العدد 675 صدر بتاريخ 3أغسطس2020
يا وجع القلب وألم النفس ولوعة الفراق .. تتساقط أوراق شجرة الإبداع هذا العام بطريقة متسارعة ومرعبة فنفقد مع كل يوم أحد الأصدقاء المبدعين من رفاق المسيرة. بالأمس القريب تضاعفت الأحزان - وبالتحديد يوم الأثنين الموافق 27 يوليو (2020) - برحيل الشقيق الأكبر والصديق الغالي ورفيق الدرب والمسيرة د.حسن عطية عن عالمنا، فشعرنا جميعا بفداحة الفقد والخسارة، خاصة وقد تجددت برحيله الأحزان وذكريات الرحيل للنقاد الكبار الذين يصعب تعويضهم، ومع ذلك لا نملك مع إيماننا الراسخ بالله وقدره وحكمته وبأن البقاء والخلود لله وحده إلا الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة جزاء ما أخلصوا في عملهم طوال مسيرتهم الأدبية والإبداعية.
لكن وبمنتهى الصراحة لم يعد القلب يتحمل مزيدا من قسوة وآلام الفراق. ربما لا يستطيع أن يشعر بصدق وقسوة هذه العبارة ومدى شدة آلامي ومعاناتي إلا أبناء جيلي والأجيال السابقة لنا - أطال الله أعمارهم جميعا - ويكفي أن أذكر أنني قد عاصرت رحيل نخبة من أكبر نقادنا في النصف الثاني من القرن العشرين والألفية الجديدة (خاصة وقد بدأت متابعاتي للحياة الأدبية وممارسة الفنون المسرحية مبكرا بحكم انتمائي لعائلة أدبية)، ومازلت الذاكرة تحتفظ بالذكريات الحزينة لرحيل الأساتذة الكبار: د.محمد مندور، د.لويس عوض، د.رشاد رشدي، د.محمود أمين العالم، د.علي الراعي، د.سهير القلماوي، د.عبد القادر القط، فؤاد دوارة، رجاء النقاش، د.إبراهيم حمادة، أحمد رشدي صالح، فاروق عبد القادر، جلال العشري، سامي خشبة، د.لطيفة الزيات، د.فاروق عبد الوهاب، د.عبد العزيز حمودة، د.سمير سرحان، د.نهاد صليحة، فوزية مهران، سناء فتح الله، نبيل بدران، عبد القادر حميدة، عبد الفتاح البارودي، حسن عبد الرسول، صافيناز كاظم، أحمد عبد الحميد، وكذلك مجموعة الأصدقاء والزملاء الأعزاء: أمير سلامة، د.محسن مصيلحي، د. أحمد سخسوخ، د.أحمد العشري، مختار العزبي، محمد زهدي، ناهد عز العرب محمد الفيل، أبو بكر خالد، حازم شحاته، د.مدحت أبو بكر، د.صالح سعد، د.حازم عزمي، عرفة محمد، يا الله كيف تحمل القلب رحيل كل منهم !! وقد تعلمت من الأساتذة الكثير كما ربطت بيني وبين مجموعة الأصدقاء كثير من الأنشطة والفعاليات والذكريات المشتركة.
لقد رحل الأستاذ والمعلم والناقد النزيه د.حسن عطيه (1948 - 2020) ليستكمل دائرة الرحيل ونفتقد برحيله عاشق الفنون والمحب لوطنه، ورجل المسرح المنحاز دائما للمسرح الجاد ولقضايا الجموع. فقد كان - رحمه الله - مؤمنا أشد الإيمان بقدرة الأدب بمختلف قوالبه وأشكاله والفنون وفي مقدمتها المسرح على التغيير والمشاركة في معركة التنوير والتثوير، ولذا فقد ظل طوال مسيرته الأدبية شديد الاهتمام - وككل النقاد الجادين - بضرورة توظيف الفن في خدمة المجتمع وخاصة بمجتمعاتنا النامية، وبالتالي ظل حريصا على الدعوة بضرورة الاهتمام بجدية الخطاب الدرامي وكيفية صياغته بصور وأساليب فنية راقية وبعيدة كل البعد عن المباشرة ولغة الخطابة.
كان - رحمه الله - مؤمنا أشد الإيمان بأن علاقة النقد بالإبداع علاقة وثيقة وأبدية ومستمرة باستمرار الإبداع، وبأن كل منهما يؤثر في الآخر ويتأثر به، ولا يمكن استغناء أي منهما عن الآخر تماما كطرفي المقص الذي يفقد كل طرف دوره تماما بغياب الطرف الآخر، وأنه إذا كان المسرح هو المرآة الكاشفة للمجتمع بكل أبعاده السياسية والإجتماعية والثقافية فإن النقد المسرحي يظل هو المرآة العاكسة للمسرح فكريا وفنيا.
ويحسب للراحل الغالي اختياره وتحديده لطريقه مبكرا بعدما عشق الفنون وخاصة المسرح، فاختار النقد المسرحي تخصصا ومهنة وحرص على صقل موهبته بالدراسة، فالتحق بقسم النقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية وحصل على درجة البكالوريوس عام 1971، ثم حصل على دبلوم الدراسات العليا بكلية الإعلام عام 1980، ودبلوم الدراسات العليا بمعهد الفنون المسرحية عام 1985، وذلك خلال فترة التحاقه بجهاز الثقافة الجماهيرية (الهيئة العامة لقصور الثقافة حاليا) والتي استمر في العمل بها خلال الفترة من 1973 إلى 1981، وذلك قبل انضمامه إلى هيئة التدريس بمعهد الفنون المسرحية.
والحقيقة أنه ظل ومنذ بداياته الأولى يبذل كثير من المحاولات الجادة من أجل استكمال مسيرة الرواد وإسهاماتهم بمجال النقد المسرحي، لذا فقد انخرط بفعالية في مختلف الفعاليات المسرحية والثقافية ناقدا ومنظرا ومحكما، ليمارس دوره بفاعلية سواء من خلال عمله الأكاديمي بأقسام النقد والدراما بأكاديمية الفنون وبعض الجامعات المصرية أو من خلال التطبيق العملي وبالتحديد من خلال تقديمه لمجموعة الدراسات والأبحاث والمقالات المسرحية التي ظل ينشرها بانتظام بعدد كبير من المجلات والصحف الدورية، إيمانا منه بأهمية تحقيق ذلك التواصل المنشود مع القارئ (غير المتخصص خارج قاعات الدرس)، وكذلك أهمية تحقيق الاستمرارية للصفحات المسرحية المتخصصة ببعض الدوريات المختلفة حتى ولو كان مقابلها المادي غير مجدي بالنسبة له. وذلك بالإضافة إلى مشاركاته الثرية بندوات النقد التطبيقي التي تنظم بالمهرجانات والفعاليات المسرحية المختلفة.
يمكن بصفة عام للناقد المتخصص والمتابع لمشاركات واسهامات د.حسن عطية في حياتنا المسرحية تصنيف تلك المشاركات إلى خمسة أقسام رئيسة كما يلي:
أولا - العمل الأكاديمي: بعد حصوله على درجة الدكتوراه في فلسفة الفنون من كلية الفلسفة والآداب جامعة “الأوتونوما” بمدريد الأسبانية برسالة بعنوان: “المنهجية السسيولوجية في النقد” استكمل عمله بقسم النقد بالمعهد العالي لفنون المسرحية، وترقى في عدة مناصب، كما شارك بالتدريس أيضا لمناهج النقد المسرحي بعدة جامعات أخرى ومن بينها: جامعة “حلوان”، كذلك أشرف على عدد كبير من رسائل الدكتوراه والماجستير، وبالتالي فقد أصبح أستاذا لأجيال متتالية من المسرحيين الأكاديميين سواء بمصر أو بعض الدول العرية الشقيقة.
ثانيا - إصدار الكتب والدراسات: وفق خلال مسيرته الأدبية في إثراء المكتبة العربية بعشرات الكتب في مجالات المسرح والنقد والسينما والفنون الشعبية. هذا وتضم قائمة إصداراته عددا كبير من الكتب القيمة ومن بينها: الثابت والمتغير: دراسات في المسرح والتراث (الهيئة المصرية العامة للكتاب - 1989م)، فضاءات مسرحية (الهيئة العامة لقصور الثقافة - 1996م)، الرومانسية .. يوتوبيا السينما المصرية (مطبوعات مهرجان القاهرة الدولي للسينما – 2000م)، نجيب محفوظ في السينما المكسيكية (مكتبة الإسكندرية – 2003 م)، السينما فى مرآة الوعى (الهيئة العامة لقصور الثقافة - 2003م)، سوسيولوجية الفنون المسرحية (الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة - 2004 م)، سينما أمريكا اللاتينية (مهرجان القاهرة الدولى للسينما – 2006 م)، السينما الأسبانية (مهرجان القاهرة الدولى للسينما - 2008م)، بانوراما المسرح المصرى (الهيئة العربية للمسرح بالشارقة - 2009م)، الدراما التليفزيونية.. تحضير التاريخ وتأريخ الحاضر (الهيئة العامة لقصور الثقافة - 2016م)، زمن الدراما (الهيئة العامة لقصور الثقافة - 2018 م)، ما المسرح (الهيئة المصرية العامة للكتاب - 2020م).
وكذلك قام بتقديم عدة إصدارات عن شخصيات فنية ومن بينها: سناء جميل .. زهرة صبار قمرية (صندوق التنمية الثقافية - 1998م)، ألفريد فرج .. صانع الأقنعة المسرحية (المجلس الأعلى للثقافة - 2003 م)، عزت العلايلى .. ملح الأرض وحلوها (صندوق التنمية الثقافية – 2004 م)، أربعة زهور يانعة (المهرجان القومى الأول للمسرح المصرى - يوليو 2006م)، هدى وصفى .. المنهجية وحق الاختلاف (المهرجان القومى للمسرح المصرى - 2009 م)، فاروق عبد القادر .. النقد واستقلالية الناقد (المهرجان القومى للمسرح المصرى -2010 م)، رأفت الدويرى (المهرجان القومى للمسرح المصرى - 2013 م).
كما تضمنت اسهاماته أيضا مراجعته لعدد من النصوص والكتب المترجمة عن الأسبانية، وتقديمه لأكثر من عمل أدبي لمجموعة من المبدعين المصريين والعرب في مجالات القصة والرواية والمسرح والسينما، كذلك قام بتقديم العديد من الأعمال لكتاب ونقاد المسرح في مصر وعمان والعراق.
ثالثا - كتابة المقالات بالصحف الدورية: بدأ الكتابة الصحفية في فترة مبكرة وذلك بكتابة مقالات في الناقد المسرحي والسينمائي بجريدة العمال، ثم انتقل بكتاباته إلى جريدة المساء، وبعد ذلك نشر بعدد كبير من الصحف ومن بينها: الأهرام المسائي، مسرحنا، ومجلات: الكواكب وآخر ساعة، وذلك بالإضافة إلى عدة مجلات متخصصة ومن أهمها: مجلة المسرح، فنون.
رابعا - تولي المناصب القيادية:
تولى منصب “أستاذ الدراما ونظريات النقد وعلوم المسرح” بالمعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون، ورقي في العديد من المناصب ومن بينها: العميد الأسبق للمعهد العالى للفنون الشعبية، والعميد الأسبق للمعهد العالى للفنون المسرحية. كذلك تولى رئاسة “المهرجان القومي للمسرح المصري” لمدة دورتين، وأيضا منصب مدير تحرير مجلة “الفن المعاصر” وهي مجلة محكمة تصدرها أكاديمية الفنون .
ويذكر أيضا أنه قد نال عضوية الكثير من المؤسسات المتخصصة منها المجالس واللجان العلمية في حقول المسرح والسينما والتليفزيون، واتحاد الكتاب ونقابة المهن التمثيلية.
خامسا - المشاركة بالعمل العام:
لم تقتصر جهوده على العمل الأكاديمي أو تولي بعض المناصب العامة وإصدار بعض الكتب القيمة بل شارك أيضا في العمل العام، حيث ساهم في تأسيس بعض الجماعات المسرحية وترأس عدة جمعية ولعل من أهمها: جمعية “نقاد السينما المصريين” لفترة محدودة، الجمعية العربية لنقاد المسرح (وللأسف أجهضت محاولاته سواء بالجمعية المصرية أو العربية).
كذلك شرف بعضوية عدة كبير من اللجان المتخصصة ومن بينها على سبيل المثال: لجنتي المسرح، المهرجانات (على فترات متتالية) بالمجلس الأعلى للثقافة، مجلس إدارة المركز القومي للمسرح، اللجنة العليا للتخطيط الدرامي بالإذاعة المصرية، اللجنة العليا للدراما بمدينة الإنتاج الإعلامي.
- عوامل التميز والتفرد والتألق:
مما لاشك أن تلك المكانة المتميزة والمتفردة التي وفق د.حسن عطية في تحقيقها منذ سنوات طويلة لم تكن أبدا وليدة الصدفة أو نتيجة ضربة حظ ولكنها كانت نتيجة منطقية لتضافر عدة عوامل من بينها صفات فردية بالإضافة إلى جهود مستمرة ودأب وتوظيف جيد لمختلف الفرص المتاحة، وبالتالي يمكنني رصد أهم تلك العوامل التي أهلته إلى تلك المكانة العلمية التي استحقها بجدارة وتلك التركيبة الشخصية التي حازت بحب واحترام وتقدير الجميع في مجموعة النقاط التالية:
- النشأة الشعبية بأسرة متوسطة بالحي الشعبي “بولاق أبو العلا” لذلك ظل دائما حريصا على التعبير عن البسطاء وقريبا منهم، يكتب لهم ويشارك في الارتقاء بمستوى وعيهم وتذوقهم.
- انبهاره منذ طفولته بسحر الشاشة الفضية ومشاهدته لعدد كبير من الأفلام من خلال السينما الشهيرة “علي بابا” بحي بولاق، ثم بعد ذلك من خلال دور العرض السينمائي بوسط المدينة وأيضا العروض المسرحية وخاصة عروض فرقة “المسرح القومي”.
- الدراسة المبكرة للفنون المسرحية بصورة أكاديمية من خلال قسم النقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون، والتتلمذ على يد نخبة متميزة من كبار الأساتذة والنقاد.
- النشأة في مناخ اشتراكي أتاح فرصة التعليم بالمجان، كما حقق فعليا شعار “الثقافة للجميع”، حيث انتشرت جماعات المسرح، وتم تقديم الكتب بأسعار رمزية مما أشبع نهمه في القراءة والإطلاع، وربما يفسر هذا حماسه وميله الشديد إلى فترة الناصرية.
- معاصرته لعدد كبير من الأحداث السياسية والاجتماعية المهمة التي تعد من أهم المراحل التي مر بها الوطن، فإذا كان عمره لم يتجاوز الخمس سنوات حينما قامت ثورة يوليو 1952، أو لم يتجازو الثماني سنوات حينما اندلع العدوان الثلاثي عام 1956 فإنه قد وعى جيدا بعد ذلك كثير من الأحداث المهمة ومن بينها: إصدار قوانين يوليو الاشتراكية، نكسة 1967 ثم خوض حرب الاستنزاف، وبعد ذلك العبور وتحقيق انتصار اكتوبر عام 1973، وماتبعه من مبادرة للسلام ودعوة للتطبيع وقوانين الانفتاح.
- مشاركته في الحياة الثقافية مبكرا بجوار نخبة من كبار الرواد الثقافيين، حيث عاصر جيل الرواد الكبار في النقد وشاركهم بالندوات والكتابة ومن بينهم الأساتذة: د.علي الراعي، د.إبراهيم حمادة، فؤاد دوارة، رجاء النقاش، سامي خشبة، فاروق عبد القادر، جلال العشري، فريدة النقاش، د.فوزي فهمي، د.سمير سرحان، د.عبد العزيز حمودة، د.محمد عناني، د.نبيل راغب، د.نهاد صليحة، أمير سلامة، نبيل بدران.
- اطلاعه على أحدث الاتجاهات المسرحية العالمية وخاصة أثناء فترة دراسته للحصول على درجة الدكتوراه، حيث حصل على دكتوراه فلسفة الفنون بدراسة بعنوان: “المنهجية السوسيولوجية في النقد المسرحي” كلية الفلسفة والآداب جامعة “الأوتونوما” الأسبانية عام 1994.
- ممارسته للنقد المسرحي بالصحف والمجلات وهي مهمة تتطلب موهبة خاصة وتختلف تماما عن إعداد الدراسات الأكاديمية، حيث يتطلب منه الأمر توظيف موهبته في قراءة العرض ثم توصيل وجهة نظره وآرائه للقراء بمختلف مستوياتهم الثقافية وخلفياتهم العلمية بأيسر الطرق دون الاستغراق في كتابة المصطلحات المتخصصة.
- الموسوعية الثقافية والفنية ومتابعته لمختلف الفنون الدرامية والموسيقية والتشكيلية، وكذلك ممارسته للنقد المسرحي والسينمائي والتليفزيوني مما فتح له آفاقا واسعة للتنوع وعقد المقارنات والتعرف على كثير من المناهج والمدارس الفنية بمختلف الآداب والفنون.
- إجادته للغات الأجنبية خاصة الإنجليزية وكذلك تميزه في اللغة الأسبانية محادثة وكتابة، مما أتاح له فرصة الإطلع على أحدث المناهج والدراسات والعروض العالمية، وأيضا المشاركة بالترجمة لبعض الإصدارات المهمة وكذلك مراجعة بعض المترجمات.
- جولاته المتعددة بعدد من الدول الأوربية وكثير من الدول العربية مما أتاح له فرصة الاحتكاك الفعلي ومتابعة الفعاليات الفنية والثقافية وتبادل الآراء وعقد الصداقات مع نخبة من كبار المبدعين بمختلف مفردات العرض المسرحي ومختلف الأشكال والقوالب الأدبية.
- ذكريات مشتركة:
كان من المنطقي أن تجمعنا كثير من الذكريات الفنية والانسانية خاصة وأن كل منا يعشق المسرح لدرجة الجنون، ونمارس مهنة واحدة بالإضافة إلى انتمائنا لنفس الجيل تقريبا (حيث يكبرني فقط بسبعة سنوات)، ولكن الجميل والرائع حقا أن ترتبط تلك الذكريات الفنية والأدبية مع الذكريات الشخصية، وأن تتكامل معا من خلال عدد كبير من الرحلات بجميع محافظات الجمهورية بلا استثناء وأيضا بعدد كبير جدا من الأقطار العربية، لدرجة يصعب أن تسقط من الذاكرة مشاركتنا معا بعدد من الفعاليات الفنية بأغلبية العواصم العربية، ومن بينها على سبيل المثال: تكرار اللقاءات بمهرجان قرطاج بتونس، والمهرجان الوطني بالجزائر، ومهرجان بغداد المسرحي بالعراق، ومهرجانات عمان بالأردن, وكذلك مهرجانات الكويت المختلفة ومن بينها مهرجان المسرح الأكاديمي، وأيضا أكثر من مهرجان بإمارة الشارقة العاصمة الثقافية للإمارات.
كذلك جمعتنا لجان التحكيم والمشاهدة والندوات بجميع محافظات الجمهورية بلا استثناء بدءا من محافظة “أسوان” و”قنا” بأقصى الجنوب، مرورا بمحافظات وسط الصعيد وصولا إلى الشمال سواء بمحافظات القناة وشمال سيناء شرقا والأسكندرية ومطروح غربا. ولكن تبقى بلذاكرة بعض العلامات التي لا تنسى ومن بينها على سبيل المثال:
مشاركتنا باللجان المتخصصة بالدورات المتتالية لمهرجان “الجمعيات الثقافية” بدءا من المهرجان الأول بمحافظة بور سعيد عام 1996، وكذلك المهرجانات المختلفة بإدارة المسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة (الفرق القومية فرق القصور فرق البيوت فرق نوادي المسرح)، وخاصة أول مهرجان تم تنظيمه أثناء توليه مسئولية إدارة المسرح، وهو مهرجان “الفرق القومية” الذي نظم بمحافظة “قنا” عام 1998، حيث شرفت بمشاركتي بعضوية لجنة التحكيم والتي من خلالها تم ترشيحي مع د.حسن عطية للتدريس بجامعة جنوب الوادي، وبعد اعتذاره لبعد المسافة تحملت مسئولية التدريس لمدة عشر سنوات بثلاث كليات (الآداب، التربية، والتربية النوعية).
كذلك من الذكريات المهمة التي جمعت بيننا مشاركتنا كل أسبوعين على الأقل في الندوة المسرحية التي تبث على الهواء من مدينة الإسماعيلية وتقوم بإعدادها وتقديمها الإعلامية الكبيرة مها عجلان المذيعة بالقناة الخامسة (قناة مدن القناة). وكذلك مشاركتنا في عدد كبير من الندوات ولعل من أهمها ندوة “صالون الطليعة” والتي تناولنا خلالها - وبناء على ترشيحه - الأعمال الكاملة للكاتب الكبير محمد أبو العلا السلاموني بالنقد والتحليل، وكذلك ندوة تكريم الفنان الكبير الراحل كرم مطاوع بمهرجان “شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي” عام 2018.
وتبقى الذكريات الأهم التي ظلت تسعدني كثيرا وهي حرصه على متابعة جميع المسرحيات التي أقوم بإخراجها، وكذلك حرصه على تناولها بالنقد والتحليل، والحمد لله كانت دائما ما تحظى بإعجابه وتقديره.
- مرحلة الصمود والتحدي:
كانت السنوات الأخيرة من حياة د.حسن عطية تمثل تحديا حقيقيا، فقد واجه شراسة وقسوة المرض ولكنه أثبت خلالها وبصورة عملية تدعو للدهشة مقولة الكاتب السوري الكبير سعد الله ونوس “نحن محكومون بالأمل”. فعندما أصيب بالمرض الخبيث أصر على معرفة جميع تفاصيله وبدأ رحلة العلاج القاسية في سرية تامة وعلى نفقته الخاصة، ولم ييأس في أي لحظة من كرم ورحمة الله بل كان واثقا في كرمه وأنه سيمد في عمره لينهي بعض تفاصيل مشروعه الأدبي وظل يمارس عمله بكل دأب وجدية، لم يستكين ويستسلم للمرض الشرس بل استمر في جميع أنشطته في متابعة العروض المسرحية والكتابة النقدية والإشراف على الرسائل العلمية والمشاركة بالندوات واللجان وحضور كثير من الفعاليات الفنية. كان بحق مثالا يحتذى في الصمود والتحدي والإرادة والصبر على الابتلاء، وقد شاركته في هذه الرحلة الشاقة القاسية شريكة حياته الأستاذة الأكاديمية والفنان المبدعة د.عايدة علام، فكانت بحق نعم الزوجة والرفيقة لدرجة أننا في أحاديثنا الجانبية أطلقنا عليها “ناعسة القرن الجديد”، وهل هناك نموذج للصبر والتحمل أفضل من “ناعسة” التي رافقت زوجها “أيوب” فكانت خير مثال للصبر على الابتلاء والإيمان بقضاء الله. وإذا كنت أتوجه إليها بكل الشكر والتقدير والاحترام لقيامها بواجبها على خير وجه فاطمئنها بأننا جميعا قد تلقينا معها العزاء من مختلف المبدعين بالدول العربية الشقيقة فقد كان رحمه الله أخا عزيزا وصديقا غاليا وأتمنى أن نلحق به في الفردوس الأعلى بإذن الله.