نعيمة عجمي وداعا سيدة الأزياء

نعيمة عجمي وداعا  سيدة الأزياء

العدد 750 صدر بتاريخ 10يناير2022

فقدت مصر والعالم العربي واحدة من أهم مصممي الأزياء المسرحية، الفنانة التشكيلية القديرة ومصممة الأزياء والديكور نعيمة عجمى، التي حصلت على بكالوريوس الفنون الجميلة قسم الديكور، و عملت بوزارة الثقافة، بالبيت الفنى للمسرح كمصممة ديكور وأزياء لعدة سنوات، و بمركز الإبداع الفنى مشرفًا على قسم الأزياء. شاركت فى عدد من الأعمال المسرحية على مسارح البيت الفنى للمسرح ، كما قدمت تجارب فى القطاع الخاص وشاركت فى العديد من المهرجانات الدولية، وحصلت على العديد من الجوائز وشهادات التقدير، كان آخرها جائزة أفضل تصميم ملابس فى الدورة الرابعة عشر من المهرجان القومي للمسرح المصري ، كما شاركت فى العديد من المعارض المحلية والدولية. 
ومن أعمالها المسرحية رابونزل بالعربى والطوق والإسورة، أليس فى بلاد العجائب وكوميديا البؤساء، واضحك لما تموت، وسنو وايت، وليلة من ألف ليلة، وبلقيس ورجل القلعة، وأهلًا يا بكوات، ومرسى عاوز كرسى ، وأولاد الغضب والحب، ويا مسافر وحدك، وهامليت، والمتفائل، وأحدب نوتردام، وآخر أعمالها مسرحية حلم جميل من إخراج إسلام إمام.، «مسرحنا» حاورت العديد من المسرحيين والمقربين إليها، ليحدثونا عن سيدة الأزياء و عن دورها و مشوارها فى الحركة المسرحية.

قال الفنان عمرو حسن درويش الابن الأكبر: كانت الأم الحنونة، حنانها من نوع خاص، أنا وأخي الأصغر الفنان محمد درويش، وهو يصغرني بست سنوات، وأمي وأبى جميعنا تخرجنا من كلية الفنون الجميلة، قسم ديكور ماعدا محمد قسم تصوير، والآن أنا ومحمد نعمل في الموسيقى، أنا عازف كمان، وهو عازف جيتار، لم تكن أما حازمة، كانت صديقتي، لم أُخف عليها يومًا أي سر، وكانت تحتويني أنا وأخي أكثر من الاحتواء الطبيعي للأمهات، كانت حالة خاصة مختلفة نبع من الحنان والطيبة.
وتابع «درويش»: والدي مهندس ديكور وفنان تشكيلي وأيضًا دكتور في كلية الفنون الجميلة، وكان مشرفًا فنيًّا على مجلة المسرح، و رسام في مجلة ماجد وصباح الخير، وكانت والدتي دائمة التشجيع و داعمة له، وهو كذلك، كانت تقرأ النص جيدًا ثم تبدأ في البحث، كانت قارئة جيدة ، وكان هو يُدرّس في الجامعة مادة الأزياء، وهذا ساعدها كثيرًا حيث كان لديهما كتب كثيرة خاصة بهذا المجال. كانت تبدأ في رسم الاسكتشات، و كانت تُصمم تصميمات قابلة للتحقيق، مهما كانت مبتكرة ومختلفة، مدركة لأبعاد الخامات والألوان وطريقة تنفيذ التصميم، كنت أشاركها اهتماماتها الفنية، فكلما شاهدت فيلمًا سينمائيًّا ووجدت به أزياء مختلفة ومبتكرة، دعوتها لنُشاهده معًا . وقد صممت لها البوستر الخاص بها في معرض القاهرة الدولي للتصميمات المسرحية الطليعية بالمهرجان التجريبي في دورته الثامنة والعشرين، حيث شاركت بعرض «صبايا مخدة الكحل». ، كانت مُضحية جدًا وتعمل بجد واجتهاد مضاعف، وكان التقدير و الجوائز يسعدوها بشدة، آخر الجوائز التي حصلت عليها كانت جائزة أفضل تصميم أزياء في المهرجان القومي للمسرح المصري، وكانت تشعر أن تلك الجائزة تعويضًا عن جوائز كثيرة لم تحصل عليها، كانت تستحقها بجدارة.
تابع: والدي ووالدتي كانا بالفعل «حسن ونعيمة»، ليس لأن اسمهما كذلك ولكن لأن كل منهما كان يرى في الآخر الحبيب والزوج والصديق وكل شيء، قصة حب كبيرة في الكلية، واكتملت بزواجهما، رحمة الله عليهما، كانا نموذجا فريدا من نوعه، وكانت نعم الأم والصديقة والسند.
علمتني معنى التصميم والتنفيذ
وقال رئيس قسم الملابس بالمسرح القومي خالد السيد محمد والذي كان مُساعدها: كانت أم لنا جميعًا، عندما كانوا يسألونني عنها، كانوا يقولون «أمك فين؟»، وليس أين المهندسة نعيمة، لها فضل كبير على أغلب من في المسرح، وأنا أولهم، كانت رئيسة الأقسام الفنية بالمسرح القومي، وهي من علمتني معنى التصميم والتنفيذ، وكيف أقوم بشراء الخامات، عروضها التي صممت أزيائها من ما يقرب من 11 سنة لاتزال في المخزن، بكامل جودتها وكأنها صممت الآن، وجميع العروض التي تقام في المسرح القومي نستعيرها من أعمال م. نعيمة عجمي، كانت مرهقة جدًا في عملها، من حيث عشقها للتفاصيل واهتمامها بها، ولكن كل هذا الجهد يهون مع أول ليلة عرض، ونرى أنها دائمًا ترى ما لا نراه، كل الجوائز التي حصلت عليها تستحقها بجدارة، مخزن الملابس بالمسرح القومي «مبني» على تصميمات ملابس م. نعيمة العجمي.
وأضاف: صبورة جدًا ومتعاطفة مع الناس، عندما تحزن كانت تبكي كالأطفال، كل مصممي الأزياء الذين أتعامل معهم في المسرح القومي يشيدون بمدى إلمامي بتفاصيل الأزياء المسرحية، وكل ما تعلمته يرجع فضله لهذه السيدة الفاضلة التي لم تبخل يومًا على أى شخص بعلمها وفنها.
كانت تخشى النسيان فرحلت في عز تألقها 
فيما قال مصمم الديكور والإضاءة المسرحية م.حازم شبل: علاقتي بها بدأت في 2005، عندما صممت ديكور مسرحية أهلًا يا بكوات في المسرح القومي، وكانت هى رئيسة الأقسام الفنية، وقدمت به العديد من المسرحيات، ولكن علاقتي بها كبرت بدايةً من عام 2009، مع قدوم ما يقرب من 50 مصمما من أمريكا لزيارة مصر والأردن، في رحلة صيفية تعليمية، وكانوا على تواصل معي، و يرغبون في التعرف على زملائهم السينوجرافيين المصريين، للتبادل الثقافي، وبالفعل تمت المقابلة في حديقة الكتب النادرة في الجامعة الأمريكية في باب اللوق، ولدي وجهة نظر أن تعرف الفنانين بعضهم ببعض يكون بأعمالهم وليس بالكلام، وبالفعل قمنا بعرض أعمال 12 أمريكيا و6 مصريين بالفيديو بروجيكتور، منهم م. نعيمة عجمي، بعدها شاركنا في الهيئة العالمية للسينوجرافيا، وبدأنا في عمل المعارض المحلية بداية من 2012 حتي 2018، بمعدل معرض كل سنتين، وكلها كانت م. نعيمة تشارك فيها بأعمالها، ولم تكن تشارك في المعرض كمصممة فقط، ولكنها كانت ضمن فريق العمل وتعد ضلعا أساسيا فيه، وفي جناح مصر في معرض براغ 2015 و2019، كانت تعمل بنشاط وحيوية وبمنتهي التعاون والبهجة، كانت نشيطة جدًا في لجنة الأزياء في هيئة السينوجرافيا، وحضرت معهم أيضًا في الفلبين وعرضت قطعتين من أزيائها من مسرحية «ليلة من ألف ليلة»، هذا غير الاسكتشات، وسافرت أيضًا إلى أسبانيا حضرت اجتماع لجنة الأزياء، واشتركت في معرض دولي في روسيا، ولكنها لم تستطع الحضور بشخصها، كانت تحب ذلك بشدة، وكانت متفاعلة مع الأجانب من جنسيات مختلفة، وعلى صفحتي على الفيسبوك نشرت كلماتهم عنها وفقدهم لها، كانوا يحبوها جدًا، كانت محبوبة جدًا من كل زملائها الأجانب يسألون دائما عنها، وآخر مؤتمر للجنة الأزياء بالهيئة « أونلاين» حضرته هي ود. مروة عودة، ودعت نعيمة عجمي زملائها في اللجنة أن يُقيموا اجتماع لجنة الأزياء في مصر عام 2023، وآخر معرض دولي شاركت فيه، هو معرض التصميمات المسرحية الطليعية، أحد فعاليات الدورة الـ28 من المهرجان التجريبي وحضرت الافتتاح بالفعل.
وأضاف «شبل»: لقد شاركتني تشكيل الصورة المرئية في عدد من العروض المهمة، منها أهلًا يا بكوات وزكي في الوزارة وفي بيتنا شبح ومرسي عايز كرسي وأليس في بلاد العجايب والمتفائل وحلم جميل، دائمًا كُنا داعمين لبعضنا البعض، وكُنا نتناقش كثيرًا لنصل للأفضل، هي سيدة فاضلة خلوقة ومجتهدة، كان لديها تخوف أن ينتهي يومًا ما تألقها ولا يسأل عليها أحد، والحمد الله، الله عز وجل حقق لها أمنيتها بأن ظلت متألقة لآخر يوم في عمرها، وكانت تُعد تصميمات أزياء مسرحيتين من ضمن خطة المسرح القومي.

سيدة لا تُعوّض ونموذج فريد للتفاني في العمل.
كذلك قال المخرج إسلام إمام: بداية تعاونا معًا كانت منذ أربع سنوات، وكانت تخبرني أنها وجدت نفسها في العمل معي أكثر من أى وقت مضي، وآخر عمل جمعنا معًا كان مسرحية حلم جميل، هى سيدة الأزياء الأولى فى المسرح المصري والعربي، تجتهد بشكل يفوق أي مصمم آخر، تجلس مع المخرج وترى رؤيته، ثم تناقشه في التصميمات، ثم يتم الاختيار، ثم تذهب بذاتها لترى الأقمشة وتُحضر عينات لكي يلمس المخرج الخامة، ويتفقا ، فتذهب للمرة الثانية للشراء و تتابع بنفسها البروفات وتأثير الإضاءة على الملابس، ثم تقوم بالتعديلات النهائية، وتتابع الملابس أيام العرض، وكانت دائما تقول «الملابس يجب متابعتها لآخر يوم في العرض»، وعلى سبيل المثال، عرض المتفائل قدم على مدار ثلاث سنوات، وكانت تتابع طوال تلك الفترة ، كانت سيدة لا تُعوّض ونموذج فريد في التفاني في العمل.
وتابع «إمام»: في عرض المتفائل، صممت 114 قطعة ملابس في أزمنة مختلفة، وكانت تشتري الأقمشة بشخصها في نهار رمضان، و لا تعتمد على المساعدين ، افتقدها بشدة، وصعب جدًا ولا أدري كيف سوف أعمل بدونها، رحمة الله عليها.
أحب أن أعمل معك
فيما قال المخرج المسرحي محسن رزق: كانت فنانة حقيقية، أكثر ما كان يميزها الإخلاص لفنها وعملها، تعاونا معًا في أكثر من عرض مسرحي، والحمد الله كُنا عند حسن ظن بعضنا البعض، قبل وفاتها كُنا نقوم بالتجهيز لعرض جديد، من فترة قريبة جدًا، قالت «أ. محسن أحب أن أعمل معك لأنك تخرج أجمل ما بداخلي»، وكنت دائمًا أشكرها على عملنا معًا، ومن أجمل المواقف التي جمعتنا، في عرض «سنو وايت» وقد حصلت به على جائزة، كان سوف يصمم الملابس زميل آخر واعتذر قبل العرض بعشرة أيام، و تواصلت معها، وكنت دائمًا أُناديها بـ»نونة»، وطلبت منها أن تقوم بتصميم أزياء العرض، وعلى الرغم من ضيق الوقت صممت ملابس رائعة ومختلفة، وفي 13 يوما صممت أزياء عبقرية، من أجمل الملابس التي صممتها في عروضي، وحصلت على جائزة أفضل تصميم ملابس من المهرجان القومي. 
ثورة في الأزياء المسرحية 
وقال الفنان إيهاب فهمي مدير المسرح القومي: كانت جزءا عظيما من المسرح القومي، تشرفت خلال إدارتي له أن تم عرض «المتفائل»، ولم يكن من خطتي، وكانت تحضر طوال فترة العرض ، وتهتم بكل تفاصيل عملها بدقة شديدة، ونحن بالفعل نقوم بتجهيز عرضين ضمن خطة المسرح القومي، وهما عرض «سيدتي الجميلة» إخراج محسن رزق، وعرض «الحفيد- أم العروسة» إخراج محمد يوسف المنصور، والعرضين كان من المفترض أن يكون تصميم الأزياء لها ، وتحدثنا بالفعل في طريقة وشكل الملابس التي تناسب كل رواية. أحدثت ثورة أزياء في العروض المسرحية، وفيما يخص مخازن المسرح القومي، كُنت أطلق عليها مخازن «نعيمة عجمي»، لأن أغلب ما فيها من تصميمها وإبداعها، كانت فنانة مبدعة وخلّاقة، المسرح القومي والفن بأكمله خسر مبدعة بمعنى الكلمة.
قدرة هائلة على التسامح
كذلك قالت طبيبة الأسنان عزة إبراهيم الشافعي الصديقة المُقربة لـ م. نعيمة عجمي: صداقتنا بدأت عام 1988، لم تكن صديقتي أنا فقط، وإنما شملت الصداقة عائلتي وعائلتها، طيبة جدًا ولديها قدرة هائلة على التسامح، ولا ترى إلا الجانب الإيجابي في شخصيتك، ولديها قدرة على العطاء غير طبيعية، وكذلك على نشر الوعي الفني، قدمت العديد من الورش الفنية في مركز الإبداع، وكنت مصاحبة لها في أغلب الوقت، فخورة بها جدًا وبفنها وإبداعها، تقريبًا شاهدت أغلب عروضها، ولكن الأقرب إلى قلبي «ليلة من ألف ليلة» و«المتفائل» و«حلم جميل»، كنت أحب جدًا أن أرافقها في البروفات وعروضها، وآخر مرة كنا معًا في افتتاح المهرجان التجريبي، حيث شاركت في معرض السينوجرافيا، وبعدها علمت أنها أًصيبت بالكورونا، وعلى الرغم من مرضها، كانت خائفة جدًا أن أكون قد أًصبت، واعتذرت لي كثيرًا لأنها لم تكن تعلم عن إصابتها شيئًا .. كانت صديقة بدرجة أخت، لا أدرى كيف ستمر الأيام بدونها، ولكنه قضاء الله وقدره.
بصمة متميزة 
وقال المخرج ومصمم الديكور المسرحي د. محمود فؤاد المدرس المساعد بقسم الديكور بالمعهد العالي للفنون المسرحية ومدير مسرح نهاد صليحة: كان لها بصمة مميزة وحفرت اسمها بأعمالها المتميزة في تاريخ المسرح المصري، تعرفت عليها من خلال عرضي مسافر ليل، عندما شاهدت العرض، وأشادت به، وكنت أُحب أعمالها جدًا خاصةً «المتفائل»، كنت أتواصل معها في اللقاءات الفنية وآخرها معرض التصميمات الطليعية بالمهرجان التجريبي، كل منا كان مشارك بعملً فنيًّ، وكانت داعمة دائمًا للجميع.
أم كل مصممي الأزياء
فيما قالت مصممة الأزياء المسرحية د. مروة عودة: كانت أم لكل المصممين، و أتمنى أن يقوم المسرح القومي بعمل يوم تأبين لها، وقد كانت تعتبره بيتها، كنت دائمًا أتواصل معها واهتم برأيها في أعمالي، وكانت دائمة التشجيع لي، أحكي لها كل ما يضايقني، وكانت مستمعة جيدة وودودة جدًا، فكانت تدعمني بنصائحها وخبرتها و تحكي لي عن الصعوبات التي واجهتها، وكيف تغلبت عليها.
وأضافت «عودة»: كانت قريبة مني جدًا، وكنت أعرف عائلتها وهي كذلك، صداقة متبادلة، وكانت معي في كل المناسبات، أعرف أولادها و ريهام زوجة ابنها عمرو، التي كانت ترى فيها ابنتها التي لم تنجبها، وهى آخر من رافقتها، و من النادر أن نرى علاقة إنسانية بهذا النبل، و ريهام لم تكن تقول لها إلا «ماما نعيمة»، وآخر ما قالتله لها رحمة الله عليها «ما تسيبينيش»... كانت خائفة بشدة، وموتها كان صدمة لنا جميعًا، عندما كُنا نسافر في الخارج في معارض دولية كُنا معًا في غرفة واحدة، وكانت نعم الرفيق، لم أشعر يومًا أنها تكبرني بأعوام كثيرة، فقد كانت مليئة بالطاقة وروح الشباب.
في الثامنة صباحا
وختامًا قالت ريهام صبري زوجة ابنها الأكبر: لم أشعر يومًا أنها «حماتي»، كانت ترفض كلمة «طنط»، هى «ماما نعيمة» فقط، تجمع العائلة كلها في كل المناسبات، و كل جمعة في منزلها، هي «طباخة» ماهرة، وجدة حنونة وأم رائعة، أقرب أصدقائها د. عزة. اتصلت بى في اليوم التالي لافتتاح معرض السينوجرافيا في المهرجان التجريبي بدار الأوبرا، وأخبرتني أنها مريضة جدًا، وبالفعل قمنا بعمل اللازم، ولم نتخيل أنها كورونا، لأنها قبل مرضها بأيام أخذت الجرعة الثانية، د. أشرف زكي له كل التقدير والاحترام، استطاع أن يقدم لنا الرعاية الكاملة و تم نقلها للعناية المركزة في مستشفى العجوزة، كانت حريصة أن أرافقها قبل أن يتم عزلها، في سيارة الإسعاف كانت تُردد «يسر ولا تُعسّر»، المستشفي أبلغتني بوفاتها في الثامنة صباحًا. بفقدها فقدت الصديقة والأم والرفيقة.


إيناس العيسوي