جلال الشرقاوي الأستاذ ومعلم الأجيال.. وداعا

جلال الشرقاوي  الأستاذ ومعلم الأجيال..  وداعا

العدد 755 صدر بتاريخ 14فبراير2022

ودع المسرح المصري مؤخرا واحد ا من أعمدته الكبرى وهو الفنان و المخرج القدير جلال الشرقاوي، الذي قدم مشوارا حافلا و كبيرا فى المسرح حيث أخرج و أنتج أكثر من 50 عملا، وكان صاحب رؤية ثاقبة ومبدعا من طراز خاص، فهو معلم للأجيال تتلمذ على يديه العديد من النجوم على الساحة الفنية والمسرحية على مدى نصف قرن، في مسرحه الخاص و من المعهد العالى للفنون المسرحية . تميز بانضباطه الشديد وكان أهم ما يميزه هو إجادته صناعة العرض المسرحى و مفرداته، كذلك كان متفردا فى تقديم عروض تمس قضايا شائكة، فقدم مسرح القطاع الخاص بفكر مختلف وتحدث عن القضايا السياسية بموضوعية وذكاء شديد، كما اشتهر بتقديم عروض الكباريه السياسي و تفرد بها وقدمها من منظور جديد ومختلف فكانت عروضه تحمل المتعة و الهدف و الفكر والرسالة. هو كما وصفه البعض “رائد من رواد مسرح الكباريه السياسي “ كان يعى وظيفة الفن و دوره فى المجتمع. شكل قدوة لكل تلامذته فكان الأب والاخ والمعلم. ولد جلال الشرقاوي فى 14 يونيو 1934، وتأثر بشقيقة فى حبه لفن التمثيل بجانب تردده على مسرح إيزيس بحى السيدة زينب الذي نشأ فيه، حصل على بكالوريوس العلوم جامعة القاهرة عام 1954، ودبلوم خاص تربية وعلم نفس جامعة عين شمس عام 1955، وبكالوريوس المعهد العالى للفنون المسرحية بتقدير امتياز عام 1958، ودبلوم إخراج من معهد جوليان برتو للدراما فى فرنسا عام 1960، ودبلوم إخراج من المعهد العالى للسينما من فرنسا عام 1962 .
شغل عدة وظائف منها مدرس قسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالى للفنون المسرحية، مديرا لمسرح الحكيم عام 1967، خبيرا بهيئة المسرح عام 1970، عميدا للمعهد العالى للفنون المسرحية لفترتين عامي 1975،1976، وأستاذا بقسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالى للفنون المسرحية، ثم رئيسا لقسم التمثيل والإخراج عام 1990، وأستاذ متفرغ بالمعهد العالى للفنون المسرحية منذ عام 1994 . 
قدم العديد من العروض المسرحية ومنها الأحياء المجاورة عام 1963، الرجل الذى فقد ظله عام 1963،الزلزال عام 1964، الأرنب عام 1964، ولا العفاريت الزرق عام 1965، آه ياليل يا قمر عام 1967، بلدي يا بلدى عام 1969، “انت اللى قتلت الوحش “عام 1970، ملك الشحاتين عام 1971، مدرسة المشاغبين عام 1971، عفاريت مصر الجديدة عام 1971، الجيل الطالع عام 1971، قصة الحي الغربي 1972، هاللو دولى عام 1973، تمر حنه عام 1974، كباريه عام 1974، شهرزاد عام 1975، الجوكر عام 1979، المتحذلقات عام 1980، البغبغان عام 1983، افرض عام 1983، راقصة قطاع عام 1984، ع الرصيف عام 1968، انقلاب عام 1988، بولوتيكا عام1988، بحبك يا مجرم 1992، الخديوي عام 1994، قصة الحى الغربى عام 1995، دستور يا اسيدنا 1995، الخنزير 1995 كما حصل على العديد من الجوائز و الأوسمة ومنها ميدالية وشهادة تقدير من المركز الكاثوليكي المصري عن أحسن كتاب ألف عن تاريخ السينما المصرية عام 1964، أحسن مخرج فى استفتاء جماهيري لإذاعة الشرق الأوسط وجريدة الأهرام لمدة ثمانية سنوات متتالية، نال شهادة تقدير من وزارة الإعلام لإخراجه أوبريت أفراح النصر عام 1989، ونال شهادتي تقدير عن إخراجه الليلة المحمدية السادسة عام 1990، نال ميدالية المسرح التجريبي عام 1991، ونال جائزة الدولة التقديرية للفنون عام 1994 والعديد من الجوائز والتكريمات الأخرى.

في نعيها لجلال الشرقاوي قالت الفنانة الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة إنه كان مبدعا من طراز خاص، نجح على عبر مشواره الطويل في نسج حكايات فنية راقية ستبقى خالدة في وجدان الجمهور، كما شارك في إعداد وتخريج أجيال من النجوم الذين لمعت أسماؤهم في سماء على الساحة الفنية.
كذلك نعاه المخرج خالد جلال رئيس قطاع شئون الإنتاج الثقافي، بقوله: إننا نودع اليوم أستاذا ومعلما ومخرجا كبيرا، تتلمذ على يديه العديد من نجوم الفن، كان له أسلوبه ومنهجه المتميز والفريد فى التمثيل والإخراج، وسجل مسيرة من العطاء الفني تعد محطات هامة فى تاريخ الفن المصري. 
أستاذ الأجيال 
وفي نعيه قال د. مدحت الكاشف عميد المعهد العالي للفنون المسرحية: جلال الشرقاوي هو أستاذ الأجيال تخرج على يده عشرات المئات من خريجى المعهد العالى للفنون المسرحية، على مدى ما يزيد من نصف قرن وهو يعلم ويخرج الأجيال وسيفتقد كل من المعهد العالى للفنون المسرحية وأكاديمية الفنون هذا الأستاذ الكبير، العلامة الفارقة في تاريخ تدريس المسرح فى مصر والوطن العربي، على جانب آخر خسرت الحركة المسرحية واحدا من أهم رواد الإخراج المسرحى المعاصرين، وسيظل الأستاذ بيننا بما تركه من آثر فينا.

عرض «هولاكو» 
كما نعى د. أيمن الشيوى عميد جامعة بدر الشرقاوي فقال: شرفت بتدريسه لى بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وأيضا بعملي معه كمعيد وعضو هيئة تدريس ومشاركتي له فى عرض من أهم العروض وهو “هولاكو” الذي لم يعرض لأسباب مجهولة، وهو كأستاذ لديه نوع من الصرامة والانضباط قد يبدو بها نوع من أنواع القسوة ولكنه فى حقيقة الأمر أب حنون. وتابع الشيوى: أهم ما يميز الشرقاوي هو إجادة صناعة العرض المسرحي، فهو يحترم النص ويعمل عليه مع المؤلف و يظل يعدل معه حتى يصل إلى الصيغة التي يرغب بها، يحب الممثل ويثق به ويعى دائما اختلاف الجمهور من مكان لآخر ومن مناسبة إلى أخرى. 
وتابع: في عرض “الخديوي“ تحدث عن السياسية بمنطق رزين وموضوعي دون أن يغفل عناصر المتعة في الممثل، الغناء، الاستعراض وعناصر الإبهار، وهو قادر على صناعة التوليفة المسرحية. وقد كان له وجهة نظر خاصة، وكنا دائما نستمع له بإنصات شديد ونحترم وجهة نظره، ونتمنى إعادة النظر في عرض “هولاكو” كتكريم له .

بحر من الذكريات 
وروى الدكتور مصطفى سليم بداية علاقته بالشرقاوي فقال: علاقتي به بدأت حين كنت طالبا حيث شاهدت عرض مهم وهو “انقلاب“ الذي كان فتحا فى المسرح المصري، و كتبت عنه مقالا فى مادة النقد التطبيقي، حصلت به على تقدير امتياز وحرص الدكتور أحمد سخسوخ رحمه الله أن يطلع عليه الشرقاوي؛ الذي أبدى استحسانه له ودعاني للحضور إلى مكتبة بمسرح الفن وكان يجهز لعرض آخر وشاهدت كيف يكتشف نجوم المسرح وكان من بينهم عبير صبرى وغادة عبد الرازق فى سن مبكرة، وجلست معه نتجاذب أطراف الحديث وحدثني عن كتابة “حياتي في الفن “ واستمع إلى بعض الشعر الذي كتبته وأرشدني إلى قراءة كتاب “شعراء الحداثة وما بعدها“ واستمرت زيارتى له حتى ناقشت الماجستير، وقد شاهدت كل عروضه بدعوة منه. الأستاذ جلال الشرقاوي بحر من الذكريات والفكر والمواقف وصاحب رؤية ولا يحيد عن مواقفه والمسرح لديه يشغى بالحركة والإيقاع النابض والفكر المختلف، وقد كان علامة فارقة في تاريخ المسرح المصري، فلا نستطيع أن ننسى موقفه مع الأساتذة كرم مطاوع وسعد أردش وأحمد عبد الحليم حين قدموا استقالتهم كموقف اجتماعي وفكرى وسياسي يعد علامة فارقة فى تاريخ المسرح المصري تؤكد أن الفنان موقف. 

المعنى والرسالة
فيما وصفه الدكتور علاء قوقه بأنه علم من أعلام الفن المصري، وصاحب باع كبير فى هذا المجال ممثلا ومخرجا وأستاذا ومنتجا، تتلمذ على يده كبار النجوم وله مجموعة من الكتب يتعلم منها القاصي والداني.
أضاف قوقه: تعلمنا منه أصول الفن المسرحى وأخلاقيات المهنة والأصول العلمية للسمنارات والمناقشات داخل قاعة الدرس وكان أهم ما يميزه أن قدم مسرح القطاع الخاص وفى نفس الوقت قدم مسرحا سياسيا، فكما نعلم أن أغلب عروض مسرح القطاع الخاص هى عروض تجارية ليس بها فن إلا القليل وكانت عروضه تحمل الفكر والهدف والمعنى والرسالة . 

سنفتقدك في قاعة الدرس 
فيما أعرب د. سيد خاطر عن حزنه الشديد لرحيل الشرقاوي فقال: يعتصرني ألم شديد وحزن عميق لرحيلك عن دنيانا أستاذنا الجليل جلال الشرقاوي .. لكن لعل اللقاء يكون قريباً يا أستاذي وأبي وصديقي الغالي الحبيب.. وأضاف: سنفتقدك كثيراً يا أستاذي وقد كنت رُمانة ميزان مجلس أعضاء هيئة التدريس بقسم التمثيل والإخراج برجاحة عقلك وحكمتك وخبرتك العلمية والإدارية والفنية والإنسانية العريضة الطويلة، سنفتقدك بقاعة الدرس أستاذاً ومُعلماً نادراً لتلاميذك الحاليين والسابقين من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية،الذي أفنيت عمرك في رفعة شأنه.. سنفتقدك مُخرجاً مسرحياً متفرداً بإبداعه الغزير الراقي، نعم سنفتقد كثيراً عطاءك العلمي والفني والإنساني وأنت أحد أبناء جيل الرواد العمالقة الأكاديميين (أساتذتنا الأجلاء: نبيل الألفي وعبد الرحيم الزرقاني وسعد أردش وكمال ياسين وكرم مطاوع، وكمال عيد أطال الله عمره وأمده بالصحة لنظل ننهل من بحر علمه ونهر عطائه. 
تابع: وداعاً أستاذي الذي لم يبخل يوماً على شخصي البسيط مساندة ودعماً ومؤازرة وتشجيعاً ومُجاملة ومودة وجبر خاطر سواء عند المرض أو عند تقلد المناصب أو عند الانتصار لحق في مواجهة باطل، سيظل قلبي يبكيك يا أستاذي الحبيب القيمة والقامة حقاً وأكيداً حتى ألقاك.

وعى وظيفة الفن 
فيما قال د. عصام أبو العلا: درس لي مادة نظريات التمثيل وأنا بالفرقة الأولى من مرحلة البكالوريوس وكانت السنة الدراسية فى هذا التوقيت سنة كاملة، وكان بطل مسلسل إذاعي من تأليفي بعنوان “فردوس الشرق “ مع نخبة من الفنانين ولعب دور “ملك التتار“ وفى تلك الأثناء حدثت بيني وبين المخرج مشكلة سببها أن تصوري لبطل المسلسل هو ألا يزيد عمره عن ثلاثين عاما، و فوجئت بأن البطل هو المخرج جلال الشرقاوي، وكانت المفاجأة عند تسكين الحلقات العشر أني أمام شاب فى الثلاثين من عمره، فقد لعب الأستاذ الشخصية كما تصورت فهو ممثل عبقري من الصعب أن يعوض. وتابع قائلا: جلال الشرقاوي يعي وظيفة الفن وما يمكن أن يقدمه الفن من نقد وتطوير للمجتمع وتوعية. 
 
مسرح القطاع الخاص
المخرج والكاتب د. حمد أبو العلا قال: كان أستاذا بمعنى كلمة الأستاذية بما تحمله من عطاء وأبوة، حين أقف أمامه أمام ميكروفون الإذاعة وكم جمعتنا أعمالا، كنت أتعلم منه رصانة الأداء والتمكن من اللغة، كان رحمه الله يجيد الأداء الإذاعي بشكل مذهل، بالإضافة إلى قيامه بإخراج فيلم سينمائي وهذا مالا يعرفه الكثير، أما عن الإخراج المسرحي فحدث ولا حرج، فهو صاحب مدرسه خاصة يجمع بين المضمون وقيمه للعمل وعينه على الجمهور، فقدم مسرحا محترما ذو قيمه في القطاع الخاص، ولي موقف شخصي معه.. كان يخرج مسرحيه “الخديوي” بطولة سميحة أيوب ومحمود يس على مسرح البالون وكنت اخرج انا مسرحية “شطوره” للأطفال بطولة مي عبد النبي على نفس المسرح صباحا، فقال لي إنه قام بعمل خطة الإضاءة للخديوي والمسرح “مفروش بالكامل” على أن نقوم باستخدام المتاح سويا وقال ذلك بكل حب واحترام ..كان فنانا وكفي . 

رجل مسرح حقيقي 
و روى المخرج مراد منير عدة مواقف بينه وبين فقال: كان بيني وبين المخرج جلال الشرقاوي مناوشات دائمة، أذكر أننا التقينا فى بيت الكاتب الكبير صالح مرسى واشتبكنا بشدة، ثم التقينا بعدها فى عرض “الملك هو الملك“ وصعد على خشبة المسرح أثناء التحية واحتضننى بمنتهى الود وأصبحنا بعد ذلك أصدقاء للغاية، وكنت أزوره كثيرا في مسرحه، وتعاملنا تعاملا طويل المدى ترك لدى آثر عميق، وحين تقدم ابنى يوسف للمعهد العالي للفنون المسرحية هاتفنى وأبلغني بنجاحه، ليس لأنه ابن مراد منير ولكن لأنه ذو موهبة عالية، لقد كانت بيننا مشاعر أخوه صادقة و كان رجل مسرح حقيقي.
 
صاحب علم كبير 
وقال المخرج حسام الدين صلاح: دائما ما كان يؤكد لنا ان صاحب العلم الكبير لابد أن يكون صاحب مشاعر وقيمة كبيرة “العدل والحق “. فهو ليس مجرد مخرج أو أستاذ، فقد تعلمنا منه صفات إنسانية مهمة للفنان، وأتذكر حينما كنت بالفرقة الأولى بالمعهد العالي للفنون المسرحية وكان يتزامن ذلك مع إقامة مهرجان المسرح العالمي وتقدمت بعرض “المومس الفاضلة “ من بطولة فادية عبد الغنى، كمال أبو ريه، محمد محمود، حامد عز الدين، وكانت لوائح المهرجان تمنع مشاركة طلاب الفرقة الأولى على اعتبار انهم لازالوا يتعلمون، وحدثت مناقشة بيني وبين الدكتور جلال الشرقاوي، كنت أرى أحقيتي فى المشاركة فقرر هو تقييم الأمر، بعمل لجنة مشاهدة خاصة تقيم العمل على أن يشارك فى حالة إذا ما كانت جودته الفنية عالية تناسب المهرجان، وبالفعل شاهد العرض وأشاد به كثيرا ودعى الأستاذ رشاد رشدي لمشاهدة العرض وكان رئيس الأكاديمية آنذاك، وأشاد رشدي بالتجربة. 
وتابع: الموقف الثاني عندما رسبت فى مادة “الإلقاء” وكانت النتيجة معتمدة وطالبت بإعادة تصحيح ورق الامتحان واشترط أنه إذا كان تصحيح أوراق الامتحان صحيحا فسوف يقوم بفصلي وخيرني مابين إعادة تصحيح الامتحان أو أن أعيد العام الدراسي مرة أخرى، ولكنى تمسكت بإعادة التصحيح وبالفعل تمت إعادة التصحيح وحصلت على تقدير جيد وأصدر الدكتور جلال الشرقاوي قراره باعتماد النتيجة، وكانت هذه هي المرة الأولى، وأضاف: عملت معه كمساعد منذ أن كنت طالبا وكنت لفرقة مسرح الفن و مساعد مخرج في عرض “انقلاب “ وهي تجربة غير مسبوقة، 
وأذكر انه باع أحد ممتلكاته ليقدم تقنية جديدة بالعرض. فقد كان عاشقا للمسرح، كما أخرج 5 أفلام سينمائية، وهو صاحب رؤية بصرية متميزة في المسرح ورائد من رواد الكباريه السياسي، وأغلب عروضه تمس قضايا شائكة فى المجتمع، وكان دائما يحرص على حضور مسرحياتي و يشيد بها . 
الأخ والموجه والمعلم 
النجم أحمد بدير قال “ جلال الشرقاوي قيمة وقامة و أستاذ في الإخراج، قدمت معه 3 عروض مسرحية وهي “ على الرصيف “، “دستور يا سيادنا “، “وانا متفائل تصور “ وكانت من أعظم فترات حياتي الفنية، فقد تعلمت منه الكثير ودرست المسرح على يده وكنت أرى إبداعاته المسرحية، فهو نعم الأخ والموجه والمعلم. 
النجمة حنان شوقي قالت:” درس لي حينما كنت طالبة بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وكان من حسن حظي أن شاركت معه بعرض “دستور يا سيدنا “ مع أحمد بدير، وكان أهم ما يميزه هو انضباطه الشديد، وله روح مختلفة فى الإخراج، يقدم موضوعات جريئة. و كان المميز فى عرض “دستور يا سيادنا “ انه عرض يصلح لكل زمان ومكان، فموضوعه يسلط الضوء على قضايا هامة وأتذكر أنه في الليلة الأولى من العرض أشاد بأدائي وقال إنى أشبه الفنانة القديرة سهير البابلي وقد اسعدنى هذا الوصف كثيرا . 

حرب مع مؤسسات الدولة 
فيما كشف الناقد المسرحى أحمد خميس الحكيم عن عدة مواقف جمعت بينه وبين الشرقاوي فقال: بعد ثورة يناير حينما قدم عرضه الشهير “شغل أراجوزات” وهو عرض طويل يحذر من سرقة الثورة ويحث على استثمار نهضة الشعب، وكنت قد كتبت عن العرض و من حسن حظي انه كان قد اطلع على المقال وأثنى عليه كثيرا كما عرفت من الزملاء القريبين منه. 
الموقف الثاني أننا تجادلنا فى لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة حول ضرورة إعادة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي وكان متحمسا لإلغاء الفكرة واستبدالها فى حالة الضرورة، و احتدم النقاش حينما ذكر صراحة وجود مشاهد مخلة بالعروض التي أتى بها المهرجان فانفعلت وطلبت منه ان يذكر أسماء العروض ولكنه وللحق بعد تحققه من إصرار مجموعة كبيرة من لجنة المسرح رضخ للأمر وأصر أن يشارك بنفسه في لجنة اختيار العروض الأجنبية فكانت الموافقة بيننا بالإجماع على اقتراحه. أضاف: 
“فى معهد المسرح وأثناء عروض الدراسات العليا كان حاضرا وبقوة في لجان تقييم المخرجين والإشراف على مشاريعهم، 
وفى مسرحه خاض حربا كبيرة مع مؤسسات الدولة المختلفة كي يبقى مسرحه ليقدم ما يراه نافعا للناس وأظن أن تلك الحرب كان سببها الرئيسي تقديمه القوى “للكباريه السياسي” إبان تولى الرئيس مبارك حكم مصر، فقد كان ذلك المسرح مركزا مهما لصرخة الشارع ضد النظام, ومن تلك العروض مسرحية “المليم بأربعة” التي كتبها المؤلف الكبير محمد أبو العلا السلامونى، 
و فى مجال العرض الغنائي الاستعراضي كان حاضرا بقوة من خلال عروض مؤثرة أذكر منها بالطبع عرض “انقلاب” الذي كان بمثابة حدث مسرحي كبير احتفى به المجتمع المسرحى المصري لما له من أهمية وقوة تقديم للون الدرامي شبه الغائب .

مرحلة شديدة الأهمية و الاختلاف 
فيما وصف الناقد د. محمود سعيد مسرح الشرقاوى فقال “جلال الشرقاوي هو جلال المسرح وهيبته حيث يمثل مرحله شديدة الأهمية والاختلاف في المسرح المصري، فهو يمتلك رؤية ومذاق مميزين واتجاه مغاير تماما.. أضاف: 
ليس عيبا في المسرح ان يكون تجاريا، لعب جلال الشرقاوي علي هذه الفرضية منذ البدايات، وقد راهن علي نص قوي وفريق من النجوم لتحقيق عرض جماهيري، يضمن المكسب، إذ لابد من وجود الجماهير ليتحقق للمسرح بعضا من نجاحاته وطموحاته الطبيعية. 
أضاف:من ذلك مدرسه المشاغبين..هذا العرض الذي حقق العلامة الكاملة كما يقولون ومازال يحققها عند تكرار عرضه علي شاشات التلفزيون، ويقدم لنا جلال تجارب جليلة تدمج السياسي بالكوميدي بشكل عميق كما في مسرحيته المهمة “علي الرصيف” في مباراة تمثيلية مابين حسن عابدين وسهير البابلي وحسن حسني واحمد بدير. 
 ولأنه قدم لنا مصر بكل ما فيها من قسوة وجمال وأسرار علي رصيف الواقع خرج العرض بشكل مذهل ليبقي أحد علامات نجاح المسرح عندما يكون تجاريا، 
وعاد مره أخري لسهير البابلي ليقدم معها “عطية الإرهابية” وهو عرض مسرحي مميز، ولأنه جلال الذكي ..جلال المسرح وهيبته يعود ليقدم لنا “امسك حكومة” كعرض كباريه سياسي كوميدي ساخر شديد العمق والتميز، وأنتج أيضا قشطه وعسل، مقدما الرقص والغناء بعيدا عن المستهلك والمعتاد. تابع: دوما جلال الشرقاوي يقدم الدرس الواعي الصريح والرسالة المرنة مابين المسرح والتجارة في مشروعه الفني، مسرح الفن، وقد اخترق المسافة ما بين المشروع الفني والفن المشروع بكل ما فيه من مفردات وأسرار، كاشفا عن أن المسرح لابد له من مقومات نجاح وهو: المال والنص والنجوم و الجمهور الذي يدفع كي تستمر المسرحية. 

المسرح الاستعراضي 
المخرج وليد عوني قال عن بداياته مع الشرقاوى: في 1993 كانت بداياتي معه .أول عمل لي في المسرح كان تحت إرشاداته وهو معلم كبير في المسرح المصري و من قواد هذا المسرح في مصر، أول ما تعلمته كان من العرض الغنائي الراقص” الخديوي” على مسرح البالون، وهي تجربة لا أنساها وبداية مفهومي الجديد للمسرح الاستعراضي الراقص .

وداعاً حبيبي وأستاذي 
المخرج تامر كرم كتب على صفحته الشخصية المخرج المبدع جلال الشرقاوى: مع السلامة أستاذي وحبيبي أستاذ الأجيال الأستاذ الكبير جلال الشرقاوي، لا أنسي مواقفك معي، فقد كنت مخلصاً في عملك لأقصي درجة، تعلمت منك الكثير والكثير، أنعيك وأنا في قمة الحزن والألم ولكن الموت حق، وداعاً حبيبي وأستاذي الغالي جلال الشرقاوى سأفتقد كثيراً حديثي معك. 
فيما أعرب المخرج سامح بسيونى عن حزنه الشديد ونعى المخرج القدير جلال الشرقاوى بكلمات مؤثرة فقال: لن أنساك أستاذي صاحب الأفضال، 
لن انسي وانا أبلغ من العمر ثمانية عشر عاما وقوفك بجواري فنيا وإنسانيا .منذ أن كنت في العام الأول بالمعهد العالي للفنون المسرحية .لن انسي حديثك عن الإيقاع. وكوميديا العقل .لن انسي مسرح الفن الذي أسسته في القاهرة والإسكندرية .متأثرا بمسرح الفن في موسكو .. 
لن أنسى حديثك معي عن الكباريه السياسي .وان العمل مهما كان كوميديا يجب أن يهدف لأشياء مبنية علي فهم المجتمع وان يكون الضحك منفجرا من حزنك علي مجتمعك الذي كنت دائما تهتم به. أستاذي، تعلمت منك الكثير من الأشياء ومن العروض التي قدمتها “مدرسة المشاغبين “،”عطية الإرهابية “ عندما غاب عن المجتمع القدوة والرمز. كثير من الأعمال تأثرت بها وتعلمت منها فنيا وإنسانيا، وبرحيلك فقدت الحركة المسرحية المصرية أهم أعمدة المسرح المصري . 
بينما قال المخرج نور عفيفي “ كان رحمه الله أستاذا بمعنى الكلمة، يضرب لنا مثالا فى الالتزام ودقة المواعيد وأيضا في التفاصيل الفنية والتوجيه ولا يمل أبدا حتى 
يصل إلى أفضل ما يريده العمل، وكان دوما المعلم الفاضل والفنان الراقي والداعم والناصح، يتعامل معنا كأبنائه وليس كطلابه، وبرحيله فقدنا رمزا كبيرا وقيمة إنسانية .

أعظم مخرجي المسرح 
فيما قال المخرج والفنان محمد دسوقي: رحم الله المخرج العظيم جلال الشرقاوى، كان رحيله خبرا صادما، وهو الذي يعد واحدا من أعظم مخرجي المسرح المصري والعربي، بالإضافة إلى كونه واحدا من أعظم الأكاديميين الذين يدرسون فن التمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية، و بفقدانه فقد فقدنا كل الأساتذة العظام الذين تربينا وتعملنا على ايديهم ومنهم نبيل الالفى وسعد أردش وكرم مطاوع وهاني مطاوع وسناء شافع وعبد الرحيم الزرقانى وكمال ياسين وأنور رستم و زكريا سليمان، وكل هذا الجيل العظيم الذي تعلمنا على يده . هو الإنسان والفنان الذي كان يبدو عليه الصلابة وهو إنسان رقيق إلى أقصى درجة. المرة الأخيرة التي التقيت به عندما كنت مديرا لمسرح الطليعة واستدعيته كى يقرأ كلمة المسرح العالمي يوم 27 مارس 2015 وكان يوم افتتاح “هنا أنتيجون “ إخراج تامر كرم، ورحب وجاء لمسرح الطليعة وجلس معي وقرأ الكلمة أمام الجماهير.. 
لقد خسرنا قيمة فنية ومسرحية كبيرة كما خسرنا عرض “هولاكو” الذي كان يخرجه للمسرح القومي و لم يخرج للنور. المخرج جلال الشرقاوى نموذج فنى مسرحي فريد و استثنائى لا يتكرر، فهو محارب يدافع عن قضايا مهمة جدا وينتصر فيها، ولم يكن منتجا لفرقة مسرحية فقط “مسرح الفن “ ولكن كان يمتلك شركة إنتاج فني،و ينتج مسلسلات تلفزيونية وأفلاما سينمائية، و له تجارب في الإخراج السينمائي والتلفزيوني، وله منهج خاص وقناعات فى إعداد الممثل ومسرح التقمص والإيهام كما في مدرسة التمثيل في المسرح الروسي الشهير، وهو نفس المنهج المسيطر على فن التمثيل فى العالم بأسره.


رنا رأفت