أول ما تقدمه الورشة هو تنمية وعى الممثل بجسده كأداة من أدوات التعبير

أول ما تقدمه الورشة هو  تنمية وعى الممثل بجسده كأداة من أدوات التعبير

العدد 743 صدر بتاريخ 22نوفمبر2021

د. فريد النقراشي نجيب، مدرس بقسم علوم المسرح شعبة تمثيل وإخراج بكلية الآداب جامعة حلوان، ومدرس بكلية السينما والمسرح بجامعة بدر، ممثل ومدرب (سينما، تليفزيون، مسرح، تمثيل للميكروفون)، و حاصل على درجة الماجستير فى الآداب- تمثيل وإخراج- عن موضوع «تأثيرات ستانسلافسكي ومايرهولد وجاك كوبو على الممثل عند جروتوفسكي»، بالإضافة إلى حصوله على درجة الدكتوراه فى الآداب أيضًا- تمثيل وإخراج– عن موضوع «تقنيات التعبير الجسدي للممثل في مناهج الإخراج الحداثية».
قدم العديد من المسلسلات التليفزيونية والأفلام السينمائية والأعمال الإذاعية والبرامج المدبلجة، وحصل بعضها على جوائز من مهرجانات دولية، كما قدم العديد من العروض المسرحية منها عرض «الإدانة» إخراج هاني البنا، ومسرحية «اللي شالوا الهمزة» إخراج هشام عطوة، و «كتكوت في المصيدة» إخراج أسامة رؤوف، ومسرحية «جان دارك» إخراج إبراهيم الفوي، ومسرحية «فتافيت الماس» إخراج طارق سعيد.
قدم العديد من الدورات التدريبية وورش العمل- للمصريين والعرب والأفارقة- في مجالي التمثيل والإخراج؛ منها دورات للممثلين المحترفين والهواة، وكذلك قدم دورات تمثيلية علاجية للمتعافين من الإدمان، ودورات للأطفال متفاوتي الأعمار، ومنذ أيام انتهت فعاليات مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، الذى كان لدى د. فريد النقراشي فيه ورشة تفاعلية حملت اسم «الجسد المقدس»، عن الورشة وورش التمثيل وأسئلة أخرى، كان لـ»مسرحنا» معه هذا الحوار.
-حدثنا عن ورشة الجسد المقدس؟ ولماذا سميت بهذا الاسم؟ ومدى تأثيرها على الممثل؟
فكرة الجسد المقدس هى فكرة قديمة جدًا، من أيام المسرح المصري القديم والمسرح الأغريقى، قائمة على أن الممثل عبارة عن عابد يقدم مجموعة من العبادات من خلال جسده، وأول من استخدم هذا المصطلح في العصر الحديث هو جروتوفسكي المخرج البولندى، الذى بدأ يُعيد فكرة إحياء فكرة الجسد المقدس أو قدسية جسد الممثل، بحيث يعمل عليه بشكل حداثى، بمعنى بشكل مضاد للواقعية، لكى يُدخله فى إطار التعبير الجسدى، وبدأ جروتوفسكي يطور مسرحه، ويدخل بالممثل فى حالة من حالات الطقس المسرحى الأشبه بالعبادات الدينية الأولى التى كان يستخدم فيها الجسد كوسيلة للعبادة، ولذلك هذا مصطلح مسرحى قديم حديث، كما تم توضيح ذلك فيما سبق.
خلال الورشة أقوم بتحديث جسد الممثل، بمعنى أننى انتقل من الممثل الواقعى من تعامله مع جسده بشكل وظيفى وصفى، إلى أن يتعامل مع جسده بشكل حداثى تعبيرى، بمعنى يتحول الجسد من كونه آلة وظيفية إلى آلة تعبيرية، وهنا ندخل فى منطقة لغة الجسد والخيال الجسدى والعقلية الجسدية، وكل الأمور التى تستحضر الجسد كعنصر فاعل وأساسي فى العملية المسرحية، وليس عنصرا مكملًا للكلمة أو النص المكتوب.
رآى الحداثيون أن المسرح الواقعي أو التقليدي، ما قبل الحداثة، لا يحقق فائدة حقيقية للمجتمعات، بمعنى أنك حين تجعل المشاهد يدخل فى حالة من حالات التطهير الأرسطي، لا تدفعه إلى تغيير واقعه السيئ، ولكن المنهج الحداثى بشكل عام، يطمح إلى تغيير وعى المشاهد، ويدعو إلى استنفار المشاهد لتغيير واقعه، وأحيانًا يعمل على تحريضه على التطوير من نفسه ومن مجتمعه، ومن ثَمَّ أصبح للتيارات الحداثية رفض تام، لفكرة الإيهام بالواقع، والمتبنى من جميع مناهج ما قبل الحداثه، والتى كانت ترسخ فكرة الإيهام التام ، بمعنى أن تجعل المشاهد يدخل فى وهم الواقع، ويعيش حكاية تخص أشخاص آخرين، يتأثر بها وينفعل معها ويتطهر مع تطهيرها، ولكن واقعه الحقيقي كمشاهد لا يتغير، فالحداثيين بدأو فى كسر هذه الحالة، ومن ضمن وسائل كسر الإيهام وأولها استخدامات الجسد، لأن هنا طوال الوقت أصبح الجسد ليس جسدا مألوفا (ما نراه فى الحياة اليومية)، لكنه أصبح جسدا يحمل معاني ودلالات ورموز، وبذلك أصبح على الإنسان أن يشترك فى العملية الإبداعية فى فك هذه الدلالات والرموز، و المشاهد لم يعد مجرد مشاهد ولكنه تحول إلى مشارك فى العملية الإبداعية، وأصبح له نصيب من الإبداع مثله مثل الممثل. وهذه الورشه تُعيد الوعي الجسدي للممثل، نحن لدينا إشكالية كبيرة فى مسرحنا بشكل عام، هي غياب الحضور الجسدي ، مسرحنا يعتمد فقط على الكلمة، بينما جسد الممثلين تقريبًا طوال الوقت فى حالة حياد، لأن الممثل تعلم أنه يجب أن يهتم بصوته ومخارج ألفاظه وقواعد الإلقاء، وإذا كان الممثل أكثر من ذلك اهتمامًا فهو يهتم بتعبيرات وجهه، إنما الجسد ككتلة واحده، فهو فى حالة غياب تام، فأول ما تقدمه هذه الورشة أنها تُعيد وعى الممثل بجسده كأداه من أدوات التعبير المسرحى، بالإضافة إلى أنها تحقق للممثل عنصر الاشتباك مع الصالة، وتحقق حالة من التواصل مع المشاهد أكثر بكثير من الجسد الواقعي، وأبسط أنواع المشاركة هى إعمال خيال المشاهد، وهو يُشاهد الممثل الذى يستخدم جسده فى التعبير، هنا هى حالة مشاركة، غير المسرح الواقعى، الذى لا يُحرك خيال المشاهد، أنت طوال الوقت تعطيه حالة واقعية عليه فقط أن يفهمها، لكن فى المنهج الحداثى، المشاهد مضطر أن يُعمل خياله، بالإضافة إلى أن ورشة الجسد المقدس تخلق حالة من الحيوية المسرحية لدى الممثل غير موجوده لدى المنهج الواقعى، تجعل لديه صوره بصرية لجسده على المسرح بصرف النظر هل هذه اللحظة بها حديث أو صامته، لأن اعتماده الأول يكون على الجسد.

- ما هى النقاط التي تركز عليها فى تعليم المتدربين، سواء في الورش النظرية أو العملية؟ وحدثنا أيضًا عن أنواع ورش التمثيل المختلفة التي تقدمها؟ 
أهم ما أقوم بالتركيز عليه مع الممثل هو تغيير الوعى، لأننى مؤمن أن أى نشاط بشرى يقوم به الإنسان إن لم يُبنى على أفكار حقيقية، يكون مجرد مهارات خارجية ليس لها قيمة، ومن هنا أنطلق من فكرة فلسفة الفن وماهية التمثيل، ولماذا نُمثّل؟ وما المطلوب من المُمثل؟ وما هى الطموحات والنقاط الواضحة المأمولة فى مشوار الممثل الفنى؟، كل هذه النقاط يجب أن تكون واضحة أمامى، فعندما اختار الطريق الذى أريد أن أسلكه، يكون طريقا واضح المعالم، حتى لا يفقد الممثل هدفه فى منتصف الطريق ويشعر بالإحباط، لذلك فى المراحل الأولى فى أى ورشة يجب أن أهتم بفكرة الوعى، وبمجرد أن يصل المتدرب إلى درجة مُعينة من الوعى، أبدأ فورًا فى ممارسة التدريبات الحرفية الخاصة بالورشة نفسها. كما أقدم أنواعا متعدده من الورش كلها تدور حول فن التمثيل، منها ورشة حول فن التمثيل السينمائى والتليفزيونى ومنها ورش خاصة بحرفية الممثل التقليدية وورش الارتجال ومنها الورش الخاصة بالجسد التعبيرى الحداثى مثل ورشة «الجسد المقدس»، وهناك بعض الورش التى قدمتها خاصة بالسيكودراما، للتعامل مع بعض الناس المتعافين من الإدمان، وكان أحد أنواع العلاج الذين يحتاجون إليه هو العلاج بالدراما، بمعنى ضم فرق المتعافين من الإدمان لمجموعة عمل تدريبية، ونبدأ العمل معهم وكيف يعبرون عن أنفسهم وعن حياتهم وتجاربهم الذاتية من خلال المسرح والدراما، وهذه تُعد من التجارب المهمة فى حياتى، واكتشفت أثناء تدريب هؤلاء المتعافين، أن لديهم طاقة إبداعية مهولة، كانت مهدرة مع الإدمان، وبمجرد أن وجدوا مجالا آخر للتميز وتحقيق ذاتهم اتجهوا فيه بقوة شديدة، والرائع أنهم قدموا مجموعة من المشاريع الفنية، من وجهة نظرى تفوق مشاريع كثيرة لمتدربين أصحاء لم يُصابوا بالإدمان.

-كيف تدعم المسرحيين الشباب من خلال هذه الورش؟
عندما عُرض على أن أقدم ورشة «الجسد المقدس» فى مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابى، وعلى الرغم من الإرهاق وبُعد المسافة، إلا أننى سعدت جدًا بتواجدى فى هذا المهرجان، وهذه هى المرة الأولى، لأننى أرى أن هذا نوع من دعم الشباب، وهو جزء من إحساسي تجاه هؤلاء الشباب الموهوبين، بالإضافة إلى أنني أحاول أن أدعم الشباب من خلال تدريسي فى الجامعات، سواء فى كلية الآداب قسم مسرح بجامعة حلوان، وفى جامعة بدر كلية علوم السينما والمسرح، وهذا جزء من دورى كأستاذ مع الطلبة الذين سيصبحون مستقبلًا فنانى المسرح، وكل ما يُتاح لى فرصة لكى أدعم الشباب لا أتردد.

- ما النصائح التى تقدمها لشباب الممثلين فى بداية حياتهم؟
هناك نقطتين أساسيتين يجب أن يضعهما أى شاب فى بداية طريقه الفنى وبخاصة المسرحى أمام عينه، النقطة الأولى، ليس شرطًا أن يكون لك مثل أعلى فى التمثيل، لأن هذه النقطة قد تحبطك فى البداية وقد تمحى معالم الشخصية للممثل ومناطق التميز لديه، من الممكن أن تأخذ من سبقوك فى هذا الطريق سيرة كفاح، وليس ذلك بالضرورة أن تكون تلك السيرة، سيرة ممثل، من الممكن أن تكون شخصيات عامة، ومعنى قدوة أنك تسير على طريقته، أما النقطة الثانية فهى يجب أن يكون لدى الممثل قدرة على الاختلاف والتميز وكسر المألوف، من الضرورى بالتأكيد أن يتعلم المتدرب أو الطالب قواعد التمثيل، ولكن يجب أن يتعلم معها أساليب التمرد على هذه القواعد، بمعنى أدق أن يتعلم فن كسر القواعد بوعى وحكمة، ومن وجهة نظرى أعتقد أن المسرح التجريبى قائم على هذه الفكرة، أن تعرف القاعدة وتطبقها ثم تقوم بكسرها، ولكن للأسف الممارسات التجريبية التى تحدث فى الوطن العربى، أن الفنان قبل أن يتعمق فى القواعد ويدركها يتمرد عليها!، كما ذكرت سابقًا يجب أن يتعلم الممثل فن كسر القواعد.

-ما رأيك في انتشار الورش الفنية وبخاصةٍ التمثيل والإخراج؟ ما هى معايير اختيار الورش الفنية؟ وما هى الأسس والمعايير التى يجب أن تتوفر فى المدرب الذى يقدم تلك الورش؟
ليس لدى مشكلة فى انتشار الورش الفنية، المشكلة الحقيقية تكمن مع عدم وعى المتدرب، فيكون عرضه للمدعين، يجب أن يكون المتدرب لديه وعى بالورشة التى سوف يلتحق بها ولماذا قرر أن يلتحق بها؟ والمُدرب يجب يكون لديه منهج ومادة علمية واضحة، ويجب أن يكون لديه قدره على تطوير الممثل، هناك فرق بين الأستاذ والمدرب، الأستاذ الجامعى يمتلك مادة علمية، ولكن المدرب يجب أن يكون لديه قدره على الإبداع وأن يطور أدوات المتدرب ويتحرك بها فى حالة صعود وتميز، فى حالة عدم توافر هذه النقاط، من وجهة نظري فإن هذا الشخص غير مؤهل  لتدريب الممثل.

-ما رأيك في المهرجانات المسرحية وأهميتها؟ وكيف يتم دعمها والاستفادة منها كحدث فني ثقافي؟ وحدثنا عن أبرز ما ميز مهرجان شرم الشيخ هذا العام؟
المهرجانات تجعل هناك التقاء ثقافات ما بين الشعوب وما بين التيارات المسرحية فى العالم كله، وهذا شئ مفيد جدًا، حتى لا يتحول المسرح إلى فن مقروء، الرؤية تجعلنا نرى أعماق أخرى ومفاهيم أخرى، من المستحيل أن تصل لنا من خلال كتاب مقروء فقط، بالإضافة إلى أن الفن المسرحى هو فن عالمى، فى أهم فترات المسرح المصري فى الستينيّات، كان المسرح المصري له طابع مميز على مستوى الكتابة والإخراج وكل عناصر العرض المسرحى، وفى هذه الفترة كان المسرح متجه إلى النصوص العالمية والتيارات المسرحية العالمية، فكرة التواصل مع العالم من خلال المهرجانات، فكرة شديدة الأهمية، وبخاصة أن ليس كل المسرحيين، وبخاصةٍ الشباب، قادرين على السفر إلى الخارج ومشاهدة العروض العالمية، فالحل الوحيد تواجد العروض العالمية واستضافتها فى مصر من خلال هذه المهرجانات، بالإضافة إلى أن من ضمن فعاليات المهرجانات الندوات والورش الفنية، وهى تعمل على تطوير وعى وإمكانيات الممثل المسرحى المصرى، وهناك بُعد آخر، أن العرب والأجانب يتعرفون على مسرحنا، فالفرق المستضافة ليست قادمة لعرض أعمالها فقط، ولكنها ايضًا تُشاهد المنتج المصرى من مسرح وعروض مسرحية حية. وقد لمست حالة من التنظيم متخصصة وجيدة جدًا فى مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابى، مجموعة من الإداريين والفنيين والكوادر الذين يقومون بعملهم بشكل منظم وجيد جدًا، ولمست مشاركة جيدة جدًا من عدد كبير من الفنانين العرب والأجانب والمصريين، بشكل ملحوظ وملفت، وهذه إيجابية تُحسب للمهرجان، بالإضافة لفكرة إقامة المهرجان فى مدينة شرم الشيخ، كل ذلك يضيف للمهرجان، لأنها مدينة ساحرة، وحقيقة واضحة وملموسة أن نجاح هذا المهرجان بسبب إدارة الفنان مازن الغرباوى رئيس المهرجان، لأنه بالفعل يقابل تحديات كبيرة، وبخاصةٍ أن المهرجان دولى، وهو استطاع رغم كل هذه التحديات أن يقدم هذا المهرجان المسرحى المختلف، الذى يُعد إضافة مسرحية مهمة جدًا. 

- هل لدينا أزمة فى كتابة النصوص المسرحية؟ أم أن المخرجين هم من لا يبحثون عن النصوص الجديدة الجيدة؟
نحن لدينا أزمة فى الإبداع المسرحى، وليست الإشكالية فى النصوص المسرحية، يستطيع المبدع أن يكون مبدعًا أكثر كلما ساء النص، فالنص الذى نسميه مفكك أو ضعيف أو غير جيد فى الكتابة أو سيء، يثير عند المبدع علامات استفهام وتحديات أكثر من النص المُحكم، النص المُحكم إن قدمنا قراءة مسرحية له فسنجده جيد فى حد ذاته، لا يحتاج إلى دعم فنى، أما النصوص الغير جيدة هى التى تحتاج مجهود من المبدع لكى يُخرج شكلا مسرحيا جيدا، فهذه النوعية من النصوص الغير محكمة محفز أكبر على الإبداع، وبالتالى لأن المسرحى تعوّد أن يتعامل مع النصوص بإحكام شديد، فقد تحول من مخرج مفكر إلى مخرج ناقل، وأصبح كل دوره أن يُحوّل النص المُحكم لعرض مسرحي، وهذا لا أراه إبداعا، الإبداع الحقيقي أن يشتبك المخرج مع النص، ويُخرج منه منتجا إبداعيا  مختلفا 
-ما الجديد لديك؟
مستمر فى تقديم ورشى الفنية المتخصصة الخاصة بالتمثيل، وبدأت فى تصوير مسلسل «وش تالت»، إخراج معتز حسام وبطولة حنان مطاوع ومحمود عبد المغنى، ولدى عرض مسرحى، سوف نستأنف بروفاته قريبًا إن شاء الله، وهو «سيدتى الجميلة» على المسرح القومي إخراج محسن رزق.


إيناس العيسوي