جولة فى مسارح العالم

جولة فى مسارح العالم

العدد 744 صدر بتاريخ 29نوفمبر2021

 الرجل الذي أعاد تشكيل المسرح الغنائى الأمريكي في النصف الثاني من القرن العشرين. كان هذا هو الوصف الذي أطلقته الصحافة الأمريكية على الموسيقار ومؤلف الأغاني “ستيفن سوندهايم” وهى تنعيه إلي قرائها حيث رحل عن 91 عاما بعد حياة فنية حافلة.
وتقول الصحف انه حقق الإنجاز بفضل أغانيه الذكية والمركبة ذات القوافى والأوزان الساحرة والجذابة وألحانه المثيرة للذكريات والمشاعر ورغبته في معالجة الموضوعات غير المألوفة .
وقد ترك سوندهايم بصمته على أعمال أجيال عديدة من مؤلفى الأغاني المسرحية من خلال مسرحياته الموسيقية ومن اشهرها الصحبة والحمقى وسوينى. هذا فضلا عن أغانيه الراقصة المعبرة مثل أغنية “ارسل المهرجين” اشهر أغانيه التى غناها عدد من أشهر المطربين الأمريكيين مثل المطرب الأمريكي الإيطالي الأصل فرانك سيناترا (1915-1998) وجودى كولينز (1938 -) التى قالت في تأبينه ...سوف يظل الجميع يرددون أغانيك إلي الأبد أيها الفنان العظيم الذي رفض تكرار نفسه. أننا سعداء الحظ أن نجد لدينا ما قدمته إلي العالم.

بيت بناه سوندهايم
وكتب الناقد الفنى لصحيفة فيلادلفيا إنكوايرر مقالا بعنوان «عملاق في السماء «قال فيه» فقدنا واحدا من الكتاب الذين تميزوا بالأصالة. وأقول لكل من يعشقون المسرح الأمريكي الغنائى المعاصر ..نحن جميعا نعيش في بيت بناه سوندهايم».
وظهر ذلك في العدد الكبير من الجوائز التى حصلت عليها مسرحياته كأفضل مسرحيات غنائية. فازت مسرحياته بست من جوائز تونى عروس الجوائز المسرحية في الولايات المتحدة كأفضل مسرحيات غنائية . وفازت خمس منها بجائزة لورنس أوليفييه عروس الجوائز المسرحية على الجانب الأخر من الأطلنطى في بريطانيا. هذا فضلا عن مسرحياته التى فازت بجوائز أخرى مرموقة مثل بوليتزر وجرامى. وتوجت عام 2008 بجائزة تونى لمجمل إنجازاته. وكانت بعض الأفلام المأخوذة عن مسرحياته تحصل على جوائز بسبب أغانيه المتميزة. هذا رغم أن معظم أغانيه كانت تتسم بالغموض وصعوبة الفهم مما يعرضه للانتقاد . وكان يرد ببساطة أن الأمر بحاجة إلي شئ من أعمال الفكر وهو لا يحب أن يقدم الفكرة جاهزة وإلا أضعف ذلك أعماله. وكان فرانك سيناترا نفسه أول من انتقدوه لذلك ثم صار عاشقا لأغانيه بعدها. وأطلقت عليه الجارديان البريطانية شكسبير المسرح الغنائى.
أما بالنسبة للمشاهدين فقد تميزت مسرحياته بالأناقة والأفكار الجذابة والتلاعب اللطيف بالألفاظ والتراكيب المبتكرة التى يصعب نقلها إلي لغة أخري وأخيرا براعته في المسرحيات الغنائية الكوميدية. وكان يقول عن نفسه “أسعى للمزيد من الوضوح عن طريق مزيد من الغموض” بشكل زاد من شعبيته بينهم. ووصل به الأمر إلي أن يكون الشخصية المسرحية الوحيدة التى يسمى مسرح في برودواى باسمها وهى لا تزال على قيد الحياة.

الفضل لأصحابه
ولم يدع إطلاقا أنه صاحب موهبة طبيعية فطرية بل اعترف بالفضل لأصحابه مثل مؤلف الأغاني والمنتج المسرحى الألمانى الأصل أوسكار هامرشتاين (1895 – 1960) الذي وجه له نصائح شخصية عندما كان زميلا لابنه جيمس في المدرسة. كما أرجع إنجاراته إلي حياته الصعبة التى عاشها في طفولته بعد طلاق والديه وهو في العاشرة. وكانت أمه تكرهه وتقول له أنها تتمنى لو أنها لم تنجبه رغم أنه كان ينفق عليها حتى وفاتها.
ويقول أن سر نجاحه في كتابة أغنيات مسرحياته أنه يتعامل مع الأغنية كما لو كانت قصة قصيرة يريد أن يرويها للجمهور. وهذه الفكرة كان يلتزم بها منذ أعماله الأولى منذ مثل “قصة الحى الغربى”(1957) والغجر (1959) والنسخة الغنائية من روميو وجوليت . كما انه لم يكن يتمسك بضرورة تلحين كل أغنياته ومسرحياته بنفسه وكان يعهد بتلحينها لمن يراه اقدر منه واكثر قدرة على التعبير عن أفكاره مثل ليونارد بريشتاين وجول شتاين. وظل الأمر كذلك حتى عام 1962 عندما وصل إلي مرحلة النضج الفنى فبدأ يلحن مسرحياته واغنياته كلها بنفسه لكنه لم يخرج ايا منها . وكانت أول مسرحية يتولاها بالكامل “كل شخص يمكنه إطلاق الصفارة”. وكان أول عرض له في برودواى هو “الصحبة” عام 1970. وفاز عنه بجائزة تونى.
وكان يعشق الفن اليابانى فألف مجموعة من المسرحيات متأثرا بفن الكابوكى اليابانى. وانشأ فرقة مسرحية خاصة به لتقديم بعض مسرحياته. وقبل 11 يوما فقط من وفاته شاهد احد عروضها على المسرح. وكان المسرح مزدحما إلي حد انه لم يجد لنفسه مقعدا فجلس وسط العازفين.
ولم يكن المسرح مجال إبداعه الوحيد .بل كان يكتب أغاني الأفلام واحيانا كان يشارك في كتابة السيناريو خاصة إذا كان الفيلم مأخوذا عن إحدى مسرحياته.

جوزيفين بيكر
قبلة فرنسية ..تنقذ المسرحية البريطانية
 نسيها الجميع ولابد من تذكيرهم
جاء الجدل الذي يدور في فرنسا حاليا حول المطربة السوداء الأمريكية المولد الفرنسية الجنسية جوزيفين بيكر (1906 -1979)بمثابة قبلة حياة فرنسية لمسرحية “جوزيفين” البريطانية التى تطوف بريطانيا حاليا. كانت المسرحية تشهد إقبالا متوسطا أو دون المتوسط. وجاء هذا الجدل ليقبل البريطانيون على عروضها حتى امتلأت صالات العرض عن أخرها في كل مدينة تعرض بها المسرحية. هذا فضلا عن إعداد أخري لم تجد لها مقاعد ومد العرض لعدة أيام في بعض المدن.
ومصدر الجدل هو قرار الحكومة الفرنسية بتكريم بيكر بعد 43 سنة من وفاتها بإعادة دفن رفاتها في مقابر البانثيون المخصصة للعظماء وهو ما تم بالفعل في احتفال حضره الرئيس الفرنسى ماكرون الذي يسعى إلي كسب تأييد السود قبل انتخابات الرئاسة القادمة. تم ذلك بناء على طلب من أسرتها باعتبار أن فرنسا بلد يرفض العنصرية وأن بيكر غادرت مسقط راسها في الولايات المتحدة وهاجرت إلي فرنسا في سن مبكرة هربا من العنصرية وعاشت فيها وتجنست بجنسيتها وانخرطت في صفوف الجيش الفرنسى في الحرب العالمية الثانية وقامت بمهام تجسسية. وقادت حركة للمطالبة بحقوق السود هذا بالإضافة إلي فنها الذي جذب الفرنسيين على اختلاف انتماءاتهم وعرقياتهم وظلت كذلك حتى الأسابيع الأخيرة من حياتها عندما أقعدها نزيف المخ الذي أودى بحياتها.
جدل
أيد البعض هذا المنطق واعتبر ذلك وسيلة لتهدئة الغضب المنتشر لدى بعض العرقيات من التمييز الذي تتعرض –أو تعتقد أنها تتعرض -له . على الجانب الأخر كان هناك بعض المتعصبين من البيض الذين جاهروا باعتراضهم على بشرتها السوداء. وحاول بعضهم إخفاء تعصبه بزعم أن ما قدمته لا يبرر دفنها في هذه المقابر وجعلها ترقد إلي جوار شخصيات فرنسية نسائية عملاقة خاصة أنها بدأت حياتها راقصة في كباريه.
وتعد بيكر سادس شخصية نسائية تودع رفاتها في هذه المقابر بعد خمس الشخصيات منها مارى كورى التى أودعت رفاتها المقبرة بعد 61 عاما من وفاتها وكانت بولندية المولد.
ونعود إلي المسرحية –وهى مسرحية موسيقية - فقد بدا عرضها في سبتمبر الماضى وتتعاون في تقديمها ثلاث فرق وهى من تأليف الثنائى ليونا الين وجيسى بريتون. وتجسد شخصية بيكر في المسرحية الممثلة البريطانية ايبونى فير وهى ممثلة مسرحية بريطانية سوداء نشطة تعمل بالمسرح منذ 2008. وتتكون المسرحية من 26 مشهدا ما يزيد من تكاليفها ويجعلها ترحب بزيادة عدد المشاهدين.
وتدور أحداث المسرحية في مقهى في نيويورك تم افتتاحه لتخليد ذكرى بيكر بعد أن نسيها الجميع ثم يعود إلي الخلف ويستعرض عددا من جوانب حياتها كفنانة وممثلة وناشطة وأم وغيرها. ولا تتعرض المسرحية لحياتها الجنسية كى لا تسيئ إليها ولأنها تشجع الأطفال على حضورها وتمنحهم تذاكر مخفضة.

مسرحيات أخري
ولا تعد تلك أول مسرحية تتناول شخصية جوزيفين بيكر أو فريدا جوزيفين ماكدونالد كما يقول اسمها الأصلي بل هى التاسعة بين المسرحيات التى دارت حولها وانتجتها فرق كبيرة وكانت كلها مسرحيات غنائية . هذا بالإضافة إلي عدد غير معروف أنتجته .
كانت أولي المسرحيات عام 1986 باسم «جوزيفين» أيضا وكانت مأخوذة عن كتاب صدر عنها وجسدت شخصيتها هيلين جيلزر . وفى 2006 جسدت «نيكول روشيل شخصيتها في مسرحية «البحث عن جوزيفين» التى قدمت بالفرنسية وركزت على حياتها الفنية.
وفى 2006 جسدت شخصيتها الأمريكية دبورا كوكس على مسرح أسولو في فلوريدا . وفى 2012 جسدت شخصيتها شيريل هوارد في مسرحية «جوزيفين بيكر المثيرة « التى كتبتها بنفسها على مسرح بيكيت في نيويورك. وبالقرب من هذا المسرح كانت فرقة أخري تقدم مسرحية أخري عن جوزيفين ولكن بالفرنسية باسم «عند جوزيفين». وفى 2013 جسدت شخصيتها الممثلة البريطانية «كوش جامبو « على مسرح بوش في لندن ثم عرضت المسرحية بعدها في نيويورك على مسرح بابليك في برودواى.
وفى 2016 جسدت «تيميشا هاريس «شخصيتها في مسرحية جوزيفين التى عرضت في مهرجان سان ديجو المسرحى في كاليفورنيا. وعرضت المسرحية بعدها في مدن عديدة في أمريكا وكندا والمكسيك. لكنها لم تعرض في برودواى.
وفى 2017 عرضت مسرحية «الليلة الأخيرة لجوزيفين بيكر «على احد مسارح هيوستن في تكساس. وفى هذه المسرحية جسدت شخصيتها ممثلتان هما ايريكا يانج التى جسدت شخصيتها في شبابها وجاسمين رولاند التى جسدتها في شيخوختها.
وفى نفس المدينة في 2019 جسدت ديكينا مور شخصة بيكر في مسرحية «جوزيفين الليلة «التى استعرضت حياتها.


ترجمة هشام عبد الرءوف