رصد خان.. ماضي مُكرر وحاضر متطور

رصد خان..  ماضي مُكرر وحاضر متطور

العدد 732 صدر بتاريخ 6سبتمبر2021

احتجاز مجموعة من الشخصيات مختلفة في أفكارها وهيئتها ومستواها الاجتماعي داخل مكان واحد، وتتبع أثر بقاءهم معًا، هي واحدة من أشهر الثيمات تقديمًا على خشبات المسارح بصفة عامة، وبعروض الفرق التمثيلية للكليات على وجه الخصوص.
فعادة ما تميل الفرق الشبابية لذلك الطرح مع تغيير أسباب الاحتجاز، وعلى مدار أعوام متتالية قُدمت هذه الإشكالية حتى باتت مُستهلكة إلى حد كبير، مما يجعل مقدميها اليوم في مأزق حقيقي، فإذا لم يستطيعوا أن يأتوا بجديد حتمًا لوقعوا في فخ التكرار والنمطية والذهاب لأسهل الطرق وأضمنها وهو “تقديم ما نجح فيه السابقون”.
على غرار هذه الثيمة قدم فريق تمثيل كلية الآداب جامعة عين شمس على خشبة مسرح “كلية البنات” العرض المسرحي “رصد خان” بقيادة المخرج كريم أدريانو، ضمن فعاليات مهرجان “كبرى التمثيل المسرحي لجامعة عين شمس”. 
بداية من الاسم والذي يعتبر هو واحد من أهم مداخل العرض المسرحي، فقد يبدو الأسم قبل المشاهدة غريب يحمل الكثير من التساؤلات، كما إنه لغويًا يعتبر أسم غير واضح المعالم ويسبب حيرة في تفسير مفرداته أهي أسماء أم أفعال؟، فهل “رصد” هو أسم شخص، أم فعل ماضي جاء من “يرصد”، وخان هل هو أسم شخص، أم فعل ماضي جاء من “يخون”، أم الخان أي مكان يرادف “فندق، الحانوت، المتجر”؟
فغموض أسم العرض يعتبر سلاح ذو حدين دائمًا وأبدا، وهذا يعود لكون العنوان هو المدخل الأول والأهم الذي يساهم في جذب المتلقي للذهاب للمشاهدة أو النفور منه، فإذا أثار هذا الغموض البعض، فربما يشتت البعض الآخر بالتأكيد.
أما بعد الدخول للمشاهدة يتضح سبب التسمية الذي يعود للخان أو الفندق الذي يدور فيه الأحداث وهو الفضاء المسرحي الثابت طوال مدة العرض، أما الحدث فيدور حول التقاء 7 أشخاص أقارب من الجد، 5 رجال وامرأتان، يأتون إلى الخان بدعوة من إحداهن، من بينهم العالم، والشحاذ، والعاهرة، والبلطجي، أي كما تم الذكر أن الثيمة الرئيسية تقوم على احتجاز شخصيات مختلفة من كافة الجوانب معًا وتتبع أثر ذلك الاحتجاز عليهم، ولكن تزداد العقدة الدرامية اشتباكًا عندما يتوصلون إلى وصية الجد الأكبر الذي عاشر الشياطين والأبالسة في مقابل الحصول على مال قارون وإدراك كل شىء على وجه الأرض، ونص الوصية يؤكد على أن الأموال ساكنة في الأرض الرابعة، ولا تصعد إلا بدم 4 أشخاص، ومن هذه العقدة تتصاعد الأحداث وتصل لذروتها عند مقدرة أخر أثنين من البقاء بعد قتل 5 منهم، ومن ثم قتل الأخيرة للأخير وتكرار العقدة من جديد ودخول الفائزة الأخيرة بالكنز دائرة شياطين الجد.
أما عن الرصد فهو يعود للتصور الغيبي عن كل كنز مدفون بالأرض بأنه مرصود من الجان، أي أن الجان يقوم بحراسته.
وعلى الرغم من وضوح سبب التسمية، لكن يبقى هناك خلل في إطلاق العنوان الأخير يعود لعدم وضوح الأسماء من الأفعال.
وعن دراما العرض، فجاءت مُقدمة خطين متقابلين يؤثر كل منهما في الآخر، الخط الأول وهو الخط الخاص بالجد الأكبر”أبن غانم” وعن طرق معاشرته للشياطين، يتبع المخرج في هذا الخط التعبير بالدراما الحركية أكثر من الحوار، حيث تمثل الدراما الحركية في أساسها مجالًا هامًا تُطرح فيه العديد من الإشكاليات ولكن عن الطريق التعبير بحركة الجسد لا الحوار المنطوق، وفي ذلك الإطار جاءت الدراما الحركية تتخللها بعض الجمل الحوارية لتعبر عن العلاقة المشوهة التي دخلها أبن غانم مع الشياطين والتي تتناص مع “أسطورة فاوست” في كثير من المناطق، حول رغبة أبن غانم في معرفة المزيد دائمًا مقابل ذلك يفقد حواسه و آدميته ويصبح أثيرًا لشياطينه، ولكن في هذا النطاق وقع العرض في فخ التكرار فلم يأتي بجديد من حيث الدراما الحركية للشياطين بل قُدمت بشكل مائل دائمًا إلى ما أعتدنا رؤيته، وكذلك من أغلب التفاصيل الشكلية وما يتبعه أغلب المخرجين في تقديم هذه النوعية من الشخصيات بالرسم على الأجساد والشعر المبعثر وحركات الجسد الاعتيادية المحفوظة، كما ظهر عدم تمكن الراقصين أكثر من مرة بخاصة في التكوينات الجماعية ووقوف بعضهم على ظهور أرقانهم، أبرزت هذه التكوينات عدم قدرتهم على ضبط الحركة والتمكن منها، وكذلك هو الحال مع الإضاءة التي تمسكت باللون الأحمر نسبة إلى الجن والشر والرغبة وهكذا، أي كانت أغلب مفردات هذا الخط ظاهرة بشكل تقليدي لا مجهود فيها للتطوير، بل منسوخة كما أعتدنا رؤيتها في أكثر من عمل سابق.
بالإضافة إلى كثرة العدد على المسرح دون جدوى، وهذا يعود لكثرة عدد الممثلين في الفريق الواحد من الأساس، فالخط الدرامي الرئيسي يعتمد اعتمادًا كليًا على الأبطال السبع، مما أدى إلى تحويل باقي الأدوار إلى راقصين ومؤدين مرتبطين بالخط الخاص “بالشياطين”، فهذه الكثرة هي من أظهرت عدم تمكن البعض، في حين إنه كان من الممكن الاكتفاء بنصف العدد وبالفعل سيصل المراد من هذا الخط بلا شك. 
ولكن على الرغم من ذلك فظهر في أجزاء أخرى حرفية المخرج حول الربط بين الخطين من حيث التنفيذ وربطهما ببعضهما البعض عن طريق ضبط دخول وخروج الممثلين ودمج المجموعتين معًا في أكثر من مرة، فالتعامل مع فضاء ثابت وخطوط درامية متطورة أمر ليس بهين من حيث التنفيذ، لأنه يتطلب مجهود مضاعف حتى لا تختلط الأوراق ببعضها البعض ويظل الفصل بينهما قائم حتى بعد أن يتم الدمج بشكل مرئي لإيصال بعض الأفكار الخاصة بربط الحاضر بالماضي.
أما عن الخط الثاني الخاص بالأبطال السبعة، وهو الخط الأكثر جهدًا من حيث التنفيذ والذي قام فيه المخرج بتوجيه شخصياته بدقة على عكس الدراما الحركية التي بدت غير متزنة بعض الشئ، فالأداء التمثيلي للشخصيات الرئيسية كان منضبطًا إلى حد كبير، ولكن على الرغم من ذلك ظهر به خلل فادح من حيث تسكين الشخصيات، فهناك البعض من الممثلين قاموا بتقديم أدوار هم ليسوا أهلًا لتقديمها في الوقت الحالي بسبب ضعف إمكانياتهم إلى الآن، وعدم تمكنهم من التواجد على خشبة المسرح لفترات طويلة، فبدا على بعضهم الإرهاق وتحشرج الصوت وضياع تفاصيل الشخصية، وهذا يعود في الأساس لاختيار المخرج لكل من يقوم بدور معين، فنص مثل هذا كان يجب الوعي به أكثر من ذلك كثيمة شهيرة مُكررة وبالتالي كان يجب على صُناعه أن يقدموا الخط الخاص بابن غانم بشكل أكثر تطورًا مما ظهر عليه لأنه وقع في فخ النمطية والاستسهال، وأن يعي أيضًا المخرج حجم الأدوار الرئيسية فإن لم يكن جميع الممثلين قادرين على تحمل هذه المساحات مثلما ظهر في العرض، فهذا يعود لعدم وعيه الكافي بقدرات فريقه، ولكنها في النهاية تجربة شبابية بها محاولات جادة لكن ينقصها الخبرة وعدم التمكن وحنكة التطوير.


منار خالد