أطفال التربية الخاصة بالتعليم المصري يقدمون فطوطة وحيلة القاضي

أطفال التربية الخاصة بالتعليم المصري  يقدمون فطوطة وحيلة القاضي

العدد 852 صدر بتاريخ 25ديسمبر2023

قد يجهل المشهد المسرحي المصري أن وزارة التربية والتعليم المصرية من أسبق الوزارات العربية إلى الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة أصحاب الهمم، من نصفهم عندما تدهشنا قوة تحملهم وصبرهم بفرسان التحدي؛ لأنهم لم تعطلهم الإعاقة عن الجهر بمواهبهم، والمشاركة في كافة الأنشطة والمسابقات الفنية والثقافية والرياضية التي تشملهم، ومن بين هذه المسابقات واحدة جديدة في المجال المسرحي، تعمل تحت تأثير توجيهات رئيس الجمهورية بالاهتمام بذوي الإعاقة، ويشارك فيها تلاميذ المدارس الحكومية من جميع المحافظات، كل على قدر قدراته، وعلى هذا الأساس يتم التسابق على مستوى الجمهورية بين مدارس المكفوفين تحت مسمى المسرح، بينما تكون الشروط أن يُختار أولاد وبنات من المكفوفين المتميزين في العزف الفردي والغناء الفردي، وكلاهما بالطبع من ضمن عناصر المسرح الذي يشمل كل الفنون، فهو أبو الفنون كما هو معلوم، ولكن الكل يعلم أن هذه الأجناس الفنية مرتبطة بالموسيقى، وتدخل ضمن تخصص التربية الموسيقية، وتتم تحت إشراف أخصائي الموسيقى بالمدراس، وقد يحضر مسئول المسرح على سبيل التنظيم، وكنا سنتغاضى عن ذلك اللبس إذا كانت هناك مسابقة أخرى بين التلاميذ في مجال المسرح الذي نعرفه، والذي اططلح عليه العالم كجامع للفنون، ولكن يبدو أن الرفاق في التعليم المصري يتعاملون بلائحة موروثة من قديم الزمان، كانت تقضي بحرمان ذوي الإعاقة من المكفوفين من التمتع بممارسة المسرح، قبل اقتحامهم للمجال وإنجاز تجارب بديعة، وحصول شاب وفتاة من مكفوفي مصر عام 2018م على جوائز التمثيل الأولى في المهرجان القومي للمسرح المصري، في الدورة الوحيدة التي سمح فيها بمشاركة عروض الأطفال، وهو الاتجاه الذي توقف فجأه وبدون مناسبة ولأسباب غير معلومة، ولا عائد لها سوى القضاء على مستقبل المسرح المصري؛ لأن الأطفال هم المستقبل، وعندما تغلق هذا المنفذ الرائع الذي ينمو به المسرح ويترعرع فإنا نغلق في أوجههم باب الطموح، لأن المنافسات تثري النشاط المسرحي، ولذلك نرجو الإدارات المعنية والقيادات المختصة أن تشمل مسابقات المسرح كل الفئات الإنسانية، لأن المسرح من حق الجميع، وعليه يجب أن تشمل مسابقة المسرح المكفوفين كغيرهم من ذوي الاحتياجات السمعية والفكرية، التي تنظم بالفعل بشكل طبيعي يناسب قدرات كل فئة، لأن الصم وضعاف السمع لهم قدرة عالية على التعبير الحركي والدرامي بالوجه واليدين، وقد شاركوا بالفعل في مسابقة المسرح لهذا العام الدراسي 2023 التي تمت أواخر نوفمبر، وقدموا عروضا جيدة ومتنوعة منها على سبيل المثال عرض لمدرسة الصم بإدارة منيا القمح التعليمية بمحافظة الشرقية، والذي كان أميز وأهم العروض المسرحية التي شاركت في السباق بين محافظات دلتا مصر، وهي كفر الشيخ والدقهلية والغربية والشرقية والمنوفية ودمياط، وعرض على مسرح مدرسة (عمر بن عبد العزيز) بمدينة دمياط الجديدة، وما أجملها من مدينة وما أجمله من مسرح، استقبل مسرحية (منيا القمح) بعنوان “حيلة قاض”، وهي تعتمد من حيث الصوت على واحدة من حكايت أبلة فضيلة التي كانت تقدمها الإذاعة المصرية والتي أمتعت أجيالا في الماضي القريب، عندما كانت الإذاعة وسيلة أولى للتعليم والترفيه، حيث يستمع المشاهد إلى الحدوتة، بينما يجسد التلاميذ شخصيات الأدوار والتي كانت في هذا العرض تتكون من تاجر ثري سرقت منه جرة الذهب التي كان يخبئها بداره، وهو يشك في الخدم الذين أمر القاضي باستدعائهم، وبسؤالهم أنكروا جميعاً، مما دفع القاضي الخبير إلى إعطاء كل خادم جرة مغلقة، وطلب من التاجر أن يدعوه في بيته لتناول العشاء، وأثناء العشاء همس القاضي إلى التاجر بصوت شديد الوضوح أنه يتوقع أن اللص سيحافظ على الجرة ويأتي بها على وضعها، بينما سيكسر جرارهم الباقون، ويتلصص اللص على ما قيل ويحاول إثبات العكس، وفي الصباح يحضر الجميع أمام القاضي، واللص الذي سرق التاجر حضر بجرة مكسورة كي يبعد عنه الشبهات، لتنجح حيلة القاضي ويقبض على اللص، ويلقى جزاءه، وقدمت هذه الحكاية أمام ديكور موضوعي يغطي المواقع المختلفة التي جرت فيها الحكاية، وبملابس عربية قديمة نظيفة ومهندمة، وعلى الأنغام نفسها التي تقدم بها الحواديت المعروفة، ولذلك كانت أجمل عروض الإقليم في سباق الصم وضعاف السمع، إذ كانت المسرحية الأكثر انضباطا وبها من الموسيقى والاستعراض والتعبير الحركي ما يحقق لها حالة من الاكتمال.
 تميز من بين العروض المشاركة أيضا عرض (فطوطة)، الذي قدمته مدارس التربية الفكرية بمحافظة المنوفية، معتمدة على واحد من الاستعراضات البديعة التي كان قدمها الفنان الرحل (سمير غانم)، وفيه قام أحد التلاميذ بأداء دور فطوطة بملابسه التقليدية ومكياجه المعروف، وقد حاول الولد أداء حركات وتعبيرات فطوطة كما هي معروفة، بينما اجتهد زملاؤه في العرض أن يقوموا بأداء أدوار باقي الشخصيات الملازمة، وتم العرض بشكل مدهش ولطيف لقي إعجاب واستحسان الجميع، وحقق الجائزة الأولى في السباق الذي لا يحول كل ما أبديناه من تحفظات دون التأكيد على إعجابي الشديد بما قدمه من خدمة فنية وثقافية للأطفال، وعلى الأثر الكبير الذي تركه عند التلاميذ وعند أهاليهم ومعليمهم والمجتمع، وهو جهد مشكور تنحني أمامه بكل تقدير ومحبة واحترام، أما التحفظ الأهم على ما جرى من لغط بشأن المراكز والنتائج فلها حل بسيط هو تعيين لجان تحكيم من المختصين ومن خارج المتنافسين، كما يجب ألا تعلن النتائج في نفس اليوم كما هو متبع، لأنه في هذه اللحظة يكون كل مشارك متحمس لعروض بلا حياد أو موضوعية ولذلك ترفض قرارات المحكمين مهما كانت جيدة، ويستند الاعتراض على وجود مشاركات للمحكمين، مما يفتح أبواب الشك التي يجب إغلاقها من البداية، للحفاظ على نشاط له مردود لا يقدر بثمن من الخبرات، وتأكيد الثقة بالنفس والتنفيس عن الأنفس، والعلاج السلوكي والاكتشاف المبكر للأوجاع النفسية، إضافة إلى  سلسلة أخري من المميزات والفوائد.

 


محمود كحيلة