العدد 729 صدر بتاريخ 16أغسطس2021
على مسرح مركز الجيزة الثقافي عرضت مسرحية “هن” للمخرجة نور إسماعيل في الفترة من 14- 17 /8 / 2021. العرض مدته 45 دقيقة، ويدور حول ختان الإناث وخطورته، ليس على الفتاة فقط بل على المجتمع كله. من خلال عرض قائم على الحكي والتداعي الحر من ثلاث فتيات يمثلن أعمارا مختلفة: الأولى تمثل الطفلة، والثانية الفتاة، والثالثة المرأة الناضجة. الطفلة ترقص بانطلاق وحيوية حتى تتعرض للخديعة من أمها والرجل الذي يجري لها العملية. فتفقد الشعور بالأمان والانطلاق. الفتاة أيضا تعرضت لنفس الخديعة وترى مرآتها الطفلة فلا تستطيع أن تكوّن أصدقاء أو ترقص وتنطلق كما كانت من قبل. إلى أن يتصاعد الحكي بالمرأة المتزوجة التي يتهمها زوجها بالبرود الجنسي ويهجرها بعد شهر. فيتهمها الناس بالعهر. تلد طفلة صغيرة تأخذها أمها خلسة وتجري لها الختان أيضا فتموت الطفلة.
استخدم محمد فتحي ديكورا عبارة عن أكياس بلاستيكية ملونة بلون رمادي، أكياس أخرى تقف وراءها كل فتاة حين تتحدث إلى الجمهور كأنه حاجز نفسي يفصل كل شخصية عن الحياة الحقيقية والآخرين. فالفتيات الثلاث صرن أشباحا لا وجود لهن في الحياة. تم استخدام موتيفات بسيطة ككرسي ودمية صغيرة تلهو بها الطفلة. الثلاث فتيات يرتدين فساتين بيضاء على أن تلطخ ببقع دم بعد التعرض لعملية الختان دليلا على الأذى الجسدي والنفسي. بينما ترتدي المرأة الرابعة (أفنان شاهر)، التي تؤدي الدراما الحركية في عمق المسرح، فستانا أسمر. هي أحيانا تمثل الرجل حين ترقص مع المرأة الناضجة، وأحيانا الأم أو المجتمع بعاداته البالية الضارة مع الثلاث فتيات. فيدل الأسود هنا على الصرامة والقسوة وعقاب على ذنب لم يًرتكب.
الموسيقى لم تظهر إلا نادرا، واعتمدت المخرجة بشكل كبير على صوت ارتطام الهون والمقصات بيد المرأة ذات الفستان الأسود. وضرب الفتيات لرؤوسهن وصدورهن كنوع من الاحتجاج أو الرفض للأذى البالغ.
ما القهر؟ أن تظلم إنسانا وتجبره على شيء يؤذيه. الأصعب هنا في العرض أن الأم متمسكة بعادات بالية ومؤذية لكل من الطفلة والفتاة والمرأة الناضجة. فالعرض يتصاعد من الطفلة التي تُخدع بحجة الفحص الطبي. ويخدعها الرجل بالحلوى المحببة لديها ويعدها ألا يؤذيها قائلا “فقط ستكونين مهذبة”. إلى الفتاة التي تعرضت للختان وتسبب لها في أذى نفسي بالغ جعلها منطوية جالسة بلا أصحاب، إلى المرأة المتزوجة التي تخسر حياتها الأسرية وابنتها بسبب الختان بل وتنهار في النهاية. هنا يناقش العرض أن الختان تتم عملياته بدعوى الطهر والحفاظ على الشرف، لكنه يسبب العكس وهو الألم اللا نهائي والعهر في النهاية.
لعبت المخرجة نور إسماعيل على مشاعر الجمهور، فمنذ البداية وظفّت الدراما الحركية بالمرأة ذات الفستان الأسود (أفنان) تجلس عاجزة في عمق المسرح، وأحيانا تدور موجهة يديها لأعلى بزاوية قائمة دليلا على تكرار المعاناة والمواجهة التي لا تُفضي إلا لمزيد من الألم. تمسك المرأة أيضا بهون وتدقه لتوحي بالقهر، وتدق بمقصين فوق بعض بشكل إيقاعي. في مشهد رائع تحاول الطفلة الصغيرة بعد تعرضها للختان أن ترقص كما كانت تفعل من قبل، فتسقط ثلاث مرات، فصارت عاجزة عن الرقص والانطلاق، نقلت الفتيات الثلاث لنا من خلال الإيماءات والتعبير الجسدي، حالة من النواح والنحيب والاحتجاج.
في مشهد آخر، تجلس المرأة المتزوجة على الكرسي. لكنها تقف بقدم على ظهر الكرسي وتقع من فوقه رمزا لسقوطها وانهيارها. لكني أرى نزول الطفلة والفتاة تتحدثان للجمهور أنه لم يضف جديدا للعرض. وحديث المراة الناضجة حاملة لكيس كأنه طفلتها الميتة مع الجمهور، أيضا كان فيه نوع من المزايدة. فالمخرجة جعلت الجمهور متورطا في الحدث منذ بداية العرض من خلال توجه الممثلات للجمهور أثناء العرض دون الحاجه لاشتباكهن أسفل خشبة المسرح.
العرض من تأليف أميرة شبانة، وكيروجرافر أحمد مرعي، وإخراج نور إسماعيل.