«قواعد العشق الأربعون» التخفف من الأدران وحمل الحقيقية

«قواعد العشق الأربعون»     التخفف من الأدران وحمل الحقيقية

العدد 650 صدر بتاريخ 10فبراير2020

من إنتاج المسرح الحديث وللسنة الرابعة علي التوالي قُدمت قواعد العشق الأربعين علي خشبة مسرح السلام دراماتورج رشا عبدالمنعم وإخراج عادل حسان الذي استغل التقنيات استغلالا نم عن كفاءة في قراءتها سواء أكانت هذه التقنيات مادية أو بشرية عرض مسرحي مرهق ذهنيا واخترق العديد من الافكار والايدلوجيات في محاولة لتعديل كنيتها دون فظاظة أو عنف بأن قارع الحجة بالحجة محافظا علي الجو الروحاني المشبع بدلالات إيمانية راقية ومستخدما عنصري الابهار السمعي والابهار البصري أما عن الابهار السمعي فتمثل في الانشاد الذي اخترق القلوب ونجح في خلق حالة من التواصل مع الجمهور ولعب دور المشاهد المثالي (الجوقة) بالتعليق علي الأحداث أحيانا والتمهيد لها أحيان أخري والاستخدام الواعي للموسيقي التي تناسبت مع الانشاد تارة ومع الترانيم تارة اخري مع ربط الخطين اللحنيين ودمجمهما في مقطوعة واحدة واستخدام صوت نسائي دافئ للترانيم وصوت رجالي مريح ومبهج ومشع للإنشاد فبدأ العرض وكأنه وجبة إيمانية تسبح في ملكوت الروحانيات وتحقق إبهارا سمعيا حقيقيا والابهار البصري تمثل  في الإضاءة والتي أضفت جوا بهيجا ونجحت في إراحة العين والتمتع بباقي المفردات فتعددت مصادر إسقاط الضوء ونجح المصمم نجاحا واضحا في اختيار كثافة الحزم الضوئية الملائمة لقرب الممثل من الأجهزة الضوئية بشكل كبير فلم يحدث ان اختلفت الصورة قربا أو بعدا من الأجهزة مع الحفاظ علي الدلالات الدرامية لكل مشهد باختلاف اللون وزاوية الإسقاط.
نجح الدراماتورج في نقل فحوي رواية قواعد العشق الأربعين للكاتبة إليف شافاق وحكايات جلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي دون السقوط في فخ الميلودرامية والخطابة فجاء الحوار منسوجا بأنامل وعت جوهر القضية وسعت إلي تصحيح وتعديل مفاهيم متداخلة ومتشابكة فكان رؤية الله والاستماع لله والإيمان بالله أهم من الإيمان بالدين فالغاية هي الله والوسيلة هي العقل والإنسان. والدين سلوك وممر وطريق للوصول وليس غاية للوصول ولما كانت هذه هي الأهداف المبتغاة فكانت الرؤية الإخراجية واضحة دون تشويش وسعت إلي تخطي الأجساد المادية والنفاذ إلي الروح فتنقيها من انفعالاتها البشرية المرتبطة بالفناء ارتباطا أفناها فعدت الصراعات البشرية هي السمة الأساسية في علاقات البشر فوقف  العرض المسرحي قواعد العشق موقف المدافع عن العقل والقلب معا ونادي بضروة اعمال العقل منعا للتخريب واحتمي بكينونة فن المسرح كصرخة ناعمة ضد دعاوي اعتناق العنف.
فكانت الصرخة الناعمة التي أطلقها مبدعوا قواعد العشق هي صرخة لإانسان كي يتخفف من أدرانه للوصول إلي حقيقية أكثر نقاء وأن يتهيأ بشكل حقيقي لحمل الأمانة التي ارتضي حملها عن طريق رحلة الوصول إلي الحقيقة المطلقة التي خاضها شمس الدين التبريزي تلك الشخصة التاريخية المعقدة دراميا فأداها بهاء ثروت بهدوء الواثق وإيمان حقيقي بقضية حقيقية.
فبدأ وكأنه يرتجل حوار من القلب ووصل بشكل لافت إلي القلب دون أي مغالاة في الأداء أو اكليشيات معتادة تميز ساعده الميزانسن الهادي الذي رسمه المخرج معتمدا علي الذاكرة الانفعالية الحقيقية للشخصية الحقيقية وزهدها في الحياة وارتقائها فوق ذاتها فكانت خطوط الميزانسن المرسومة ناعمة وهادئة اقتربت من التحليق في الهواء أكثر من التحرك فوق خشبة المسرح حتي مع انتقال شمس من المستوي الأول علي خشبة المسرح إلي العمق حيث مكتبة الرومي كانت خطي شمس لا تكاد تلمس الأرض من فيض الروحانيات التي يحملها في قلبه قبل عقله وكانت حركة الأقدام للرومي ثقلية أوقات وناعمة أوقات وكأن الممثلون اتفقوا علي التمثيل بالتقاء خطواتهم علي الأرض طبقا لحالتهم النفسية فمع الهدوء الكامل والناعم لشمس ومحبوبته ابنة الرومي والهدوء النسبي للرومي وزوجته وولده الداعم كانت هناك نيران مستعرة وخشونة في الخطي للابن الرافض والشرطي وما إلي ذلك هذه الحالة الديناميكية علي المسرح أدت بشكل اتفق ومضمون الطرح مما ساهم في رسوخ الإيقاع ونعومته فبدا متدفقا رغم الحالة الحالمة المطروحة وابتعد المخرج - بوعي بالغ - عن التشكيلات الحركية القاسية –عامدا - والتشكيلات الحركية الداعمة والعنيفة علي الرغم من المساحات الموجودة في الحبكة اتساقا مع الواقع المثالي الذي يحاول تمريره وبحثا عن الحقيقة المجردة أن الإنسان للإنسان حبيب ليس يحتمي وراء غضب أو قسوة أو عنف وإنما حمايته الأساسية قلب نابض بالعشق.
 بساطة الديكور ككتلة ثابتة تتغير بالإضافة والحذف اتسقت مع الرؤية الاخراجيه وبدا إصرار المخرج إننا في مكان واحد مهما تعددت بقاعه وهذا اتسق بالضرورة مع النص والمؤكد إننا تظلنا سماء واحدة فتعددت المناظر الحياتية من منبر الداعي إلي مكتبة المتعبد إلي شارع في المدينة إلي بيت الرومي إلي بيت البغاء إلي صحن المسجد إلي مكان متخيل إلي ساحة الرقص السماوي وكل هذه المناظر لم تقتطع من المكان الواحد الذي ظلل الجميع بدفئه حتي بعد موت جسد شمس فموت الجسد لا يميت الروح.
العرض المسرحي قواعد العشق دعوة واضحة للإنسان أن يتخفف من أدرانه وخطاياه البشرية لحمل الحقيقة التي ارتضي حملها فأمانة خلافة الله في أرضه تستلزم أن يعرف الإنسان ربه بشكل جلي وأن يطلب المدد بشكل حقيقي فمن بغي لا يبتغي.


محمد النجار

mae_nagar@yahoo.com‏