مشاركة قصور الثقافة في المهرجان القومي للمسرح تؤكد أن بعض الهواة أكثر احترافية من المحترفين

مشاركة قصور الثقافة في المهرجان القومي للمسرح تؤكد أن بعض الهواة أكثر احترافية من المحترفين

العدد 737 صدر بتاريخ 11أكتوبر2021

دائما أحرص على مشاهدة عروض الهواة التي تقدم في المهرجان القومي للمسرح، خاصة عروض قصور الثقافة، لأنها تمثل محافظات بعيدة عن القاهرة ولا يتسنى لنا فرصة مشاهدتها إلا من خلال مشاركتها في المهرجان، كما أنني دائما ما أجد بها بعض الهواة ممن يكونون أكثر احترافية من المحترفين، وقد شاركت إدارة المسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة الفنان هشام عطوة، في المهرجان القومي للمسرح في دورة الرابعة عشرة هذا العام 2021 التي جاءت تحت عنوان «الكاتب المصري» وانتهت فعالياتها منذ أيام، بخمسة عروض مسرحية متميزة، هي: «الظل» قصر ثقافة الأنفوشي، «آه كارميلا» قصر ثقافة مصطفى كامل، «كيفن» نادي مسرح الزقازيق، «مهاجر بريسبان» قصر ثقافة الأنفوشي، النداهة مركز الجيزة الثقافي.

 «الظل» لفرقة قصر ثقافة الأنفوشي إخراج سامح الحضري، إعداد طارق عمار
امأخوذ عن نصه «السيد آدم والسيدة إيفا» ونص «هو الذي يصفع» للكاتب الروسي ليونيد أندرييف، الذي تدور أحداثه داخل سيرك بفرنسا، وتتمثل الشخصية الرئيسية في شخص غريب غامض يبلغ من العمر 39 عاما «هو» لم يُكشف عن اسمه أبدا للجمهور. «هو» يفر من زواج فاشل وينضم إلى السيرك كمهرج. يقع «هو» في حب الفارس كونسويلو، ابنة الكونت مانشيني. يدفع الكونت كونسويلو للزواج من بارون رينيارد لتحقيق مكاسب مالية. «هو» سمم كونسويلو، وانتحر البارون رينيارد في حالة من اليأس، ثم «هو» يشرب السم بنفسه في النهاية.
ومن خلال هذا الإعداد أوجد الكاتب/ المعد لبطل العرض «هو» تاريخا أو دافعا قويا يجعله يترك حياته كأستاذ جامعي ومفكر ويعمل في سيرك ويتحول من البروفسير آدم إلى «هو الذي يصفع»، ذلك بعد أن اعترفت له زوجته بأنها خانته مع تلميذه النجيب وحامل منه، وهي الصفعة الأكبر التي من الممكن أن يتعرض لها أي إنسان وهي قادرة على نقله من القمة إلى القاع. ولا شك أن وجود عالم في هذا المجتمع «السيرك» لا بدّ أن يُحدث به تغييرا كبيرا، فبعد أن كان غارقا في أبحاثه النظرية التي ستغير العالم أتته الفرصة لتطبيق هذه النظريات على الواقع وبالفعل نجح في تغيير واقع كل من يعملون بالسيرك ويحل كل مشاكلهم، تطبيقا لنظريته الأشهر أو مقولته (القدر لا يأتي صدفة كل شخص قادر على صنع قدره)، حتى تأتي زوجته في النهاية وتعترف له بالحقيقة وهي أنه لم تخنه وأن هذا الطفل الذي تحمله هو ابنه. يتميز العرض بالأداء التمثيلي لجميع الممثلين المشاركين فيه: أحمد عسكر، إنجي حسام، محمد مسعد، ياسر مجاهد، نادر محسن، شريف غانم، سارة ممدوح، أنغام الغنيمي، أحمد عامر، سارة فؤاد، مروان سليمان، خالد نبيل. والراقصون ولاعبو السيرك: محمد هارون، سيد أحمد، أشرف قباري، جانا عمرو، شيماء ماهر، كذلك الديكور الذي صممته دنيا عزيز ويعبر عن السيرك برسوماته وألوانه المبهجة التي على العكس تماما من منزل «هو» الذي كان يعيش فيه مع زوجته، وهو ما عمل على توصيل فكرة الحياة المملة والرتيبة التي كان يحياها الزوجان معا. دينا عزيز قامت بتصميم الملابس أيضا التي لائمت كل شخصية من شخصيات العرض. وموسيقى عبدالرحمن بدوي التي عبرت بقوة عن كل موقف في العرض، كذلك إضاءة إبراهيم الفرن الحاضرة بقوة وكانت مشاركا رئيسيا في كل أحداث العرض.  
«آه كارميلا» لفرقة لقصر ثقافة مصطفى كامل، وهو ديودراما مسرحية تأليف خوسيه سانشيز سينسترا، دراماتورج وإخراج أشرف علي، بطولة: ماريا أسامة، محمد فريد، ديكور وملابس دنيا عزيز، موسيقى معتز مجدي، عرائس ماجد عبدالرازق، استعراضات محمد عبد الصبور، وتدور أحداثه خلال فترة الحرب الأهلية الإسبانية التى كانت بين القوميين والجمهوريين، وتسببت فى موت الكثير من المواطنين، ويحكي قصة اثنين من الممثلين الشعبيين وهما «باولينو وكارميلا»، وهما يتجولان فى كل المدن من أجل تقديم عرضهما بعد أن أجبرا على ترك مسرحهما جراء أحداث الحرب، وصادف أن قدما عرضهما أمام الجنرال فرانكو قائد القوات المعادية لمدينته ولكن «كارميلا» ترفض تقديم العرض وتواجه بكل قوة الجنرال والضباط الذين معه، و»باولينو» ترك «كارميلا» تموت من أجل أن يعيش، ولكن عاش بخياله بأنها ما زلت على قيد الحياة وتلتقي به كل يوم على المسرح. 
وهذا العرض من وجهة نظري يعتبر من أقوى العروض التي شاركت في المهرجان حيث الأداء التمثيلي الأكثر من رائع لبطليه، الذي تنوع بين التمثيل والرقص وتحريك العرائس والغناء باللغة العربية والإسبانية والمايم، والتعبير الحركي الذي صممه محمد عبدالصبور، والقدرة الهائلة على تغيير الأداء الصوتي لهما. ديكور دنيا عزيز التي نجحت من خلاله في بناء مسرح داخل المسرح حيث عربة المسرح المتجولة التي تستخدم كمنزل أيضا لإقامتهما، كما تميزت الملابس التي صممتها أيضا بالتعبير عن زمكانية الأحداث، فضلا عن شياكتها وأناقتها وألوانها المبهرة خاصة ملابس كارميلا. وعبرت إضاءة أحمد طارق بدقة عن سخونة الأحداث وصعوبتها ولحظات الحزن وهما يجتران معاناتهما من جراء الحرب. 

«كيفن» لنادي مسرح الزقازيق تأليف أحمد عبدالرازق، إخراج حسام ياسين،
بطولة: محمود رفعت «كيفن»، محمد صابر «سوتخ»، آلاء رمزي «بيري»، وليد نبيل «روبن روس»، علي مصباح «مارك»، ناردين فارس «ليندا»، ممدوح «هاري». 
«كيفن» من العروض المحيرة بالنسبة لي، فعلى الرغم من كونه من تأليف كاتب مصري، فإنه اختار مجتمعا غربيا تدور فيه الأحداث وكذلك أسماء الأبطال أيضا، وأرى أن أهم ما يميزه هو الإضاءة التي صممها ممدوح الرفاعي واعتبرها البطل الأول للعرض، والتي لعبت دورا كبيرا في الأحداث وعبرت بدقة عن تفاصيل العرض وهي العنصر الجمالي الأهم ثم الأداء الحركي الذي قام به: شهاب حسين، أحمد عبدالكريم، عبدالرحمن عبدالنعيم، عبدالله علي، بدر محمد، عبدالرحمن خضر، بلال طارق، هشام خالد، محمود أيمن، وللأسف لم يذكر بالبانفليت اسم المصمم.
وفيما يتعلق بالأحداث فهي مستهلكة، وقد تم تقديمها كثيرا من خلال المسرح والسينما أيضا، ولعل أهم النصوص التي تناولت الفكرة نص «فاوست»، والتي تدور حول قصة شخص فقير يقوم بإبرام عقد مع الشيطان لتحقيق أحلامه، لكن يكتشف بعد فوات الأوان أن المقابل الذي دفعه أكبر بكثير من المكاسب التي حصل عليها، وفي النهاية يخسر كل شيء حتى نفسه.
أما الأداء التمثيلي، ففيه الكثير من نقاط الضعف فالأب على سبيل المثال يبدو أصغر سنا من حبيب ابنته، كما أن البطل أمسك بعصاة وقال إن صحته تدهورت ولم يعبر عن ذلك مطلقا بأدائه التمثيلي.

«مهاجر بريسبان» لفرقة قصر ثقافة الأنفوشي، تأليف جوج شحاذة، دراماتورج وإخراج جمال ياقوت
حين أذهب لمشاهدة عرض مسرحي معد عن نص عالمي، يتبادر إلى ذهني سؤال هو لماذا يقوم كاتب بإعداد نص عن كاتب آخر؟ فلا بد أنه يهدف بذلك إلى شيء ما، وفي نص «مهاجر بريسبان» تبادر إلى ذهني سؤال آخر بجانب هذا السؤال هو لماذا كتب جورج شحادة هذا النص بالفرنسية رغم إجادته للعربية؟ وربما من وجهة نظري أن الإجابة على السؤالين واحدة، فكل منهما أراد أن يقول ويؤكد على شيء واحد هو أن القيم المالية للعملات: الجنيه، الدولار، الين، الدينار.. إلخ، تختلف وتتغير عبر الأزمنة والأماكن المختلفة، بينما قيم الشرف والأخلاق واحدة في كل زمان ومكان.
وبالنسبة لهذه النسخة تحديدا من عرض «مهاجر بريسبان» التي أعدها دكتور جمال ياقوت، فقد عبر عن هذه القيم –من وجهة نظري- من خلال ارتكازه على جمال الصورة في طرح رؤيته، وقد نقلها لنا المعد/ المخرج في هذه القصة كما هي من دون أن يغير بها أي شيء، بينما اعتمد على جمال الصورة كما أوضحت فيما سبق، فالديكور عبارة عن شجرة كثيفة ووحيدة فوق تبة مرتفعة وعمود إنارة واحد، كما تظهر القرية من خلال لوحة في عمق الخشبة وباتساعها، تلعب الإضاءة بها دورا كبيرا لإظهار تفاصيلها، كما تظهر إضاءة الشجرة ثابتة على الجذع متحركة على الأغصان والأوراق، تثبت وتتغير ألوانها مع كل مشهد، كما تقوم ماكينة الدخان بدور الشبورة، ثم تكتمل الصورة بالمؤثرات الصوتية: صهيل خيل، ونباح كلاب، وخرير ماء، ومطر ورعد التي تلعب دورا كبيرا لتبرز ملامح القرية في ليلة شتوية طويلة، يمتد طولها بطول هذه الواقعة.
ولم يكتفِ بذلك، بل أضاف عنصرا مهما، لعب دورا كبيرا ليس في جمال الصورة فحسب، بل على مستوى الدراما أيضا، هو «الكريوجراف» الذي صممته الفنانة كريمة بدير، وما يوحي من حلقة الصراع التي دخلها الأزواج الثلاثة، من خلال الحركة والسكون والابتعاد والاقتراب مع ملاحقة الإضاءة التي تلعب دور الكاميرا أو عين المتلقي التي تنتقل من حالة إلى أخرى، كذلك الملابس التي تشير إلى زمكانية الأحداث والفوارق الاجتماعية بين سكان القرية وكذلك رجال الشرطة.

النداهة لفرقة مسرح مركز الجيزة الثقافي، وأحداثه مأخوذة عن الفيلم السينمائي «عرق البلح» للمؤلف والمخرج الراحل رضوان الكاشف، دراماتورج محمد عبدالمولى
 حيث تدور الأحداث فى إحدى قرى جنوب الصعيد الفقيرة مما اضطر الرجال إلى السفر بعيدا طلبا للرزق، وبقيت القرية ممتلئة بالأطفال والنساء اللائي يعانين الحرمان والاضطرابات النفسية والفراغ العاطفي مع صبي وحيد مما يجعل إحداهن تحاول استدراجه، كما أن بعضهن وقعن في الخطيئة، ورغم مأساوية الأحداث إلا أن العرض لم يخلُ من الكوميديا والرقص والغناء والاستعراض الذي جعل منه عرضا متكاملا، خاصا مع الأداء التمثيلي الأكثر من رائع للفنانات المشاركات به. 
العرض تمثيل مجموعة من الفنانين، منهم شريهان قطب، إسلام محمود، هبة سليمان، وفاء عبدالله، شيماء عبدالناصر، نور محسن، عبدالرحمن مجدى، خالد رضوان، ريهام عبدالرازق وآخرون، كما جاءت إضاءة محمد الطايع معبرة عن كل مشهد بحرفية عالية جدا، وهو الدور نفسه الذي ديكور محمد سعد الذي قام بتصميم الملابس أيضا، وتضافرت الموسيقى والألحان للفنان حازم الكفراوي، مع كريوجراف محمد عبدالصبور، ليخرج لنا عرضا مسرحيا متميزا بتوقيع الفنانة ريهام عبدالرازق.


نور الهدى عبد المنعم