العدد 752 صدر بتاريخ 24يناير2022
لكل مسرح خصائصه فإذا كان الفضاء المسرحي في «مسرح العلبة الإيطالية» ذات الإطار التقليدي يعيد اقتراح نفسه عبر نص محدد ينقسم بدوره إلى مشاهد محددة سلفا وفق رؤية محددة من المؤلف والمخرج، عبر رؤية ميكانيكية منظمة للسنوغرافيا ولتنظيم وتقسيم الخشبة، ولحركة الممثلين وطرق الأداء فإن «المسرح المفتوح» يختلف كلية، فكل شيء فيه يوظف لأجل الجمهور، فهو مسرح «اللا نص» حيث تنمحي فكرة المركزية سواء»المؤلف/أو المخرج/ أو الخشبة التقليدية».
وهذه هي إحدى خصائص المسرح المفتوح على حد تعبير «فابرتيزيو كروتشاني» الذي يقول: «إن المسرح المفتوح يظهر توترات في التقنيات الحرفية والمؤسسية. محاولا إياها في أغلب الأحيان، إلى جانب الكثير من المعاني، إلى فضاءات مختلفة».
وللمسرح المفتوح جماليات فنية خاصة من أهمها أنه مسرح ينحاز إلى فضائه، ويرتبط – في بعض الأحيان – بقضايا اجتماعية، ففي دراسة الفضاء المسرحي لمسرح الشارع – وهو أحد أشكال المسرح المفتوح – يتطلب الأمر تركيزا أكبر على الناحية الاجتماعية والأنثربولوجية للمسرح، وذلك أكثر من الاهتمام بالشكل (عمارة المبنى والمشهد) والموضوع / موضوع الاهتمام هو ذلك التحول للفضاء المعاش يوميا من خلال غرابة فضاء التمثيل وطريقة عمله،القيمة التي تؤسس،» وتجاوز وتجدد تاريخ الفضاء المسرحي يكمن في أن مسرح الشوارع هو في الأساس فضاء نسبي، إنه فضاء اجتماعي، وتحدده العلاقة بين العرض والأرض، تلك العلاقة التي خلفتها مناورات الواقع البيئي وفكرة تجذير الفضاء المسرحي كمساحة خاصة».(1)
الفضاء المسرحي
إذا كانت خشبة المسرح هي إحدى الركائز الأساسية للعملية المسرحية فإنه يستعاض عنها بالتوظيف المكاني بحيث يصبح الفضاء المسرحي واقعيا وفعليا، وأحيانا في مكان وقوع الحدث الدرامي الذي يتناول العرض.
وهذا ما نراه جليا في أشكال مسرحية في مختلف دول العالم، منها على سبيل المثال «مسرح النو» الياباني، والذي كان يقام في الهواء الطلق أو في ردهات المعابد، ومنه تولدت أنماط مسرحية أخرى مثل «الكابوكي» و «البونراكو»، وكانت هذه المسارح محاطة – في البداية –بالمقاهي التي كانت تقدم مشروب الشاي للجمهور.
«في البداية كان فضاء الجمهور هو ذلك الفضاء الواقع بين الكوبريين، وفي نهاية القرن الثامن عشر ألغي المسرح القديم ذو السقف والمنحدر من مسرح النو ووصل إ»لى المسرح المفتوح المستطيل المتسع، وعرض الكابوكي هو عرض حركة، ومؤثرات وتأثيرات قوية ولذلك تطور كثيرا من حيث تقنية المشاهد الخاصة به» (2)
المسرح والحياة
وكذلك كانت بدايات المسرح الهندي مرتبطة بالفعل الحياتي «فالتعبير المسرحي لنوع واحد منذ العصور البدائية والأسطورية يعد جزءا مكملا للحياة الهندية.
إن المسرح منذ عدة قرون قد شكل حياة الناس العاديين وذلك في صور ورقص طقوسي، وقصص ولوحات مصورة في الاحتفالات الخاصة»(3)
ويؤكد «نينميشا نددراجين» في كتابه «المسرح الهندي على أن المرحلة الأولى لهذا المسرح قد بدأت بالطقوس الدينية السحرية البدائية، وحتى الآن فإن قبائل كثيرة، في مناطق مختلفة، لم تزل تمارس طقوسا مرتبطة بالميلاد والموت، والبلوغ والزواج وبجمع الطعام، وبالصيد، وبالمعارك واسترضاء للآلهة والقوى البدائية، وهي طقوس تحتوي على عناصر درامية أو مسرحية بصورة واضحة، ومن أجل تفادي الخطر الوشيك ولضمان النجاح في بعض المعارك المقبلة، فإن القبائل تقلد المواقف المتخيلة والأفراد وتتوحد معهم وذلك خلال الحركات الراقصة الطقوسية، المصحوبة بالتعويذات والأصوات الموحية والموسيقى» (4).
ولم تزل بعض آفاق المسرح المفتوح موجودة هناك خاصة في»إقليم البنجال» وهو «أكثر المسارح تقدما»، على حد تعبير «جين»، فقد بدأ المسرح البنجالي الجديد خطوته الأولى في القصور الكبيرة أو حدائق المنازل المنتشرة، وتدريجيا انتقل إلى الطبقات الأخرى في المجتمع البنجالى، واستمر حتى هذا اليوم على الرغم من العديد من فترات الازدهار والهبوط، ولقد تطور هذا المسرح وبصورة كاملة محاكيا لنموذج الدراما الغربية والعرض المسرحي الغربي» (5).
ولمسرح «البنجال» ميزة أخرى وهو أنه يعد أول مسرح هندي يجتذب النساء للعمل بالتمثيل منذ فترة بعيدة.
الهوامش:
فابرتيز يوكروتشاني: فضاء المسرح – ترجمة أماني فوزي حبشي – مراجعة سعد أردش –مطبوعات المسرح التجريبي 2007. ص44
مرجع سابق ص126.
نينماتشا ندرا جين: المسرح الهندي التراث والتواصل والتغيير – ترجمة د.مصطفى يوسف منصور – مراجعة د.منى أبوسنة – سلسلة آفاق عالمية الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 2008 ص11.
مرجع سابق ص12.
مرجع سابق ص106.