العدد 643 صدر بتاريخ 23ديسمبر2019
هذا الموضوع كتبته من أجل الاشتراك به في مؤتمر (الفنون في التعليم والتنمية والعلاج)، التي نظمته (رابطة أوريجم المسرحية) بالبرازيل في الفترة من 28 سبتمبر إلى الأول من أكتوبر 2017. وبسبب تأخر إجراءات استخراج التأشيرة، التي استلمتها بعد موعد السفر، فلم أسافر إلى البرازيل، وقمت بنشر الموضوع ورقياً في مجلة المسرح الإماراتية في يناير 2018، تحت عنوان (تجربة مصرية في القرن التاسع عشر: المسرح بوصفه مصحة علاجية).
مقدمة
في القرن التاسع عشر اشتهر البارون الروسي (يوهان فون كنوب Yahann Von Knoop)؛ بوصفه صاحب أكبر مصانع النسيج في أوروبا، وكانت له ابنة ماتت بمرض التدرن الرئوي (السُل)، وعندما أصيب ابنه بالمرض نفسه، سافر به إلى مصر للاستشفاء، وتنقل به في أقاليمها، حتى قصد حلوان. وشاء القدر أن يشفى ابنه من مرضه، بفضل جو حلوان الشتوي البديع، فقام البارون بشراء منزل محسن بك – أحد وجهاء حلوان – ويقع على ربوة عالية، ليستمتع بجو حلوان أطول فترة ممكنة. وبعد عام كوّن البارون شركة مساهمة، اشترت مساحة كبيرة من أملاك الحكومة في حلوان، وأقامت عليها مصحة فندقية (Hotel sanatorium)، وأطلقت عليه اسم (فندق الحياة) - كما قال الدكتور عبد الرؤوف حسن في كتابه (مصحة فؤاد) - وأعلنت الشركة عن هذا الفندق باللغة الألمانية عام 1905، وهو الإعلان المنشور - والذي ترجمه الدكتور شوقي مرشدي بكلية الألسن جامعة عين شمس – ونص الإعلان يقول:
“ فندق ساناتوريوم (مصحة) الحياة، يقع في الصحراء عند مدينة حلوان – القاهرة. يمكن الوصول إليه في نصف ساعة فقط من القاهرة. مكان من الطراز الفريد، يصلح للزيارة في فصل الشتاء، مفيد للصحة، ولراغبي الاستجمام، وخاصة مرضى الكلى. هذا المكان هو منزل فريد من نوعه، يقع في مصر، مزود بجميع وسائل الراحة الحديثة. أمام كل حجرة من حجرات المنزل بهو كبير دائري مغطى، وكذلك ممر يبلغ طوله 750 قدم. كما يوجد بالمنزل حمامات بها ماء بارد وساخن، حمامات شمس، وحمامات رمل، وحمامات للشمس الاصطناعية (في فصل الشتاء)، غرف للتدليك (المساج)، عيون مياه كبريتية، في حلوان، نظام غذائي خاص لمرضى الكلى تحت إشراف طبي، قاعات للألعاب مجانية. فضلاً عن أماكن للتنزه، والرحلات الخلوية في الصحراء أو على ضفاف النيل، مع إمكانية الاستمتاع بركوب الخيل، والحمير، والجمال. كما توجد بالمنزل قاعات مخصصة للقراءة، غنية بالكتب، (وبه فرقة موسيقية خاصة بالمنزل، وبه كنيسة صغيرة خاصة بالمنزل)، وهناك أيضا مطبوعات دعائية يمكن طلبها من الإدارة”.
مصحة فؤاد
ظل هذا الفندق يعمل، ويستقبل نزلاءه من جميع أنحاء العالم، حتى قامت الحرب العالمية الأولى، فاستولت عليه السلطات الإنجليزية – المحتلة مصر في ذلك الوقت – بحجة أنه من أملاك الأعداء؛ فاستخدمته لإيواء الأسرى الألمان والنمساويين، ثم خصصته فيما بعد للجنود الإنجليز. وبعد انتهاء الحرب، وموت البارون يوهان كنوب، جاء إلى مصر أحد ورثته، وعرض المبنى للبيع، فأوعز الملك فؤاد الأول – ملك مصر حينها – إلى وزارة الأوقاف بشرائه وجعله مصحة لمرضى التدرن الرئوي (السل). وبالفعل اشترته الوزارة عام 1924، ووضعته تحت إدارة الدكتور السويسري (رينيه برناند Rene Burnand)، واستقبلت المصحة أول مريض يوم 9/10/1926 بمناسبة عيد جلوس صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول، وتم افتتاح المصحة رسمياً – بعد اكتمال أدواتها – يوم الأحد 19/2/1928 باسم (مصحة فؤاد الأول) ملك مصر، الذي حضر الافتتاح.
وفي هذا الافتتاح، تفقد الملك فؤاد المصحة وأقسامها، “ فأعجب بما شاهده وأثنى على كل ما رآه، فدعاه الدكتور برناند إلى مشاهدة القاعة الكبيرة، التي خصصت لتسلية المرضى. وقد صفت الكراسي أمام لوحة السينما الفضية، التي تنعكس عليها الصور المتحركة. وقال الدكتور برناند: إن المرضى يتسلون في هذه القاعة بالتفرج على الروايات السينمائية”، هكذا قال كريم ثابت في كتابه (الملك فؤاد ملك النهضة).
إذن فطن القائمون على هذه المصحة إلى الفائدة الكبيرة، التي ستعود على المرضى من مشاهدة الأفلام السينمائية، بغرض التسلية والترويح عن النفس وعلاجها من بعض الأمراض. وبكل أسف منعت وزارة الأوقاف عرض الأفلام السينمائية في هذه المصحة، فحُرم المرضى من هذا الفن، الذي يُمثل لهم نوعاً من العلاج، كما أخبرتنا جريدة أبو الهول.
تسلية المرضى بالمسرح
بعد فترة من منع الأفلام السينمائية، فكر الأطباء والمرضى في أسلوب جديد – يعوضهم عن مشاهدتها – فألفوا معاً فرقة مسرحية لتمثيل المسرحيات الشهيرة، التي تُعرض على جمهور الأصحاء في المسارح الشهيرة بالقاهرة؛ حيث قامت فرقة المصحة بتمثيل مسرحية (الاستبعاد)، التي عرضتها فرقة رمسيس عام 1924، وتدور أحداثها حول كفاح المراكشيين – بقيادة الزعيم عبد الكريم الخطابي – ضد المستعمرين. وقد نشرت مجلة (الصباح) في فبراير عام 1931 كلمة عن هذا الحدث المبتكر، تحت عنوان (الاستعباد على مسرح مصحة فؤاد). ولأهمية هذه الكلمة؛ بوصفها أولى المقالات المكتوبة عن عروض هذه المصحة، سأذكرها كاملة هنا، وهذا نصها:
“ رأينا فن التمثيل يتغلغل في النفوس وينساب في الأفئدة. وشاهدناه في كل مكان بين مسارح ومنازل وقاعات اجتماع. واليوم آن لنا أن نرى روح الفن تطرق باب المستشفيات والمصحات، وهناك تشتد وتقوى. فقد استطاع نفر من المرضى أن يقوم بتمثيل قطعة (الاستعباد) الخالدة، على ما فيها من صعوبات فنية. وقد دعيت إلى مشاهدة الرواية، فدخلت قاعة فسيحة الأرجاء مترامية الأطراف. ورأيت جموع المرضى في نظام تام، ينظرون إلى الستار في لهفة، ويشرف عليهم الأطباء من كل جانب. ولما لم يعد يسمع بالصالة إلا الزفرات المتصاعدة من صدور الجميع، رفعت الستائر عن منظر الحانة كما هو معلوم لدى القراء. ومما لفت نظري أن رأيت (محمود أفندي فايد) في دور (عمار)، يجيد ويجيد حتى أدمعت عيناي من التأثير. ولما كان من المتعذر على الفرقة أن تشرك الآنسات في التمثيل؛ فقد قام بدور (سميرة) حضرة (إسكندر أفندي حبيب) فأبدع أيما إبداع، وحاز أكبر جانب من تصفيق المرضى واستحسانهم. وإن أنس فلا أنسى أن أخص بالثناء النطاسي البارع الدكتور (علي أفندي عبد القادر) في دور (كرادو)، وأحمد أفندي عبد الرحمن في دور (ألونزو). أما متري أفندي لولي فقد بلغ الذروة في دور (حمد). وإني في النهاية أرى واجباً عليّ أن أتقدم بالشكر إلى جناب مدير المصحة الدكتور (إريك زميرلي)، وحضرة صاحب العزة (رؤوف بك حسن) وكيل المصحة، وباقي حضرات الأطباء والرئيسة، على العطف والمساعدة التي قاموا بها نحو المرضى خير قيام”.
العلاج بالمسرح
من الواضح أن نجاح الفكرة، ونجاح الفرقة، ونجاح العرض المسرحي الأولى، أدى إلى قيام مجلة (المصور) بمطالبة الوزارة ببناء مسرح متسع في المصحة، قائلة في فبراير 1931: “ نقترح على ولاة الأمور في وزارة الأوقاف أن يخصصوا في الميزانية القادمة شيئاً لبناء مسرح متسع في المصحة”. وهذا الأمر جعل الفرقة تنجح في عرضها الثاني، الذي عرضته يوم 14/3/1931، وهو مسرحية (رحلة المسيو بريشون)، التي أهداها إلى المصحة الدكتور فؤاد رشيد – الطبيب الخاص بجلالة الملك – وهي من تأليف (لابيش)، ومن تعريب عبد الحليم دلاور، وعرضتها فرقة جورج أبيض لأول مرة عام 1918. وعندما مثلتها المصحة، كتب أحد المُشاهدين كلمة، نشرتها له مجلة (المصور) في مارس 1931، قالت فيها:
“.. ويقول الكاتب بأنه حين رأى مرضى المصحة، يمثلون في رواية الاستعباد، أعتقد أن نفسيتهم قد تشبعت بروح الدرام، وأنه من العسير عليهم أن يخرجوا رواية من نوع آخر؛ ولكنه دهش حين رآهم يقدمون بنجاح وخفة روح، هذه الرواية الأخيرة. وهي من نوع الكوميدي، الذي يصعب على غير الراسخين في الفن أن يصلوا به إلى قرارة قلوب النظارة. وقد أبدى حضرة الناقد أعجابه بالشاب النشيط حسين فياض، الذي مثل دور (بريشون). ومصطفى الزغبي، الذي قام بدور الفتاة (هنريت)؛ حيث تعذر إشراك العنصر النسائي في المصحة. كما أظهر ارتياحه أيضاً بما بلغه كل من: الحسيني منصور (مانييه)، وأحمد فؤاد وغبريال ديميتري ورياض العمري، حسين سالم، حسين بيومي، عبد العظيم الديب من نجاح. ولقد ألقى في تلك الحفلة كل من نجيب صادق ورياض العمري ديالوج (القاتل وطيف القتيل) لفقيد الأدب المسرحي المرحوم محمد تيمور بك”.
وفي مايو 1931 أقامت المصحة حفلة بمناسبة سفر الطبيب محمود العشري – أحد أطباء المصحة - في بعثة علمية، وصفتها مجلة المصور بكلمة قالت فيها: “ أقام حضرات أطباء ومرضى مصحة فؤاد حفلة، تحت رعاية حضرة الدكتور عبد الرؤوف؛ وذلك لوداع الدكتور محمود العشري بمناسبة سفره إلى الخارج. وقد كتب إلينا حضرة محمود مطاوع يصف هذه الحفلة، فذكر إنها بدأت بقصيدة من حضرة الدكتور عبد الرؤوف، وعقبه مدير الصحة بكلمة إنجليزية، ثم تعاقب الخطباء بعد ذلك إلى أن جاء دور الفرقة التمثيلية، فقامت بتمثيل رواية (الشيخ عدس). وهي كوميديا من تأليف الدكتور محمد عبد الحميد الطبيب بالقصر العيني. وأجاد الممثلون أدوارهم وخصوصاً حضرات حسين فياض في دور عدس، ونجيب صادق في دور أحمد بك، والشناوي في دور العبيط، ومتري إلياس في دور إنصاف، وحسين بيومي في دور سميرة”.
بعد مرور عام على نجاح هذا النشاط المسرحي داخل المصحة، تكونت لجنة لتنظيم الحفلات الدورية بالمصحة، واشترك المرضى والأطباء في تكاليف هذه الحفلات؛ حيث كانت اللجنة تقدم كل ثلاثة أسابيع حفلة مسرحية، يشترك في تكاليفها المرضى والأطباء والموظفين بواقع قرش صاغ من كل فرد. وقد نشرت جريدة (أبو الهول) وصفاً لأولى حفلات هذه اللجنة، في فبراير 1932، قالت فيها: “.. ابتدأت هذه اللجنة بإحياء حفلة تمثيلية، مثلت فيها فرقة المصحة رواية (تأثير الطماطم في أخلاق الأمم) من تأليف سيد كساب. وقام بعض طلبة المدرسة الخديوية بتمثيل فصل كوميدي، كان غاية في الإبداع. وأحضر أوركستر مدرسة اليتامى التابع لوزارة الأوقاف، فكانت حفلة شائقة. ولما أرادت اللجنة أن تحيي حفلتها الثانية على أن تكون غنائية، قام تمام أفندي إسماعيل بإحياء هذه الحفلة، وأحضر أوركستر كامل، رئاسة محمود أفندي زكي حسن، يساعده فؤاد أفندي جمجوم، وجميل أفندي مراد، وأحمد أفندي سعيد، وفهمي أفندي سيد. وقد حازوا جميعاً الإعجاب العام. وكذا اشترك في إحياء هذه الحفلة أحمد أفندي فهيم الفار”.
كما نشرت مجلة (الكواكب) في يونية 1932، كلمة لأحد الأطباء ممن شاهدوا حفلة من حفلات هذه اللجنة داخل المصحة، قال فيها: “.. كنت ممن أسعدهم الحظ بمشاهدة الحفلة الكبرى، التي أقامتها لجنة الحفلات الدورية بمصحة فؤاد بحلوان، والتي أحيتها فرقة فرحات أفندي أبو نجم .. ابتدأت الحفلة بتمثيل رواية (الابن العاق)، فكان الأعضاء الذين قاموا بالأدوار موضع إعجاب الجمهور. إلا إني استميح القائمين بشئون تلك الحفلة عفواً، إذا قلت إنه كان الأجدر الاستعاضة عن تلك الرواية الدرام برواية أخرى – كوميدي – إذ لا يخفى على حضراتهم أن المقام لا يسمح بتمثيل نوع الدرام أمام جمهور من المرضى، هم في حاجة إلى ما يسري عنهم لا ما يجلب الهم لقلوبهم الضعيفة. على أننا لا ننسى أن نذكر إن الحفلة انتهت بتمثيل رواية (عم شعبان)، وهي كوميديا راقية مسلية ومضحكة. وقبل ذلك ألقى المطرب الهاوي أحمد أفندي مأمون قطعة غنائية فحاز الإعجاب وانتزع التصفيق الشديد مراراً عدة”.
عراقيل أمام النجاح
هذا النجاح الكبير لحفلات المصحة، كاد أن يتوقف بسبب خوف الناس من الإصابة بمرض (السُل)، حيث “ كان المارة يتحاشون الاقتراب من أبنية المصحة خشية العدوى” – كما قال الدكتور عبد الرؤوف حسن في كتابه (مصحة فؤاد) - فما بالنا من خشية الممثلين وأعضاء الفرق الفنية، التي كانت تعرض أعمالها داخل أبنية المصحة، وتتعامل مباشرة مع جمهور من مرضى السُل؟! لذلك أحجمت بعض الفرق والجمعيات المسرحية عن الحضور إلى المصحة والعرض فيها، فقامت المصحة بإنشاء مسرح في الهواء الطلق، ونشرت إدارة الحفلات بالمصحة نداءً في مجلة (الصباح) – سبتمبر 1932 - قالت فيه: “.. دعوة لجمعيات الهواة عساها تلبي هذا النداء الإنساني، وتشرفنا بتمثيل بعض رواياتها الكوميك مع تعهدنا بتحمل نفقات الانتقال وإعداد المناظر التي يتطلبها إخراج الرواية. هذا وبالمصحة الآن مسرحان كاملا العدة أحدهما في الهواء الطلق والآخر في إحدى صالات المصحة الفخمة”.
الرابطة الفنية
وللأسف الشديد لم تستجب الفرق المسرحية لهذا النداء، طوال عام كامل، وقد عبر المرضى عن استيائهم من هذا الوضع، ونشرت مجلة (الفنون) خبراً يفيد هذا الاستياء في يونية 1933، مما جعل الفنانين يتعاطفون مع المرضى، فعادت الحفلات مرة أخرى، وتحديداً في سبتمبر 1933، كما أخبرتنا جريدة أبو الهول، حيث أحيت (الرابطة الفنية للتمثيل بحلوان) – التي تشكلت في هذه الفترة – حفلة بالمصحة، مثلت فيها مسرحية (العصفور في القفص) لمحمد تيمور، وألقى حسين فياض – رئيس الرابطة - وحسين المليجي وزوجته نعمات مجموعة من المنولوجات الفكاهية.
وفي مارس 1934، نشرت مجلة (الصباح) كلمة عن هذه الرابطة، وعروضها في المصحة – تحت عنوان (الرابطة الفنية بحلوان) – قالت فيها: “ تكونت رابطة فنية من خلاصة الشباب المثقف من طلبة المدارس العليا، والثانوية، وموظفي الحكومة بمدينة حلوان؛ وذلك لنشر الثقافة المسرحية، وإلقاء المحاضرات العلمية، والتمثيلية، وإنشاء نادٍ أدبي ورياضي، يضم شمل الطلبة، ويرفع مستواهم الأدبي والأخلاقي. وقد نظموا بعض الحفلات التمثيلية، التي كانت في منتهى الدقة والكمال. فمثلوا بعض روايات لمرضى مصحة فؤاد كخدمة إنسانية، وأظهروا بذلك نبل أغراضهم”.
وفي مايو 1934 أخبرتنا مجلة الصباح بأن المصحة أقامت حفلة تمثيلية على مسرحها، افتتحها المدير الدكتور عبد الرؤوف بكلمة، ثم أطرب الحضور المطرب الشاب فايد محمد فايد، وعرضت فرقة الجوهري التمثيلية مسرحية (شقة للإيجار). وكانت هذه الحفلة آخر حفلات مصحة حلوان؛ حيث إنني لم أجد أي خبر على نشاطها الفني والمسرحي طوال عام ونصف، حتى وجدت السبب منشوراً في مقالة تحت عنوان (حفلات مصحة فؤاد بحلوان)، نشرتها مجلة الصباح في يناير 1936، هذا نصها:
“ كنا نغبط مرضى هذه المصحة على ما هم فيه من التمتع والتسلية، بحفلات الطرب والتمثيل. الأمر الذي لم يتمتع به سكان مدينة حلوان ذاتها، فلقد كان من عناية النطاسي [أي الطبيب الماهر] البارع الدكتور عبد الرؤوف حسن مدير المصحة واهتمامه بمرضاه، أن هيأ لهم كل أسباب التسلية واللهو البريء، لأنه يعتقد أن في إدخال السرور على المرضى، ومواساتهم بالعطف عليهم، وإيناسهم بأنواع التسلية المختلفة، علاجاً طبيعياً لهم بجانب العلاج الطبي. لذلك لم يدخر هو وزملاؤه الأفاضل دكاترة المصحة وسعاً في عمل كل ما من شأنه أن يجلب لهم الهناءة في عزلتهم، من ذلك سعيه لدى مصلحة الصحة لإنشاء محطة صغيرة للإذاعة بالمصحة، وتمدّ هذه المحطة كل غرفة من غرفها بالإذاعة بواسطة مكروفونات خاصة؛ بحيث يسمع كل مريض هذه الإذاعة، وهو في سريره مبالغة في راحتهم جميعاً. وقد وفق حضرته وأوشك هذا المشروع على التمام، وعلاوة على ذلك أخذ يضحي بالتضامن مع الدكاترة بالمال، ويمد تلك اللجنة التي كوّنها المرضى للحفلات رغبة في تشجيعهم. وبينما هذا المخلص الوفي يقدح زناد فكره لإسعاد مرضاه، ويهيئ لهم سبل السرور؛ إذا بأحد المتطفلين منهم، والذين أكل قلبهم الحسد، وأصابه بهذه الآفة الفتاكة، يكيل التهم جزافاً في عريضة، قدمها لمصلحة الصحة، ولمجلة (الصباح) ضد هذا المدير الغيور على مصلحتهم. ولم يكن لهذا الأبلة، والناكر للجميل من الشجاعة الأدبية ما يجعله يذيل مفترياته باسمه، حتى يكون لتخرصاته [أكاذيب وأوهام] وزن. بل أراد من مكيدته هذه إثارة غضب المدير فحرمان زملائه المرضى من هذه الحفلات لحاجة في نفسه. وفعلاً نجح في مشروعه الجهنمي، إذ أبطل المدير كل هذه الحفلات، وأصبحت المصحة يسودها الآن سكون رهيب، وشعر المرضى بالسآمة والملل، وأخذوا يضجون بالشكوى”.