النوايا الطيبة لا تصنع فرجة في «النهر يغير مجراه»

النوايا الطيبة لا تصنع فرجة في «النهر يغير مجراه»

العدد 748 صدر بتاريخ 27ديسمبر2021

نتفق أو نختلف حول درامية، أو جودة الفكرة التي يطرحها نص “ النهر يغير مجراه” للكاتب أحمد الأبلج، ( رحمه الله ) ولكنا – فيما أتصور – لن نختلف حول أن ما قدم بالأمس، الأحد ، الموافق 3 أكتوبر 2021م ، حوالي العاشرة والنصف مساء، تقريبا، على مسرح قصر ثقافة بورسعيد، ضمن عروض مهرجان الجمعيات الثقافية – مسرح الهواة – في دورته الثامنة عشرة، توقف عند كونه نصا لأحمد الأبلج، وضعه على خشبة المسرح المخرج خالد ربيع، ثم أنزله عنها دون أن يقدم فرجة مسرحية ، يمكننا أن نتحدث عنها ونناقشها. 
 ربما حاول مخرج العرض خالد ربيع أن يقدم تشكيلا رمزيا للفضاء باستخدام مجموعة من الحبال المتناثرة هنا وهناك، ولكنه – للأسف – لم ينجح في صناعة ما يمكن أن نطلق عليه تشكيلا لفضاء خشبة المسرح ، وظلت الخشبة على حالها، تتلقى كلمات المؤلف من أفواه المؤديين، منزوعة الصورة، ليس فقط على مستوى تشكيل فضاء خشبة المسرح، عبر لغاتها نفسها، إنما على مستوى الأداء الصوتي للمؤديين أيضا، الذي لم يستطع أن يخرج باللغة من كونها مجرد أصوات، إلى كونها أداة إعلامية من أهم وظائفها، في المسرح خاصة، تشكيل صورة للشخصيات التي تتكلم بها، ثم للعالم الذي تشير إليه وتسعى إلى تجسيده، وكذلك للمعاني التي تريد لها أن تبقى محفورة في ذاكرة المشاهد، ليس بوصفها معان مجردة، إنما بوصفها صورة يراها ويستطيع أن يسكنها بخياله. 
(العرض) يقدم فكرة نبيلة عن نهر- لو تتبعنا استعارة المؤلف، في عنوانه- تتشكل مياهه من علاقات سلطوية، يمارسها بعض الناس على البعض الآخر، يقلبون خلالها الحقائق إلى أكاذيب والأكاذيب إلى حقائق، ويفرضونها على الأبرياء الذين يتحولون عبر هذه العلاقات الظالمة إلى متهمين، وقد سعى المؤلف إلى تغيير مجرى هذا النهر، أو تطهيره من زاوية أخرى، عبر لعبة تمثيلية، تعتمد على المفارقة، استطاع بها أن يحطم تلك العلاقات الظالمة، وأن يؤاخي بين الظالم والمظلوم، ويوحدهما تحت ظل العدالة، وينصرهما معا على طرف ثالث هو من كان يفسد العلاقة بينهما بادعاء الحديث باسم السيد، ومستغلا ما يخوله له موقعه المزعوم - كوسيط - من تسلط ، هو الذي تسبب في النهاية في وجود الظالم والمظلوم. 
يقول العرض كذلك، في النهاية، إنه لا سيد هناك تصنع المظالم باسمه وتنفيذا لأوامره، ومن ثم تصبح السيطرة على الوسيط المزعوم وتقييده نهاية محنة الظلم، وتغييرا لمجرى النهر في اتجاه العدالة. فكرة أظنها رومانسية للغاية، انتصر لها المؤلف، و حسمها بنفسه، بعيدا عن أي واقع تاريخي أو اجتماعي، وبعيدا أيضا عن أي جدل درامي يحتم انتصارها. 
أرى أن من الواجب أن نشكر مجموعة المؤديين : ( أحمد رمضان/ المتهم) و (عبد العزيز حسن/ الضابط) ، و(محمود علي/ الحارس / الوسيط) و( سهيلة طارق/ زوجة الضابط) و ( شمس محمد/ زوجة المتهم) لما بذلوه من جهد في تقديم نص باللغة العربية الفصحى التي لا يجيدونها، وهي مسئولية المخرج، كذلك يمكن أن نشكرهم على جرأتهم في مواجهة الجمهور، قبل أن يستكملوا أدواتهم التمثيلية، على مستوى الإحساس بالكلمة ومن ثم القدرة على تشكيلها دراميا أولا ، ثم على مستوى حركة الجسد وقدرته على صناعة العلامات، وتشكيل المعاني والأفكار ثانيا، وتلك ايضا مسئولية يتحملها معهم و قبلهم مخرج العرض، الذي حبسهم في فضاء واسع، وتركهم دون أي دعم من أدوات أخرى من شأنها تخفيف العبء عنهم. 
يمكن القول إن المخرج قام بعملية ( تأذيع) للنص الأدبي لأحمد الأبلج، أي أنه صنع منه نصا إذاعيا، يمكن للمشاهد أن يتابعه بأذنه، دون حاجة للنظر إلى خشبة المسرح، ومع ذلك، أعتقد أيضا أن المستمع، لم يكن سيخرج من المسرح محتفظا بنص المؤلف كما كان، بعد كمية الأخطاء اللغوية المزعجة التي أبت إلا أن تشارك المؤلف نصه، وتكاد تكون قدمت نصا موازيا، يمكننا أن نشتم منه رائحة وفكرة نص المؤلف فقط ، وليس جمالياته. 
بالتأكيد يمكن أن تكون الحبال أداة تشكيلية ناجحة في فضاء خشبة مسرح، بل ومبهرة أيضا، وقد رأينا فضاءات مسرحية كثيرة يتم تشكيلها بحبال، بل وبدون أشياء مادية على الإطلاق، باستخدام جسد الممثل مثلا، أو بعض جسده حتى، أو باستخدام الضوء. كثيرة هي العناصر التي يمكن للمخرج استخدامها في تشكيل فضاء خشبته، ولكن ذلك لا يحدث بالطبع إلا إذا امتلك المخرج الخيال أولا.
فريق (العرض) يضم عددا من المواهب الشابة المبشرة، التي تستحق التشجيع على المواصلة ، وتشجيعهم كذلك على اكتساب المهارات عبر التدريب والتدريب المستمر. 
العرض قدمته فرقة الشمس التابعة للجمعية المصرية للتوعية الفنية والثقافية .


محمود الحلواني