في ظل قلة دور العرض وجائحة «كورونا» هل أصبح مسرح الفضاءات المفتوحة ضرورة ملحة؟

في ظل قلة دور العرض وجائحة «كورونا» هل أصبح مسرح الفضاءات المفتوحة ضرورة ملحة؟

العدد 715 صدر بتاريخ 10مايو2021

يرجع تاريخ مسرح الفضاءات المفتوحة إلى العصر اليوناني، وقد مر بالعديد من التطورات عبر التاريخ المسرحى وفقا لعدة متغيرات اجتماعية وثقافية وصولا إلى مسرح العلبة الإيطالية الذى ظهر فى القرن السادس عشر فى إيطاليا وأصبح سائدا لكل منصات التمثيل المسرحى وبات تقليدا شهيرا، وقد انتشرت بعد ثورة يناير عدة أشكال مغايرة للمسرح مسرح الشارع وعروض الفضاءات كالمقاهي والحدائق.  
وكانت هناك تجارب هامة لكبار المسرحيين فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي لتقديم المسرح فى أماكن مغايرة وغير تقليدية ومنها تجربة د. هناء عبد الفتاح فى قرية «دنشواى»، وتجربة الفنان القدير عبد العزيز مخيون فى قرية «أبو حمص «محافظة البحيرة، وتجربة المخرج أحمد إسماعيل فى شبرا بخوم، وقد غاب هذا النوع من المسرح وهو ما جعلنا نفتح باب التساؤلات حول أهمية الخروج للفضاءات المفتوحة والمغايرة للشكل التقليدي للمسرح، خاصة أننا نعانى جائحة كورونا، كذلك للتغلب على قلة دور العرض المسرحى.. ماذا تتطلب هذه النوعية من المسارح على مستوى الصورة والتمثيل والتكنيك الإخراجى 
قال الناقد د. محمود سعيد: «المسرح هو المجال ذو الحضور الحي المتمرد خاصة مسرح الفضاءات المفتوحة، الذي يدور خارج القاعات الجاهزة وخشبات المسارح المعروفة عبر مشاركه إيجابية وفعاله من الجمهور، وقد أثبتت التجربة انه من الممكن عمل عرض مسرحي بدون خطوط تعزل الجمهور عن فضاء التمثيل،
وبم أن العالم كله في حاله من العزلة الإجبارية بسبب كورونا فإن المسرح بمفرداته هو العنصر الأقوي في كسر هذه العزلة بل وإدخال المتلقي في قلب اللعبة، فهو شريك أساسي فيها حتي مكان العرض وكل ما يحيط به يتحول إلي مشارك. أضاف: «يتطلب من ممثل الفضاءات المفتوحة ان يمتلك قدرات خاصة من الحميمية والمرونة والاستعداد التام لأي مشاركه من الجمهور حتي لو كانت صيحات غضب أو ترحيب.
 ومع الرجوع إلي اصل كلمه مسرح وجدنا أنها تعني مكان المشاهدة، لذلك فالفضاء أساسي في اللعبة المسرحية ليتحول فضاء المسرح إلي فضاء يومي، ومن ثم يحدد الممثل مساحته الخاصة من خلال الكلمه والحركة والإشارة، فالفضاء المسرحي ليس جزءا من الفضاء اليومي بل هو مساحه محدودة وحلقه سحرية مفصولة عن المساحة اليومية، ومن هنا يأتي شعور الجمهور بكونه مشدودا إلي الفضاء المسرحي تاركا خلفه اليومي والمعتاد. إن فكره الفضاءات ما هي إلا لعبه من التمرد، تمرد علي الشكل المسرحي وتمرد علي الواقع الحياتي بدرجه حولت الممثلين الي جزء من  المشاهدين، والمشاهدين إلى جزء من الممثلين. 

مسرح الثقافة الجماهيرية له الريادة
ورأى الكاتب أشرف عتريس أن مسرح الثقافة الجماهيرية لديه السبق فى الخروج إلى الساحات والفضاءات فقال «بداية حينما نطالب بمسرح مختلف عن المسرح الايطالي (العلبة) فى ظل ظروف عارضة وشبح الجائحة لابد أن نعترف أننا نحاول الخروج الى الساحات والأماكن المفتوحة والفضاءات البراح، وكان مسرح الثقافة الجماهيرية له تلك الريادة، لكنها مثل كل الظواهر،  تندثر بفعل الكسل وعدم الاستمرار وهذا يعيب  المسرحيين عموما ثم الجمهور الذي تغافل عن حقه واستمتاعه بالتجارب النوعية التي نجحت بالفعل مثل مسرح الجرن، الميدان، الشارع، الساحة، ولم تأخذ حقها فى العرض، مما يلزم كتابة نصوص تليق وتختص بهذه الرؤية الفنية التى يتشارك فيها (المؤلف والمخرج) معا. أضاف: ولنا أن نستعيد تلك المحاولات، وهذا ليس عيبا لأن على المسرحيين التجريب فى كل وقت، وأنا مع أن هذا الرأي قابل للتنفيذ فورا، وهناك من يصلح لهذا النوع من المسرح فى الأقاليم والعاصمة أيضا. 

فلسفة وجماليات خاصة
فيما أشار المخرج سعيد سليمان إلى إمكانية تقديم جميع النصوص فى الفضاءات المفتوحة،  ولكن مع أن نضع فى الاعتبار أن مسرح الفضاءات والساحات له فسلفته وسينوغرافيا وجماليات خاصة، على سبيل المثال: مسرح الدمى فى فرنسا يقوم بعمل جولات فى الشوارع بدمى ضخمة ويتنقل معه الجمهور وهو يمثل فضاء من نوع مشارك. 
 أضاف «بالنسبة لي الفضاء الخالي أو المفتوح أو المبتكر، على سبيل المثال الأماكن الأثرية والساحات والميادين، هذا النوع من المسرح مطلوب لما يحويه من جماليات وابتكارات مختلفة،  ولأننا نعانى من نقص فى دور العرض المسرحى فهي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة ويتم إغلاقها بعض الأحيان بسبب الدفاع المدني،  والشيء الثالث: نظرا لما نعانيه من آثار جائحة كورونا. وكما سبق وأشرت جميع النصوص تصلح للتقديم فى الفضاءات المغايرة ولكن الأمر يقع فى النهاية على فلسفة العمل والتوجه، وهناك أمثلة واضحة فى المهرجان التجريبي والعروض البولندية التي قدمت فى ساحة الهناجر 
تابع «تختلف المفردات عند الانتقال إلى الفضاءات المغايرة، السينوغرافيا والتلقي والموسيقى، وأتذكر تجربة لاستخدام الفضاء بشكل مغاير لمخرج هندي قدم عرضه أمام بحيرة، وظل الممثلون يقدمون عرضهم حتى طلوع الفجر وشروق الشمس من خلف البحيرة التي هي  جزء من سينوغرافيا العرض. وضرب المخرج سعيد سليمان مثالا لتجربة «أوديب» التي قدمها فى حديقة الأزبكية وكان يختبر من خلال العرض ردود فعل الجمهور ونوع التلقي .

نصوص لا تصلح 
و ذكر الناقد د. محمد الشافعي إن مسرح الفضاءات المفتوحة يرجع تاريخه إلى العصر اليوناني موضحا أنه لا توجد أزمة فى تقديم العروض فى مسارح مفتوحة ولكن تكنيك العروض يختلف، فهناك أشكال متعددة للعروض المسرحية منها مسرح الغرفة ومسرح 100 كرسى وغيرها، وقد اختلف شكل العروض المسرحية مع مرور الوقت واختلاف النصوص. أضاف: ليس بالضرورة تقديم هذه النوعية من المسرح طوال الوقت، ولكن نظرا لما نمر به من جائحة كورونا وحتى يستمر المسرح وتظل عروضه قائمة يمكن أن نلجأ إلى فكرة المسارح المفتوحة وأعتقد أن هذا النوع من المسرح  لن يستمر طوال الوقت، حيث ليست جميع النصوص الجديدة تستوعبها الفضاءات المفتوحة، وأن الأمر يخضع لعدة أشياء أخرى منها تكنيك الممثل والسينوغرافيا ووجود المتفرجين. 
وضرب الشافعي مثلا بمهرجان أفينيون بفرنسا الذي يقام به العروض فى الشوارع والحدائق والمراكب والمقاهى ودور العروض، أضاف: وهناك دول تتجه إلى هذا النوع من المسارح كنوع من التجريب لأشكال مغايرة للعلبة الايطالية،مشيرا إلى عدم وجود تجربة ثابتة لمسرح الفضاءات على الرغم من وجود فعاليات تختص بهذه النوعية منها مهرجان مسرح الشارع الذي لم يستمر وكذلك تجربة «الفن ميدان» التي لم تستمر لأسباب أمنية، وهناك عروض قدمت لهذه النوعية من المسارح منها تجربة المخرج هاني عفيفي فى عرض «عن العشاق « الذي قدم فى مكان أثرى يتناسب مع الفكرة وكذلك تجارب المخرج الكبير عبد الرحمن الشافعي فى وكالة الغوري وعروض مسرح السامر. وختم قائلا: ولكن ليس لدينا تجارب تقدم طوال الوقت لهذه النوعية من المسارح. 

ضرورة مهمة 
بينما أوضح المخرج ناصر عبد المنعم أن الخروج من الفضاءات غير التقليدية ضرورة هامة للمسرح، و أن الأمر يرجع أهميته لما قبل ظروف جائحة كورونا، حيث كانت هناك أهمية كبيرة للخروج للأماكن غير التقليدية، الأمر الذي يعد أحد هموم المسرح العربي. أضاف عبد المنعم:  هناك تجارب لأكثر من دولة عربية فى هذا الاتجاه مميزة، على سبيل المثال عرض «ترنيمة الكرسي الهزاز « للمخرج الراحل عونى كرومي، الذي قدم فى بيت بغداد القديم بالإضافة إلى عروض المغرب العربي التي تخرج للساحات كشكل من أشكال الاحتفاليات. 
وأوضح أن: «مسرح العلبة الايطالية نتاج تطور للمسرح فى الغرب،  وأن أشكال تطور المسرح عند اليونان من القرن الخامس الميلادي تنتهي عند مسرح العلبة الايطالية الذي أصبح معتمدا فى العالم أجمع. مشيرا إلى أنه كانت هناك دعوات كثيرة لمحاولة التفكير فى بدائل منها دعوة الأديب الكبير توفيق الحكيم فى كتابه «قالبنا المسرحى» الذي طرح من خلاله أفكارا للخروج من التبعية لشكل وأماكن العرض القديمة، وكذلك الكاتب يوسف إدريس فى كتابه «نحو مسرح عربي» فالفكرة قديمة وتعد ضرورة، فالمسرح لدينا لا يقتصر على العلاقة التي ينتجها المسرح الايطالي ولكنه يتطلب البحث عن فضاءات جديدة، وبالتالى علاقات جديدة مع المتلقي، إذن فالأمر له أهمية كبيرة علاوة على ما نمر به من جائحة الكورونا،  حيث يرتفع الاحتياج للخروج للفضاءات غير التقليدية كأحد الحلول لاستمرار المسرح خارج الأبنية المغلقة. تابع عبد المنعم:  فى الأصل هو مطلب جمالي وفكري وثقافي للبحث عن علاقات مختلفة عن العلاقات التى تفرض علينا من المسرح الغربي.. ودلل عبد المنعم على ذلك بثلاثة تجارب رآها مهمة للفضاءات المفتوحة والمغايرة التى حققت الفكرة بشكل تفاعلي مع الجمهور فى القرى والنجوع: التجربة الأولى للدكتور هناء عبد الفتاح عام 1969 فى دنشواي، والتجربة الثانية للفنان عبد العزيز مخيون فى قرية «أبو حمص« فى البحيرة فى سبعينيات القرن الماضي وقد قدم مسرحية «الصفقة « لتوفيق الحكيم وأعاد الفلاحين كتابتها وقدمت فى أماكن مفتوحة،  والتجربة الثالثة للمخرج احمد إسماعيل فى شبرا بخوم بالمنوفية،  وكان أهالي القرى هم الأبطال فى هذه التجارب وهناك العديد من التجارب المتميزة فى هذا النوع من المسرح.  
وأوضح ناصر عبد المنعم «أن التقنيات المسرحية فى الفضاءات المغايرة تختلف، فإذا كان المخرج يقدم تجربته فى الشارع والأماكن المفتوحة فمن الممكن أن يصبح الجمهور «سيارا» أى يقف قليلا ثم يذهب، وليس مثل المتفرج الذي يذهب للمسرح بشكله التقليدي ليشاهد مسرحية كاملة، كما في  تجربة مسرح الشارع فى أوروبا وأمريكا للاتينيه التي هي  أقرب إلى اللوحات القصيرة، كل لوحه تحمل معنى معين كما يختلف البناء والتصاعد الدرامي لتصبح مشاهده لاذعة كاشفه تشكل رغم صغرها حدثا مفيدا لدى المتلقي .

مساحات للفن والخير والتقدم 
المخرج أحمد صالح أكد على أهمية هذا النوع من المسرح نظرا لما نعانيه من قلة المباني المسرحية، موضحا أن الأقاليم تعانى من هذا النقص بشكل أكبر مقارنه بالعاصمة، وهو ما يزيد الاحتياج بصورة كبيرة لفضاءات مغايرة وغير تقليدية،وكشف صالح عن أحد أهم المشاريع التى قدمها فى هذا الاتجاه وهو مشروع «صوب « وهو اختصار لعنوان «مساحات للفن والخير والتقدم»، الذي كان يهدف إلى خلق مساحات بديلة لممارسة الفنون فى الفضاء العام: قهوة، مدرسة، بيت.  وقد تم تطبيق هذا المشروع فى منطقة كرموز بعد إقامة دراسة دقيقة على المنطقة. 
أضاف: «الفضاء العام يواجه بعض المشكلات الأمنية من غلق واستقطاب حاد، رغم أننا كمسرحيين عقب ثورة يناير قدمنا عروض مسرح شارع كانت تهدئ من الوضع العام للشارع، ولكن تم إيقاف تقديم العروض المسرحية والفنون الأدائية فى الشارع عام 2017 .. تابع: إن فكرة تطبيق التباعد الاجتماعي فى مسرح الشارع غير واردة، ولكن من الممكن تطبيق التباعد فى المساحات الخاصة، بأن يتم التحكم فى عدد الجمهور الذي يمثل جزءا من سينوغرافيا العرض،  وإقامة تباعد سليم دون الشعور بالإقصاء مثلما يحدث فى  المسارح المغلقة .

اتجاه عالمي وعدالة ثقافية 
وتحدث المخرج مصطفى وافى مدير مدرسة ناس لمسرح الشارع عن عدة نقاط تخص مسرح الفضاءات المفتوحة فقال: «مسرح الشارع والفضاءات المفتوحة يعد اتجاها عالميا بدأ فى القرن التاسع عشر، وهو ليس ظاهرة جديدة. وتوجد  هذه الظاهرة فى تراثنا المصري: فى الموالد مع الحكائين، والحاوي وغيرها من فنون الأداء فى الشارع، ولكن الاتجاه للحداثة ساهم فى اندثار هذه الأشكال،  مع ظهور التلفزيون والسينما، بالإضافة إلى الإجراءات الامنيه التي تمنع ممارسة الفنون فى الشوارع. أضاف: إن ممارسة الفنون تعد مطلبا اجتماعيا وبالأخص للمواطنين الذين لا يرتادون المسرح أو الأماكن الرسمية التي تقدم الفنون، ولا يعرفون الخريطة الثقافية، ومن الضروري أن يذهب الفنانون للمجتمع لتحقيق الديمقراطية الثقافية والوعي،  وهو بدوره ما يجعل الفنانين يعون لغة مجتمعهم الذين يعيشون فيه. 
تابع: « عند الذهاب لفئات وشرائح مختلفة يجب أن يجد الفنان لغة مشتركة وهو بدوره ما يطور من أدوات الفنان ويجعله يبحث عن أدوات جديدة ويبحث فى عناصر الثقافة الشعبية حتى يستطيع التواصل مع الجمهور، فالفنون تطورت فى أوروبا لأنها خرجت من القصر والمسارح المغلقة إلى الشارع.

الوعي الشعبي 
ورأى المخرج إسلام سعيد أهمية هذا المسرح فى كل توقيت لأنه مسرح يعمل على الوعي الشعبي، وفى ظل جائحة كورونا يزداد الاحتياج له، خاصة وأن المسارح المغلقة لن تستطيع استيعاب كل الجماهير، بالتالي من الممكن تقديم العروض المسرحية وسط الميدان والشوارع بإجراءات احترازية والالتزام بالتباعد الاجتماعي. 
تابع: «تعد الكتابة فى فنون الفضاءات المفتوحة ومسارح المهمشين ومسارح العربة والشارع والمقهى والقطار كتابة مختلفة ومن الصعب الكتابة لهذا النوع  بالشكل الأرسطي المعروف: بداية ووسط ونهاية. وأشار إلى أنه قدم نصا كتب من واقع الشارع المصري ولكن القائمين على العمل رفضوا هذا النص، مؤكدا أنها سياسة غير صحيحة وغير منطقية، وأن هذا النوع من الكتابات فى العالم يمر بلجان تقييم وتعديل، وذلك لإيمانهم بالأفكار المطروحة. 


رنا رأفت