العدد 757 صدر بتاريخ 28فبراير2022
بداية لا يمكننا أن نتأمل جيدا عرضا مسرحيا عبر وسيط تليفزيوني فنحن نفقد متعة المعايشة الحية التي يمنحها لنا فن المسرح، والاشتباك مع العرض والحضور الحي للعرض وصناعه وسط الجمهور وهو أحد أضلاع اللعبة المسرحية، وهي مقدمة لا بد منها حيث شاهدت العرض عبر الإنترنت وذلك مناسبة عقد ندوة نقدية حوله بإشراف صفحة مسرح الدمى نيوز والتي تشرف عليها د. زينب عبد الأمير، وبالعودة لمسألة مشاهدة المسرح عبر وسيط آخر نجد أن تلك الشاشة تصنع حاجزا وتحول العرض المسرحي لدراما تليفزيونية وما يستتبعها من إخراج للصورة يتحكم به المخرج التليفزيوني بالأساس حسب رؤيته للدراما المقدمة وباستخدام كاميراته وتركيزها على ما يراه الأهم في تلك اللحظة أو أخرى كما يتطلب التصوير التليفزيوني استخدام محدود للإضاءة الخافتة وتلوين المسرح ويعتمد أكثر على الإضاءة الكاملة حتى تضح الصورة وهو ما يجب أن نراعيه خلال مشاهدتنا للعروض المصورة بشكل عام .
وفي عرض “أرنوب صياد الثعالب” والذي ظل عنوانه كما كتبه فنان الدمى العراقي الراحل عاصم الخيال عام 2010 وكما يبدو في النص الذي قرأت نسخته كتب خصيصا لمسرح الدمى، وأخرجه للمسرح الفنان السوري عبد السلام البدوي، أما الإخراج التليفزيوني فكان لنابغ الإمام، حكاية التزم بها المخرج المسرحي دراميا وقدمها وصورها لنا المخرج التليفزيوني بتقنيات الكاميرا .
ويحكي العرض المصور عن ثعلب مكار يعيش في الغابة ويصاحبه غراب نمام يخبره بكل ما يحدث في مزرعة الفلاح حتى يتحين الفرصة ويسرق إحدى الدجاجات وذلك لكراهيته للدجاجات وللديك الذي يؤذن يوميا بصوت يراه سيئا وتحبه حيوانات المزرعة، ونعلم بالمشهد الأول أن الفلاح سوف يترك المزرعة ويذهب للسوق وأن الثعلب سوف يتحين تلك الفرصة للهجوم على قن الدجاج، ثم ننتقل للمشهد الثاني لنرى الديك ودجاجاته في هناء ويرافقهم أرنوب في المزرعة والذي يحذرهم من هجوم محتمل للثعلب لو علم عبر الغراب النمام أن الفلاح سوف يغادر المزرعة، وعلى أثر ذلك نرى مشهدا للثعلب ينقض على الدجاجات ويسرق إحداهن بعد مطاردة مثيرة، ثم ننتقل لمشهد آخر بظهور الفار الرسام الذي رغم صغر حجمه أتى ليساعد الدجاج للتخلص من الثعلب للأبد، وذلك عبر استخدام حيلة يستخدم فيها فنه وخدعة بأن يشيع الدجاج والأرنب أن هناك سوبر أرنب يقضي على الثعالب قد أتى للغابة ويريد اصطياد الثعلب ويرددون تلك الشائعة على مسامع الغراب النمام وكذلك يستطيع ذلك الأرنب السوبر أن يشتم النمامين ليرهبوا الغراب أيضا، ثم ننتقل لمشهد للثعلب يرى لافتات في الغابة وعليها صور السوبر أرنب وهو لا يفهم شيئا ويأتي الغراب خائفا يشرح له القصة التي سمعها محفزا له على الهرب من الغابة كي لا يصطاده سوبر أرنوب، وهو ما يتحقق في النهاية بهروب الغراب والثعلب حينما يسمعان أصوات أقدام عملاقة تطاردهما، لينتهي العرض بانتصار الفن وتعاون الجميع في حيلة ذكية لطرد ذلك الثعلب المكار .
هذه هي الحكاية ببساطة في خمسة مشاهد صاغها الراحل عاصم الخيال أما كيف قدمها المخرج السوري عبد السلام البدوي فقد استخدم ديكورا صممه موسى الهزيم ونفذته ريم أحمد، وبدا الديكور للغابة كمنصة تدور خلالها أحداث المسرحية بينما يقوم بالتغيير قطع ديكورية بسيطة تشير مرة للغابة مكان الثعلب ومرة للمزرعة وقن الدجاج، وأمام ذلك الديكور نجد على يمين ويسار المسرح منطقتين لجلوس الراوي أبو سليمان ليحكي منهما الحكاية للأطفال ويوصل ما بين المشاهد ويستخدم أيضا كحيلة لتغيير المنظر أعلى المسرح. أثناء الحكي.
وعلى بساطة ذلك المنظر كان موحيا بأماكن الأحداث بشكل كبير، وقد أدى الممثل الذي قام بدور الراوي دور الجد العجوز الذي يستند على عصاه، على مستوى الحركة والأداء بشكل تقليدي مناسب، وارتدى ملابسا تشبه ملابس رجل مسن، وان كانت تبدو ملامح وجهه شابه حيث لم يستخدم الماكياج لإظهار كبر سن الشخصية، وقد أشارت المعلومات أن التمثيل كان لـ إبراهيم عيسى وأسامة تيناوي ولا أعرف بالفعل أيهما أدى الدور.
العرائس
أما عن العرائس فقد استخدم المخرج تصميم وتنفيذ الراحل عاصم الخيال، لعرائس الباتوه فقط والتي صنعت منها عرائس العرض وهي عرائس كاملة للشخصيات تحمل على عصا وتتحرك بعض أجزائها عبر سلك تحريك في يد المحرك، والتي كانت مناسبة جدا للحكاية البسيطة وسهلة التحريك، ونرى في أول ظهور لشخصية الثعلب تلك العروسة النحيفة والتي ترتدي بذلة بيضاء تبدو لرجل من مجتمع راق مهندم في ذاته ويضع منديلا أحمر اللون في جيب البدلة العلوي، ويرتدي ربطة عنق ذات ألوان مختلفة يغلب عليها الأحمر أيضا، وان كان البياض هنا يوحي أكثر بمحاولة التمسح في الخير بينما الأحمر يشير لدموية ما في الشخصية، وتوحي ملابسه بمحاولة التحايل وإظهار غير ما يبطن، ثم نرى شخصية الغراب الرمادي الغامق اللون والذي ارتدى قبعة غربية فوق رأسه،وما تشير إليه تلك القبعة من كونه غريبا أو أجنبيا، وتنتهي ريشاته بلون بنفسجي .
أما الدجاجات فكانت باللون الأبيض ومنقار أصفر وأسفل ريشات الجناح والذيل اتسمت بلون أحمر، وكان الديك يغلب على ريشه درجة بسيطة من الأصفر تبدو زاهية عند الصدر والذيل والأحمر لعرف الديك، وقد تعددت ألوان الذيل بين الصفر الفاقع والأحمر وأخضر والبنفسجي، أما الجناح فكان تنهي أطراف ريشاته بالأحمر والبنفسجي.
شخصية الأرنب فكانت تكتسي بفراء أبيض وترتدي ما يشبه السالوبيت “بنطلون بحمالة” مكسو بالمربعات الحمراء والخضراء والصفراء والزرقاء، ويحمل جزرة في يده، وهي أقرب لألوان مهرجي السيرك .
وبدا الفأر الفنان في ملابس زاهية حيث ارتدى قبعة حمراء يرتديها الرسامون ويحمل فرشاة كبيرة في يمناه وباليتة للألوان في يده اليسرى، وكوفية مقلمة بين الأخضر والأحمر، ويرتدي تي شيرت غامق اللون عليه نقاط كبيرة ملونة بين البنفسجي والأحمر والبني والأصفر، وبنطال يخلط بين الأزرق والأبيض.
وتثير شخصية الفأر الرسام التأمل من حيث استخدام شخصية صغيرة بشكل مجرد وكيف يمكنها الفعل والتاصير، وبين كون الفار كحيوان بري ضار جدا ومشكلة تحيق بالبيوت والمزارع على حد سواء، وما يسترعي التأمل أيضا كون الفأر في إحالة أخرى يذهب بنا لاستدعاء فأر والت ديزني “جيري” والذي خلق مصالحة مع الأطفال مع شخصية الفأر بشكل عام في دراما الكارتون، وهنا يجب الانتباه للتفكير مليا فيما ترمز الشخصية وما الذي أريده من وجودها وهيئتها وعلاقتها بالواقع المعاش، وبخيال المتفرج الذي نود أن تصله رسالتنا داخل العرض، والأسئلة هنا هي التي تفتح الباب للتأمل والنقاش وربما اختيارات مغايرة أو تطوير ماتم بالفعل صنعه على الخشبة .
وهنا يجب الإشادة بفريق التحريك الذي حاول قدر الاستطاعة أن يبذل كل الجهد لظهور حركة العرائس بشكل جمالي لافت ومناسب للدراما وهم: ممثلوا الدمى كمال بدر، خوشناف ظاظا، إيمان عمر، أيهم الجيجكلي، زينب ديبن رنا صعب، عصام الحمدان .
الصوت والموسيقى
لعبت الموسيقى للفنان أيمن زرقان دورا كبيرا وأساسيا في العرض من حيث دفع البهجة بين مشاهده والتعريف بالشخصيات بالطبع مستندة على أشعار عاصم الخيال، حيث كانت في بداية العرض موسيقى بسيطة هادئة للتهيئة للعرض مع استخدام تيمة قصيرة مكررة في اغلب الفواصل كنات مناسبة لعمل نقلات في الزمان والمكان.
أما ألحان الأغاني وتوزيعها فنجدها تبدأ مع موسيقى غنوة الثعلب التي مزجت البيانو ونقراته التي فيها ترقب والفيولين التي كانت سحبات قوسها تحيلنا لموسيقى أفلام الرعب الكارتونية مع عواء للثعلب في فواصل الغنوة، وهي كانت مناسبة جدا للكلمات التي حملتها وأعطت جوا غامضا ومرعبا لشخصية الثعلب تحمل في طياتها إحساس التسلل، كذلك أظهرت الكلمات مع الموسيقى شخصية الثعلب الواثق الطماع المحتال والمختال باحتياله وقدراته، خاصة وأن الحدث يحدث ليلا في الغابة.
ثم تأتي غنوة المزرعة وقن الدجاج والتي أتت موسيقاها مبهجة متماشية مع كلمات الأغنية، التي يغني فيها الدجاج مع الديك بادئة بصياحه كوكوكوكو ومستخدما فيها آلات نحاسية مناسبة للصحيان وكأنها بروجي الصحيان الذي يصيح لإيقاظ المجندين ولكن بمتعة وبهجة، ملائمة للصحيان، وعلى إيقاعات حماسية تناسب الحدث، والغنوة على لسان الديك تشاركه فيها الدجاجات وتحمل معاني النشاط والصحو مبكرا وفوائده .
ثم تأتي غنوة هجوم الثعلب على المزرعة ليلا والتي جسدتها الموسيقى في غنوة قاق قيق وهي الصيحات التي أطلقتها الدجاجات خوفا من الثعلب، ويشارك في الغناء الثعلب والدجاجات والغراب والديك في مشهد مغنى يلخص المعركة التي خاضها الثعلب والدجاجات ليفوز في النهاية بإحداهن، والغنوة لاهثة في لحنها بسرعة الحدث وتجسد موسيقيا المشهد الذي يحمل الفزع والمطاردة .
غنوة الفأر الرسام الذي يهوى الألوان والتي أتت مبهجة بالآلات النحاسية والإيقاعات، وان كانت على مستوى الكتابة غنوة فردية للفأر ولكن اللحن هنا شارك بها الدجاجات والأرنب ليرددا بعض المقاطع التي يغنيها الفأر، وإن لم يبدو مناسبا أن تشارك الدجاجات بهجة الفأر وهي في حزن على زميلتهن التي خطفها الثعلب، ولكن بالنهاية حققت الغنوة الغرض منها في التعريف بالفار الرسام وقدراته الفنية العالية، وصنعت نقلة مبهجة بعد الحزن الذي تركه مشهد خطف الثعلب للدجاجة.
ثم تأتي غنوة الختام التي تقول لا تظلم لو كنت كبير أو كنت قويا وأمير لا تهزأ مني لا تهزأ من حجمي لو كنت صغير
وقد أتت الغنوة مبهجة ومعبرة عن الانتصار والأمان الذي تحقق للدجاجات في القن بعد تعاونهم مع الفأر والأرنب لطرد الثعلب والغراب والنمام بالحيلة .
وعن شريط الصوت والأداء الصوت للممثلين فقد جاء جادا ورصينا ومناسبا للشخصيات في المسرحية دون تكلف فبساطة ووضوح الشخصيات تناسب معه نمطية في الأداء بخبث الشخصية وشرها أو بعفويتها وبساطتها وهو ما يستدعي الإشادة بطاقم الأداء الصوتي من ممثلين وهم : مأمون الفرخ، محمد خير أبو حسون، رولا ذوبيان، أسامة تيناوي، كمال بدر، رندا شماس،
وتجدر الإشارة بأن التسجيل الصوتي للعرض لم يترك أية فرصة للارتجال والتلاحم مع الأطفال إلا في بداية العرض حيث دخلت شخصية الجد من صالة المسرح قد تفاعل مع الأطفال أثناء موسيقى التهيئة لبداية العرض، وهو ما قلل كثيرا من التفاعل وجعل الأطفال يشاهدون دون مشاركة .
أما عن الإضاءة التي صممها نصر الله صفر فكان تنقلنا بين الليل والنهار من الغابة للمزرعة وتنتقل بين إظلام على المشهد العرائسي للإضاءة على الراوي في بساطة وانضباط، موحية بالأحداث ببهجتها وترقبها وإيحاء المؤامرة والخوق والتوتر في مشهد خطف الدجاج والبهجة والسطوع في مشاهد المزرعة .
انتهى العرض برسالة واضحة حول عدم التقليل من شأن الصغير والذي قد يكون مفيدا والبعد عن النمام وبعض النصائح التي أتت غنوة النهاية وكررها الجد بعد انتهاء الغناء في نصائح نهائية او تلخيص لما يتضمنه العرض او مقولته النهائية، في شكل تلقيني تأكيدا على وصول المعلومة وهو ما كان يتبادله الراوي طوال الوقت في التعريف بالشخصيات والحكاية وتحفيز الأطفال لمعرفة ما سوف يأتي من أحداث أو الإشارة لما سوف يأتي بالمشهد القادم وإن أوقع ذلك الأسلوب صناع العرض في فخ تلقين و تكرار معلومات ولكن ضرورة قد يراها المخرج لتأكيد المعلومة التي يريد رسوخها في ذهن المشاهد في السن الصغيرة، وان كان ذلك يقلل من تدفق الدراما ومن بلاغة الرسالة المقدمة، واللجوء للمباشرة عبر الراوي حتى لا يفوت المشاهد الطفل شيئا مما أراد فريق العمل أن يقدموه.
ولكن تناول المخرج النص البسيط والذي كتبه الراحل عاصم الخيال وصمم ونفذ عرائسه وعلى نفس البساطة قدمه المخرج مع فريق عمل مختار من إضاءة وديكور وأداء صوتي وتحريك وحقق متعة وبهجة أضفت الكثير على النص خاصة عناصر الديكور والموسيقى والإضاءة وتصميم وتنفيذ وتحريك العرائس، والذين أوصلوا رسالة كانت ربما أهم من وجهة نظري مما تم تلقينه في نهاية العرض ألا وهي أنه بالفن الذي ركز الكاتب والمخرج على أهميته في دور الفأر الرسام يستطيع أن يرتقي بنا ويصنع لنا حلولا لمشاكلنا وهو معنى هام وترسيخه في وجدان الأطفال لأمر ملهم ونابغ وضروري ويستحق عليه صناع العمل كل ثناء وإشادة على الرغم من تلك التفاسير السياسية داخل العرض والتي تواكب الأوضاع في سوريا الشقيقة، وتحذر من إعلام وإعلام مضاد وخطورة نشر معلومات هامة قد تضر، وما غلى ذلك من رسائل، ويطرح العمل في النهاية تساؤلات علينا تأملها حول تسيسي مسرح الطفل وضرورته، وحول التلقين وعلاقته ببلاعة الرسالة وجماليتها، و الأثر المطلوب ،
تحية لصناع العرض بسوريا الشقيقة القابضون على الجمر والذين يبذلون كل نفيس ليستطيعوا تقديم فن المسرح والأصعب مسرح الطفل الذي يشكل الوجدان لمستقبل قادم بكل أمل في غد أفضل لنا جميعا .