قراءة في كتاب لايوس إيجري كيف أكتب مسرحيتى الأولى؟

قراءة في كتاب لايوس إيجري  كيف أكتب مسرحيتى الأولى؟

العدد 768 صدر بتاريخ 16مايو2022

يرجع أصل الدراما إلي المسرح، فالمسرح هو أول فن عرفه الإنسان وهو أول فن عبر عن الإنسان والمجتمع ومشاكله وتطوراته . … تطور فن المسرح بتطور الإنسان وأصبح له قواعد وأسس ونظريات واصبح كل المختصين يتعلمون ويطورون من تجاربهم . 
ومن أهم الكتب التى يمكنك الاستعانة بها لكتابة مسرحية جيدة، كتاب «فن كتابة المسرحية» للكاتب المسرحي المجري لايوس إيجرى .
يستعرض إيجرى في كتابه مبادئ ونظريات وأسس الكاتبة المسرحية مع الاستشهاد ببعض المسرحيات العالمية، ويتضمن الكتاب أربعة فصول تتناول المقدمة والشخصية والصراع والفصل الرابع عبارة عن عموميات . 
أكد لايوس إيجرى على أهمية أعداد الفكرة الأساسية التى تقوم عليها المسرحية، وهو يسمى هذه الفكرة الأساسية أو الغرض الذى تستهدفه الرواية بالمقدمة المسرحية و هو مصطلح يشمل كل شئ فى المسرحية من فعل أو قول أو حركة أو تصوير للمشاعر بالكلام أو الرمز أو الإيحاء ... 
لابد لكل مسرحية جيدة من فكرة أساسية واضحة المعالم سليمة التكوين ومن الممكن أن يكون هناك أكثر من طريقة واحد لصياغة هذه الفكرة، ألا أنه مهما اختلفت الصياغة فإن الفكرة تبقى كما هى، بحيث لا يطرأ عليها أى تغير، أن الفكرة الأساسية هى القوة المحركة الكامنة وراء كل ما يصدر من أفعال .
والمشكلة تنحصر فيما إذا كانت هذه الفكرة صالحة لأن تكون أساسا متينا لإنشاء مسرحية أم لا ؟
 لذلك يؤكد إيجري على أهمية الهدف أو الفكرة الأساسية أو الغرض الذى تستهدفه الرواية، أن مسرحيتك ينبغى أن يكون لها مقدمة منطقية . 
لا يلزمك الكاتب بأن تبدأ مسرحيتك بمقدمة منطقية، أى فكرة أساسية، بل فى إمكانك أن تبدأها بشخصية من الشخصيات المسرحية أو بحادثة، أو حتى بفكرة بسيطة ثم تنمو هذه الفكرة أو الحادثة بعد هذا وتكبر ومن ثمة يكشف الموضوع عن نفسه بنفسه قليلا قليلا، وسيكون لديك ما فيه كفايتك من الوقت لكى تجد مقدمتك المنطقية فى مجمل ما تقدمه من مادتك المسرحية فيما بعد، والمهم هو أن تجد هذه المقدمة . 
الشخصية المسرحية عند إيجرى أهم شئ فى الرواية التمثيلية أنها أهم من العقدة وهو فى ذلك يخالف أرسطو ويخالف معظم الذين كتبوا عن أصول التأليف المسرحي والشخصية عند إيجرى تتكون من ثلاثة أبعاد البعد الجسماني ويقوم على الجنس والسن والطول والوزن والشعر .... كل المواصفات الجسمانية . 
البعد الاجتماعي ويقصد بها الطبقة الاجتماعية ونوع العمل ومستوى التعليم والحياة المنزلية والدين والهوايات والانتماء السياسيى وغيرها ..
البعد النفسي ويعتبرها إيجرى ثمرة اشتراك البعد الجسماني والاجتماعي على الشخصية وهما السبب فى هزائمنا وانتصاراتنا وخيبة أمالنا وتكوين ميولنا واتجاهاتنا ومركبات النقص بداخلنا . لابد أن تستمر الشخصية المسرحية فى التنمية وعدم وقوفها عند نقطة بعينها لا تنمو بعدها أبدا . 
لا بد من وجود شخصية محورية تكون هى البطل الأول أى الشخص الذى يتولى القيادة فى أى معركة أو حركة أو قضية وهذا هو protagonist وأى شخص يعارض هذا البطل ويقف فى وجه هو خصمه أو معارض له هو Antagonist 
والخصم فى أى رواية يجب أن يكون بالضرورة شخصاً قوياً، لا يلين ولا يعرف الرأفة ويكون بنفس قوة الشخصية المحورية تمام .
والنضال لا يكون نضالا هاما ظريفا إلا حينما يكون المناضلون سواسية ومتساوين فى قوة النضال الناشب بينهم . 
وبدون هاتين الشخصيتين لا يمكن أن توجد مسرحية لأنه لا يمكن أن يوجد ما يدفع المسرحية ألى الأمام أو ما يثير الصراع فيها . 
توزيع الشخصيات Orchestration أو التناسق بين الشخصيات بحيث لا يجعل شخصيات المسرحية من نمط واحد كأن جعلتهم مشاغبين ( بلطجية ) جميعا مثلا تكون كالذى كون فرقة موسيقية اقتصر فيها على عازفى الطبول فقط .
 ويركز جراى على مصطلح» وحدة الأضداد» ويعنى بها تلك الوحدة التى تجمع بين النقيضين والتى تقام بين شخصيات المسرحية إلي أن يقضى أحدهما على الآخر، أنه لا حياة لأحدهما إلا بموت الأخر بحيث يستحيل المصالحة أو المساومة أو أنصاف الحلول، والمعركة بينهم هى الوحدة التى تجمع بينهما حتى يقضى على أحدهما. والشخصيات يجب بالطبع أن تكون مصنوعة من تلك الخامات التى تجعلها تمضى فى موقفها إلي أخر الشوط . 
يصنف جراى الصراع إلي أربعة أقسام كبرى رئيسية : الصراع الساكن هو ذلك الصراع الذى يشعرك بركود الحركة فى المسرحية وخمودها وأنها لا تتقدم ولا تنمو . والشئ الساكن يعني الشئ الذى لا يتحرك، الشئ الذى لا يبذل جهد ولا يبدى قوة من اى لون . ويجب أن نبين هنا بالذات أنه حتى أشد أنواع الصراع سكوناً، له حركة لابد حركة من أى نوع وذلك لأنه لا يوجد شئ فى هذا الوجود يكون ساكنا سكون مطلقا وهو من الصراعات الغير مفضلة للكاتب . وأليك مثالا جيدا لمسرحية (ساكنة) هى رواية فرحة العبيط 
(( Idiot’s Delight )) للكاتب روبرت اشرود، وبالرغم من أن المغزى الأخلاقى لهذه الرواية مغزى حميد، وبالرغم من أن الكاتب رجل معروف، روايته هذه مثال فريد للطريقة التى يجب ألا تكتب المسرحيات على نسقها . 
الصراع الواثب: صراع يحدث فجأة وفى قفزات لا تكاد تدرك لها أسبابا، ومن هنا تجده لا يصادفك إلا فى الميلودرامة . أن الشخص الأمين الشريف لا يمكن أن يتحول إلي لصاً ضاريا فى ليلة واحدة والعكس صحيح وليس فى الدنيا امرأة عاقلة تهجر زوجها بلا مقدمات وبدون دافع سابق فإذا بدأت شخصيتك من (الوفاء) ثم وصلت بوثبة مارد جبار (فى لمح البصر) إلي الغدر والخيس بالعهد دون أن تمر بالخطوات التى تتخلل هذين القطبين ( الوفاء _ الغدر) كان الصراع هنا صراع واثبا . لكنه يعيب مسرحيتك ويزرى بها . 
فإذا أردت أن تخلق صراعا واثبا فما عليك إلا أن ترغم شخصياتك على فعل غريب عنهم فعل لا صلة بينه وبينهم اجعلهم يفعلون بدون وعى أو تفكير وستنجح بهذا فيما تريد . 
الصراع الصاعد الذى لا يكف عن الحركة المتدرجة : من افضل أنواع الصراعات ويليه فى قوته الصراع المرهص، والصراع الصاعد يعنى مقدمة منطقية واضحة بارزة المعالم و وحدة أضداد وشخصيات توافرت لها أبعادها الثلاثة ( الجسمانية والنفسية والاجتماعية ) 
والصراع الصاعد لا يمكن أن يوجد ما لم يتوفر الهجوم والهجوم المضاد . أن الرواية إذا توافرت لها قوتان متنافستان مصممتان صلبتان، لا تعرفان المساومة، كان كفيلا بأن يخلق فيها صراعا كله بطولة وكله شهامة . لا تصدق من يقول لك انه لا توجد إلا أنماط معينة فحسب من أنماط الصراع هى التى تتوافر فيها القيمة المسرحية والقيمة التمثيلية، إذا كل الأنماط صالحة ما دامت تتوخى أن تكون شخصياتك مستكملة أبعادها الثلاثة، وما دمت تتوخى أن تكون مقدمتك المنطقية أى الفكرة الأساسية التى تقوم عليها روايتك مقدمة واضحة وبارزة المعالم .. وتستطيع هذه الشخصيات أن تكشف عن ذاتها عن طريق الصراع، فتكون لها قيمتها المسرحية وتضمن لنفسها إثارة الترقب.
 – الصراع المرهص (وأرهص أى صدرت عنه أشياء تكون علامات على ما سوف يكون من أمره فى وقت قريب) الذى يشف عما سوف يقع من الأهوال دون أن يكشف من أمرها شيئا حتى لا يضعف عنصر التشويق 
وإذا تساوى الخصوم فى المسرحية قوة وعنفوانا كان الصراع شائقا لذيذا لأنه ناشب بين أكفاء متساوين فى تمسكهم بمصلحتهم المعرضة للخطر . 
وما دام الحوار ينمو من الشخصية ومن الصراع، ثم يكشف لنا عن الشخصية ويحمل الفعل، أى يقوم بأداء الموضوع وشرحه، فواجب الكاتب أن يقتصد فى استعمال الكلمات ولا يأتى منها إلا بالضروري لهذه الأغراض التى تعكسها الثرثة وكثرة ( الرغى ) وعليه أن يضحى بزخرف الكلام وحذلقته فى سبيل الشخصية إذا اقتضى الحال، وذلك خير من التضحية بالشخصية فى سبيل الزخرف الكلامى والبرقشة البيانية .
ولتتكلم شخصياتك المسرحية بلغة البيئة التى تعيش فيها، فإذا كان صاحب الشخصية ميكانيكا فليتحدث بالاصطلاحات الميكانيكية، ولكن فى غير إغراق ولا مبالغة حتى لا يضحك عليك جمهورك . 
أن المسرحية ليست صورة من الحياة كما يتوهم بعضهم لكنها جوهرها، ومن هنا كان واجبنا فى المسرح أن نلخص الحياة ونكثفها والناس فى الحياة يتشاجرون عاما ويتربصون أخر دون أن يحسموا سبب خلافهم .. أما فى المسرحية تلخيص هذا وتكثيفه والاقتصار فيه على الجوهر .. والاكتفاء بالإيهام عما حدث خلال السنين من مخاصمات دون الإكثار من الحوار السطحى . 
كتاب: فن كتابة المسرحية لايوس إيجراى، ترجمة دريني خشبة، تصدير أحمد عتمان 2015 العدد 2534 
المركز القومى للترجمة، سلسة ميراث الترجمة: المشرف على السلسة مصطفى لبيب .
 


هاجر سلامة