مسارات الشباب المسرحي اللبناني ومساقات التواصل أم الانقطاع بين الأجيال

مسارات الشباب المسرحي اللبناني ومساقات التواصل أم الانقطاع بين الأجيال

العدد 607 صدر بتاريخ 15أبريل2019

انطلاقا من أهمية هذه الإشكالية المعنونة بالمجايلة، التي تعتمد على ضرورة دراستها عند كل محطة من محطات الممارسة المسرحية في العالم العربي، وذلك بهدف الكشف عن هذه الممارسة، وعما آلت إليه من تغيرات تسهم في تطوير المسرح، ارتأيت أن أقوم بدراسة تحليلية لأعمال مسرحية قدمت على الخشبة المسرحية اللبنانية.
كما ارتأيت بعد الاطلاع على مختلف دلالات مفهوم الجيل، واشتقاقات الكلمة لغويا، أن أعتمد في ورقتي التي تتعلق بالعلاقة مع الأجيال في المسرح، مفهوم التجييل وهو في الأدبيات الغربية يشير إلى الاعتقاد بأن جيلا معينا له صفات متأصلة، وأنماط حياة، ومعتقدات عامة متقاربة بين أفراده، مقارنة ببقية الأجيال لأن كل جيل «يظل مرتبطا بشروط إنتاجه الاجتماعية، وهو - حسب بورديو - الفئة التي يستطلع من خلالها المستقبل، ويراهن على ديناميتها وعلى فكرها في لعب دور تنموي وتوعوي في المجتمع».
إشكالية الدراسة
انطلاقا من هذا المفهوم ومن تنوع ممارسات الجيل سنحاول أن نتبين أن ضمن هذا التجييل يوجد جيل ينتج مسرحا خاصا به وبمعطيات مرحلته، ويؤسس لغته الخاصة به وخطابه المختلف، ونظرا لأن المسرح هو ظاهرة ثقافية وفكرية لا تخلق من عدم، ولا تقف عند حدود، طرحت السؤال الإشكالي التالي: كيف تبدو الممارسة المسرحية الإخراجية والتأليفية في هذا التجييل، إذا فرض الشباب معرفتهم الناتجة من تجاربهم أو رؤيتهم المرتبطة بالتحولات السريعة العلمية والتكتولوجية: هل هي متواصلة ومتطورة ومتغيرة أم مستنسخة ثابتة أم منقطعة؟ أم هل هي استعلائية سلطوية أبوية يمارسها الجيل السابق، وإلى أي مدى تؤثر هذ التحولات التجييلية في ترسيخ خصوية الهوية بمفهومها المتغير في المسرح اللبناني؟
مادة الدراسة
انطلاقا من تحديد المصطلح واختيار ما يتلاءم مع دراستنا، وللرد على المساءلة الإشكالية، سنعتمد نصوصا وعروضا مسرحية لبنانية كمادة تطبيقية نكشف فيها عن سمات هذه المجايلة في الإخراج والتأليف التي تقع بين جيل الستينات والجيل الحالي.
تمهيد
لقد تناقلت الأجيال هذا المسرح الذي جاء به مارون النقاش ذهبا إفرنجيا بحلته العربية، ثم انتقل هذا المسرح إلى الخشبة المصرية في منتصف القرن التاسع عشر وكان مسرحا عربيا سوريا ولبنانيا ومصريا، وكان يتلاءم نصا وأداء مع معطيات المرحلة، أي أنه اعتمد على الترجمة والاقتباس والأداء اللفظي. وفي مرحلة الأربعينات، عاد كل مسرح إلى منصة بلاده، ففي لبنان عاد المسرح ليقدم عروضه على الخشبة المسرحية اللبنانية، وظلت هذه العروض تعتمد على الأداء اللفظي وعلى الصوت، ذلك لعدم ظهور نظرية العرض المسرحي في تلك الفترة.
وفي مرحلة الستينات بدأ المسرح في لبنان يتجاوز الاتجاه التقليدي في الإخراج، فتتالت التجارب المسرحية التي وقعت بين التأصيل والتجريب والطليعي، وظهرت التأثيرات الغربية تبرز في الإخراج وفي أساليبه واتجاهاته المتنوعة، كالغروتوفسكية مع منير أبو دبس ثم الستانسلافسكية مع يعقوب الشدراوي والبريشتية التغريبية مع جلال خوري وفرقة الحكواتي مع روجيه عساف ونضال الأشقر وبعدهما مع رفيق علي أحمد، فغادر هؤلاء مسارات الإخراج التي سلكها أو استخدمها الجيل السابق وانقطعوا عنها، واختاروا ما يتلاءم مع الاتجاهات الجديدة.
استنتاج: وهنا يمكن القول إن هذا الانقطاع تعزا أسبابه إلى أن الجيل اللاحق قطع شوطا بانفصاله وانقطاعه نظرا لحدوث تغيرات ذات إيقاع سريع، لأن التجربة السابقة بدأت بالفطرة وبالتأثر بشذرات من هنا وهناك، أما مرحلة الستينات فقد ظهرت فيها اتجاهات ومدارس مسرحية متنوعة، جعلت أغلب هذه التجربة للجيل اللاحق غير مرتبطة بالسابقة.
التجديد التجييلي في الإخراج المسرحي في لبنان
ثم بدأ التحول والتغير في أساليب الإخراج المسرحي في لبنان في مرحلة الثمانينات والتسعينات حتى السنوات الحالية، واعتمد المخرجون مرجعية سميت بمرجعية البدائل التي أفرزتها العولمة:
 - المسرح البديل – حسب (محمد حسين حبيب) اندريث جونثاليت يعني «الطاقة الكهربائية: متغير ومستمر، يشعل ويضاء ويطفأ».
 - تشكيل مجموعات افتراضية مسرحية على وسائل التواصل الاجتماعي.
 - ظهور الثقافة الرقمية التي جاءت نتيجة حتمية لخلق حالة التفاعل والتواصل ونشر الفكر والثقافة، باستخدام الرقمية.
 - - نظرية الفوضى التي «تبحث في ظاهرة الفوضى المقدرة فالحوادث لها سبب وليست اختيارية بالكامل»، والتي ينبغي أن يعتمد عليها النقد المسرحي لدراسة النص والعرض ومكونات كل منهما، انطلاقا من مبدأ التماثل الذاتي self.
 - اتجاهات الـ(ما بعد) وعلاقتها بالتجريب في المسرح المعاصر مثل (ما بعد الدراما، ما بعد الحداثة، ما بعد الكولونيالية) وغيرها من المابعديات التي جاورت الأنساق البنيوية والنقدية المحايثة للثقافة المسرحية، محمد حسين حبيب.
الربيع العربي هناء عبد الفتاح: «إن ما قُدم في ميدان التحرير كان منعطفا مهما لتغيير عقلية المسرحي الشبابي العربي فاعتمدوا «مسرح التحريضي. هو مسرح سياسي الطابع يهدف العرض فيه إلى الدعاية لفكرة ما، وإلى إثارة تساؤلات حول الواقع وتغييره انطلاقا من الأحداث المباشرة والساخنة».
وانطلاقا من هذه العوامل المتعلقة بالمرحلة الحالية نطرح المساءلات التالية: ما هي الأدوات الإجرائية الجمالية والفنية التي استخدمها الجيل الجيد لتجسيد خطابهم المسرحي على الخشبة (المؤثرات السمعية والبصرية، والسينوغرافيا...)؟ ما هي الاتجاهات الفنية (الكلاسيكية، الواقعية، أم تلك التي تنتمي إلى المسرح التجريبي) وهو ذلك المسرح الذي يتجاوز القيود ويكسر المألوف ويطرح أفكارا جديدة غير تقليدية ويمكن أن تتسم بسمات الحداثي أو ما بعد الحداثي، وتتسم بالنزوع نحو الذات والفردية في مقابل جماعية الفعل في مرحلة الستينات؟
استنتاج
من هنا نرى أن إخراج هذا الجيل للعروض اعتمدت على:
النص البصري الذي يرتكز على ركيزتين هما:
 - اللغة الحوارية البصرية (البعد البصري والمادي للكلمة وغنى دلالاتها التأويلية)
- لغة تداعي الأنساق البصرية في الفضاء الإبداعي البصري: وبين الفنان البصري - المخرج والممثل - والمتفرج.
ومنهم من أتقن استخدام التقنيات و»الأجهزة السمعية البصرية على الخشبة، خاصة منذ وصول الفيديو»، ومنهم من استخدمها بطريقة مبالغ في تكرارها، فأحلها محل عمليات الحذف أو إثارة المشاعر، من أجل الحصول على توضيحات. وهكذا نرى أن العروض اعتمدت التكنولوجيا بوجهيها التقليدي والحداثي كعنصر أساسي. وهي بالطبع ليست حديثة: ففكرة استخدامها بدأت منذ زمن قديم يعود إلى أروين بيسكاتور وماكس رينهارت.
 - ومنهم من أكثر من تقديم الفيديو في أغلب هذه المسرحيات. وكان بمثابة قطيعة سردية الأمر الذي يقربه أكثر «من ظاهرة جماهيرية لما بعد الحداثة مثل التلفزيون فحدث التناص الممكن بين المسرح والتلفزيون».
 - الفنون كسرت الحدود وانفتحت على الفنون الأخرى معتمدة على مفاهيم ما بعد حداثية في الإخراج ظهرت مفاهيم مسرحية جديدة ما بعد حداثية مثل مفهوم الفن art conceptual العرض أو فن الأداء.
آلية التوظيف المفهوم المغاير للمكان والزمان  
عندما انحاز هؤلاء المسرحيون إلى تيار ما بعد الحداثة بمجمل سماته التي أسلفنا الكلام عنها، ربطوا نصوصهم وعروضهم بالنسق الزمكاني الما بعد حداثي، ولا سيما عندما ارتحل النص إلى ما سمي بفن الأداء حيث الحدث اليومي والتكنولوجيا، فأسهما في تقوية وبلورة وعي يتأسس على الفوري واللحظي رافضا الأزمنة الماضية، وهازئا بأزمنة المستقبل، وهذا الموقف من الأزمنة استتبعه تعبير عن تبعثر الأمكنة في مسرحهم المماثل لمجتمع ما بعد الحداثة. وتحويره إلى وجود ضمني افتراضي، وخلق التبعثر، وبذلك يتحقق المجتمع ما بعد الحداثي باعتباره مجتمع كل مكان. وتشير هذه المغايرة والاختلاف بالمفهوم عن مفهوم الجيل السابق وآلية توظيفه له.
نظرا لهذه المتغيرات التي ذكرنا سنحاول أن نستطلع مسارا ت التواصل أم الانقطاع بين الجيلين.
 - منهم من ظل ثابتا في خياراته وفي تأثره بالجيل السابق.
 - ومنهم من قام بالتغيير والتجديد وليس بالانفصال.
اتسمت أعمال مسرحيين من أجيال متعاقبة بـ:
 - تقصي البعض أو الأغلبية الجديد والحديث والتجديد فاعتمدت أساليب إخراجية تتلاءم مع اللحظة التاريخية التي يعيشها المسرح في لبنان.
 - رفض الاتباع حيث «تتبلور في إيمانه العميق، بماهية الفكر أو الإبداع، وليس الاتباع، فهو يرى أن فكر الإنسان لا يولد إلا في تعارض مع فكر إنسان آخر، فإذا لم يكن تعارضا لا يكون فكرا، بل يكون تقليدا وفي أحسن الحالات، شرحا وتفسيرا»، وتدل على ذلك الممارسات الإخراجية التي قامت بها أجيال المسرح في لبنان سواء أكان جيل الستينات أو الجيل الحالي، أن القضية لا تتعلق بانقطاع الجيل اللاحق عن الجيل السابق، ولكنها عملية تتجدد.
 - حرص بعض المسرحيين من الجيل الحالي على مواصلة التواصل مع السابق على مستوى الاستعانة بالنص (عصام محفوظ، ريمون دبارة، شكيب خوري، وعربا سعد الله ونوس، توفيق الحكيم).
 - الانقطاع من الجيل السابق عن الجيل اللاحق الحالي وعدم المواكبة: تجربة روجيه عساف.
وفي أغلب الأحيان هي عملية رفض لممارسات الجيل اللاحق ويعود ذلك إلى «الذهنية النفسية والفكرية التي هم عليها بعض المسرحيين القدامى، ذهنية تقليدية تؤمن بالأبوة ولا تعير اهتماما للصيرورة التاريخية»، ومع ذلك نجد أن بعض المخرجين من الجيل السابق قرروا التواصل والتفاعل مع الجيل اللاحق، فمثلا المخرج روجيه عساف، قام بالتمثيل في مسرحية من إخراج طلابه مثل عصام أبو خالد وربيع مروة، وهما اليوم مخرجان متميزان في المسرح في لبنان، أما بالنسبة إلى التواصل مع الاتجاهات والمدارس الإخراجية التي مارسها الجيل السابق، فالمقارنة ليست جائزة لأن كل الأجيال استندت إلى الأساليب الإخراجية الغربية نفسها ولكن مع إضافة تأثيرات التغيرات العلمية والتقنية، ولكن الأمر يرتبط بالرؤية الإخراجية لقد لاحظنا في تجارب الإخراج في المسرح اللبناني أن بعض المخرجين استخدموا المدارس الإخراجية ذاتها ولكن بعضهم أجاد توظيفها برؤية تجديدية.
التجييل والنص المسرحي في لبنان
في الستينات برز عدد من الكتاب المسرحيين الذين ترجموا واقتبسوا وألفوا نصوصا: كعصام محفوظ وبول شاوول وفارس يواكيم وشكيب خوري ولطيفة وأنطوان ملتقى وريمون جبارة وغيرهم، كما ظهر التأليف الجماعي، وقد عالجوا في هذه النصوص قضايا سياسية واجتماعية وفلسفية، وكتبوا عن قضية فلسطين، من منظور قومي، وقد تنوعت اتجاهات النصوص الفنية بين الكلاسيكي واعتمد النص في بنيته الكلاسيكية، والواقعي والعبثي.
ولكن الأجيال المتعاقبة أو جيل اليوم لم يعتمد نصا مسرحيا كتب للقراءة، وإنما كتب للخشبة، كما أن أغلبهم قد انفصل عنه، فتأثروا بما ظهر من مفاهيم تتصل بالنص المترابط، والتفاعلي, والفضاء الشبكي، والواقع الافتراضي، ففي مرحلة التسعينات حتى اليوم لم يعتمد المسرحيون البنية السردية التقليدية، «فسلكوا سبيل التأليف المتماهي والمتمثل للنص الما بعد حداثي لاكتشاف المفارقة والغموض، والطبيعة غير المحددة ومفتوحة النهاية للواقع، وكذلك رفضوا فكرة الشخصية المتكاملة من أجل التأكيد على الذات المتهدمة، والمجردة من الصفات الإنسانية، فبرزت ملامح ما بعد الحداثة المتشظية المتجهة نحو الحد من العلاقات السلطوية، والزيادة في الخيارات الخاصة وفي منح الأولوية إلى التعددية، والازدراء بالقيم الكبرى وبالغائيات التي تنظم العلاقات في الأسرة والعمل والجيش وغيرها. وتعم السلبية بوصفها القيمة الوحيدة التي يسعى الجميع لتحقيقها مما ينتهي بالمجتمع إلى حالة من التذمر والقلق والتشاؤم»، فرقة زقاق ونصوص شاش باش وأرق الجملية. ومنها ما جعلت ثيمتها الأسياسية الحرب اللبنانية، وقضية المرأة، والموت كما في مسرحيات «موت ليلى» و»هو الذي رأى، الموت في عيون.. «ماشي أون لاين» الذين يعانون من أزمات النظام الدولي وأزمة الديمقراطية وهجرة الأدمغة، وغيرها من قضايا نتجت من مساوئ النظام العالمي، وحتى العربي، قضية فلسطين والقضايا العربية».
كما أن للقضايا السياسية والاجتماعية حيزها الكبير في فكر هؤلاء الشباب ومسرحهم، ابتداء من الأسرة وانتهاء بالدولة كما نجد في أعمال «أرق الجميلة»، «ماشي أون لاين»، «هو الذي رأى»، و»نص إسطنبولي» و»هللو» لطارق باشا، كلها تعبّر عن هواجسهم وعن معاناتهم اليومية والقلق اليومي. وحتى العربي قضية فلسطين والقضايا العربية، ولكن برؤيتهم هم أنماط ثقافية ما بعد حداثية شكلت أسلوب صياغة البنية الفنية في النص.
تناسب ثقافة ما بعد الحداثة الأنماط الجديدة لبنية نصوص الشباب المسرحي، حيث نجد طمس الحدود بين الفن والحياة اليومية ومحوها، كما في نصوص: «شاش باش»، و»أرق الجميلة»، و»هللو»، وإزالة التسلسل الهرمي بين الراقي والجماهيري في الثقافة الدارجة وهذا ما اعتمده الشباب في نصوصهم، وفضلوا الأسلوب الانتقائي المشوش، والمحاكاة الساخرة parody، والمعارضة pastiche كما في نص «زنقة زنقة» لإسطنبولي، الاستهلاك وسرعة استعمال الموضة الدقيق للوقت والتهكم والسخرية lrony، والهزل والمزاح playfulness، والاحتفال بالمظهر الخارجي وبالثقافة التي لا عمق لها.
- لغة الخطاب الشبابية في هذا الجيل والعلاقة مع متلقيه الجديد صيغت نصوصهم بلغة حوارية تشبه لغة المواقع الاجتماعيّة، لغة يخاطبون بعضهم بعضا، ويخاطبون عدسات التلفزة بلغة تحاول الاقتراب إلى الفصحى قدر الإمكان، وهي ما أسمح لنفسي أن أطلق عليها تسمية «لغة المجال العام العربي» أو «لغة الفضاء العام العربي».
فعلى المستوى السياسي، كتبوا بلغة تخلو من الشعارات العقائدية المسقطة من أعلى، بل يستخدمون اللغة الطالعة من معاناتهم، والمعبرة عن تمردهم على اللغة المقعرة وعلى المصطلحات المؤدلجة، لغة تكتنز في دلالاتها معاني الثورة وتنفتح على أنساق فكرية تغييرية.
خلاصة القول إن هؤلاء مسرحيي هذا الجيل مارسوا المسرح وأنتجوه وظلوا - حسب وصف أوسكار وايلد نفسه - دائما على علاقة رمزية مع زمنهم، قد سعوا لكتابة نص واعتمدوا على أساليب إخراج متطورة ومتجددة تجسد خطابهم وتفجر لغتهم. فهم يغوصون على زمنهم مستخدمين الاتجاهات والمدارس الإخراجية نفسها، ولكنهم أوفياء لزمنهم ولمتغيراته، وذلك وفقا لمفهوم النموذج المعرفي «البراديغم» أي «النسق المعياري الإدراكي» الذي ينظم تفكيرنا في حقل معين ويوفر له الأسس والإطار ويضع حدوده ونطاقه مثل: المفاهيم والنظريات والمنظورات ورؤية العالم، وهو الجيل الذي تتعزز لديه قيمة الفرد المعنوية تعزيز الفردية individualism والفردانية individuality التي تدعو إلى ممارسة الفرد أهدافه ورغباته ونمت كنتيجة معاكسة لتأثير كل القيود الفكرية والاجتماعية وهي تناقض الجماعية collectivisme السمة التي تتميز بها المجتمعات العربية إلى حد كبير ولا سيما في مرحلة الستينات، مرحلة المد القومي واليساري والشيوعي.
 -  تعزيز الذات لدى الجيل الجديد (زهور كرام) لأنه فيما قبل تم تدجين الذات باسم المؤسسة والجماعة والقبيلة، باسم الآيديولوجية أو الخطاب السياسي، أما الذات لدى هذا الجيل فهي تتعرى من كل هذا التدجين وتأتي ضمن تجربة المكاشفة وضمن الإحساس بالذات في زمن التجربة.
بعد القيام بهذه القراءة التحليلية لممارسات جيلي الستينات والمرحلة الحالية المسرحية توصلنا إلى الاستنتاجات التالية:
 - وجود تآلف إرادات جيلين أو أكثر - ولا أقول تطابقها - وذلك من خلال قدرة هذه الأجيال على التتابع: ويبدو ذلك جليا بتأثرير الحكواتي في أعمال رفيق علي أحمد في لبنان.
- الانقطاع مع ما سبق من تجارب، وقد حصل ذلك على مستوى البنية الفنية والرؤية الفكرية. ويبدو ذلك جليا في ممارسة الإخراج لدى المسرحيين الجدد مقابل الثبات الكلاسيكي وأعزو ذلك إلى أن التطور والتغيرات لم يجريا كما هو اليوم، فاليوم ومنذ مدة تجري التغيرات بإيقاع سريع مما يعني أنه من السهولة بمكان أن تحدث قطيعة.
 - الخلاف في جيل واحد: وقد يثير تعبير الجيل عند إطلاقه كثيرا من الخلاف سواء بين جماعات في الجيل الواحد، أو بين جماعات جيل وآخر، هكذا يمكننا أن نعرف الجيل على نحو عام.
 - الصراع الطويل الأمد بين جيلين وذلك حين تكون الفجوة بين جيل بعينه وجيل آخر كبير، يدل ذلك على أن الجيل الحالي قد بدأ يفك شفرة عصره وزمنه ويسير في طريقه، فعلى بعض الجيل السابق الذي يمارس الاستعلاء على نتاج الجيل الحالي وعدم الاعتراف به وبنتاجه كما ذكرنا سابقا، أن يفك أيضا هذه الشفرة لأنه لا عودة إلى الوراء، لأنه لا يمكن تفكيك هذه الإشكالية العلائقية بين الأجيال، إلا في حال اعتراف كل جيل بالآخر ونحن كعرب نفقد هذا الاعتراف لأننا لم نتمرس العقل النقدي الحر، وذلك بالأخذ مما يحمله كل جيل في نسغ عمله الفني من بذور التغيير والتطور ولكن دون التخلي عن مفهوم كل جيل لخصوصة الهوية المتغير والمتحرك والمتطور.
«من الأوراق البحثية بملتقى الشارقة السادس عشر للمسرح العربي، ومهرجان دبا الحصن الرابع في الفترة ما بين 27 فبراير و3 مارس 2019».


وطفاء حمادي