل بمجرد عدم شعوره بالمتعة والخيال مع العرض المسرحى سوف  يبكى ويصرخ  لوالديه من اجل اصطحابه إلى خارج صالة  العرض أو الرحيل حيث المنزل، وقياسا على ذلك فقد نجحا هنا كلا من إسلام إمام كاتب النص المسرحى السندباد وشادى الدالى مخرج العرض، ومعهم أيضا محمد الزناتى كاتب الأشعار باعتبار أن الطفل يهوى أيضا ترديد الأغاني، كما يهوى رؤية الصورة المبهرة من خلال حدوتة مكتوبة بشكل مبسط وممتع يتناسب مع مرحلته العمرية مع الحرص على الاهتمام بعامل الخيال والإثارة فى أي عمل فنى يخص الطفل حيث أن هذان العاملان يعدان من الأعمدة الأساسية  فى كتابة وإخراج أغلب النصوص المسرحية للطفل وأنجحها، نجح هؤلاء الثلاثى بالفعل فى التسلل إلى قلوب الأطفال ممن يشاهدون المسرحية وامتلاك وجدانهم وسلب خيالهم مع العرض ككل، وامتد الأثر إلى والديهم لما يشاهدونه من صورة بصرية جميلة وكتابة نصية بسيطة وموسيقى وألحان تطرب لها كل الآذان، أن المتعة البصرية وهى تلك المتعة المسئول عنها مخرج العرض والتى تشمل كلا من الممثل والخدع والأزياء والمكياج والديكور والإضاءة والاستعراضات، كلها أمور فى غاية الأهمية بمسرح الطفل حيث أن أول ما يجذب الطفل ويملك وجدانه هى الصورة الجمالية للعرض ككل، ثم يأتى بعد ذلك دور الكتابة النصية والمسئول عنها مؤلف العرض المسرحى كما يندرج تحتها أيضا ضمنيا كلا من مؤلف النوتة الموسيقية مع كاتب الأشعار، تلك تأتى فى الأهمية مباشرة بعد المتعة البصرية حيث أن الطفل ينجذب أيضا بخياله مع أحداث الحدوتة ومدى ما فيها من مغامرات وإثارة مع شعوره بالبهجة والمرح مع الموسيقى وأغاني العرض، كل هذه الأمور والعناصر تجدها فى العرض المسرحى السندباد من إنتاج البيت الفنى للفنون الشعبية  والاستعراضية بقيادة عادل عبده، فرقة مسرح تحت 18 بقيادة عبد المنعم محمد .
السندباد أو السندباد البحرى هو شخصية أسطورية من شخصيات ألف ليلة وليلة وهو بحار من بغداد، عاش في فترة الخلافة العباسية، ويقال إن السندباد الحقيقي تاجر بغدادي كان يقيم في عمان، تعد حكاية السندباد البحري واحدة من أشهر حكايات ألف ليلة وليلة، زار السندباد الكثير من الأماكن السحرية والتقى بالكثير من الوحوش أثناء إبحاره في سواحل أفريقيا الشرقية وجنوب آسيا، وقد قام بسبع رحلات  لقي فيها المصاعب والأهوال واستطاع النجاة منها بصعوبة، أن كتاب ألف ليلة وليلة الذى تعد حكاية السندباد واحدة من حكاياته هو كتاب مجهول المؤلف، أساسه فارسى وهندى، وفيه إضافات عربية كثيرة وخاصة تلك القصص التى كان مسرحها مصر وبغداد والشام، وهو الكتاب الأوسع شهرة والأكثر ترجمة فى الغرب بعد القرآن الكريم، فأسلوبه ممتع ومشوق، وقصصه جذابه، واحداثه عجيبة . وهو كتاب سهل ومبسط وجذاب وملئ بالإثارة، ومعروف بالطبع أن سبب تسمية الكتاب بألف ليلة وليلة يعود إلى قصة شهر زاد وشهر يار الشهيرة، وتأتى اهمية قصص ذاك الكتاب نظرا لأنه يعد مرآة صادقة للمجتمع العربي فى القرون الوسطى .
قام إسلام أمام المؤلف هنا بعمل إعادة صياغة ورؤية درامية لتلك الرواية تناسب الطبيعة المصرية المرحة التى تميل إلى النكتة والفكاهة، استبعد من خلالها كل الأحداث العنيفة والدموية بالنص الأصلى مع إضافة لمسته الكوميدية على النص والحوار، وأفاده فى ذلك بالطبع انه مخرج مسرحى متميز فى العروض الكوميدية، فنجح إلى حد كبير فى إضافة الصبغة المصرية على النص المسرحى . 
كل الممثلون والممثلات فى العرض المسرحى تم تسكينهم من قبل المخرج شادى الدالى بشكل احترافى سواء أن كان من الناحية الشكلية أو من الناحية الآدائية، وبالأخص دور السندباد الذى لعبه ضياء زكريا، ودور ملك الجان الذى لعبته يسرا كرم، حيث أن تلك الشخصيتين يعتمدان على آداء حركى وعضلى واستعراضى معقد مصاحب للآداء التمثيلى وقد نجحا كل منهما فى تقمص كل شخصية خاصة  بهما بشكل متقن للغاية، كما أجاد باقى الممثلين والممثلات بلا استثناء كل منهم فى تجسيد  دوره ببراعه، هند الشافعى .. محمد يوسف (اوزو) .. طارق مرسى .. أحمد أوسكار .. حمزة خاطر .. وفاء سليمان .. نور الشرقاوى .. شريهان قطب .. حماده محمود .. علي إبراهيم .. سامر طارق .. سوريال سعيد .. خالد عبد الحافظ .. آسيا محمود .. عادل الصاوى .. شاهي عادل .. حسام مصرى .. خالد على .. كريم كرم .. محمود خالد  .. ماجد عويس .. فيرونيا فيليب .. عفاف النحاس .. محمد عبد الحى .. عبدالله حسن .. عواطف عبد الحميد .
الديكور لعمرو الأشرف، اعتمد الأشرف فى بناء الديكور بنسبة كبيرة على المادة الفيلمية كعامل مساعد وخاصة  فى مشاهد مملكة الجان وكذلك الجزر التى كان يسافر لها السندباد من خلال استخدامها كخلفية للمشهد وكذلك فى الخدع المطلوبة للمنظر المسرحى، كما رأينا فى ظواهر الشروق والغروب والليل والأمطار والعواصف فى مشهد البحر ومن خلال  لوحة  مسرحية واحدة، وحقيقة تألق عمرو الأشرف فى اختيار اللوحات السينمائية الثابتة والمتحركة المعبرة عن المشهد المسرحى كخلفية، كما استطاع أيضا من خلال قطع الديكور التى استخدمها أن يشعر الطفل المتلقى بأنه بالفعل داخل تلك الحدوتة وذلك بإتقانه البالغ فى توظيفها فى الخدع المسرحية من خلال  مشهد اختطاف الرخ للسندباد وتدلى سيقان الرخ من سقف السوفيتا ليمسك بها السندباد ثم ترفعه للأعلى، وكذا مشهد السفينة التى تبحر فى البحر واستخدام  شريط ازرق من البلاستيك  لعمل خدعة موج البحر، وكذلك خدعة الحوت وجزيرة الكنز وبيت السندباد ومملكة الجان وعرش ملك الجان، كلها عبارة عن قطع منفرده من الديكور اتقن صنعها بما يناسب زمن الحدوتة وكانت متفقة أيضا مع الخلفية السينمائية المكملة لها، كما جاءت الإضاءة  للأشرف أيضا هنا بالعرض المسرحى كعامل مكمل لإعطاء الديكور تكوينات لونية تجعلك تشعر كمتلقى بالإبهار وبأنك أمام أحداث حقيقية، كما نجح فى توظيف الإضاءة أيضا فى التركيز على كل شخصية  من شخصيات الرواية بأزيائهم المختلفة وإضافة العنصر الجمالى لها، والتوظيف الأخير جاء ليعبر عن حالة المشهد المسرحى وما يعبر عنه من مشاعر مختلفة كالفرح والحزن والشر .. الخ .
الأزياء لمروة عودة، ستعلم من الوهلة الأولى عندما ترى أزياء الشخصيات بالعرض المسرحى أن مروة عودة قد بذلت مجهودا ضخما فى الدراسة والبحث والتقصى عن ملابس تلك الفترة فى العصر العباسى وبالذات فى الروايات والاساطير، لما ستجده من إبهار وإتقان فى صنع تلك الملابس المطابقة لصفات ومعالم كل شخصية  بالعرض المسرحى وما صاحبها من ألوان وأكسسوارت ملازمة لها، ومن الواضح أيضا أنها قد اجتمعت كثيرا مع الماكيير المتألقة وفاء داوود لكى يحدث توافق وتطابق ما بين الأزياء والمكياج المعبر عن طبيعة كل شخصية بالراوية حيث أن كل منهما يضيف للآخر وبالتالى كان ما بينهم هو تعاون وليس تنافس .
الأشعار لمحمد الزناتى جاءت معبرة عن الحالة وأفكار العرض المسرحى كما كانت لغتها اقرب لعقلية الطفل حتى تستطيع أن تقبع فى ذاكرته وساهمت أيضا فى استكمال عنصر البهجة والإثارة والمتعة لدى الطفل المتلقى، وهى تعد أحد أعمدة العرض المسرحى الرئيسية مع الإخراج والتأليف كما ذكرنا سابقا.
الموسيقى والألحان ليحيى نديم، أحد أهم العوامل التى ساهمت فى المتعة المسرحية لدى الطفل لما لها من تأثير كبير فى نفسيته ومشاعره، فالطفل بالفطرة ميال إلى الموسيقى حتى أصبحت الموسيقى مؤخرا تستخدم كعامل مساعد فى المادة التعليمية لما لها من اثر نفسى وروحى لدى الطفل كما أنها ساهمت فى سهولة حفظه لكلمات الأغاني واستمتاعه بها حيث أنها جاءت مكملة لها، كما عبرت عما تحويه تلك الكلمات من معانى ومشاعر مختلفة بشكل جيد وساحر . 
الاستعراضات لكريمة بدير، كان للاستعراضات العامل الأكبر فى إضفاء عنصر البهجة والمتعة والإثارة لدى الطفل المتلقى، كما أنها ساهمت أيضا فى لفت انتباه الكبار من أولياء أمور الأطفال واندماجهم مع العرض المسرحى، وهذا ذكاء يحسب لمصممة الأزياء كريمة بدير حيث أنها حرصت فى تصميماتها على أن  تناسب أفكار تلك الاستعراضات جميع الأعمار، كما أشركت فيها الممثلين والممثلات أيضا ووضح مدى مهارتها فى التدريب والتركيز لدى الممثل للرقص المسرحى المصاحب للشخصية . 
البوستر المسرحى لسام عصام، جاء غاية فى الإتقان والبراعة للتعبير عن مضمون الحدوتة المسرحية السندباد، وما تحتويه من عالم خيالى وساحر، وذلك من خلال تصميمه لأفيش يحتوى على اهم الرموز لمغامرات السندباد البحرى، من خلال تصميمه لشخصية السندباد من الخلف كناية عن تصديه للمخاطر بإعطاء ظهره لها، وجعل الحوت من اسفل قدميه يكاد يلتهمه ومن اعلى رأسه سيقان طائر الرخ وكأنه أراد أن يخبرنا بأن الأهوال والمخاطر تحيط بالسندباد من كل النواحى وانه قد اعتاد عليها وعلى مواجهتها، وبجواره السفينة كناية عن رحلاته ومغامراته البحرية ومن حوله ألوان جذابة وريش طائر كناية عن عالم السحر والخيال الذى يعيشه، والبوستر المسرحى من وجهة نظرى النقدية لا يقل أهمية عن أي عنصر من عناصر العرض المسرحى يحتاج للتحليل والدراسة والنقد نظرا لأنه يعد أول عامل جذب تقع عليه أعين الجمهور، والمخرج الناجح هو من يضع لتصميم البوستر المسرحى أهمية خاصة فى مخططاته وحساباته .
وأخيرا، قدم لنا المخرج شادى الدالى عمل مسرحى كامل متكامل لمسرح الطفل كما ينبغى أن يكون، وضح من خلاله مدى إلمامه بالعناصر التى تسهم فى تركيز الطفل الا وهى المتعة البصرية حيث أن أول ما يهتم به الطفل هى الصورة المسرحية التى يراها بما تتضمنه من ألوان وخدع مسرحية وإضاءة خلابة وأزياء مبهرة واستعراضات، كما يحسب للدالى أيضا إدراجه للشاشة السينمائية كعامل أساسي طوال عرضه المسرحى لما لها من اثر عميق فى تكوين الطفل النفسى والروحى ونمو خياله بجانب مفردات المسرح الأخرى، إضافة إلى اهتمام الدالى بالكتابة النصية والحوار المسرحى واللحن الموسيقى والغناء، كعناصر مكملة لخلق حالة روحانية من المتعة والخيال لدى الطفل المتلقى، كما حرص الدالى على أن يجعل كاركترات العرض قريبة من عقلية الطفل المصرى ومحببة لهم وذلك من خلال جعلهم أشبه بالشخصيات الكارتونية فى طريقة الحديث وأسلوب الحوار وكذلك الحركة، وأن شاب بعض المشاهد وهى ليست بالكثيرة بطء واضح فى الإيفاع نتيجة حرص الدالى على أن يجعل المسرحية من فصلين، ومن وجهة نظرى كان من الأفضل له أن يجعل العرض المسرحى من فصل واحد مطول حيث أن الطفل له تركيبته المختلفة عن الكبار ويحب أن يعيش الحالة أو الحدوتة المسرحية مرة واحدة من بدايتها لنهايتها دون أن يفصله عنها أية عوامل خارجية أخرى، ولكن قياسا بكل الجماليات الموجودة بالعرض المسرحى نجح شادى الدالى فى تجربته الأولى فى مسرح الطفل إلى حد بعيد، إضافة إلى أننا لم نلمس أية أخطاء بكواليس ذاك العرض الضخم نتيجة لحسن اختياره  لإثنان من معاونيه الذين يتمتعون بحسن الإدارة من منفذى الإخراج للعرض المسرحى محمد عمر وهو مدير خشبة مسرح البالون بجانب كونه المخرج المنفذ للعرض مع ياسر جمعه، وفى النهاية، لابد أن نوجه تحية واجبة لكلا من المخرج عادل عبده رئيس البيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية ومعه المخرج عبد المنعم محمد مدير فرقة مسرح تحت 18 نظرا لاهتمامهم البالغ بمسرح الطفل ولأول مرة فى تاريخ مسرح البالون نرى عروضا ضخمة للأطفال بميزانيات الكبار بل تكاد تكون أكبر نظرا لإدراكهم لمدى أهمية مسرح الطفل فى ترسيخ القيم والأخلاق والصفات الحميدة والمثل لدى طفل اليوم ورجل المستقبل، لخلق شعب سوى مثقف وذواق للفنون، فالفن فى النهاية بما يقدمه من موضوعات هو عنوان ومرآة للمجتمع . 


أشرف فؤاد