التجريب على توظيف أدوات الفرجة الشعبيةفي الدراما المصرية

التجريب على توظيف أدوات الفرجة الشعبيةفي الدراما المصرية

العدد 740 صدر بتاريخ 1نوفمبر2021

كتب الدكتور فوزي فهمي مسرحية ( لعبة السلطان ) عام 1986 ، وعرضت على المسرح القومي في نفس العام من إخراج الفنان نبيل الألفي 
و تمثل المسرحية ثالث المحطات الإبداعية في رحلة الكتابة الدرامية للدكتور فوزي فهمي بعد كتابته مسرحيتيه عودة الغائب التي كتبها عام 1977 ومسرحية الفارس والأسيرة التي ألفها عام 1979 .
تبدأ مسرحية لعبة السلطان بإفتتاحية تقدمها شخصية صاحب الصندوق ومعه مهرجه وخلال ذلك يتم عرض معلومات نعرف أن الناس هجرت الفرجة على صندوق الدنيا ويبرر لها البلياتشو ابن أبي مريم ذلك بالحكايات القديمة المليئة بالقتل والدم في حين الناس بحاجة للفرجة على ما يضحكهم ويسليهم . 
“ صاحب الصندوق : في المساء أذهب لحمام السلطان ، أغسل الجسد الموشوم بالسفر أسلخ عن جلدي صدأ التعب ، ويلملم الشاي الأسود الساخن أعصابي ، وينزع النعاس مني كي أتسامر ، فأنا يا سادة أحب التسامر ، ففي الأمسيات بالمقاهي أعمل أنا ( حكواتي ) وفي النهار صندوق الدنيا للأولاد ، أستعين فيه بالصور ، بالألوان ، لكن الحكايات هي هي واحدة ، والصندوق واحد ( يشير الى صدره ) وأحباري خيوط دم القلب العاشق للأطفال ، للكبار ، فأنا أتبعهم ليل نهار ، أخشى عليهم غابة النسيان . “ (1) .
تدخل شخصية المرأة وتقدم نفسها فنعرف أنها تجمل النساء بالعطور والألوان وتجعلهن جميلات مزينات . وتذهب للبحث عن زبائنها من النساء في الحارات . 
تقول المرأة :
“المرأة : ( تنادي ) المرأة يا بنات ... ندائي هذا مختصر ، أجوب في الصباح كل الحارات أنادي المرأة يا بنات وصناعتي أذواق ، أحمل الطيب وأصناف العطور وحسن يوسف والكحل ، وصبر الوشم والشب . وزبائني الصبايا والنساء اللائي لا يعرفن البكاء أو ضيق الفؤاد ، ما أن يسمعن نداء المرأة يا بنات ، حتى يحطن بي من جميع الجهات ، نداء ( تعالي ) يأتيني من كل شباك وتفتح لي كل الأبواب فأنا أبيع الحسن والنصح للنساء ، ففي مزاج للعطر والبريق وعبق اللبان والدلال ألف ألف حساب ، فلي زوج ( تشير الى صاحب الصندوق في الجانب الآخر للمسرح ) منه أعرف أسرار الرجال “ (2) .
و بينما يستعرض صاحب الصندوق حبه للقاهرة وأنه لا يمكنه مغادرتها يغافلهالبلياتشو ويهرب منه . ولكن تستطيع شخصية المرأة الإمساك به في إحدى الحارات وتأتي به لصاحب الصندوق . ويتم الإتفاق بين الثلاثة على أن يكون موضوع اللعبة هذه الليلة من ألف ليلة وليلة وبالتحديد موضوع هارون الرشيد وجاريته التي أحبها . هنا يكون الجمهور قد أخذ جانب من اللعبة ليشاهد الخليفة هارون الرشيد ومهرجه في جانب من المسرح .
 يبدأ صاحب الصندوق في رواية هم الخليفة الإبن هارون الرشيد حين ماتت حبيبته وجاريته تحت أرجل خيل الخليفة المهدي أبوه أمام عينيه وما تلاه من إختيار أبوه الخليفة زبيدة ابنة أخيه لتكون عروسا لإبنه هارون الرشيد . وقبل موت الخليفة المهدي يختار ابنه الأكبر الهادي خليفة له . وبعد موت الخليفة الأب وتولي الأبن الأكبر الولاية يفكر في الخلاص من أخيه هارون الرشيد . لكن امه تعلم بذلك وترسل له مجموعة من الجواري يجلسن عليه وهو مريض فيموت . ويتولى هارون الرشيد خلافة البلاد . بعدها بثلاث سنوات تموت أم هارون الرشيد خيزرانة مما يجعل هارون الرشيد حزينا دائما لفراقها . ولهذا تزوج هارون ألفين من النساء بحثا عن حنان أمه بلا جدوى ، لكن العباسة أخته كانت تحنو عليه كحنو أمه .
و يستكمل صاحب الصندوق حكايته فيحكي أن الخليفة كان له صديق مقرب له ، بل هو أخوه في الرضاعة اسمه جعفر . فيتساءلالبلياتشو اذا كنت ستلعب دور الخليفة هارون الرشيد فكيف سيظهر جعفر . هنا يتغير المنظر فيتحول الي المسرحية الداخلية. وتدخل شخصية جعفر في زي وزير يشكو العباسة اخت الرشيد من تدخل أخوها هارون الرشيد في موضوع زواجهما . فبعد أن زوجهما حرم عليهما اللقاء وهو ما دفع جعفر للشعور بالمذلة والمهانة منه .
“ العباسة : جعفر أنا حليلتك بعقد القران وشرع الرحمن .. أأصير لك بأمر السلطان حرزا لا يفتح .. أتصدق !!
جعفر : قرار الرشيد يا عباسة هذا يخفي سرا . 
العباسة : ألم يقل لك أنت برمكي وأنا عربية . 
جعفر : وهل كانت ماريا زوجة الرسول عربية .
العباسة : جئت الآن يا جعفر تناقشني ، لم أمام الخليفة كنت تسمع ولا تتكلم .. ؟
جعفر : زلزلني رعب الكلمة ، وانفلتت مني عن مدارها نفسي مازلت اسمع في شرايني هدير رفضه ، عندما سألته الزواج منك ، كلمة مستحيل كانت إجابته .
العباسة : أشهرها صريحة هكذا في وجهك ؟
جعفر : أنا لا أريد يا عباسة أن تصبحي .. أو أصبح لك ذكرى «(3) .
 تطلب العباسة من جعفر أن يكون مهر قلبها له مواجهة اخوها هارون الرشيدي، قائلة لجعفر : 
“ العباسة : جعفر دعني أراك كما أتصور ، تحبني أعرف وتشتهي قربي ، لكني أدرك أيضا حدودي ، ولا شئ في العالم يستدعي أن أصغي كإمرأة وجودي ، سوف أترك لك شراعي ، أخي السلطان يحكم وذلك قدري وأنت يا جعفر رجلي ، وأنا أصبو اليك رجلا يحميني ويأخذني من فوق جبال المستحيل ، ذاك مهري يا جعفر ، أن تواجه وحدك قرار الرشيد (4) .
تترك العباسة جعفر وحده ، وخلال تكنيك المونولوج يناجي نفسه ، قائلا :
“ جعفر : ... أيمر العمر مغموسا في الضياع هكذا ، ما أظلمنا بشر ، أنا وأنت هارون في هذا الكون هل فوق التاريخ وخارجه ؟ أيكون منك أنت الخليفة والأخ والصديق هذا ؟ أي شقاء ؟ .. بل أي خجل ؟ ثمة خلل ، ثمة ظلم ، ثمة شطط ، ثمة شئ في ينفجر ويتمزق ، توشك نفسي على فعل مالا أعلمه ...تراني مع الغد ماذا سوف يجئ ... تراني مع الغد ماذا سوف يجئ ؟ “ “ (5) .
يبدأ موقف هارون الرشيد مع ابن الأشرس الذي يؤنب الرشيد على ما فعل وأنه ليس إلها وانما هو بشر معرض للخطأ فيضيق منه السلطان هارون الرشيد ويأمر جعفر بأن يسجنه معزولا عن الناس لكي لا ينفث سمه في عقول العامة .
“ الأشرس : أنت يا مولاي حر ، وبالعقل حصنت فكلفت ، فإذا كنت معصوما فأنت لأفعالك لا تملك إختيارا ، وعندئذ يسقط التكليف عنك ، حيث لا ثواب على لاشئ ... إذا وقع ظلم منك على الرعايا أو من عمالك فتلك مسئولية إختيارك .
الرشيد : أتراجعني في غير أمرك ؟
الأشرس : أنا لا أسكت ...
الرشيد : ( مقاطعا ) أنت إذن صاحب فتنة ..
الأشرس : لست أطمع في سلطة ، أريد لعقل الإنسان أن يتحرر ، ولا أستخفي بفكري فإيماني قيمة تتخطى شخصي ....
الرشيد : ( ينادي ) مسرور مسرور مسرور ( يدخل مسرور مسرعا ومعه جعفر ، ويتقدم مسرور ناحية الأشرس ، وقد وضع يده على سيفه ويده الأخرى تمتد الى الأشرس ، يسرع جعفر ليحول بين مسرور والأشرس ) إقبض على هذا الزنديق ، ذاك الأشرس يسجن وليمنع في البلاد الجدل وفلسفة الكلام ، ومن الآن توقف ثرثرة الإعتزال ... بغداد لن تكون أبدا مدينة للزنادقة والخطاة ، غيبوه عن وجهي ، ذلك الزنديق ، ليأمن الناس شر التجديف وزنادقة المتكلمين»(6).
تقابل العباسة أخوها السلطان هارون الرشيد وتلمح له عن زواجها بجعفر لكن السلطان يصدها ويؤكد لها أن بيت الملك له احتياجات أهم من ذلك وأن بقاء ملك بني العباس لهو الأهم ، .
يقابل جعفر ابن الأشرس ويلومه على هجومه على السلطان هارون الرشيد . ويحاول جعفر أن يبرر صمته للسلطان على أنه الحب بينما يفسر له ابن الأشرس أنه الضعف وليس الحب . وحين يخبره جعفر عن زواجه الشفوي من حبيبته العباسة دون أن يلمسها يواجهه ابن الأشرس أنه ضعيف الى الدرجة التي جعلته مخذولا أمام قضية حبه وزواجه ويطلب من جعفر أن يترك سجنه لكي لا يجازيه السلطان شرا .
و في مشهد فردي يعبر السلطان من خلال تكنيك المونولوج عن آلامه وأحزانه من فقد الحب من حوله ويظل يصرخ الى أن يدخل عليه جعفر وحين يسأله عن حاله يخبره السلطان بأن كل شيئ من حوله خداع وأنه يريد أن يعرف الحقيقة بنفسه ثم يأمره بأن يساعده في تغيير ثيابه ليبدو أحد العامة ويخوض الساحات والأسواق بنفسه ويسمع بأذنيه ما يدور فيها عنه ويأمره بأن يصحبه في هذه الرحلة .
و بينما هما يهمان بالخروج من القصر يصلالبلياتشو ويصرخ فيهما محاولا معرفة من هما وكيف دخلا القصر . لكنهما يقدمان رشوة مالية له وبينما هما يتحدثان معه تدخل العباسة فيخافالبلياتشو ويتركهما ليذهبا وشأنهما .
تدخل العباسة الى المسرح وتندب حظها في مونولوج طويل وكيف أنها عاشقة ومحرومة ممن تعشق رغم أنه زوجها شرعا وتخرج .
يدخل أبو مريم وحده يؤكد بأن المرأة يمكن أن تفعل أي شيئ في سبيل الحصول على ماتريد حتى أن الشيطان نفسه ليعجز أمامها . وحين يخرج يتوجه صاحب الصندوق الى الجمهور قائلا له أن بضع دنانير قد أخذت عقل ابو مريم ويعد الجمهور بأن يلقاهم بعد أن تحل مشكلته . وبهذا ينتهي الفصل الأول من المسرحية .
في بداية الفصل الثاني تتساءل المرأة عن سر غياب البلياتشو ابن مريم فيجيبها صاحب الصندوق بأن الجوع جعله يهرب منهما بحثا عن ل ليخبرهم بأنه يعمل عند الخليفة وأن الخليفة مهموم ومحزون وأن الخليفة الرشيد يريد علي الزيبق ليعرف ماذا يحدث في مصر الآن .
ينظر صاحب الصندوق الىالبلياتشو بعد خروج المرأة لتشتري بخورا من أجل اصلاح حال الخليفة وتسأله صراحة عن هويته فيرتديالبلياتشو ثوبا من صندوق الملابس ويخبره أنه البهلول أحمد ابن الرشيد .
تدخل المرأة وقد أحضرت البخور من أجل الخليفة الحزين فيخبرها صاحب الصندوق أن الخليفة لا يؤمن بالرقية . هنا يتحولالبلياتشو الى راوي ويتحدث عن حال العباسة التي تحول حالها الى تعاسة وحزن .
تتحول المرأة بعد أن ارتدت ملابس العباسة التي تخفيها في الصندوق وتصبح العباسة في مونولوج أمام مرآتها تتحدث أنها مازالت تتجمل من أجل زوجها المحرومة منه جعفر . وحين تخرج العباسة يظهر الخليفة الرشيد يعرض ألمه في مونولوج يعبر فيه عن ألمه من فقده أمه الخيزران وأنه يعاني الوحدة ويقرر أنه لا بد أن ينزل الى الأسواق متخفيا ليرى شئون بغداد على طبيعتها بعدها يتحول المنظر المسرحي الى حانة يدخل اليها ليجد العامة تسخر من السلطان الذي تزوج بألفين من النساء وحين ينتبهوا لوجود الخليفة وجعفر المتنكرين يسألوهما عن هويتهما ولا يجد الخليفة مهرب الا بقوله انه من مصر .
يكتشف الخليفة رأي العامة من أهل بغداد وما يعيشون من معيشة صعبة بسبب الوزير جعفر وأن القاضي يرفض ما أمره به الخليفة أن يظل جعفر زوجا للعباسة دون أن يلمسها أو يختلي بها كحليلة له .
و في المشهد التالي حيث حجرة الخليفة هارون الرشيد يبكي وحدته يتدخل البهلول ابن مريم فيحكي له البهلول حكاية عن أميرة أرادت أن تختار زوجا لها فوضعت مسابقة من يناولها نقابها قد فاز بها زوجة لكن الشرير يستطيع أن يناولها النقاب ويتزوجها وتعيش معه في عذاب . ثم يذكر للخليفة أن الموت هو النهاية لكل شيئ وأن الدنيا كلها حدث عارض سوف ينتهي يوما ما .يواجههالبهلول بما فعل الخليفة طوال حياته في جاريته وحبيبته زبيدة ويؤكد له ان الحقيقة الوحيدة في هذه الدنيا هي الموت فيأمر الخليفة بإخراج البهلول .
تعود العباسة لتزلزل سكينة جعفر وصمته لأمر الخليفة في موضوع زواجهما وتعترف له أن من كانت في حضنه ليلة أمس ليست جارية وانما هي تجرأت وتخفت لكي تعيش لحظة عشق مع من تحب ، تقول العباسة مواجهة جعفر : 
“ العباسة : لا تكمل ، فالجارية التي كانت أمس في فراشك أمس هي أنا ، زوجتك ، وعندي من أمسك تذكار .. هل تنكر ؟ “ (7) .
يزور جعفر الأشرس في سجنه ويبث ما في نفسه اليه من أحزان فيرده الأشرس أنه رضي بحياة العبودية للخليفة ومخالفة شرع الله في ملكه ثم يزيد بأن يضع له معادلة لحل مشكلته : اما العباسة أو فلتقطع رأسه بنبل ورجولة مما يدفع جعفر الى اخراجه من السجن ويطلب منه كثائر أن يقف الى جواره في رد ظلم الخليفة عنه وعن ظلم الناس وينتهي المشهد بدخول الخليفة ليجد قيوم الأشرس مرمية في السجن ويكتشف هروب الأشرس .
بعد أن اكتشف الخليفة هروب الأشرس من سجنه يبدأ مشهد المكاشفة بين الخليفة وجعفر ويخبره أولا بأنه أطلق سراح الأشرس من سجنه لأنه الخليفة الأقوى ثم يبدأ في نسج حيله العقلية عليه حين يأتي البهلول فيروي للخليفة ما يقال في الأسواق من أن الأشرس باح بسر عظيم للخليفة وهو سر أن جعفر خان الخليفة فعفى الخليفة عن الأشرس وقرر ايداع جعفر في السجن . وحين يواجه جعفر الخليفة بأن الأشرس لن يوافق على هذه اللعبة يؤكد له الخليفة أن الأشرس يريد الحرية واذا ثار مرة اخرى سيتهمه بأن ما قاله عن جعفر كذبا ويعدمه ويطلق سراح جعفر .
يطلب درويش مقابلة العباسة ثم يكشف عن نفسه أنه الأشرس وقد تنكر ويتحدث الى العباسة بأنها هي التي تحمي الخليفة ويحكي لها أنه بعد موت الخزيرانة ام الرشيد لم يجد الخليفة سوى اخته العباسة سببا للحياة بينما يقوم الخليفة بقتل أسباب حياتها ووأد مستقبلها مع جعفر ثم يخبرها عن نية الخليفة بقطع رأس جعفر حبيبها فتقرر العباسة بأنه لن يحدث هذا ولن يستطيع الرشيد قتل حبيبها جعفر .
يقابل جعفر العباسة وبينما هي تحاول ان تقنعه بالهرب من بطش الخليفة يرد هو أنها ستكون المواجهة على أن يكون الأشرس طليقا لكي يثأر لكل المظلومين ويستتب العدل في بغداد .
تواجه العباسة هارون أخوها وتعترف له بأنها عاشرت جعفر وأن جنينه في أحشائها ثم تخيره بين العدل او الموت وهي تقصد أن يعدل معها ومع الناس أو يتركها تموت في صمت وحين يأتي بهلول ويخبر الخليفة أن جعفر هرب من القصر يخبره بأن يسأل مسرور ثم يوجه حديثه لأخته قائلا : جعفر فارسك يا عباسة في وهج الظهيرة ذبح فتنهار العباسة .
“ البلياتشو : ذهبت أبحث عنه في القصر فلم أجده .. وسألت عنه قيل لم يره أحد ..
الرشيد : وماذا أيضا ؟
البلياتشو : هكذا فقط .
الرشيد : ( لحظة تفكير ) ألا يرددون أن كل بيوت البرامكة قد دمرت ؟
البلياتشو : كلا يا مولاي .
الرشيد : سيرددون إذن .
البلياتشو : قد يكونون الآن يرددون .
الرشيد : وسألت عن جعفر من ؟
البلياتشو : سألت نفسي عندما دخلت القصر ولم أره .. فقلت لنفسي اذن فإن جعفر قد هرب . 
الرشيد : أولم تسأل مسرورا ؟ « (8) .
يتحول المنظر المسرحي الى احدى حارات مصر حيثالبلياتشو يحمد الله أنه في مصر ويعترف للاعب بأنه راضي بعيشته في مصر بعيدا عن القصور ومؤامرات الحكام ويهنأ بالأمن في المحروسة بما رزقه الله من رزق طيب فيعلن صاحب الصندوق أن حلم العمر هو الستر والعدل وبينما هما يتحدثان تدخل المرأة وتسألالبلياتشو هل عدت الى سابق عهدك واستفقت فيخبرهاالبلياتشو نعم .
و يمكن أن نقسم حدث مسرحية لعبة السلطان الى ثلاث مراحل عند دراسة حدثها . المرحلة الأولى تستمر أغلب الفصل الأول وفيها يعرض الكاتب القضية المطروحة خلال المسرحية وصفات الشخصيات المحركة للأحداث .ففي هذه المرحلة نعرف أن صاحب الصندوق هو حامل صندوق أقنعة شاب ناضج عرف الحياة حلاوتها ومرارتها تساعده زوجته المرأة التي تعمل بتجميل الفتيات الى جانب مساعدتها لزوجها صاحب الصندوق على الصندوق وتشخيص بعض شخصيات رواياته التي يعرضها على الجمهور في الشوارع والحارات وأن أخيها يلعب دورالبلياتشو وهو يضيق من هذا العمل الذي يدر عليهم دخلا قليلا لا يسد جوعهم . ويتمنى بعد أن أمسكت به اخته في محاولته للهرب منهما يتمنى أن يذهب ليعمل بهلولا في قصر السلطان هارون الرشيد طمعا في أكل اللحم وشرب الخمر ومداعبة الجواري . وحين يعرض شكواه للاعب يتم اختيار حكاية هارون الرشيد ليعرضها على الجمهور لما بها من لوع الحب والفراق التي تختلف عن الموضوعات التي كان يقدمها صاحب الصندوق والمليئة بالقتل والدم .
و هنا تبدو القضية الأساسية التي تثيرها المسرحية وهي القهر . قهر الظروف للاعبي صندوق الدنيا والتي تجعلهم يقضون الليالي ببطون خاوية . والأمل في الهرب من هذا الواقع المؤلم الى واقع أكثر سعة ورغد وغنى خلال تشخيص موضوع هارون الرشيد سلطان بغداد .
و يبدو من سرد أحداث مسرحية ( لعبة السلطان ) استخدام الكاتب لإحدى أدوات الفرجة الشعبية وهي ( صندوق الدنيا ) . وصندوق الدنيا عبارة عن صندوق يحمله لاعبوه على كتفهم بحزام ويعلوه من أعلى عروستان من اليمين ومن اليسار ، وفي جهته المواجهة للجمهور ثلاث عدسات كبيرة على هيئة دائرة قطرها 5 سم ، ويضع اللاعب الصندوق على حامل له ، ويضع أمامه أريكه يجلس عليها ثلاثة أطفال ، ينظر كل طفل في العدسة المواجهة أمامه ، ويغطي اللاعب رؤوس الأطفال من الخلف بستارة سوداء لكي يروا الصور المتحركة أمامهم واضحة . وفي داخل الصندوق شد شريط بين العروستين رسم عليه قصة مسلسلة مصورة ، يحركها اللاعب من خلال احدى العرائس ليتحرك الشريط وتتغير الصور أما عيون الأطفال . وخلال هذه المشاهدة يروي اللاعب القصة بطريقة مشوقة ومحفزة للأطفال الذين ينتظرون دورهم لمشاهدة العرض .
هذه الأداة الشعبية تلف القرى والمناطق الشعبية بكثرة ، خاصة في الموالد والأعياد حتى يومنا هذا . 
يستثمرها الدكتور فوزي فهمي ليقدم تجربة مسرحية جديدة تستثمر هذه الأداة في تقديم عمل يتصف بالشعبية على مستوى التكنيك . واذا قسمت المسرحية موضوعيا فإنه يمكن تقسيمها الى ثلاثة أجزاء :
1 – صاحب الصندوق يتفاوض مع البلياتشو والمرأة في تقديم لعبة مثيرة للجمهور .
2- اللعبة الداخلية وهي الخاصة بالموضوع التاريخي حيث الإنتقال الى عصر هارون الرشيد وعرض مأساته بوفاة أمه الخيرزان وصديقه جعفر وشقيقته العباسة التي تريد معاشرة زوجها دون إرادته ، وهو الخائف على زول ملك أبيه الى البرامكة .
3 – عودة صاحب الصندوق ليقدم العبرة من التاريخ وو يتحدث عن نعمة الحياة في المحروسة .
و هذا يبين الى أي مدى تعتمد المسرحية على تكنيك المسرح داخل المسرح ، حيث تبقى 
الموضوع الذي يشخصه صاحب الصندوق هو اللعبة الداخلية أو المسرحية الداخلية وتبقى اللعبة الخارجية أو المسرحية الخارجية متمثلة بوضوح في حياة صاحب الصندوق قبل وبعد اللعب .
و إذا كانت المسرحية على مستوى تكنيك الكتابة تعتمد على مفردة صندوق الدنيا الشعبية ، إلا أن اللغة المصاغة بها المسرحية ، كما هو واضح من النماذج الحوارية المقتبسة ، هي لغة عربية رصينة أقرب الى الشعر . وهي لغة لا تناسب طبقة العامة ، وإنما تناسب طبقة الخاصة من المثقفين .
و يلاحظ أيضا أن هناك فارقا بين زمن المسرحية الخارجية وزمن المسرحية الداخلي ، فزمن المسرحية الخارجية هو زمن قراءة أو مشاهدة المسرحية ، أما المسرحية الزمانية فتعتمد على زمن يغوص في القدم الى عصر هارون الرشيد .
و كما أن هناك فارقا في الزمن بين المسرحيتين الخارجية والداخلية ، هناك أيضا فارق آخر في المكان ، حيث تقع أحداث المسرحية الخارجية هنا في القاهرة ، بينما تقع أحداث المسرحية الداخلية هناك في بغداد .
ويعرف الدكتور إبراهيم حمادة مصطلح مسرحية داخل المسرحية بأنه : 
“ عرض مسرحي يقدم جزئيا أو كليا داخل المسرحية المعروضة “ ( 9 ) .
و ترى الدكتورة نهاد صليحة أن مسرحية ( لعبة السلطان ) تتميز بمجموعة من الصفات توجزها في قولها :
“ يتحقق التزاوج بين الصيغة الشعبية والصيغة المأساوية في المسرحية ، من خلال صيغة المسرحية داخل المسرحية ، تلك الصيغة التي تنتقل بفن فوزي فهمي المسرحي من عالم المسرحية التقليدية المطعمة ببعض عناصر المسرح الملحمي كالكورس في عودة الغائب ، أو الموتى في الفارس والأسيرة مثلا الى عالم الموديرنية والميتاثييتر أو المسرح داخل المسرح الذي يعترف بهويته كلعبه ويرفض مبدأ الإيهام التام . وتبرز عناصر الميتاثييتر بوضوح في المسرحية في تغيير الملابس على خشبة المسرح بصورة دائمة سواء في المسرحية الخارجية حين يتقمص صاحب الصندوق وفرقته الشخصيات التاريخية أو في المسرحية الداخلية حين يتنكر جعفر والرشيد في زي العامة أو حين تتنكر العباسة في زي جارية « (10) .

الهوامش
د. فوزي فهمي : لعبة السلطان ( مسرحية ) . القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1992 . ص 25 .
المصدر السابق ، ص 24 ، 25 .
المصدر السابق ، ص 47 .
المصدر السابق . ص 48 ، 49 .
المصدر السابق ، ص 49 ، 50 .
المصدر السابق . ص 53 ، 54 ,
المصدر السابق ، ص 120 .
 المصدر السابق ، ص 150 ، 151 .
د. إبراهيم حمادة : معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية . القاهرة : مكتبة الأنجلو المصرية ، 1994 . ص233 .0
نهاد صلحية : أمسيات مسرحية . القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب ،1987 . ص81 .


أحمد عصام الدين