المسرح ونظرية الأنساق الدينامية(4)

المسرح  ونظرية الأنساق الدينامية(4)

العدد 736 صدر بتاريخ 4أكتوبر2021

 ينطوي الحدث الإدراكي، من الإثارة إلي ظهور الصورة، علي جانبين متشابكين ولكن يمكن تمييزهما من الناحية النظرية : العاطفة والتقييم.  وتجعل   خاصية المشاعر التي لا توصف المفهوم صعب التعريف، علي الرغم من حقيقة أننا جميعا نعرف متى نختبرها. وقد توصل لويس إلي تعريف عندما عبر عن الصفة المرتبطة بالعواطف :  
 هناك عدة ملامح لا غنى عنها للعاطفة، وهي محددات مفيدة لمكونات العاطفة. وتتضمن (1) الإثارة،(2) مـيول الفعــل (3) التوجه الانتباهي، (4) الشـعور المـؤثر. ومن المتفــق عليــه عمومــا أن هــذه الوظــائف تعتمــد عــلي التغــيرات الفيسيولوجية خلال العقل والجسم. 
وتميل الصور الفيسيولوجية إلي أن تكون الفرق البارز بين العاطفة والتقييم. ويميل هذا الأخير إلي الارتباط بالأنشطة الذهنية التي تسبق الاستجابة العاطفية: تتضمن المعرفة إدراكا وانتباها وتقييما واتخاذ قرار وذاكرة .
ورغم ذلك فان هذه الوظائف تتجمع تحت اسم التخمين، الذي يتميز بأنه تقييم المغـزى في الموقف الذي يمكـن أن ينشــئ الاستجابة العاطفية. وسوف استخدم التخمين تقريبا بمعنــى العمليات ألإدراكية الموجهة نحو ما هو مهم للذات. 
ورغم ذلك لا ينشئ التخمين استجابة عاطفية في نظرية الاتصال الدينامي. فنمط التذبذب المتماسك الذي يميز العبير بأنه نابع من الزهرة يتكون من تنشيط عصبي يتعلق بالعواطف تقييم العمليات أيضا. فلا يمكن فصل خبرة العبير عن مشاعر الإثارة خلال خبرة الشم الإدراكية. ويؤكد لويس علي هذه النقطة.
حتى لو تم تخصيص بعض البنيات العصبية لفئات التقييم مقابل فئات العاطفة، فان التفاعل بين هـذه البنيات يؤدي بسرعة إلي عمليات تغطي كلا الفئتين. فالبنيات العصبية لا تؤدي أي وظيفــة حتى تتفاعــل مـع بعضـها البعـض، وحتى التفاعلات بين البنيات وثيقـة الصـلة،  والتي تقــل كثيرا عن مستوى المخ بالكامل تربـط بين عمليات التقييم              والعاطفــة معا بإحكـام.  وبالتالي تمنـع وظيفـة المـخ أي استقلال حقيقي بين التقييم والعاطفة، حتى علي مستـوى العمليات الثانوية. 
وقد صار من الشائع تقريبا أن العاطفة، كما يجادل داماسيو، لا تنفصل عن الإدراك. فهي مرتبطة بعملية الإدراك، وتحدث في نفس الوقت فضلا عن حدوثها بشكل متتابع. 
 حتى الآن وصفت نظرية الأنساق الدينامية يف تؤدي التجربة الإدراكية إلي اختلال التوازن عبر عدد من الشبكات العصبية مم يؤدي إلي نقلة طورية. يحدث إطلاق الخلايا العصبية ضن ظروف حدودية، والتي تشمل قيود الخلايا العصبية التي يتم تنشيطها بواسطة المحفزات الإدراكية، وكذلك المعلومات من التجارب السابقة ذات الصلة بالوضع الحالي. ويرتبط هذا التفاعل بالسببية الدائرية ؛ بمعنى أن البنيات من أسفل إلي أعلي تفرض حدودا علي مجموعة الاستجابات المحتملة المعدلة  في نفس وقت من خلال كثافة ومضمون المعلومات الإدراكية المعبر عنها من خلال التفاعلات من أسفل إلي أعلي. ومن خلال هذا التفاعل التبادلي، تبدأ الأنماط المتناغمة في الظهور في شكل السلوك الذي يأخذ في اعتباره كل من نهايتي العملية. ويتضمن ظهور المجال الكلي كلا من العاطفة والتقييم، مما يؤدي إلي حل دينامي لعدم التوازن والاستجابة للشحنات في البيئة التي تؤدي إلي الحدث. والعملية ليست ثنائية بسيطة، لأن المعلومات التي تدخل في الاستجابة المنبثقة تنشأ من مناطق متعددة في المخ، من ضمنها المحرك الحسي، والمناطق الإدراكية والترابطية. والإطار الزمني لهذه العملية هو جزء من الثانية. وتحدث العملية برمتها، صراحة تماما، في غمضة عين. 
     ونظرا لسرعة وتعقيد هذا النشاط، لا يجب أن نعجب أن نتعلم أن كل ذلك يحدث تقريبا خارج الإدراك الواعي. وبعض الأنماط التي تظهر تصل إلي الوعي التذكير يحدث في اللاوعي الإدراكي، الذي عرفه ايفان تومسون كالتالي : «يتكون اللاوعي الإدراكي من تلك العمليات ذات الإدراك والعاطفة المجسدين والمتضمنين اللذان يمكن جعلهما في متناولنا بشكل تجريبي. فليس لدينا ادراك بالعمليات التي تحدث. ولأننا لا ندركها، فيمكننا أن نركز انتباهنا علي التدفق المستمر للتجربة في العالم المعاش – إنجاز مستحيل إذا كنا منتبهين إلي دقائق أفعال النسق. والعمل اللاواعي للمخ يحددأننا ربما نتخذ كل قراراتنا قبل أن نعي أننا اتخذناها. وفي تجربة مثيرة، يمنح علماء النفس المشاركين مجموعتين من البطاقات المجهولة لهم، يتم تكديسها بحيث توفر احداهما لعبة عالية المخاطر ذات تقلبات جامح، يخسر فيها المشارك في النهاية، والمجموعة الأخرى لعبة أقل تقلبا تحقق مكاسب قليلة بمخاطر قليلة. ويطلب من الأشخاص أن يلعبوا كل لعبة ويختارون المجموعة التي تشعرهم بالراحة. يجد الباحثون أفضلية غامرة علي المخاطرة الأقل، والأهم أن الاختيار يحدث قبل أن يستطيع الأشخاص اجراء اختيار واع. وتفضيل اختيار اللعبة ذات المخاطر الأقل يحدث عندما لا يستطيع المشارك التعبير عن سبب الاختيار. ويناقش مالكوم جلادويل هذه الظاهرة وظواهر أخرى مثلها في كتابه « الوميض : قوة التفكير دون تفكير The Blink : The Power of Thinking Without Thinking  «. من المزعج أن نلاحظ أننا غالبا نتخذ قرارات دون أن ندرك أننا اتخذناها، وأن عملياتنا المنطقية هي فعلا اعادة صياغة لاختيار قبلناه فعلا. وربما كان المنطق والتحليل مجرد سبل لفحص ملائمة الاختيارات التي اتخذها اللاوعي الإدراكي أو كوسيلة لتعزيز ما تعلمناهفي الذاكرة طويلة المدى. 
     والضعف في استخدم نظرية الأنساق الدينامية هو فقدان الانتباه الذي تعطيه للذاكرة والتعلم ؛ اذ يوضع التأكيد علي طهور مجالات كلية دينامية فضلا عن تعزيز الذاكرة. ورغم ذلك، يتردد صدى مبادئ نظرية الأنساق الدينامية جيدا في نظرية يوجين جيندلين « المضي قدما « . فهو يجادل بأن الأحداث تظهر التغير لا محالة لأن طور النقل، في إطار نظرية الأنساق الدينامية، يرتبط بالتفاعل بين الاضطرابات وشروط الحد، أي، بين المعلومات الجديدة وبقايا خبرات الماضي. ومن خلال السببية الدائرية، كما رأينا، فقد تم ضبط كلا الجانبين مع ظهور تزامن الطور، ونمط التذبذب المتماسك للاستجابة. والتعديلات هي أساس التعلم أو دمج التجربة في الذاكرة. وكما هو مفهوم حاليا، تعتمد قوة الذاكرة علي عدد الروابط المتشابكة بين الأعصاب. فالمشبك العصبي، وهو موضع الاتصال بين خليتين عصبيتين، يشتعل عندما تتدفق أيونات الصوديوم عبر الشق المشبكي، أو الفجوة التي تفصل بينهما.  فهناك روابط مشبكية قوية وضعيفة : وكلما كانت الذاكرة قوية زاد عدد البوابات التي تطلق الصوديوم والمستقبلات التي تسمح للأيونات بدخول الخلية المستهدفة. فهناك علاقة تقريبية بين التردد التي تنشط الروابط من خلاله وعدد تركيبات مستقبلات البوابة. وكلما قويت الذاكرة ارتفع عدد الروابط المشبكية. 
     تشكل الذاكرة شروطا حدية، أو جاذبات، تحدد أي من المدركات الواردة سوف يكون مميزا. ويستمر التفاعل المتكرر بين المدخلات والجاذبات خلال عملية الوصول إلي تزامن الطور استجابة للاضطراب.  وسوف تكافأ الشروط الحدية التي تمارس أكبر تأثير عند الوصول إلي تفسير ناجح للحدث بواسطة نمو المزيد من الروابط المشبكية، ويجعلها أرجح لدرجة أنها سوف تنطلق عندما يدخل مؤثر مماثل في النسق في المستقبل. والممثلون في عرض « الأمواج» مروا بعملية نشأت تدريجيا من السجل الذي أدوه للجمهور. وقد تم تعزيز تلك الأفعال التي كانت مؤثرة في ابتكار الصورة المطلوبة من خلال التكرار. وعندما جاء وقت عرض المسرحية، حفزت بداية المشهد الفعاليات التي تم تعلمه في التدريبات. انطلقت الروابط المشبكية الأقوى في المجموعات العصبية المرتبطة بأداء الفعل، وأدت إلي التزامن المرحلي الذي اتصل بأوامر المحرك الحسي الصحيح لكي يتجسد وسمحت عملية التدريبات للممثلين أن يمضوا قدما، في شكل ذاكرة متنامية، في سجل الأداء. 
     أداء الدور في النسق الدينامي لن يكون سهلا مثل الضغط علي زر لأداء الفعل. وذلك هو أحد الفروق بين صنع الأفلام والأداء الحي. فعندما يؤدي الممثل، فانه يلتقط الحافز من عالم المسرحية – التغير في الإضاءة، كلمات وإيماءات ممثل آخر- لوضع التجمعات العصبية في حالة حركة، مما يؤدي إلي  سببية دائرية، وقيادة، خلال تفاعل محفز المعلومات والجاذبات التي تميز الشروط الحدية، لتجسيد السجل. وهذا جزء من سبب  لماذا لا يكون عرضان لنفس الحدث  متماثلين تماما. وطور التزامن الذي ينشأ في النسق الدينامي، علي اعتبار عدم ثباته الفطري، يرتكز علي الاحتمال فضلا عن الدقة. فمثلا، هناك دائما احتمال بأن المادة الإدراكية الخارجية سوف تغير بنية مرحلة الانتقال، وتصرف انتباه المؤدي من الهدف الأساسي للمشهد. وعندما يحدث هذا، ربما ينسى الممثل سطرا، أو يؤدي فعلا بكثافة غير عادية أو، في حالة عرض « الأمواج»، يفشل في تحديد الصورة بدقة عند استخدام الكاميرا. علاوة علي أن غياب تشتت المدخلات لن يضمن أن تؤدي التفاعلات داخل النسق الدينامي إلي ناتج متطابق كل مرة. 
     ربما تبدو شكوك نسق الدينامي عائقا في الأداء، بل توفر راحة معينة . وتزيد الخاصية التفاعلية من احتمال أنه عندما يحدث انهيار في أداء السجل، وسوف يتم إيجاد الحل بسرعة، لأن التفاعلات التبادلية بين الشروط الحدية، والمدخلات تحتاج انتباه فوري. وتسمح السببية الدائرية بالارتجال أيضا.  ولأن الممثل في بيئة موصلة للمسرحية، فيمكنه أن يتبنى تفاعلا أكثر حرية بين المعلومات من البيئة والشروط الحدودية من خلال تأجيل الحاجة إلي اتخاذ قرار والسماح للاستجابات بالتحول إلي أشكال جديدة من الفعل والعاطفة والتفسير من خلال عمليات النسق الدينامي المستمرة. ولا تتمتع الأنساق الخطية بمرونة كبيرة. فربما يكون اختلال التوازن في النسق هو ما يجعل الإبداع ممكنا، وهو ما يجعل قدرتنا علي التكيف مع الظروف الجديدة ممكنا. 
     الشروط الحدودية وتدفق المعلومات الإدراكية الحالية هي وظائف إدراكية مركزية، وتشكل أيضا الخط الأساسي للإحساس بالذات. فالوعي بالعالم والقدرة علي استعادة الذكيات تتحدانا أن نستجيب بشكل ملائم للظروف المتغيرة وتطمئننا بتوفير الأدوات الضرورية في شكل تجربة الماضي. ويوفر التفاعل في العالم المدخلات الحسية (الإدراك الحسي والتحفيز) التي تتحد باعتبارها خبرات عاطفية وفكرية. وتسمح لنا المشاعر التي تنشأ من نشاط المحرك الحسي (يوفر تدفق مستمر للمعلومات الإدراكية) وانشغالها بالشروط الحدودية بأن نكون واعين بأننا نعيش في هذه اللحظة مع الإحساس بتاريخنا. فهناك بالطبع تجارب مؤلمة لا نتسلح لها جيدا وظروف جديدة تفوق خبراتنا الماضية، تؤدي إلي نتائج معقدة، أن لم تكن كارثية. وعلي الرغم من أنها قد تعرض قدرتنا علي العمل للخطر، إلا أن التجارب الكارثية لا تكاد تعطل إحساسنا المستمر بوجودنا في العالم. والنسق الدينامي لا يوجد وحده، ولكنه يتكامل بشكل شامل مع العالم. ويرى تومبسون: «الاستعارة الأساسية لهذه التناول هي العقل باعتباره نسق دينامي مجسد في العالم، فضلا عن أنه شبكة عصبية في الرأس “. والاضطرابات في الجسد، بالمعنى الفينومينولوجي، ضرورية للتوطيف الإدراكي – الواعي واللاواعي – وضرورية لتجاربنا باعتبارنا كائنات حساسة. 
     الطبيعة التعاونية والأدائية للمسرح تجعله تجربة ذاتية. وبعكس الفنان أو الشاعر المنعزل في البرج العاجي، يحتاج الممثلون إلي آخرين، سواء كان هؤلاء الآخرون زملائهم في الأداء أو من الجمهور. ولذلك يجب أن يولي الممثلون قدرا كبيرا من الاهتمام للآخرين الموجودين في المكان. ويستشهد بروس ماكوناتشي في دراسته « إشراك الجمهور : التناول الإدراكي للفرجة في المسرح Engaging Audiences : A Cognitive approach to Spectating in Theater « عمل ببير جاكوب و مارك جينرود، واللذان ميزا نوعين من الرؤية : التصورات البصريةVisual Perceptions  (النظر إلي عالم الجماد) والتمثيلات البصرية  Visual Representations (الرؤية المرتبطة بالأفعال القصدية أو مشاهدة الآخرين). فالأولي تعمل عندما ننظر إلي منظر طبيعي، فكثيرا ما نتحدث عن التمثيل باعتباره « تركيز عادي «. والثاني، « التركيز الشديد «، يدخل إلي منطقة اللعب عندما يتم القيام بنشاط معين. وفي الأداء، سوف ينتقل الممل من نوع الرؤية إلي النوع الآخر، وهو واع بالمنظر العاطفي والبدني (استجابة الجمهور مثلا، أو مكان الأدوات في المشهد) وخصوصية السجل الذي يؤدى. وعلي الرغم من أن كلا نوعي الرؤية يلعب دورا مهما، فان الاهتمام الخاص بتدفق الأداء، ولاسيما عمل الممثلين الآخرين، حاسم في النجاح. فالسرعة وضبط الوقت المطلوبان لخلق الصورة في عرض « الأمواج« يجعلاه أساسيا حتي يكون المؤدي واعيا بمهمته، علاوة علي وعيه بمكان الآخرين وماذا يفعلون. فتضييع الكثير من الوقت في استخدام التركيز الناعم يمكن أن يكون كارثي. ولا يقتصر هذا الوعي علي الفعالية التي يتم تنفيذها فحسب، بل يشمل أيضا الحالة الذهنية للمؤدين الآخرين. وفي أشكال التمثيل الأكثر واقعية، فان هذا الوعي يأخذ شكل الاهتمام بالحالات المؤثرة والكثافات المتحولة عند الممثلين الآخرين (وشخصياتهم أيضا). وقد تم تجميع هذه الظواهر حديثا تحت عنوان مرآة الخلايا العصبية. 
 علي الرغم من أنه فد تم تمييز الأعصاب في الإنسان حديثا، فقد وصل كثير من العلماء إلي الاعتقاد بأن مرآة الأعصاب هي مصدر التعاطف. وفي الرئيسيات، عندما يرى قرد قردا آخر يقوم بفعل مألوف، تنطلق الخلايا العصبية الحسية المرتبطة بهذا النشاط عند القرد المراقب وكأنه يؤدي نفس المهمة. وبينما لا يوجد دليل بأن مرآة الأعصاب ترتبط بالحالات العصبية، والدليل الموجود قادنا إلي نظريات الاستجابات التعاطفية وفي بعض المجالات تكون مرآة الأعصاب هي فعلا مصدر التعاطف. وسواء أمكن ربطها من عدمه بعواطف التقمص فإنها أقل أهمية من تفسير التعاطف أو التطابق العاطفي مع كينونة أخرى. 
 تفسر نظرية الأنساق الدينامية التعاطف بدون حسم أو اعتماد علي وجود مرآة الأعصاب. وكما رأينا، نادرا ما تكون التحفيزات من البيئة معزولة في منطقة واحدة في المخ، ولكنها تميل إلي أن يكون لها المزيد من التأثيرات العامة. فالمجالات الكلية هي نتيجة تذبذبات متناغمة، ودائما تتلاقى العاطفة والتقييم في الأفعال الإدراكية. وباستخدام مصطلح جاكوب وجيرولد، من المرجح أن تنشط التمثيلات المرئية مناطق القشرة المخية الحسية علاوة علي مناطق القشرة المخية البصرية لأن الاستجابة البدنية للموقف ربما تحتاج فعل أيضا لضبط حركة موقف آخر. ويمكن أن تكون هذه استراتيجية تطورية تكيفية، ترتبط بالسلوكيات الغريزية مثل القتال والطيران، أن القدرة علي تمثيل سلوك شخص أخر بشكل خيالي سوف تسمح بتقييم واستجابة أكثر ملائمة للموقف. وسوف يشجعني التعرف علي سلوك الآخرين في الأفعال التي أقوم بتجسيدها علي الاستجابة التي تثبت نجاحها بالنسبة لي. فلو انجذبت إلي شخص ما وميزت السلوك الذي يوازي تجربة اهتمامي بشخص ما، فسوف استجيب بشكل مختلف عما اذا كنت أقرأ لغة جسم هذا الآخر بشكل لا مبالي. وهذه التقييمات مشبعة بالعواطف التي تعكس التجربة الحالية والماضية في تطوير كل دينامي متماسك. وطبقا لعالم النفس براين براكنسون وآخرين، فان العواطف ليست استجابات فردية علي المواقف ولكن لها أبعاد اجتماعية، أي أننا نتعلم أن يكون لدينا مشاعر من خلال مصدرين : الحس العميق والتفاعل الاجتماعي. 
     وبالتالي، فان الاضطرابات التي تحدث في النظام أثناء اللقاء مع الآخر تنطوي علي مناطق حسية في المخ تتفاعل مع المشاعر الحدودية التي تعكس التجربة السابقة فيما يتعلق بالسياق الحالي، ومن خلال التقييم وانتقال شكل الكل، تتعرف المحركات الحسية علي الأصداء العاطفية في سلوك الآخر وتنشئ التقمص. ورغم ذلك، لا تعني الاستجابة العاطفية فقط أن نشعر بنفس ما يشعر به الشخص الذي نرتبط به. فربما تؤدي استجابات مختلفة عن استجابات الآخر. فمثلا عندما نرى شخصا في محنة، فربما نشعر بالغضب من الموقف فضلا عن الشعور بكثافة ألم الآخر. ويقدم تومسون الحجة من منظور الديناميات غير الخطية : 
 تشارك تجربتك في بنائي لذاتي، لأنني أعايش ذاتي باعتبارها ذاتية مشتركة من خـلال تخــيل تعاطفــك معي. وبالعكس، أتخيل نفسي في مكانك، وتشارك تجربتي هذه في بناءك لذاتك. وبينما نتواصل باللغة والإيماء، فأننا نفهم كل منا الآخر بشكل حواري .
والدينامية الحوارية ليست مزيجا تتابعيا أو إضافيا لعقلين موجودين مسبقا في الجمجمة. أنها تصدر عن التزاوج غير التتابعي لنا وللآخــر في الإدراك والفعـل والعاطفة والخيال والإيماء والكلام وتشكلهم تبادليا .
وبدون الاعتماد علي مرآة الأعصاب ورغم الاعتراف بوظيفة الانعكاس، تفسر نظرية الأنساق الدينامية التعاطف بدون أن تكون اختزالية ومع المحافظة علي تماسك النظرية. فقدرة الممثل علي الاستجابة بحساسية لتمثيل زميله المؤدي، في هذه النظرية هو نتيجة إلي تفاعل متكرر للإدراك وشروط الحدود عبر عدد من مجموعات الخلايا العصبية. ولذلك فان العاطفة والتقييم يحدثان في التدفق المستمر للإدراك وفي غمضة عين. 
..............................................................................
جون لوتيربي  يعمل استاذا بقسم المسرح والأداء المسرحي بجامعة واشنطون – الولايات المتحدة الأمريكية. 
هذه المقالة هي الفصل الثاني من كتابه « نحو نظرية عامة في التمثيل Toward a General Theory of Acting  « الصادر  عن دار نشر Palgrave , Macmillan .


ترجمة أحمد عبد الفتاح